مدمرات المستبد (PYD) نموذجاً

ماجد ع محمد
rojvan72@gmail.com

2018 / 4 / 23

بما أن الغرور والتكبر من بعض أبرز سمات المستبد، لذا سنورد ما جاء عن بعض طباعه بهذا الخصوص لدى الماوردي في أدب الدنيا والدين، وذلك بقوله: "إن على المرء مجانبة الكِبر والإعجاب لأنهما يسلبان الفضائل، ويكسبان الرذائل وليس لمن استوليا عليه إصغاء لنُصحٍ ولا قبول لتأديب، فالمتكبر يجل نفسه عن رتبة المتعلمين والمعجب يستكثر فضله عن استزادة المتأدبين"، ولعل من رأى الفصول الأخيرة من مسرحية مقاومة العصر في عفرين يتذكر جيداً بأن العُجب والغرور والتكبُّر ظلت من الملامح البارزة لدى إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي وذلك في مقدمة ومنتصف وخواتيم حكمها، إذ أن الغرور والتكبر دفع بهم لأن يستكثروا الإرشاد أو المشورة أو الملاحظة من أي فقيه أو مثقف أو صاحب مقام من أهل المنطقة، لذا كانت الخاتمة المهينة واضحة وهي من أسباب المقدمات الصلفة نفسها، كما أن عنجهية وتجبر البداية أفضيا إلى الهزيمة المحتومة، لأن من أبرز صفات المتكبر هو عماء البصيرة، وبديهي أن مَن تعطبت بصيرته لم يفده البصر إلاَّ بمقدار رؤيته كل ما يروقه ويستحسنه، وهو ما جرى في عفرين بسبب غرور وتكبر وعنجهية الاتحاد الديمقراطي، ولكن يبق أن من أبرز مقابح المغرور المتكبر، أن عقلية المنفعة لديه محصورة بنفسه ولا تتجاوز حتى حاشيته، بينما عواقب ممارساته فهي حتماً تشمل كل من حوله من الأقارب والأباعد والمحيط برمته.
ومحور موضوعنا ههنا يدور حول الآلية المتخلفة للحزب الذي يعاني الغرور والاستبداد، كأي حزب سلطوي لديه السلطة أهم من مواطنيها، والأيديولجيا أهم من حاجات الرعية، ورغبة التحكم بكل شاردة وواردة حتى يشعر المواطن بأنهُ الأرض، والسلطة هي السماء التي تمن عليه بالخير والبركة، ولولا وجودها لما سقط المطر ولعانى أديم المواطن من القحط والجفاف، لذا ولكي تعبّر عن حاجة الفرد والجماعة إلى سلطتها باشرت الإدارة بإنهاك الشعب بالضرائب وحرمانه حتى من المعونات التي كانت تأتي باسم المواطن، فحتى السلات الغذائية كان يستخدمها للدعاية الأيديولوجية، بما أن الترويج لفكر القائد وأقوله وصوره وشعاراته أهم من صحة وغذاء الرعية، ولا قيمة للرعية من دون تبجيل القائد الحقيقي أو المختلق، وبالتالي كلما كان الفرد فالحاً في تقريظه ولو كذباً، وكان مدَّاحاً للحزب أو قائده ولو نفاقا يكون حينها من المقربين وله الأولوية في نيل المغانم، ورغم قلة أهميته الوجودية ككائن غير فاعل، يكون هو المستفيد الأكبر من بين عشرات الأشخاص المنتجين والفاعلين الذين يفيدون المجتمع برمته؛ لذا يحتفي الحزب بمن يعادي أهل العلم والمعرفة والاختصاص، ويختصر الحكم والسلطة والمنافع على المطبلين الجهلاء الذين يكون جل رصيدهم هو التملق للسلطة والأيديولوجيا، وفي هذا الصدد يشير كونفوشيوس إلى أن لا شيء يضر بالزعيم والسلطة من ورائه أكثر من شيوع العلم أو الفهم بأنه تواق للإعجاب والشهرة الكاذبة، ويتابع كونفوشيوس بأنه ما أن يقع الزعيم في شراك الرغبة في اسم منتفخ لنفسه حتى يعرف العامة والمتزلفون ما يريده، وبالتالي يتكيفون مع رغباته؛ وهذا بالضبط ما كان أحد أهم أسباب سقوط الكثير من الحكام والمقاطعات أما المهاجمين في كل بقاع العالم عبر التاريخ، وذلك لأن المنافقون الذين يظهرون الولاء الكاذب لقاء مصلحةٍ ما أو لقاء مكاسب كبيرة أو تافهة، هم أول من يطعن بالحكم أو ينقلب عليه إذا ما شعروا بقرب أجل السلطة أو الحاكم، وهو ما حدث في عفرين بالضبط، وهذا أمر وارد لدى كل شعوب المنطقة التي اعتاشت على فلسفة النفاق والتقية، بحيث ترى مادح اليوم مقدحاً في الغد، وترى مهلِّل الغدِ طاعناً بمن كان يمدحه في الأمس بعد زوال سلطانه.
وبخصوص السياسيين المقامرين بأرواح الناس لقاء استمرار موقد الأيديولوجيا مشتعلاً إلى الأبد، لا زلتُ مقتنعاً بأن المومس التي تجاهر ببيع جسدها وحدهُ، دون المساس بخصوصية أجساد غيرها من بني جنسها، مقابل تحسين وضعها الاقتصادي، تظل أنبل بكثير من ذلك السياسي الفاسد والذي يتبجح باستشرافه باسم الدفاع عن الحكم والحاكم، بينما هو عملياً يسرق ليل نهار أقوات الناس بل وحتى الحِصص الممنوحة للأبرياء والمحرومين من قبل الآخرين؛ فيبني مجده الشخصي على حساب العامة، وينهب باسم الجماهير والوطن أغلب ما يتلقاه من قِبل المنظمات والأمم المتبرعة ببعض ما لديها من نوافل الخير؛ محتكراً المنافع كلها، فيما لا يجلب إلاّ الويلات للرعية من وراء صلفه وغروره واستبداده برأيه الأخرق.
وظهر أن هذا الرافد السوري من التنظيم الأم في تركيا والعراق وإيران ديدنه مناطحة الحقيقة والعمل بالضد منها أينما كانت، وكمثال: فالمتابعون للشأن الكردي في تركيا أدركوا عام 2016 بأن الاتفاق التركي الاوروبي سيكون وبالاً على الكرد إن قاموا بأي نشاط عسكري معادي للدولة التركية، ومع ذلك حاخامات ذلك التنظيم المجازفاتي لم يكفوا عن التصريح بأنهم سيبدأون عملياتهم ضد الحكومة التركية، وقد فعلوها وبالتالي أدت أفعالهم إلى دمار عدة مدن كردية في تركيا، وهو ما يحيلينا إلى احتمالين لا ثالث لهما: وهو إما أن في التنظيم الأم أي (حزب العمال الكردستاني) وجميع فروعه ما من نفرٍ يعي كنه السياسة العالمية وتوجهات أنظمة الحكم في العالم وخريطة المصالح الدولية، أو أن التنظيم يؤدي وظيفته التدميرية التي خُلق لأجلها في الدول الأربع أي في تركيا وسوريا والعراق وإيران؛ لذا فالجريمة الأكبر التي ارتكبها حزب الاتحاد الديمقراطي(PYD) بحق أهالي عفرين كانت عبر تلقيه الأوامر من حزب العمال الكردستاني بمواجهة الجيش التركي رغم إدراكه سلفاً بأن حاله حال صوصٍ صغير في حضرة فيلٍ كبير، ولكن وعبر التاريخ المسلح للحزب الأم ظهر بأنه لا يعتاش إلاَّ على الخراب والدمار والدماء، ولا يطيب له إلاَّ دفع الشعب الكردي كل فترة الى محرقة جديدة من محارقهم التي وجدوا لأجل الإعداد لها من حينٍ لآخر.
وفي الختام يبدو جلياً بناءً على ما خلّفه التنظيم من الآثار السلبية في عفرين قبل أن يغادرها مكرهاً، وفي مقدمته عدم سماحه بانضمام أبناء المنطقة للجيش الحر حتى يحموا ممتلكاتهم وأرزاقهم، وبالتالي تعرض المنطقة إلى كل صنوف السلب والنهب والسطو بسبب قدوم آلاف الأنفار المتخلفين والهمجيين المنضوين في صفوف الجيش الحر، وممارسة كل المقابح والانتهاكات بحق أبناء المنطقة التي دخلها الكثير منهم بعقلية الغزاة وليس بعقلية المحررين كما زعموا ويزعمون؛ لذا فذلك الاحتكار لكل شيء من قبل السلطة السابقة كان سبباً مباشراً لما آلت إليه أوضاع أهالي المنطقة؛ وهو ما يؤكد بأن السياسي المقامر الذي ترغمه الوقائع على ترك موقعه على مضض، أو يخلعه الظرف من مكانه في مفرق تاريخي ما، يعمل على قاعدة "من بعدي الطوفان" فلا يتمنى البتة بأن يأتي ويحكم الرعية مكانه إلاّ من هم أكثر منه قبحاً وغلاظة وفساداً ووقاحة، وهو بالضبط ما حصل في عفرين وفق شهادات المئات من الأهالي، وذلك الانتقام الضمني من السابق لا يأتي بسبب مفارقة السياسي المقامر للسلطان والمنافع التي كان يحصل عليها من خلال السلطة فحسب، وليس فقط كرهاً بمن تخلوا عنه ولم يدافعوا عن قلاعه المنخورة وعن سلطانه المتهالك، وليس فقط نكايةً بالرعية التي ضاقت ذرعاً بممارساته قبيل اقتلاعه من مكانه، إنما قد يفعل ويتشوق لرؤية كل ما هو مستقبح وقميء من بعده، وربما يرتجي السماء من كل جوارحه بأن يطال الخراب والدمار بكل ما تركه خلفه من الناس والمتاع والممتلكات، وذلك تعبيراً عن امتعاضه من عدم إفراغه كل ما في جوفه من وسائل استغلال الناس واستجحاشهم، وذلك تأكيداً لطبيعته الاستحواذية الاحتكارية، وبنائه القائم على كومةٍ من أمراض الغرور والتبجح والانتقام والاستبداد، لأن المنطق الإنساني القويم يشير إلى أن مَن يحب شعبه ويحترمه، ويحرص عليه، لا يعمل إلاَّ وفق ما يُفيده حاضراً ومستقبلاً، وذلك حتى آخر لحظة من لحظات مفارقته له.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن