مدرسة النجاح، نموذج المشاريع التربوية الفاشلة

محمد شودان
choudanemed@gmail.com

2018 / 2 / 18

لم ينتج مشروع مدرسة النجاح بالمغرب إلا منظومة تربوية فاشلة
تعد "مدرسة النجاح" من أهم نقاط المخطط "الإصلاحي" الذي دعت إليه وزارة التربية الوطنية المغربية بناء على توصيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2004 ، وتطبيقا للمخطط الاستعجالي 2009 وبنود الكتاب الأبيض، بالإضافة إلى ما توصلت إليه التقارير الدولية كتقرير "البنك الدولي" المؤسسة المالية التي ساهمت في خراب الدول.
وقد تم تكبير أرداف المشروع إعلاميا وتسويقه على أنه فتح عظيم لإصلاح التعليم المغربي ونقله من أدنى الدركات إلى أعلى عليين، وبما أننا في دولة مزدوجة البنية والمعايير، تلعب النخبة الحاكمة فيها على تزويق وجهنا للخارج سعيا وراء المباركة والصدقات ولو بتدمير ذاتنا من الداخل، فقد تم التعامل مع مدرسة النجاح بنظرية الكتكوت العملاق، فصرفت الأموال على صباغة المدارس وكتابة الشعارات وشراء المعدات التكنولوجية في صفقات ضخمة عمل من خلالها الرأسمال المغربي العفن على استغلال الفساد والريع الاقتصادي فحصد من ذلك المشروع وما تلاه أموالا ضخمة من خلال صفقات تزويد المؤسسات بخردة التكنولوجيا الأوروبية.
وبالإضافة إلى تلك الميزانيات الضخمة التي انفردت بها عائلات بورجوازية محدد بعضها تقلد فيما بعد الوزارة كلها، بالإضافة إلى ذلك تم تسويق التعليم الخصوصي كبديل ناجح للتعليم العمومي المجاني "الفاشل"، ففتحت واتسعت المقاولات التعليمية التي استنزفت الأسر المتوسطة، وتم التغافل على تعميم ومجانية التعليم الأولي إلى حدود اليوم لأنه صنبور يغتني به أصحاب المدارس الخاصة...
ومن جهة أخرى واستجابة لبنود الميثاق تم تحويل التعليم من عملية تنشئة الأجيال المبدعة وصقل المواهب إلى مدرسة لتعليم المهن وتلقين التقنيات، فيما تم الاتفاق على تسميته "مهننة التعليم" إذ تم التركيز على التكوين المهني وتعليم التلميذ تقنيات تؤهله للقيام بعمل قد تعوضه فيه الآلة يوما في مقاولة صناعية أو خدماتية بدل تنمية قدراته النقدية والمعرفية...
ولأن مدرسة النجاح ككل المشاريع الرسمية الفاشلة قد ركزت على الدلالة السطحية لكلمة النجاح، فقد تم تنجيح التلاميذ شكلا وذلك بقذفهم وجرجرتهم عبر أسلاك التعليم الابتدائي فالإعدادي ليصلوا في هذه السنوات إلى الثانوي التأهيلي لا يميزهم عن الأميين إلا الوثائق التي يمكنهم الحصول عليها من المدرسة؛ تلاميذ أميين ألفبائيا ووظيفيا، ولا يأخذك العجب حين أخبرك أن عددا كبيرا من تلاميذ الثانويات المغربية لا يجيد القراءة بالفرنسية والانجليزية، فما أدراك باستعمالها كلغة للتواصل الشفهي أو الكتابي، وأن أكثر من نصف التلاميذ في بعض الشعب، كالشعب الأدبية والمهنية لا يجيدون الكتابة بالعربية حتى، إملاء وخطا وتعبيرا، بل ويصعب عليهم قراءة بعض النصوص كالنصوص التراثية والشعرية القديمة أيضا، ولك أن تفسح لخيالك المجال لتعرف مستوى وعيهم المأسوف عليه، أو لرسم خارطة الفن والثقافة في السنوات المقبلة.
بتتبعنا لمشروع إصلاح المدرسة المغربية المسمى مدرسة النجاح في هذا المقام الموجز وغيره لم نصل إلا إلى قناعة واحدة وهي أن كل إصلاح يبتغي التغيير الشكلي ويراهن على النتائج السريعة لا يساهم إلا في زيادة المرض العضال، وأنه لا يصلح مع مثل هذه المشاريع إلا الفساد الذي يستفيد ويستنفذ جهوده لحلب كل المشاريع كما يفعل بعض المسؤولين الفاسدين من كبارهم إلى أدنى مسؤول؛ من رؤساء المصالح ومدراء الأكاديميات، إلى مديري المؤسسات التربوية، الذين لا هم تربوي لهم ولا هدف لهم إلا أن يستفيدوا من الميزانيات كميزانيات جمعية دعم مدرسة النجاح وتلفيق الأرقام والتقارير...
ثم وأخيرا إن أي إصلاح حقيقي لا يمكنه تجاوز الثالوث التربوي؛ الأسرة والمتعلم والأستاذ المربي، ولا يمكن لأي إصلاح حقيقي إلا أن ينبع من الواقع، وقد أثبت التاريخ أنه لا ينجح التغيير إلا إن كان تغييرا جذريا، يهدف إلى قلب المعايير والقيم من أجل إصلاح شامل للمنظومة، يهدف إلى تحديث المجتمع برمته الذي لا تمثل فيه المدرسة والعملية التربوية إلا جزءا ووسيلة، أما وضع أحمر الشفاه على مخاط الأنف لا يصنع جمالا بل يزيد الوجه قبحا ويجعله مثارا للسخرية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن