صاحب النمل من يصدق وجود امثاله في هذا الزمن

وليد خليفة هداوي الخولاني
walidkhaa@yahoo.com

2018 / 7 / 19

كنت قد عرفته اثناء عملي معه في دائرة واحدة ،كان الرجل مديرا عاما ، وهو ضابط برتبة لواء شرطة ويحمل شهادة الدكتوراه في القانون ، لكنه كان مختلفا عن غيره ،اذ انه لم يكن يترك الصلاة ولو لوقت واحد ، وكان رجلا حسن الاخلاق ، متواضع يكره الظلم حتى انه لم يعاقب احدا من العاملين تحت امرته، ولا يحب اضاعة الوقت ، ولا يمزح مع اصدقاءه وانما يغمرهم بكل كلمات الترحيب والاحترام ويتابع عن كثب شؤون عائلته . يحبه كل من عرفه، لا يقرب المال الحرام ، ولا تخرج من فمه الا الكلمة الطيبة ،وفي الحقيقة فاني لا اعرف كل خصوصيات هذا الرجل لكن اعرف عنه هذه الاشياء من خلال لقائي به وتجاذبي معه اطراف الحديث وفي فترات متباعدة . وكان كل مرة يعرض امامي فعلا من افعال الخير والتقوى.
عندما اختاروه ليكون وكيلا لشؤون الشرطة ، رفض استلام المنصب ، ليس ضعفا منه ولكن مخافة من الله فلسان حاله يقول كيف ساقف امام الله وانا مسؤول عن الملايين من الناس المتعاملين مع الشرطة ، وكيف لي ان اعرف ان هذا المواطن ظلم وذاك طلب منه دفع رشا من قبل بعض الفاسدين على امتداد مساحة العراق المترامية ، وكيف لي من اعادة حق سلب او اغتصب على بعد الاف الكيلومترات . لكنه قبل بعد الحاح ورغبة ملحة .وله في اولياء الله الصالحين قدوة حسنة.
واذكر له بعض المواقف التي اجد فيها سموا ورفعة وارتقاء لمصاف عباد الله الصالحين ممن يخافون الله ويتقونه حق تقاته ، جمعني واياه لقاء في المعهد العالي لضباط قوى الامن الداخلي ،حيث سمي رئيس لجنة مناقشة لرسالة احد طلبة الدبلوم العالي وانا كنت مشرفا مهنيا عليها ، وبعد انتهاء المناقشة ذهبنا لاحد القاعات فلاحظته يقف عند الباب ،ثم ينظر ارضا مليا ثم يعمل خطوة طويلة تتبعها اخرى فسالته عن السبب فقال ان على الارض نملا واني اخشى الله ان حطمت بعض النمل تحت قدمي ، فقلت له كيف اذا كان النمل في بيتك وقد انتشر على اواني الطبخ الا تغرقه في الماء من اجل تنظيفها والتخلص منه ؟ قال :لا نحمل الاواني بعيدا عن مصدر الماء ثم ننفخ عليها فيسقط النمل عنها. فقلت ما شاء الله ان يوجد مثل هذا الانسان في هذا الزمن حيث يكثر الحيتان على اليابسة. وفي لقاء ثاني معه اردت ان اعرف رايه اكثر عن هذا الموضوع قلت له : كيف تتعامل مع النمل الذي يفتح له بيتا في بيتك ؟ وينتشر يمينا وشمالا بحثا عن الطعام ؟ وبالنسبة لي اشتري من السوق مادة قاتلة للنمل للتخلص من اذاه وانشرها قرب فوهة بيت النمل.
اجابني ببساطة انه يضع عند فوهة بيت النمل كمية من الطعام كالسكر مثلا. وفي اللقاء الثالث معه بعد عدة شهور ذكرته بمواقفه هذه وسالته كيف حاله مع النمل الان وهل لا زال يعطف عليه كالسابق ؟ اجابني : لقد وجدت نملة في مكان مهددة بالغرق فوضعت اصبعي قربها وعندما ارتقت فوق اصبعي حملتها لا نزلها ارضا بعيد عن المكان الخطر الذي كانت فيه.
ربما يظن البعض ان هذا الكلام هو محض من الخيال ، ولكني أؤكد ان هذا الامر حقيقة وان هذا الانسان موجود وهو الان برتبة فريق والوكيل الحالي لشؤون الشرطة وانه لا يعمل ذلك الا خشوعا ومهابة لله ، ومثل هذه النماذج موجودة وان قلّت ، فعلام يسرق بعض المسؤولين ولماذا لا نختار من يخاف الله فينا لنسلمه بعض مسؤولية امورنا ، فشتان بين من يخاف الله في هلاك نملة وبين بعضا من الفاسدين من سرقة المال العام ، وهل عقمت البطون فليس هنالك من يخاف الله في عباده ؟
وقد وجدت نشر هذه السيرة الحسنة كنموذج للصالحين في هذا البلد المعطاء الذي لا ينضب منهم ، ولكي يكون قدوة للأخرين في مخافة الله ، وتفاهة كرسي الوظيفة حيث نجد الكثير ممن يمسك به يتعالى على الناس، وينكر اصدقاء امسه ومعارفه ، ويتطاول على المال العام ، ولا يكاد يذكر اسم الله ويحمده على نعمه وفضله عليه ، واني لعلى ثقة ويقين ان ما خفي من سيرة هذا الرجل اكثر بكثر مما ذكرته. وهو ربما لا يقبل ما انشره دون علمه ، لكني وجدت نشر الفضيلة للصالحين افضل من نشر الرذيلة للفاسدين ، ولنوقد شموع الامل في بلد يخنقه الظلام بسبب انقطاع الكهرباء .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن