خجي وسيامند: الفصل السادس 2

دلور ميقري

2018 / 8 / 20

متعزياً عن فشل مهمته في مراكش، جنحَ الشابُ قليل الخبرة والتجربة إلى تضخيم خبر المرأة ذات الثوب الأحمر. ربما راقت له الإقامة في المدينة، وأراد أن يعوّض المهمةَ العاثرة بأخرى تتصل بها واقعاً أو خيالاً. أما أفراد الأسرة المُحسنة، الذين وجدت " تينا " نفسها بينهم في آخر سهرة ستقضيها في الفيللا، فإن ردة فعلهم إزاء الخبر، المتسمة أيضاً بالخراقة، كانت قبل كل شيء من واردات الحالة النفسية لكل منهم. ولكن ماذا يأمل هؤلاء من اجترار الخبر على طريقة الشرقيين، المؤثرة للقال والقيل، غير التغطية على مشاكلهم الشخصية؟
" خدّوج "، بدت أكثر الجميع حماساً وكانت تتكلم وتقاطع طوال وقت السهرة. ولأن السيّدة السويدية وصفتها بالتمثيل، ردّةُ فعل الأسرة على الخبر، كان لا بد أن تراقب عن كثب حركات ابنتهم الصغرى هذه. لقد أدت الابنة دَورها مثل المرأة المتكفلة طفلاً، في مسرحية " دائرة الطباشير القوقازية "، آنَ ظهور الأم الحقيقية ومطالبتها به. وإنه دورٌ شبيه بآخر سبقه، وذلك حينَ اختطفت ابنةُ الخالة خطيبَها العراقيّ: " كم تأثرتُ حدّ ذرف الدموع، لما استأذنت مني نجيمة قبيل عقد قرانها وكأنما كان ذلك حائلاً يمنع إتمامه! "، هكذا عبّرت حينذاك لمن يحيطها من الأهل. الدور الجديد، لعلها أجادته أكثر بالنظر لوجود البعض بين الجمهور: " سيامند "؛ وكان ما ينفك يُنظر إليه بوصفه، " الخطيب المحتمل "، على الرغم من حالة الجفاء بينهما مؤخراً. وكان هنالك أيضاً " آلان "؛ المنافس المرجّح بنظراته المتولهة، المواربة.
وكانت " غزلان " الجميلة، المتمتعة بموهبة المشاكسة بقدر موهبتها الفنية، تتعهد غالباً مجادلة ابنة حميها تلك. لاحت سعيدة بالخبر، كونه مسماراً جديداً يُمكن أن يضاف إلى نعش حياتها الزوجية غير المتجانسة. فإنها مناسبة جديرة بالاحتفال حقاً، إعادة نبش سيرة امرأة أخي " حمو " الأولى، المعرَّفة بسيرتها المشنوعة علاوة على تخليها عن ابنتها. وكان على الضيفة أن تبتسم في سرها، بسبب تذكّرها مَن تدعوه، " عبد "، الذي كان قد حلل ذات مرة شخصيةَ كنّة الدار على طريقته، المختلطة فيها الطرافة بالفلسفة: " بالوسع القول أنّ هذه الاندفاعات العصبية، المتسم بها مسلكها، مُحالة إلى الجانب الجنسيّ في شخصيتها، المجروح بشكل بالغ نظراً لكونها مراهقة بعدُ حينما أجبرت على الزواج بشخص يكبرها بكثير. وأخالُ أن ليلة زفافها كانت صدمة شديدة لها، أثرت على مجمل علاقتها بشريك حياتها. هذا الشخص الشحيح والبالغ الحرص، كان قد رفض، مثلما نمّ إليّ، أن يقيمَ حتى حفلة عرس عائلية. والعرس، لو تعلمين، يُعد من أولويات كرامة المرأة المغربية! ".
ثم يُمكن إضافة " سُمية " إلى أولئك النسوة، المنشغلات بالخبر على خلفية شخصية. لم تكن علاقتها على ما يرام مع " إريك "، المشابه شقيقها في خصلة الحرص. هذه الخصلة، لم تكن مبعث خلافها معه، بل ولعلها القاسم المشترك الوحيد بين طبعيهما. فضلاً عن خصلة الجشع، التي كانت تتيح لكل منهما التهام خيرات المدينة بأسرها لو أنه امتلك معدة حيوان خرافيّ عاشَ في بواديها قبل عشرات آلاف السنين. ما كنه مشاكلها مع رجلها إذاً، إن لم تكن مالية؟

***
تابعوا حديثهم في حجرة السفرة، فجلسوا أولاً على الدواوين حَسَنة الصنعة بانتظار تقديم العشاء. المائدة المستديرة، المنحوتة من خشب العرعر، الحريف الرائحة، تجلت مع الشمعدان المشتعل في وسطها مثل بحيرة من غرينٍ عطن مضاءة بقمر من ست شعب فضية. نأى " سيامند " بنفسه كي يُشعل سيجاراً عند النافذة الوحيدة، المفتوحة على الليل الحار والموحش. من هناك، راحت نظراته تنساب نحوَ السيّدة السويدية متخللة بسُحُب الدخان. لقد لاحظ على الأرجح ضيقها بالخبر المعلوم، وكان ما يفتأ يجري على ألسنة نسوة الدار على الرغم من فقدانه الإثارة المفترضة. كن يستعملن، فوق ذلك، المحكية الدارجة في حديثهن، دونَ حاجةٍ لترجمته للضيفة طالما اعتقدن أنه لا يعنيها.
" أظنك أدركتِ أهمية الخبر بالنسبة لنا، وإلحاحنا على التأكد من شخصية المرأة تلك؟ "
فاجأت " سميةُ " الضيفةَ بالسؤال، مستخدمة لغة رجلها. هذه الأخيرة، أفاقت من أفكارها لتتبسم مع هزة من الرأس: " بلى، بكل تأكيد! "، قالتها مضطرة للكذب. ثم استدركت في الحال: " مع أنها قد تكون امرأة أخرى، خصوصاً وأن نادل البار تعرّف عليها؟ "
" نعم، أتفق معك. لأن إريك اعتاد السهر في ذلك البار نظراً لقربه من شقة الإيجار. ولقد خابرته إلى باريس، ولكنه قال أنه موقن بعدم معرفته لسيّدة فرنسية تُدعى هيلين "
" سيكون اعتمادنا، والحالة تلك، على سيامند في هذه الليلة "، تدخلت شقيقتها في الحديث. وأضافت ترمق الضيفَ الآخر بعينيها السوداوين، المائلتين قليلاً: " في وسع آلان مرافقته أيضاً إلى البار، لو شاء ذلك بالطبع ". كانت تتكلم ببساطة، وكأنما لها دالة على الشابين كليهما؛ وهذا دليلٌ على استعادتها ثقتها بنفسها، وفي التالي، برئها تماماً من مرضها العصبيّ. كان غريباً، من ناحية أخرى، أن يتوافق استعادتها عافيتها مع الحادثة المودية بابنة خالتها إلى الكرسيّ ذي العجلات وسوق الزوج العراقي إلى السجن. لقد استمتعت " خدّوج " بخبر تلك الحادثة ( وبغض الطرف عن نفاقها في هذا الشأن! )، تماماً كما هوَ حالها الآنَ مع خبر احتمال عودة " الشريفة " إلى الظهور ـ كجنيّة حكايات الأطفال، المستمدة من اعتقادات الأوروبيين الأوائل.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن