نحو دراسة الفقر سيكولوجياً (الجزء 3)

وعد عباس
waad.abbas1994@gmail.com

2018 / 6 / 27

بعد أن تناولنا مفهوم الفقر في المقالين السابقين وأسبابه وأسباب ديمومته ، أتناول في مقالي هذا أثر الفقر على الفرد والمجتمع .
وضع النفساني الأمريكي "أبراهام ماسلو" الحاجات الانسانية في تسلسل هرمي من حيث سعي الفرد لإشباعها ، فكانت الحاجات الأساسية : الحاجة إلى التنفس – الماء – الطعام – الإخراج – النوم ، في قاعدة الهرم ، حيث أنها أكثر الحاجات تحكما في سلوك الإنسان ، وإن عدم اشباعها يؤدي بالفرد إلى الإحباط .
ولأن الفقراء أساساً غير قادرين على اشباع الحاجات الأساسية ، وغالبا ما ينامون على بطن جائع ، فقد انطبقت عليهم المعادلة النفسية :
الرغبة في اشباع حاجة ضرورية وجود عائق قوي احباط
الجدير بالذكر أن الإحباط ليس الاضطراب الوحيد المترتب على الفقر ، وإنما يترتب عليه اضطرابات أخرى كالشعور الدائم بالحزن واليأس والقلق ، والإحساس بالذل والعار ، وتدني مفهوم الذات ، لكن الإحباط هو المصدر الرئيس لبقية الاضطرابات النفسية والعقلية والسلوكية التي تمارس تأثيرها على السلبي على جسد الفقير ومحيطه الأسري والاجتماعي .
إذ أن تلك الاضطرابات اضافة إلى سوء التغذية وتعرضهم للبرد والحر وتغيرات الطقس الأخرى تسهم بشكل فعال في تدني المستوى العقلي للفرد فينعكس بصورة سلبية على إدارة الفرد لحياته وحياة اسرته . فقد نشرت جمعية علم النفس الأمريكية (APA) نتائج دراسة أجراها "سيبالو" الذي تربى في عائلة فقيرة ، عن مسألة تأثير الفقر في الصحة النفسية ، إذ توصل " إلى أن أدمغة الاطفال الفقراء تبدو مختلفة عن أدمغة أطفال العائلات المتوسطة الدخل أو الثرية ، وأن قشرة الدماغ هي التي تتأثر بالحالة الاجتماعية ، خصوصا أنها اساسية للوظائف العصبية التنفيذية ، ما يجعلها مرتبطة بالذكاء والنجاح الاكاديمي ، ونقلت الجمعية عنه انه عندما تتحسن حالة العائلة الاجتماعية فتعاني نسبة اقل من الفقر تتحسن قدرة الطفل على التذكر والتنظيم (1) وأن هذا الكلام ينطبق على البالغين من الفقراء وليس على أطفالهم فقط .
وينتقل تأثير الاضطرابات النفسية إلى جسد الفقير ، فيمسي رفيقا للامراض السيكوسوماتية كالقولون العصبي وقرحة المعدة والجلطة وأمراض أخرى .
كما أن شعوره بالاحباط يؤدي به إلى نوبات من العصبية المفرطة والغضب وغالبا ما يتخذ الأب من الأسرة وسيلة لتفريغ غضبه ، يساعده في ذلك قلة ثقافة الزوجة وعدم قدرتها على امتصاص عصبية زوجها ، خاصة وأنها في وضع نفسي ربما يكون أسوأ ، فتلتقي النار بالنار ، وتحدث المشكلات الأسرية التي تؤدي إلى الإنفصال أو إلى ما هو أعظم كالقتل وغيره ، فتنشأ أسرة مفككة تكون عالة على المجتمع .
ولا ننسى حقيقة أن شعور الفقير بالظلم والاغتراب يُضعف انتماءه الوطني ، ومستواه الأخلاقي ، فتصبح بيئة الفقراء مستعدة لاستقبال شتى الأفكار الإجرامية والمنحرفة ، وقد حدث ذلك في المجتمع العراقي ، فانتشرت ظواهر لا أخلاقية ، اضافة إلى العنف الذي اصبح مزدهرا في مناطق العراق الفقيرة .
أما عمالة الأطفال فهي نتيجة حتمية للفقر ، وهي من أعظم الجرائم التي لا بد من مكافحتها ، فهناك مئات آلاف الأطفال التي يتسكعون في الشوارع من أجل الحصول على لقمة العيش ، وليس يعنينا هنا هدفه من العمل ، بقدر ما يعنينا أثر تلك العمالة في شخصية الطفل ، فالطفولة هي مرحلة بناء الشخصية أو كما قال عنها "سكنر" :
"اعطني عشرة أطفال فأصنع لك منهم طبيبا ومهندسا ولصا ... "
إن آلاف الأطفال اليوم معرضون للانحراف والانجراف وراء تيارات مجرمة ، سيشكل هؤلاء الأطفال غدا خطرا على البشرية جمعاء لا على العراق فقط .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن