مصر المحروسة، أم الدنيا

مهند طلال الاخرس
palastine_yasser@yahoo.com

2018 / 2 / 7

مصر المحروسة، أم الدنيا

لا يختلف اصحاب العلم والتاريخ على أن مصر "أرض الحضارات"، وان لها معالمها الحضارية المتميزة والثروة المعرفية الضخمة طوال سبعة آلاف سنة من عمر الزمن، والتي مكنتها من السيادة والتفوق والريادة دائماً في العلوم والفنون والثقافة والعمارة وفي جميع مجالات الإنسانية.

لقد كانت لمصر دائماً خصوصيتها التي تنفرد بها على كل الحضارات والأمم، وهي تعتبر أقدم دولة في العالم لها كيان مجتمعي واحد بحدوده الجغرافية الحالية، وقد أطلق أسم مصر على المنطقة التي تضم حوض النيل الأدنى أي المنطقة الممتدة من النوبة جنوباً حتى البحر المتوسط شمالاً، ومن البحر الأحمر شرقاً حتى الأراضي الليبية غرباً ..

وفي حين كانت اسماء الدول تتبدل وتتلون وجغرافيا الاوطان تتعرض لما يسمى الانزياح الجغرافي والتاريخي، كانت مصر من المناطق القليلة في العالم التي حافظت على أسمها طوال مراحل تاريخها، حيث ظل أسم مصر علماً على هذه المنطقة دون تغيير، في حين غابت دول وغيبت وشطبت اخرى ونشأت دول وتبخرت اخرى وسُلب التاريخ وتبخرت الجغرافيا وسرقت اوطان وهدمت أخرى ، لكن رغم نائبات الزمن بقي الانسان المصري على أرضه محافظا على مصريتها وعروبتها عبر التاريخ .

وعن سبب تسمية مصر بالمحروسة؛ فيعود الى أن مصر قد عرفت منذ فترة مبكرة بتسميات قريبة من كلمة مصر الحالية، وأن الأصل المصري لتلك الكلمة( والمرجح أنه انتقل للغات القديمة مثل الاشورية والبابلية والفينيقية ) فهو كلمة ” مجر” أو ” مشِر “، والتي تعني المكنون أو المُحصّن… وهي كلمة تدل علي كون مصر محمية بفضل طبيعتها، ففي الشمال بحر، وفي الشرق صحراء ثم بحر، وفي الجنوب جنادل (صخور كبيرة) تعوق الإبحار في النيل، أما الغرب فتوجد صحراء أخرى.. وحتى اليوم تعرف مصر لدى المصريين بأنها ” المحروسة ” .

أما الرأي الثاني بأن لقب المحروسة إنما يطلق على مدينة القاهرة؛ فهو إستنادا على أن مدينة القاهرة قد أسسها سنة 969 ميلادية القائد العسكري جوهر الصقلى لتكون عاصمة لمملكة الفاطميين فى مصر ومقرا لإقامة الخلفاء الفاطميين بدءا بأول الخلفاء الفاطميين المعز لدين الله ولا يسكنها سوى الملوك والخلفاء الفاطميين فقط ولا يدخلها أحد إلا بإذن وتنفيذا لذلك تم إحاطة مدينة القاهرة بسور يعزلها عما حولها ولا يتم الدخول إليها إلا من الأبواب التى توجد بهذا السور والتى تحاط بحراسة دائمة؛ ومن هنا سميت القاهرة بالمحروسة .

اما عن سبب تسمية مصر أرض الكنانة فمستمد من معنى الكنانة نفسها حيث جاء بمعنى الكنانة: بأنها جعبة السهام، و مصر أرض الكنانة: أي أرض البحر ( النيل )، و كنانة،شنانة، قنانة : تعني في لهجــة قنا : الماء : أي أرض بقرب الماء ..أرض الساحل والنيل .
وكما تطلق الكنانــة على القلعــة الشـاهقـة القـوية، و الكنـانـة بمعنــاها مقتــرنة بمصر : أي ارض القوة على العدو و المأمن و الأم و الحماية و المسكن .
وهـذا القـول مـأخـوذ من حديث "مصر كنانة الله في أرضه" ( وما طلبها عدو إلا أهلكه الله) ورغم عدم صحة هذا الحديث إلا انه قول مأثور، أكده وعززه دور مصر في كل العصور، والتاريخ يشهد بعين جالوت وحطين وذات الصواري والصالح نجم الدين ايوب.... .

اما عن سبب تسمية مصر بهذا الاسم؛ نسبة لابن سيدنا نوح عليه السلام وهو مصرايم بن حام بن نوح والذي ذهب وعاش بمصر بعد الطوفان، وأصبح الاسم يختصر مع مرور الوقت ليصل إلى ما نعرفه اليوم وهو مصر.

ويعود سبب تسمية مصر بأم الدنيا والذي تميّزت به منذ القدم الى وجود الحضارات والثقافات المختلفة على أرضها منذ مئات آلاف السنين، ويمكن القول أنه يوجد تفسيران اثنان لتسمية مصر بأم الدنيا، الأول يعتمد على التفسير التاريخي والثاني يعتمد على التفسير الديني.

فمن وجهة النظر التاريخية، فقد سميت مصر بأم الدنيا لأن مصر كانت موجودة أثناء قيام الإمبراطورية الرومانية باحتلالها، وكانت الدولة المصرية هي المصدر الأساسي وتقريباً الوحيد بتزويد القمح للإمبراطورية الرومانية، وباعتبارها المصدر الأساسي للطعام لهم، أطلق الرومان اسم أم الدنيا على مصر.

أما وجهة النظر الدينية فتعتمد على تفسير العلامة ابن كثير، فقد سميت مصر بأم الدنيا نسبة لزوجة النبي إبراهيم عليه السلام ألا وهي هاجر، فهي مصرية ولدت بمصر وعندما تزوجت من نبي الله إبراهيم، انتقلت معه للعيش في شبه الجزيرة العربية، وجاءه الوحي هناك ليبني أول بيت لله وهو البيت العتيق، ويترك زوجته هاجر وطفلهما هناك دون طعام أو شراب، لتحدث معجزة ماء زمزم، وبما أن هاجر هي أم إسماعيل عليه السلام الذي جاء من نسله الرسل والانبياء ومنهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ولكونها مصرية ولدت في مصر، فهي أم الأنبياء كما سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء، وكرامةً لها، يطلق على مصر أم الدنيا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن