مآخذ الانتهازيين على مفهوم لينين عن الامبريالية بوصفها عشية الثورة

حاتم بشر
Hatem.beshr81@gmail.com

2018 / 3 / 21

من أجل بلورة فكرة وافية دقيقة حول آراء مُفَكِّرٍ ما، فلا محيد ، بداهة، عن الوقوف على أفكاره في مجموعها. ولكن، كما يقال:”لو أنّ بديهيات الهندسة تصدم مصالح الناس، لسعوا بكل تأكيد الى دحضها“.. ونسيانها. فها هم، مثلا، يقولون أن ”لينين’ قد حكم في أحد أعماله بأن ”الامبريالية، هي أعلى مراحل الرأسمالية” ، المرحلة الأخيرة، ”التي ينقلب بعدها النظام الرأسمالي إلى ضده” ، ”والعتبة المباشرة للثورة الاشتراكية” ،و”عشية الثورة”..الخ. وها قد مرّ ما يربو على القرن من الزمان، وما تزال الإمبريالية قائمة وهو ما يبرهن، بالقياس إليهم، بطلان النظرية اللينينية.
إن هذا (الدحض) المألوف، التقليدي، انما يرتكز كليا على الأوهام. بل هو حاصل أكثر الأوهام سذاجة.
١)لا توجد مرحلة رأسمالية أخرى فوق الامبريالية. الامبريالية هي المحطة الأخيرة في صيرورة النظام الرأسمالي. ولا يمكن للبشرية، شاءت أم أبت، أن ترتفع فوق هذه المرحلة دون أن تقطع مع التشكيلة الرأسمالية بأكملها. دون أن تنتقل إلى ما بعد الرأسمالية، إلى ما فوقها مباشرة، إلى الاشتراكية. هذا هو كل ما تقرره نظرية لينين بصدد مسألة ”عشية الثورة”. وهو لا يتضمن، كما ترى، أي محاولة لتحديد زمن معين لهذا الانتقال. والواقع أنه لا يمكن لامريءٍ يقف كليا على صعيد العلم الماركسي أن يتورط في ”التنجيم” اللاعلمي، ليس هذا وحسب، بل يجب عليه أن يحارب ويفضح هذه المحاولات اللاعلمية، التي تتخذ من عبارات العلم الماركسي عن التاريخ رداء. ولو اننا سلكنا بالاتفاق مع البديهيات، وبنينا حكمنا على قاعدةٍ قوامها مجمل آثار لينين، لوجدنا غير واقعة تبيّن لنا بأي حزم وعمق كان يناضل ضد التنجيم بالذات، ”ضد تلك المحاولات الصبيانية” ،“التدجيلية مهما تجلببت برداء العلم”، التي تحاول عبثا ” معرفة ما لا يمكن معرفته”. إن نقاد نظرية لينين عن ”عشية الثورة” ، الذين يأخذون عليه خلو نظريته من التنجيم، إنما يعترفون دون قصد بإخلاص نظريته هو إلى العلم، بقدر ما يعربون عن إعتقادهم هُم في الكهانة.
٢)من جهة ثانية، يقوم هذا الاعتراض على قراءةٍ إن لم تكن عمياء فهي متعامية. ليس بمعنى أنها تتغافل عن مجمل آثار لينين وتحصر نفسها ضمن أثر واحد فقط. بل إن قراءتها لهذا العمل الواحد مبتسرة. فحتى لو حصرنا أنفسنا في نطاق عمل واحد من أعمال لينين، أعني كتابه ”الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية”، سنجده يتكلم عن ”النهاية” كما يليق بماركسي: فبعد أن يتحدث عن ”الأزمة الثورية التي لا يمكنها أن تنتهي الى غير الثورة البروليتارية وانتصارها”.نراه يقول، بعد هذا الحكم(مباشرة)، وكتَتمِّة له: ”مهما كانت طويلة وقاسية تقلبات الأحوال التي لا بد لها أن تجتازها”.وواضح جدا أن حجة”مرور قرن على حكم لينين..” ، لا تقوم كحجة، إلا على التعامي المتعمد عن هذا الجزء الجوهري من مفهوم لينين.
وفي عمل آخر، هو ”البرنامج العسكري للثورة البروليتارية” المنشور في ١٩١٦،نجد لينين يكتب بمنتهى الانسجام مع مفهومه عن ”الامبريالية بوصفها عشية الثورة”، تحرزا من أي سوء فهم قد يقود إلى فكرة خاطئة، فيذهب الوهم بالبعض إلى أنه يحدد زمنا بعينه لمجيء يوم حساب الإمبريالية: ”ولا نقصد تجاهل هذا الاحتمال المشؤوم، احتمال نشوب حرب امبريالية ثانية ستعاني الانسانية ويلاتها..إذا لم تنشب الثورة من الحرب الحالية، رغم انفجارات الغليان والاستياء الكثيرة بين الجماهير، ورغم جهودنا”.
٣) في استطاعة الامبريالية أن تطيل فترة تحللها، وهي تطيلها فعلا، بكافة الطرق (كالحروب الرجعية، ومؤازرة الثورات المضادة في الأطراف، أو حتى فبركتها هوليووديا، وارشاء اتباعها من الاشتراكيين، ومساعدة الاتجاهات الانتهازية والتبريرية السافرة والملثمة على البروز والهيمنة، وغيره). لكن مهما طالت فترة تحللها، ومهما حاولت تستير هذا الإنحلال، تظل الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، وعشية الثورة. فإن طول فترة انحلالها وتعفنها، لا ينقض تصورات لينين عن الامبريالية باعتبارها ”شيخوخة” النظام الرأسمالي و“نهايته الملآنة بالرعب”، كما يتوهم نقاده. فالماركسية، إذ تناقض الآلية والعفوية جوهريا، تقرر على لسان لينين(”البرنامج العسكري للثورة البروليتارية”).: ”اننا نعيش في مجتمع طبقي، وانه لا خروج منه ولا يمكن الخروج منه إلا بالنضال الطبقي“. فواقع أن النظام الرأسمالي يتعفن في مكانه، وأنه بات في غير محله زمنيا، لا ينجم عنه، كما يتصور نقاد لينين الآليين والعفويين، أن الرأسمالية، هذه الجثة، ستدفن نفسها بنفسها!
فـ”ـإن كان الأشخاص يموتون ميتة تسمى بالميتة الطبيعية، فإن التيارات الفكرية والسياسية لا تموت هكذا..فالبورجوازية لا تموت طالما لم يطيحوا بها“. ( لينين”صوت شريف لاشتراكي فرنسي”).
مرة أخرى، يعترف نقاد لينين، إذ يأخذون عليه خلو مفهومه عن نهاية الامبريالية من آليتـ(ـهم) الميتة، بوفاء أفكاره للدياليكتيك المادي!
أما فيما يتعلق بالبلاهات النظرية المتنوعة، التي تزهو بضعف نظرها، بصدد ”ما بعد الامبريالية”، وما ”فوقها”، التي تتلخص جميعها في أنها تزعم أننا قد تجاوزنا الامبريالية فعلا، مع التهرب (أو بالأحرى العجز)الدائم من البرهنة على زوال أسسها، فهي ليست شيئا أكثر من تعفن الإمبريالية نفسها معكوسا في الفكر. وإحدى علامات خَرَف الرأسمالية المقترن بشيخوختها. والتطور الطبيعي لوهم (الرأسمالية الخالدة) القديم، ذلك الوهم الذي لا يصعب استشفافه في أصل هذا الانكار المرعوب لنظرية لينين عن أفول الرأسمالية، الذي وفّرت له الهيمنة شبه المطلقة للإمبريالية الأمريكية، والتي هي مع ذلك مجرد ”حالة” من حالات الامبريالية، الأساس الموضوعي لانتشاره.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن