إيران وإحياء فتوى إبادة الشيوعيين .. لِمَ اليوم !؟

زكي رضا
rezazaki@hotmail.com

2018 / 2 / 18

شهدت بغداد اليوم إنطلاق الإجتماع التاسع للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية، بحضور وفود من 22 دولة إسلامية من أصل 53 دولة أي ما يعادل "41.50%" من الدول التي تدين غالبية شعوبها بالدين الإسلامي على مستوى العالم. وعدم حضور وفود رسمية أو دينية من غالبية الدول الإسلامية لهذا الإجتماع، يضع هذا الإجتماع أمام أسئلة عديدة. تبدأ بشرعية الإجتماع والقرارات والتوصيات التي سيتخّذها كون النصاب غير كامل، ولا تنتهي بسؤال عن معنى الصحوة التي يراد تسويقها للرأي العام الإسلامي والتي تريد إيران تطبيق فلسفتها الدينية المذهبية في تفسيرها وفق مصالحها القومية، و محاولاتها المستمرة لإتخاذ "الصحوة الإسلامية والوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب" كشعارات للتدخل بشؤون البلدان الاخرى وتعريض أمنها القومي للخطر بحجّة مكافحة الإرهاب والوقوف بوجه الأطماع الامريكية والإسرائيلية بالمنطقة.

لا تهمنّا في هذه المقالة، هرطقة إيران حول ما تسمّى بالصحوة الإسلامية في العالم الاسلامي. كون ما تعانيه الدول الإسلامية من فقر وبطالة وفساد وهدر للمال العام، يشير وبوضوح الى عدم وجود صحوة على مستوى قيادات هذه الدول وعلى رأسها إيران نفسها. والتي تعاني من إرتفاع مستمر في نسب البطالة والفقر وإرتفاع كبير في نسبة التضخم علاوة على الفساد والبيروقراطية ، و يقابلها من جهة أخرى تراجع كبير في مستوى الخدمات المقدّمة للناس ومستواها. أمّا على المستوى الجماهيري فأنّ الصحوة نراها، بإزدياد نسب متعاطي المخدّرات بأنواعها المختلفة وشيوع الجريمة المنظمة والتجارة بالبشر وظاهرة أطفال الشوارع وتطور سوق الدعارة وإتساعه بشكل مخيف، وإنهيار الأخلاق ما أدّى ويؤدّي الى تفكك العلاقات الأسرية الحميمية والتي كانت موجود في مجتمعاتنا قبل أن تذوق طعم الحروب والحصارات وما تلاها من حكم الاسلاميين وفسادهم وفشلهم ببناء دولة. كما وعلينا أن نشعر بالقلق والخوف الشديدين، والسيد "ولايتي" يتحدث عن تصاعد أمواج الصحوة الإسلامية التي حمل رايتها الخميني، لأنّ هذا يعني ومن خلال التجربة المعاشة، مساحات أكبر للفقر والبطالة والجوع والمرض والدعارة والمخدرات في مجتمعاتنا، ويعني أيضا إستشراء الفساد وضياع ما تبقى من ثروات وطنية. وفي حالة العراق الذي بإعتراف "العبادي" سيظل يدفع فوائد وأصول القروض الأجنبية لستة عقود قادمة يعني، أنّ إستمرار الصحوة الإسلامية على هذه الشاكلة سيفضي لبيع الوطن أو رهنه في أحسن الاحوال.

إيران تهاجم السعودية دوما وتتهمّها بالتدخل بالشأن الداخلي العراقي من أجل زعزعة الأمن والإستقرار فيه، ولا أعتقد من أننّا بحاجة كعراقيين لرأي إيران في هذه المسألة، فأحداث الحرب الطائفية وما حملتها لنا من دمار وتفكك للنسيج الإجتماعي، وسقوط مدننا بيد تنظيم داعش الإرهابي ودمارها وقبله القاعدة والقتل على الهويّة. تشير الى تدخل دول عدّة منها جارة ومنها إقليمية وأخرى دولية ومنها السعودية في شؤوننا الداخلية، لكن ماذا عن إيران نفسها!؟ أنّ كلمة ولايتي وهو يتحدث أمام المجتمعين ببغداد اليوم وتدخله الفظ بالشأن الداخلي العراقي، لا يحتاج الى مسؤول سعودي ليوضحه لنا، كون "ولايتي" تجاوز اليوم كل الخطوط الحمراء، وتصّرف دون قيود وبحرية من أجل زعزعة الأمن والإستقرار ببلدنا .

أنّ تعقد اللوحة السياسية ونحن على أعتاب الإنتخابات البرلمانية، وما رافقها من تكتلات وإئتلافات جديدة وإنهيار القديمة منها أو إعادة بنائها بإبتعادها عن العناوين الإسلامية التي أستهلكت وفشلت في تقديم نموذج مقبول للحكم بالبلد، ما جعلها تغيّر ولو شكليا من عناوينها لتتبنى عناوين مدنية طالما أتهمتها بالإلحاد. أفرزت لوحة سياسية جديدة نبعت من رحم الشارع العراقي، هذه اللوحة أثارت ولليوم وستظل عاصفة من الإنتقادات والتوجس والخوف ممّا قد يحصل في المستقبل القريب. فتحالف "سائرون" وبغضّ النظر عن المواقف المتباينة حوله، أصبح اليوم وهو يضم تيار جماهيري شيعي كبير مقارنة بالتيارات الشيعية الأخرى وقوى مدنية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي في مرمى جهات عدّة، منها داخلية وفي مقدمتها حزب الدعوة وما يسمى بـ "دولة القانون" ومعسكر الاحزاب والمنظمات والميليشيات الشيعية والمؤسسة الدينية علاوة على أبواق لا تتهاون في مهاجمة الشيوعيين العراقيين في أوقات مختلفة وخصوصا مواسم الإنتخابات. لكن تبقى العاصفة الأكبر والأخطر ضد هذا التحالف هي تلك الريح السوداء القادمة من الشرق، والتي ترجمها ممثل ولي الفقيه "ولايتي" بوقاحة وصلافة في كلمته أمام "قادة" "عراقيين"، لم يستنكروا تدخله وبلاده الفظ في شؤون "بلدهم" الداخلية.

لقد عمل "ولايتي" على ليّ عنق الحقيقة وهو يحرّض الميليشيات المؤتمرة بأمر ولي الفقيه وعلى الضد من مصالح وطننا، ضد الحزب الشيوعي العراقي والقوى الليبرلية، حينما أشار الى أنّ "الشيوعية والليبرالية والقومية أدّت الى شقّ عصا المسلمين"!!. نقول أنّه لوى عنق الحقيقة، كون الشيوعيين ليسوا هم من شقّوا عصا المسلمين، وليسوا هم من أشعلوا الحرب الطائفية، وليسوا هم من قسّم المجتمع الى شيعي وسنّي، وليسوا هم من قام بالتفجيرات في المناطق الشيعية والسنّية ليذهب ضحيتها عشرات آلاف الأبرياء، ولم يكونوا في السلطة ليمأسسوا لفسادٍ أنهى البلد وثرواته. إنّما الذي فعل كل هذه الجرائم هم الأحزاب الإسلامية وليس غيرهم، والذي يريد "ولايتي" اليوم أن يدفعهم تجاه الصحوة!! ولو كان من جاء على ذكرهم من أنهم شقّوا عصا المسلمين، فهذا يعني أنّ البعث السوري ذو النزعة القومية العروبية قد شقّ عصا المسلمين، وهنا من حقّنا سؤاله عن سبب تحالفهم ودفاعهم عن نظام قومي يشقّ عصا المسلمين في بلاده، أم أنّ المسلمين بنظر "ولايتي" هم الشيعة فقط !!؟؟

أنّ كلمة "ولايتي" في إجتماع ما يسمّى بالصحوة الإسلامية تشير الى أمرين مهمّين، أولّهما خوف إيران من التقارب الذي حصل بين الشيوعيين والصدريين والذي أفرزته حاجة الجماهير للتغيير وإمكانية تأثير هذا التقارب على شكل اللوحة السياسية الموجودة اليوم، والذي سيعني في حالة نجاح "سائرون" ببرامجها المعلنة الى تكريس مفهوم وطني بعيد عن إملاءات طهران ما يهدد مصالحها على المديين المتوسط والبعيد على الأقل، وثانيهما هو أن يكون هذا التحالف بداية لتصدع البيت الشيعي والذي عملت إيران على بناءه حجراً حجراً. كما وأنّ خطابه حمل بين طيّاته رسالة الى "الصدر" وتيّاره الذي يعتبر من أكبر التيارات الإسلامية الشيعية والسنّية قوّة ونفوذا بالشارع العراقي، تشير الى إمتعاض ولي الفقيه وعدم رضاه على التحالف الأخير بين الصدريين
وأحزاب وتيارات يسارية ومدنية وليبرالية وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي. والعمل على فض هذا التحالف وعودة الصدريين للبيت الشيعي.

كما وتعتبر كلمته، علاوة على كونها تدخل غير مقبول بشؤون بلدنا الداخلية، تحريضاً على العنف عن طريق توجيه رسائل مبطنة وعلنية لقوى سياسية عراقية من أجل بدء صراع آيديولوجي. وذلك عن طريق إعادة الحياة لفتاوى دينية أثبتت أحداث بلدنا على عقمها ومساهمتها المباشرة لما آلت إليه أوضاعنا اليوم علاوة على الشرخ الكبير والجرائم التي تركتها وأرتكبتها السلطات العراقية حينها. على ولايتي أن يعرف أنّ الحزب الشيوعي العراقي، حزب عراقي قدّم من أجل سعادة شعبه وحرية وطنه عشرات آلاف الشهداء، كما وأنّه جزء من عملية سياسية وإن ما زالت متعثرة. لذا فأنّ التحريض على الشيوعيين وبهذا الشكل العلني يعتبر جريمة في كل الأعراف، وكان من واجب السلطات العراقية إبداء موقف واضح وصريح وسريع على الضد من تصريحاته التي ستعقّد المشهد السياسي أكثر ممّا هو معقّد اليوم.

على الشيوعيين اليوم التحلي باقصى درجات الحيطة والحذر مع إستمرارهم بنضالهم المعهود بين الجماهير لخلاص شعبنا ووطننا من الأزمات التي أوصلهما إليها الإسلام السياسي ، كون تجربة اليسار مع العمامة الايرانية كانت تجربة دموية ومريرة، وولايتي حاله حال بقية القيادات السياسية والدينية الايرانية وعلى رأسهم الخميني، لازالت أياديه طرية بدماء الشيوعيين والوطنيين الايرانيين. ويبقى السؤال الأهّم والذي ستأتي إجابته قريبا هو، موقف "الصدر" من خطاب "ولايتي" ومدى قدرته على المضي قدما بالمشروع الوطني الذي يتبناه تحالف "سائرون" للعبور بالعراق بعيدا عن مستنقع الطائفية والفساد؟ فهل سيصمد التحالف بوجه النفوذ الإيراني وإملاءاته، أم سنعود الى المربع الأوّل ليفقد شعبنا بصيص أمل كان يمنّي النفس به، وليفقد "الصدر" نفسه مصداقيته؟

اليوم وبعد تدخل إيران بالشأن الداخلي العراقي ومحاولتها إبعاد الحزب الشيوعي العراقي تحديدا وبقية القوى المدنية والليبرالية عن الساحة السياسية، أرى لزاما على كل من تعزّ عليه قضية الوطن والإنسان أن يفكّر أكثر من مرّة وهو يعلن عداءه السافر للشيوعيين العراقيين وحزبهم، من أن يعيد حساباته من جديد تجاه هذه القضية العقدية والحسّاسة. لنلقم "ولايتي" والمؤسسة التي يمثلها حجرا عراقيا من الصوان الذي دشّنت به البشرية في أرضنا بدايات الحضارة...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن