شباط.. نبوغ أدبي وصحفي مبكر على الساحل الشرقي

عبدالله المدني
aaaelmadani@gmail.com

2018 / 9 / 28

«حين تراه وقد أربى على العقد الثامن تهابك قسماته ويأخذك من قريب وبعيد بعيون قد أضناها السهد وطول المطالعة فاستعان بنظارات تزداد سماكتها كلما تقدَّم العمر! وتجد فصول الثمانين خريفاً ونيّف قد تركت آثارها على تجاعيد تنبؤك بتاريخ دُوّن على صفحاتها! تقلبتْ به الحياة حتى عركته تلك السنون وعركها! وشابت الذوائب منذ زمن فلم يبق للسواد بقيّة حين حمل هموم القلم فزاحم الأبيض مفرقه دون خجل! وأصبحتْ عصاه لا تفارقه يتوكأ عليها دون أن تكون له فيها مآرب أخرى».
بهذه الكلمات اختزل الكاتب السعودي زياد السبيت في جريدة «الجزيرة» (5/‏‏11/‏‏2016) صورة الأديب والصحفي السعودي الكبير عبدالله بن أحمد شباط قبل نصف عام تقريباً من انتقاله إلى جوار ربه بمدينة الخبر بتاريخ 25 مايو 2017.
«حين تراه وقد أربى على العقد الثامن تهابك قسماته ويأخذك من قريب وبعيد بعيون قد أضناها السهد وطول المطالعة فاستعان بنظارات تزداد سماكتها كلما تقدَّم العمر! وتجد فصول الثمانين خريفاً ونيّف قد تركت آثارها على تجاعيد تنبؤك بتاريخ دُوّن على صفحاتها! تقلبتْ به الحياة حتى عركته تلك السنون وعركها! وشابت الذوائب منذ زمن فلم يبق للسواد بقيّة حين حمل هموم القلم فزاحم الأبيض مفرقه دون خجل! وأصبحتْ عصاه لا تفارقه يتوكأ عليها دون أن تكون له فيها مآرب أخرى».
بهذه الكلمات اختزل الكاتب السعودي زياد السبيت في جريدة «الجزيرة» (5/‏‏11/‏‏2016) صورة الأديب والصحفي السعودي الكبير عبدالله بن أحمد شباط قبل نصف عام تقريباً من انتقاله إلى جوار ربه بمدينة الخبر بتاريخ 25 مايو 2017.
نعم، كان شباط بتلك الصورة.. كهلاً، يلبس نظارات سميكة.. ويستند في سيره وقيامه وقعوده على عصاة لا تفارقه. لكنه، بطبيعة الحال، لم يكن كذلك في سنوات صباه وشبابه التي أمضاها متنقلاً ما بين مسقط رأسه في قرية «المبرز» الأحسائية التي أبصر النور فيها في سنة 1933 والقرى المجاورة التي شهدت لهوه الطفولي قبل أن يترك الأحساء بكاملها ليبدأ مشوار التعليم والعمل الذي فرض عليه هو الآخر التنقل لسنوات طويلة من عمره في ربوع الساحل الشرقي من وطنه طالباً، وموظفاً حكومياً، وصحفياً، وأديباً ومؤلفاً، ورائداً من رواد الكلمة والثقافة المتميزين بالانفتاح وحمل هموم الوطن والمواطن.
لقد كان شباط بحق واحداً من أعلام الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية.. ونقول الساحل الشرقي هنا عن قصد وتعمد لأن الرجل، الذي ظل قلبه على الدوام ينبض بحب الأحساء حيث مكان الميلاد والنشأة ومرابع الصبا واللهو وصفوف الدراسة الأولى، كان في الوقت نفسه يسري في شرايينه حـُب الدمام وصفوى والقطيف حيث درس وتعرف على أصدقاء عمره، وحـُب الخـُبر حيث عمل وأقام وتزوج وتثقف وأضاف إلى معارفه رجالات وشخصيات لاحصر لها، ناهيك عن أن الخـُبر هي التي شهدت أوائل معاركه الصحفية وهي التي أنجبت له أحد آثاره الخالدة وهي صحيفة «الخليج العربي».
ولد شباط، الذي تنتسب عائلته إلى آل ربيعة من بني خالد كما قلنا، في «المبرز» التي كانت وقت ميلاده مجرد بلدة خضراء صغيرة تعاني من تخلف كبير في وسائل الحياة العصرية.. فلا طرقات معبدة ولا مياه نظيفة ولا كهرباء تنير البيوت، دعك من وسائل الاتصال والمواصلات المريحة. في ظل هذه الأجواء المعيشية الصعبة أنهى الرجل مرحلة دراسته الابتدائية وسط فرح عارم. وكان من أسباب الفرح آنذاك هو أن حامل الشهادة الابتدائية بإمكانه، إنْ أراد، أن يدخل سلك التعليم كمعلم براتب جيد بمقاييس ذلك الزمن. قال شباط في حوار مع مجلة الواحة السعودية (11/‏3/‏2011): «أراد والدي أن يدخلني المدرسة الابتدائية. إلا أن سني لم تكن تؤهلني لدخول المدرسة فدخلتُ الكتّاب، وهربتُ أكثر من مرة، ولكن عندما سُجلت في المدرسة الابتدائية درستُ بجد رغم طفولتي، حتى أنني قفزت من الصف الأول إلى الثالث، ومن الثالث إلى الخامس، وكان عدد طلاب الصف الخامس لا يزيدون عن خمسة طلاب فلم يكن ذلك ما يستدعي فتح الصف السادس، فأعدتُ السنة في نفس الصف، وفي عام 1369هـ (1949م) تكررت المأساة ولم يفتح الصف السادس في المبرز فاضطررت إلى الالتحاق بمدرسة الهفوف الأميرية لإتمام المرحلة الابتدائية، فكنت أذهبُ إلى الهفوف صباحاً في إحدى سيارات الأجرة، وأعود في المساء بنفس الطريقة حتى تجاوزتُ هذه المرحلة.
وما أنْ نجحتُ في هذه المرحلة حتى التقطني الشيخ عبدالعزيز التركي معتمد المعارف آنذاك مع ثلة من زملائي للعمل في سلك التعليم».
وهكذا، تم تعيينه مدرساً بمدرسة الدمام الأولى التي كانت تسمى آنذاك «المدرسة الأميرية» أي الحكومية، ولم يكن بها سوى مدرس واحد (عبدالرزاق ابن الشيخ حمد بوبشيت)، قبل أن تزودها وزارة المعارف بمدرس ثانٍ (عبدالرحمن السنيدي) ثم مدرس ثالث (عبدالله بن صالح الخليفي)، ثم بمدير منتدب للمدرسة هو الشيخ إبراهيم حكيم، وذلك طبقاً لما ورد في مجلة «الاقتصاد» الصادرة في الدمام (6/‏7/‏2017).
شكل انتقال شباط من المبرز إلى الدمام الانعطاف الحقيقي الأول في مسيرته. ففي الدمام عاش حياة المدينة من بعد حياة القرية، وتعرف على مباهج المدن ووسائلها العصرية ــ رغم محدوديتها آنذاك ــ وكوّن صداقات مع أناس من خارج دائرة الساحل الشرقي، الأمر الذي توسعت معه مداركه وثقافته ومعارفه.
بعد سنة واحدة من عمله كمعلم بمدرسة الدمام الأولى، تمّ نقله للتدريس بمدرسة صفوى القريبة من الدمام، حيث كانت وزارة المعارف قد افتتحتْ بها مدرستها الأولى التي كانت عبارة عن فصل واحد مفروش بالحصير داخل «حوش» منزل مكون من غرفتين. على أن شباط لم يمضِ بمدرسة صفوى سوى سنة واحدة، نــُقل على إثرها إلى القطيف للتدريس بمدرسة القطيف الأولى التي كانت أفضل تجهيزاً سواء لجهة الفصول واحتياجاتها أو لجهة الكادر التعليمي، ناهيك عن أنّ القطيف نفسها كانت موطن عدد من الأسماء اللامعة في ميدان الأدب القريب إلى نفسه، من أمثال محمد سعيد الجشي ومحمد سعيد الخنيزي ومحمد المسلم والشيخ عبدالحميد الخطي والشيخ عبدالله بن علي الخنيزي وغيرهم. ومما لاشك فيه أن شباط استفاد كثيراً من كل هؤلاء ومن أجواء القطيف الأدبية في خمسينات القرن العشرين حينما كانت تلك الأجواء مفعمة بالنشاط الثقافي والحس الوطني، وتبادل العديد من المجلات والصحف والكتب الصادرة في البحرين والكويت والعراق ولبنان ومصر.
في هذه الفترة يقرر شباط الاستقالة من سلك التعليم ليلتحق بوظيفة كاتب في مصلحة العمل والعمال بالدمام. غير أن هذه الوظيفة المتواضعة لم تلبِ طموحاته الكبيرة، فقرر في عام 1952 ان يسافر إلى مكة المكرمة، مقر مدرسة تحضير البعثات، عله يحظى ببعثة دراسية إلى الخارج تزيده علماً، وبالتالي تمنحه منصبا يليق به، إلا أنه وصل إلى مكة ــ طبقاً لحواره مع مجلة الواحة (مصدر سابق) ــ بعد إغلاق باب القبول.
هنا لم يجد شباط أمامه سوى العودة إلى الأحساء للالتحاق بمعهدها العلمي «الثانوي» الذي كان وقتئذ تحت إدارة الأديب والشاعر والمؤرخ السعودي المعروف الشيخ عبدالله بن خميس. بقي شباط في هذا المعهد لمدة عامين تتلمذ خلالها على يد بن خميس وارتبط معه بعلاقة أدبية وثقافية وثيقة من خلال عملهما معا في النادي الأدبي التابع للمعهد والذي كان وقتها شعلة من النشاط، بدليل ما كان يصدره من صحف حائطية ثرية بالمعارف مثل صحيفة حملت اسم «الضياء الجديد»، ناهيك عن قيام النادي بإصدار مجلة «هجر» التي صدر العدد الأول منها في سنة 1956، وكانت مكونة من 43 صفحة طبعت في مطابع المصري ببيروت، علماً بأن الشيخ بن خميس ترأس تحريرها فيما كانت سكرتارية التحرير من نصيب شباط.
بعد أن أنهى صاحبنا امتحانات السنة الثانية الثانوية بمعهد الأحساء العلمي هجر الدراسة لأنها على حد قوله لم تعجبه طريقتها، علاوة على أن أستاذه وصديقه الشيخ بن خميس كان وقتئذ قد نـقـُل للعمل بالرياض. خطوته التالية كانت العودة إلى الدمام حيث عمل سكرتيرا لمجلسها البلدي لمدة لم تزد عن نصف عام. وأثناء تأديته لمسؤوليات هذا المنصب اشتعل الحنين في جوفه للعودة إلى مقاعد الدراسة، فسافر إلى القاهرة في عام 1950 لنيل دبلوم في الصحافة، فكانت تلك من المحطات المهمة في مسيرته.
وما بين هذا وذاك، مارس الكتابة الصحفية التي تسربتْ إلى روحه وكيانه منذ عمله في صحف الحائط المدرسية ومجلة «هجر». فراسل جريدة «أخبار الظهران» الصادرة في الدمام، ومجلة «الإشعاع» الصادرة في الخــُبر، وجريدة «البحرين» البحرينية ومجلة «الهدف» العراقية ومجلة «القلم الجديد» الأردنية ومجلة «السمير» التي كان يصدرها الشاعر المهجري إيليا أبوماضي من نيويورك. علاوة على كل هذا تقدم شباط في عام 1955 إلى الجهات المسؤولة بطلب لإصدار مجلة ثقافية بالأحساء تحت اسم «الخليج العربي»، فتم منحه الترخيص المطلوب وصدرتْ المجلة بالفعل تحت إدارة «إبراهيم بن عبدالمحسن العبدالقادر» وسكرتارية «عبدالعزيز بن سليمان العفالق»، إلا أنها توقفت عن الصدور بعد عددها السادس لأسباب مالية معطوفة على سوء التخطيط وتعدد مصادر القرار وقلة الخبرة بالعمل الصحفي، علماً بأن شباط اعتمد في طباعة مجلته هذه على المطبعة السعودية التي كان قد أسسها الشاعر المعروف خالد الفرج بالدمام. وفي نهاية عام التوقف عن الصدور، أي سنة 1955، التقى شباط بـ«محمد أحمد فقي» الذي كان آنذاك يترأس جهاز مرور الظهران ودارت بينهما نقاشات حول «مجلة الخليج العربي» وأسباب توقفها وكيفية إحيائها والتغلب على عثراتها، فتم الاتفاق بين الرجلين على جملة من الأمور منها: إعادة إصدار «الخليج العربي» من مدينة الخــُبر كصحيفة أسبوعية على نفقة محمد أحمد فقي على أن يكون الأخير هو رئيس، تحريرها وأن يكون شباط مديراً للإدارة. وفي هذا السياق كتبت مجلة «الاقتصاد» (مصدر سابق): «وبالفعل تم استئجار مكتب بعمارة الكعكي بالخبر (في الجزء الجنوبي من شارع الملك سعود)، وصدرت المجلة بشكل جديد، وكتب لها النجاح بعد أن تطور أسلوب التوزيع الذي ارتفع من ألف نسخة إلى عشرة آلاف نسخة. وفي تلك الآونة ظهرت مطابع الرياض التي كان يشرف عليها الشيخ حمد الجاسر والذي قدَّم المساعدة والجهد وكان لديه بُعد نظر، فقام بطبع المجلة لمدة عام كامل، ووضع كل إمكانات مطابع الرياض تحت تصرف إدارتها».
ولعل من دلائل نجاح هذه المطبوعة الفريدة في المنطقة الشرقية، والتي استمرت في الصدور حتى عام 1961، أن التاجر الجداوي «عبدالعزيز فرطوشي» قدم دعماً لها في صورة إعلانات لعدد من المعلنين شريطة أن تكون الإعلانات ملونة. ونظر لعدم وجود مطابع ملونة في المنطقة الشرقية آنذاك، تم الاتفاق على نقل الإدارة والتحرير والطباعة إلى جدة. غير أن شباط أعادها في مرحلة لاحقة إلى الخبر بعد أن عثر على المطابع الملونة المناسبة في البحرين.
لقد كانت تجربة شباط مع «الخليج العربي» تجربة مثيرة بكل المقاييس وجسدت كل ما يحيط بعالم الصحافة من متاعب. وحول هذا سجل عنه قوله: «لقد استطاعت (الخليج العربي) في ذلك الوقت أن تلقي حجراً في مياه الثقافية التقليدية الراكدة آنذاك، وقد أدّت دوراً بارزاً في خدمة المجتمع، وهو دور لا تستطيع أن تلعبه لو أُتيح لها الظهور من جديد لأنها ستكون من يسابق السّيارة وهو يتوكأ على عكّاز».
وبينما كان شباط غارقاً في عالمه الصحفي المرهق، يكتب وينشر بيد، كانت يده الأخرى تساهم في بناء الوطن من خلال العمل الحكومي الخدماتي. ففي عام 1962 وقع اختيار الأمير عبدالعزيز بن سعود بن جلوي (الابن الأكبر لأمير المنطقة الشرقية الأسبق سعود بن عبدالله بن جلوي) على شباط ليكون مساعدًا للشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الشعوان رئيس بلدية مدينة الخبر التي كانت وقتذاك تشق طريقها بخطى ثابتة نحو العلا بعد اختيارها من قبل شركة أرامكو لتكون المدينة المركزية لإمدادها بمختلف الخدمات. لقد وجد شباط في هذه الوظيفة فرصة عمره ليقدم شيئا لمدينة أحبها وعشقها منذ اللحظة الأولى التي وطئت قدماه أرضها، فقبل التكليف دون تردد، وعمل بتفانٍ وإخلاص حتى سنة 1964، وهي السنة التي تم فيها نقله إلى المنطقة المحايدة كرئيس لبلديتها قبل ضم بلدية الوفرة لدولة الكويت وضم بلدية الخفجي للسعودية.
المعروف لدى سكان الخبر والمنطقة الشرقية أن شباط دخل في معارك مع الشعوان قبل أن يصبح مساعدا له. إذ كان يخصص مقالاته في «الخليج العربي» لتوجيه نقد مهذب بعيد عن الإسفاف للشعوان بحجة البطء في تنفيذ بعض المشاريع البلدية، فكان الشعوان يرد قائلاً إن العمل الحكومي ليس كالعمل الخاص لأنه مرتبط بميزانيات مخصصة واعتمادات وتشريعات معينة وتواقيت مبرمجة لا يمكن تجاوزها. وقد اعترف شباط لاحقاً في مقال له بجريدة اليوم (11/‏6/‏1988) أنه كان يمثل وقتذاك «فورة الشباب وحماسه واندفاعه» فيما كان الشعوان يمثل حكمة الشيخ الموازن بين الماضي والمستقبل بميزان التجربة، مضيفاً «كنت أظن أن رئيس البلدية يستطيع أن يطلب فيعطى ويأمر فيطاع، أما هو فكان يعلم تمام العلم أنه لا يستطيع أن يأتي بأي عمل إلا بموجب أنظمة وتشريعات وأوامر صرف وقبض في البلدية كما في أي مؤسسة حكومية».
ومن معاركه الأخرى، معركته مع شركة كهرباء الخــُبر والتي كتب عنها المؤرخ والباحث محمد عبدالرزاق القشعمي في جريدة الجزيرة (30/‏5/‏2005) قائلاً: نجد الشباط يكتب وينشر في جريدته (الخليج العربي) «باسم مستعار هو (الهجري) ليكتشف بعد أن زودت شركة كهرباء الخبر الجريدة بمشروع ميزانيتها، أن الميزانية المرسلة وهمية غير الميزانية الحقيقية. فينشر الميزانيتين لتثور ثائرة المسؤولين وليناصبوه العداء وليضعوا العراقيل أمامه حتى لا يطبع جريدة الخليج في المنطقة لينتقل بها بعد ذلك من المطابع السعودية بالدمام والتي أسسها المرحوم خالد الفرج قبيل وفاته 1374هـ، الى مطابع الرياض حيث الشيخ حمد الجاسر ويتابع طباعتها بحماس الطالب وقتها معالي الدكتور حمود البدر أمين عام مجلس الشورى سابقاً ثم تنتقل إلى مطابع الأصفهاني بجدة حيث الألوان والطموح لصدورها مرتين في الاسبوع».
في عام 1968 يقرر شباط التقاعد من العمل الحكومي، لكن دون التقاعد من العملين الإعلامي والأدبي. ففي ذلك العام تفرغ الرجل لأعماله الخاصة التي شملت إنتاج الإعلانات التلفزيونية من خلال مؤسسة أطلق عليها اسم «هجر»، واستمر كذلك حتى تاريخ وفاته، مخصصا بعض الوقت بين الفينة والأخرى للكتابة في الصحف والمجلات المحلية، وإلقاء المحاضرات في المنتديات الأهلية. ومن الأمور الأخرى التي انشغل بها شباط في فترة تقاعده الأدب والتاريخ. فالعمل الإعلامي من وجهة نظره ــ كما قال في حواره مع مجلة الواحة (مصدر سابق) ــ سببه أنه لا يجيد مهنة أخرى، والعمل الأدبي سببه أنه نوع من الإدمان اللذيذ.. «لقد اتخذتُه حرفة، وهي حرفة من لا حرفة له. ومن احترف حرفة عشقها وتفانى في عشقها، وإن كنتُ أحسُ من نفسي التقصير في هذا المجال والعمل التأريخي».
وحينما سأل شباط ذات مرة عن الفرق بين الماضي والحاضر لجهة المتناقضات الاجتماعية والاختلاف في الرأي والتباين الثقافي والفكري، كان رده الآتي: «في الجيل السابق كان التلاقي وتلاقح الآراء حتماً لا مفر منه، وإنْ حصل اختلاف فإن ذلك الاختلاف يمكن أنْ يعالج بالحوار الهادف إلى بيان الحقيقة المجردة لا الحقيقة التي ينظر إليها من طرف واحد. وإن كان كل إنسان مجبولاً على حب الغلبة والانتصار، سواءً في ميدان الكلمة أو الاقتصاد أو الحرب، إلا أن الفكر النيّر وحسن النوايا دائماً تحول دون الاصطدام. واليوم تفتحت أبواب من الممارسات السيئة والحسنة مما لا يصيبه عدد ولا يحيط به فكر فأصبح الإنسان جزءاً من آلة تتحرك كما يُراد لها من قبل دفة التوجيه العالمية، فتحوَّل إلى سباح في لجّة متلاطمة الأمواج لا يدري أين يتوجه به الموج، وعلى أي شاطئ ترميه الرياح».
للراحل عبدالله شباط مؤلفات متنوعة تجاوز عددها العشرين كتابا منها: «أبو العتاهية»، «أدباء من الخليج»، «مدينة الخبر»، «صفحات من تاريخ الأحساء»، «الأحساء.. أدبها وأدباؤها المعاصرون»، «أحاديث بلدتي القديمة»، «آداب العبادات والمعاملات»، «الأصداء في وادي عبقر»، «شخصيات من التاريخ»، «الخبر واجهة الشرقية»، «آفاق خليجية»، «الطرائف الأدبية الحديثة»، «أيام وليال»، إضافة إلى بعض القصص مثل: «حمدونة»، «ليلة أنس»، وكتاب عن الشيخ عبدالله بن علي العبدالقادر تحت عنوان «الفقيه الشاعر» وكتابا عن خالد الفرج بعنوان «شاعر الخليج»، وغيرها.
جرى تكريمه في الأول من أكتوبر 1998 من قبل «مركز الأمير سلمان الاجتماعي» بالرياض مع كل من الأديب الشاعر حسين عرب، والعلامة الشيخ حمد الجاسر والأديب الشاعر عبد الله بن خميس، والأديب عبد الكريم بن جهيمان، والشيخ الأديب عبد العزيز التويجري، كما تم منحه وسام الملك عبدالعزيز.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن