الركود الطويل:متلازمة الاقتصاد الرباعية/الجزء الثاني

مظهر محمد صالح
mudher.kasim@yahoo.com

2018 / 8 / 29

الركود الطويل:متلازمة الاقتصاد
الرباعية/الجزء الثاني
مظهر محمد صالح
2- السكان والادخار ومعدلات الفائدة
حاول الاقتصاديون تفسير الركود الاقتصادي الذي يمكن ان يستمر لعقود عديدة وتبين ان جوهر المشكلة يكمن في نقص السكان ولاسيما من هم في سن العمل.وهذا ما عبر عنه مؤسس علم الاقتصاد الكلي الحديث جون مينارد كينز في العام 1937عندما قال:ان تحول السكان من التزايد الى التناقص يعد كارثياً . فظاهرة تزايد السكان لمصلحة كبار السن تسمح بطبيعتها خفض معدلات النمو الاقتصادي وانخفاض معدلات الفائدة القصيرة الاجل معاً عبر قنوات اهمها التطور الحاصل في ظاهرة تنامي وارتفاع معدلات الادخار. فالافراد هم اكثر ميلاً للاقتراض بكثافة عالية في بداية اعمارهم في سن العمل.إذ عادة ما تستخدم الاموال في الصرف لمواجهة نفقاتهم التعليمية و متطلباتهم المنزلية الاستهلاكية وغيرها .ولكن مع تصاعد اعمار السكان في سن العمل وبلوغهم منتصف العمر الوظيفي صعوداً باتجاه مرحلة التقاعد فان ظاهرة الادخار تأخذ بالتصاعد كوسيلة تحوط لمرحلة التقاعد التي تقتضي الاستعداد للانفاق و الصرف المستقبلي لسد احتياجات الشيخوخة .ولكن سياخذ الركود الاقتصادي مساره الطويل قبل ان يبدأ حقا في الزوال والعودة الى الانتعاش. فقد تولت جامعة كامبردج البريطانية والمعهد العالي في جنيف منذ عامين تحديداً التوجه نحو التحليل الاقتصادي لهذه الظاهرة .حيث قام الاستاذ كوئين تيولنكس باجراء الحسابات على الكثير من الاقتصادات والتي تم نشر نتائجها في كتابه الصادر في العام 2014 مع زميله بالدوين في المعهد العالي في جنيف و الموسوم : الركود الطويل: حقيقته واسبابه وعلاجه.اذ لاحظ العالمين ان ثمة علاقة بين تصاعد الادخارات و التركيبة العمرية للسكان في دول مختلفة .فكلما كان السكان في نمو مستمر واعداد المتقاعدن اقل في النسبة ،فان الاتجاه نحو الادخار يكون في مستوى اقل والعكس عندما تصبح شريحة المتقاعدين لها الوزن الاكبر حيث يبلغ عندذاك الادخار ازدهاره .فعلى مستوى الولايات المتحدة كانت نسبة الادخار المرغوب الى الناتج المحلي الاجمالي في العام 1970 هي(سالب 228بالمئة) يوم غدا القطاع العائلي مقترضاً لاغراض الانفاق الاستهلاكي وهو يتعثر بالقليل من المدخرات.وان تفسير هذه الظاهرة ينطلق من تصور محدد بانه طالما يعتقد الافراد ممن هم في سن العمل بان مسيرة الحياة العملية ستمكنهم من توسيع مداخيلهم في المستقبل ،فان قدرتهم على تسديد ديونهم وبناء مدخراتهم لسد احتياجاتهم المالية لمرحلة ما بعد التقاعد لابد من ان تشهد ارتفاعاً كبيراً. وهكذا وجد كوئين تيولنكس وزميله ان نسبة الادخار الى الناتج المحلي الاجمالي في الولايات المتحدة قد تغيرت الى(موجب 52 بالمئة) في العام 2010 مع تعاظم كبار السن في تركيب السكان بعد ان كانت في العام 1970 بواقع(سالب228 بالمئة) كما اسلفنا.كذلك الامر في اليابان والمانيا والصين وللمدة نفسها،حيث تغيرت نسبة الادخار الى الناتج المحلي الاجمالي في اليابان من(سالب 176بالمئة)الى (موجب 119 بالمئة)وتغيرت في المانيا من(موجب 198 بالمئة)صعوداً الى (موجب 325بالمئة) وفي الصين من(سالب 42 بالمئة ) الى( موجب 86 بالمئة).وهكذا تزامنت جهود بعض الاقتصادات التي شهدت معدلات ادخار عالية مع تعاظم نسبة المتقاعدين او كبار السن في تركيب السكان لتُصدم بقدرات استثمارية منخفضة يرافقها انخفاض حاد في نشاط المالية العامة ولجوء الشركات الكبرى الى تبني ظاهرة الاكتناز النقدي السائل وشيوع اللامساواة (التي تجعل معظم الناتج المحلي الاجمالي في ايدي المدخرين الاغنياء) والتي ادت جميعها الى تدهور معدلات الفائدة التوازنية( اي معدلات الفائدة القادرة على جعل الادخار المرغوب يوازي الاستثمار المرغوب ).وبهذا فان (الادخار الموجب العالي) الذي ساد في مراحل نقص الاستثمارات وتدني النمو الاقتصادي اخذ يتزامن مع (معدلات فائدة حقيقية سالبة قصيرة الاجل) يظهرها تعاظم المدخرات و يصاحبها ركود مستمر تتخبط فيه البلدان الغنية حتى اللحظة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن