في فضح الفاشية الدينية

حمدى عبد العزيز
hamdyazizzz@yahoo.com

2018 / 2 / 21


أرسل لي صديقي الكاتب الجميل طارق أبو السعد دراسة هامة جداً نشرت له علي أحد المواقع الألكترونية بعنوان ( الإخوان وقضية القدس وأكاذيب لا تنتهي) ..

وطارق أبو السعد لمن يعرف هو أحد أهم الذين خرجوا علي جماعة الإخوان المسلمين وقدموا مراجعات شاملة لمسيرتهم مع ذلك التنظيم الفاشستي ولم يكتفوا بذلك قاموا بكشف وفضح الجوهر الفكري الذي بنيت عليه الجماعة من أول أفكار الفرقة الناجية وأهل السنة والجماعة حتي أفكار التمكين وإقامة مايسمي بالدولة الإسلامية أوهام إستعادة الخلافة ، وذلك بدءاً من الأفكار الأولية الوهابية التي جاء بها رشيد رضا ومروراً بما جاء به حسن البنا تلميذه المؤسس الأول للجماعة وسيد قطب وحتي تلك الأفكار التي أضافها التأسيس الثاني للجماعة علي يد عمر التلمساني وإنتهاء بماوصلت إليه الجماعة في 2012

كذلك قدم طارق أبو السعد وزملائه سامح عيد وطارق البشبيشي وآخرون من كتب ودراسات ومقالات في الصحف والدوريات والمواقع الألكترونية تمثل فضحاً شاملاً الأسس الفكرية التي قامت عليها مختلف تيارات الإسلام السياسي وكذلك فضحوا بحكم إنتمائهم السابق لجماعة الإخوان المسلمين كافة أوجه الزيف في خطاباباتهم وشعاراتهم السياسية ومايظهر إنتهازيتهم وبعدهم الشديد عن خط الوطنية المصرية ..

في دراسته المهمة والمعنونة ب" الإخوان وقضية القدس وأكاذيب لا تنتهي" يحقق طارق أبو السعد في علاقة الإخوان المسلمين بالقضية الفلسطينية منذ أن نشأت وكيف تعاملوا معها علي نحو إنتهازي يهدف فقط إلي التغطية علي علي عمليات تسليح النظام الخاص والتدريب والتخطيط لعمليات القتل والتدمير والتفجير التي ستتم فيما بعد في الداخل المصري بعيداً عن مسألة تحرير فلسطين وتحرير القدس وما إلي ذلك من شعارات تطرحها علي مر العقود جماعات الإسلام السياسي ..

يفتتح طارق أبو السعد دراسته من حيث وقف المرشد الحالي للجماعة محمد بديع مخاطباً قاضيه أثناء المحاكمة في اداء تمثيلي بارع :
- اخرجونا من هنا نحرر القدس ..

فيعرج بنا إلي وقفة المؤسس والمرشد الأول لتلك الجماعة حسن البنا وخطبته العصماء
( لبيك فلسطين .. دماؤنا فداء فلسطين وأرواحنا للعروبة يا زعماء العرب يا قادة الأمة العربية إنني أنادي الأهم المجاهدة الحجاز وسوريا والعراق وشرق الأردن ولبنان وأبناء الوادي النيل وكل عربي يجري في عروقه دم العروبة الحر، أيها الزعماء أنتم القادة وهؤلاء الجنود وقد وقفوا دمائهم لدفاعكم المقدس، وإنني أعلن من فوق هذا المنبر أن الأخوان المسلمين قد تبرعوا بدماء عشرة آلاف متطوع للاستشهاد في سبيل فلسطين وهم على أتم استعداد لتلبية ندائكم )

ويقدم طارق الدليل علي أن تلك أكذوبة كبري أسس لها الإخوان وروجوها في معرض الإختباء خلف القضية الفلسطينية واستثمار ماتحتله تلك القضية لدي الشعور الوطني والوجدان الشعبي المصري والعربي ..

ويتابع طارق أبو السعد برقية حسن البنا إلي الزعماء العرب المجتمعون في لبنان لبحث القضية في مايو 1948 والتي يبشرهم فيها بإدخال عشرة الآف متطوع إخواني كدفعة أولي إلي فلسطين .. ثم يكشف لنا عبر قراءته لوثائق الجامعة العربية وسجلاتها في هذا الوقت أن العدد الإجمالي للمتطوعين المصريين كان في هذا الوقت لايزيد عن 798 متطوعاً يقودهم البطل أحمد عبد العزيز ، وأن كل المتطوعين من الإخوان ومن ضمنهم الأعضاء والمحبين والعاطفين كانوا 229 متطوعاً ..

وهنا يتسائل طارق أبو السعد عن أين ذهب التنظيم الخاص ولماذا لم يظهر له أثر في فلسطين ويتعجب من اختلاق تسويق وترويج مؤرخي الجماعة للحكاية الوهمية الكاذبة والتي نسجوها بمحكاة رديئة لحكايات الأساطير التي تحكي عن قتال الإخوان داخل فلسطين وأنهم كلما حرروا منطقة سلموها للقوات النظامية فتفقدها القوات النظامية وهكذا علي هذا المنوال إلي أن خسرنا فلسطين التي حررها الإخوان وضيعتها الجيوش العربية !!!

ولكن لماذا ..
وماذا جري خلف كل هذا الغبار الوهمي لمعارك التحرير المزعومة التي خاضتها جماعة الإخوان في فلسطين ؟

ينقب طارق أبو السعد فيجد في رواية أحد متطوعي الجماعة " كامل الشريف " في كتابه (الإخوان المسلمون في حرب فلسطين) إشارة دالة علي حجم تواجد الإخوان في فلسطين وخوضهم لمعركة واضحة ما في فلسطين وكانت عبارة علي مهاجمتهم في 14 إبريل 1948 لمستعمرة متناهية الصغر هي (كفار ديروم) ففشلوا وقتل منهم عشرين فحملوهم وانسحبوا وعندها قرروا عدم معاودة الهجوم مرة أخري علي أي مستعمرة صهيونية وهذا ماوضح في كلمات كامل الشريف الآتية :
(إن اليهود أقوياء في هذه الحصون ولن نهاجمهم فيها بعد اليوم ، ولكننا سنغير علي قوافلهم ونضطرهم إلي القتال في الأراض المكشوفة )

ويخلص طارق أبو السعد إلي أنه (لم يتكرر تعرض الإخوان بعد ذلك للصهاينة لا في القوافل ولا في المستعمرات )

ويقلب طارق أبو السعد في أوراق الجماعة فيكشف الحقيقة وراء تجميع السلاح ومعسكرات التدريب التي كانت تجري في جبل المقطم فيقرأ لنا في كتاب قيادي التنظيم الخاص "أحمد عادل " الذي حكي في كتابه الهام (النقط علي الحروف) عن ملابسات إكتشاف مخازن السلاح والتدريب السري من قبل الأمن المصري وقتها والقبض علي المجموعة وأسلحتها ثم الإفراج عنها بعد "فبركة" صك القضية الفلسطينية عليها بالإتفاق المسبق مع مفتي فلسطين محمد أمين الحسيني الذي كان يتبني فكر الجماعة وعلي صلة وثيقة بحسن البنا
(أجاب اخواننا المقبوض عليهم بأنهم متطوعون لقضية فلسطين وهي إجابة كان متفق عليها ، وفي نفس الوقت كان هناك إستثمارات تم تحريرها في مركز التطوع لقضية فلسطين ، وتم الإتصال بالحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العليا وشرحنا له الوضع علي حقيقته … )
طبعاً يتدخل الشيخ الحسيني حسب الخطة الموضوعة سلفاً لدي السلطات المصرية ويتم الإفراج عن المقبوض عليهم ..

ثم يربط أبو السعد ذلك بعمليات القتل والتفجير والإغتيالات التي إرتكبتها الجماعة في حيز آخر بعيد عن العلاقة بالقتال الذي يجري في فلسطين ففي 17 فبراير1948 تقوم الجماعة بعملية إغتيال الإمام يحي حمد الدين في اليمن ..
هكذا هي الجماعة الدموية
ترفع شعار الإستعداد لتحرير فلسطين
ثم تذهب إلي اليمن لتقتل الإمام يحي
أو تفجر المحال والمحاكم وتغتال القضاة في القاهرة ..

ويلتقط أبو السعد ملحوظة ذكية ..
إذ يعلن عن اندهاشه الإستنكاري من أن عبدالله عزام الكادر الإخواني الفلسطيني الجنسية يعد العدة للقتال فيذهب للقتال في أفغانستان شأنه شأن كل المتطوعين من جماعات الإسلام السياسي التي رأت مايراه القائد الأفغاني الممول من المخابرات المركزية الأمريكية عبد الرسول سياف أنه "بعد تحرير أفغانستان سنحرر فلسطين " ..
ويلاحظ أبو السعد
أن تلك الجماعات التي تعلن اليوم الجهاد في سوريا لم تعلنه في فلسطين ولم تطلق رصاصة واحدة في طريق تحرير القدس ..

ليقدم لنا طارق أبو السعد الخلاصة وعصارة تجربته في الأسطر التالية :

( الإخوان أيها السادة يستخدموا أي قضية جماهيرية أو دينية لصالحهم، ولديهم الرغبة الأكيدة في التسلل لسرقة أي انجاز، وتضخيم أعمالهم، وسيظل رغبتهم القاتلة هي الوصول إلى الحكم بأي وسيلة وبأي طريقة فاحذروهم واحذروا دعاويهم، اللهم قد بلغت) ..

تحية لطارق أبو السعد ورفاقه من مجموعة "دمنهور " التي سجلت مراجعتها الجذرية لتجربتها مع الإخوان وقدمت وتقدم - منذ 2012 وحتي الآن - فضحاً عنيفاً لعصابات الفاشية الدينية ..

الأهم من ذلك أنني استمعت لطارق أبو السعد في نقاشات حية من قبل إلي شروط منهجية للمراجعات نتلافي بها خدعة مراجعات التسعينيات الشهيرة وتؤكد علي جدية وجذرية مغادرة تلك التيارات الفاشية مغادرة نهائية وحاسمة ..

لذلك فإنني أرجو من جميع المهتمين بمناهضة تيارات الفاشية الدينية قراءة كتابات وشهادات سامح عيد وطارق أبو السعد ورفاقهما الذين غادروا تلك الجماعة مغادرة فكرية وتنظيمية وعقلية
ــــــــــــــــــــــــــــ
حمدى عبد العزيز
7 فبراير 2018



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن