الزعيم ذو البعد الواحد

مرتضى عبد الحميد
hiamsabah@gmail.com

2018 / 6 / 3

(كل ثلاثاء) (الزعيم ذو البعد الواحد)
الفكر ليس له وطن، ولا يمكن أن يظل حبيس الأرض أو البيئة التي أستنبتتهُ، بخلاف المروجين لنظرية الأفكار المستوردة والهدامة.
كان "الفيلسوف الألماني ماركوزة" قد وضع إصبعه على الجرح، الذي تعاني منه أوربا الطامحة إلى نمو وتقدم تبجح بهما الإيديولوجيون الرأسماليون، لكنهما أنتجا (إنساناً ذا بعد واحد) حيث إستبدلت دكتاتورية الفاشيين والنازيين، بدكتاتورية ناعمة، تستغل الإنسان، وتحوله إلى مجرد ترس في ماكنة الرأسمالية، بل أن الحياة برمتها تحولت إلى بقاء عامر بالأزمنة الميتة حسب تعبيره.
لو ظل "ماركوزة" حياً إلى الآن، ورأى، أو سمع، أو قرأ عن الزعماء العراقيين، لما تردد لحظة واحدة، في كتابة مؤلف جديد ربما يحمل نفس عنوان كتابه الشهير (الإنسان ذو البعد الواحد) مع تغيير بسيط، لا يزيد عن أستبدال كلمة الإنسان بـ (الزعيم ذو البعد الواحد) رغم اختلاف الميدان، وإنتقاله من التكنولوجيا وتنميط الإنسان، إلى التشبث بالسلطة وتحطيم الإنسان، وسوف يأخذه العجب، و يصاب بالذهول والحيرة، وهو يرى قادة سياسيين، أتخموا العراق بالمشاكل المستعصية، وبنو جبالاً من الخراب والدمار الشامل، طيلة الخمسة عشر سنة الماضية ومع ذلك ظلت عيونهم ترنو إلى السلطة، ولم تصب حتى بالقذى!
فهل يعقل أن كتلا متنفذة، وزعماء عباقرة في اللغف، وإمتهان كرامة العراقيين جميعاً.
حتى الذين يعدعوّن تمثيلهم مكوناتياً، وبعد أن عاقبهم الشعب العراقي في الانتخابات الأخيرة، تمهيداً للفظهم كما تلفظ النواة، مازالوا مصرّين إلى حد الغثيان، في السعي لتصدر المشهد السياسي، وتكوين الكتلة الأكبر، رغبة منهم في إعتلاء خيول الحكومة من جديد، والانطلاق بها نحو حفرة الطائفية واللصوصية، وتخريب ما بقي من الذات العراقية؟
على القوى العراقية التي أحيت الأمل، وبذلت جهوداً مضنية، لتعليق مشكاة لا يخبو ضؤوها في نهاية النفق، وفازت في الانتخابات وفي عدد الأصوات، أن لا يفارقها الذكاء في عزل هؤلاء الفاسدين، الذين لا يرى البعض منهم معاناة الشعب العراقي وماَسيه التي قل مثيلها في عالم اليوم، بل ينظر إلى خارج الحدود، ويفتح أذنيه على سعتيهما، ليسمع ما يريده الآخرون، ويسرع إلى تنفيذه، وان كان يتقاطع مع مصالح شعبه وبلده.
هناك فرصة تاريخية لتشكيل الكتلة الأكبر، وتأليف الحكومة العراقية الجديدة من القوى والقوائم والأحزاب المعتدلة، القادرة فعلاً على قطع الطريق لمن يريد العودة إلى المستنقع الآسن، وتماسيحه التي إبتلعت الأخضر واليابس.
ولا بأس من التساهل مع قوى تريد تبرئة ذمتها والتعويض عما فاتها، ولديها الاستعداد الكافي للعودة الى حضن الوطن، وتحقيق ما يصبو إليه العراقيون، وإن كان جزئياً، فالمرحلة تتطلب توحيد الجهود والطاقات، وتعزيز اللحمة الوطنية، على أساس برنامج واضح لا غموض ولا لبس فيه، يلبي في الأقل الحد الأدنى من طموح العراقيين، وفي ذات الوقت إبعاد من يجري في دمه الفساد والفشل، وإلحاق الأذى بالعراق شعباً ووطناً، ولا يستطيع أن يتغير أبدا.
السؤال الذي يتصدر كل الأسئلة الحارقة هو هل يتحقق الأمل ونعيش حياة أقرب إلى الآدمية؟ أم سيكون "الشيف" الأجنبي قادراً على أعادة إنتاج الطبخة المسمومة التي برع فيها سابقاً.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن