سؤال في قلب غريب

أحمد صبحي النبعوني
alnabbouni@gmail.com

2018 / 2 / 26

سؤال في قلب غريب

قصة قصيرة

السؤال المفاجئ مرير ، والإجابة عليه جرح أو فصل حزين من جزء منفرد من كتاب الغربة، فحين يكون أمسك مثل غدك، وتستشعر أنك صرتَ في انقطاع عن الحياة التي جبلت عليها ، لولا أنك تتنفس، وترقب الحياة والآخرين في أسئلة متعاقبة، في صباح يشبه كل الصباحات عدا عن صباح الشمس المشرقة في الوطن وفي سماء صامتة و شاحبة لا تشبه تلك السماء الصافية ، تتراقص فيها النجوم بحضن القمر وانت بعيد كل البعد حتى عن مجرد فكرة اغتراب .
تشاركنا اطراف الحديث والنقاش ، في مقهى شعبي لأول مرة ، رجل شرقي في الثانية والسبعين من العمر ..نحيل و أسمر البشرة يبدو بصحة جيدة ولباس يناسب عمره ... في بداية السبعينات من القرن الماضي (( العشرين )) قامت شركة السيارات الألمانية WV باستقدام الأف العمال من تونس دون مؤهلات مهنية او دراسية للعمل في مصنع السيارات الأول على مستوى أوربا كلها في مدينة Wolfsburg .. كان ابو عربي واحدا من هؤلاء الالاف الذي استمروا في العمل حتى سن التقاعد والشيخوخة وأصبح لهم احفاد وابناء الأحفاد في هذه المدينة ... كان الفقر والحاجة المادية الدافع الرئيسي للهجرة من شمال افريقيا ولا زال ... عندما لا تمتلك ثمن سيكارة تبغ واحدة وأنت في الوطن في ريعان شبابك لابد انك لن تمانع إذا حصلت على فرصة للسفر والعمل مثلما قال شريكي في طاولة المقهى ابو عربي .... كان الطقس باردا جدا خارج المقهى عندما ذهبت لادخن سيجارة وأعود لاخبره عن البرد فرد علي ضاحكا : أنت لم تشاهد او تشعر بالبرد الحقيقي الذي كنا نعاني منه لأشهر طويلة في هذه المدينة قبل ثلاثين عاما ... كان الثلج لا يترك شوارع المدينة لمدة ستة اشهر في كل عام ... هل فكرت بالعودة إلى تونس عند سن التقاعد فرد علي : كيف أعود وأولادي و أحفادي جميعهم هنا ... بعد سنوات طويلة من العمل حصلت على الجنسية الألمانية لكن ومع ذلك أشعر إنني ما زلت غريبا يحمل أوراق الجنسية فقط ... في السؤال الأخير لأبو عربي وتمنيت لو إنني لم اسأله ... ما الذي خسرته في غربتك ؟ في مشهد محزن وكأن سؤالي كان صادما له .. امتلأت عيناه بالدموع لكنه حبسها داخل عينيه وبنظرة رجل مجروح منذ عشرات السنين ولم يشفى جرحه بعد قالها : لقد خسرت عمري كله .لأن الغربة يا صديقي هي أن تكون غائبا عن الزمن الراهن وحاضرا في الماضي البعيد .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن