قصة آيات القتال في القرءان

محمد عبد القوي
m.abdelkawi@yahoo.com

2018 / 1 / 20

- وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات (المادة 41 من الفصل السابع للأمم المتحدة)
- رغبةً في تمكين الأمم المتحدة من إتخاذ التدابير الحربية العاجلة يكون لدي الأعضاء وحدات جوية أهلية يمكن إستخدامها فوراً لأعمال القمع الدولية (المادة 45 من الفصل السابع للأمم المتحدة)
-الخطط اللازمة لإستخدام القوة المسلحة يضعها مجلس ((الأمن)) بمساعدة لجنة أركان الحرب (المادة 46 من الفصل السابع للأمم المتحدة)
- يعاقب بالسجن مدي الحياة ...يعاقب بالسجن المشدد ...(أي قانون في العالم)
ما سبق هو بعض النصوص من قانون الأمم المتحدة (أعظم قانون إنساني - يتفق حوله الجميع) فهو قانون يُمثّل الرُقيْ والتحضر الذي وصل إليه الإنسان وبالتالي فإن العالم الحر كله - المتقدم منه والمتنامي والمتأخر يوافق عليه بل ويتشارك - أي العالم - فيما بينهم تحت بنود هذا القانون وفي إطار هذا القانون, ومع هذا إن أخذنا بمنطق المشككين في آيات القتال القتال وقمنا بقصِّها كما يفعلون - وكما فعلت - مع قانون الأمم المتحدة فسيكون هذا القانون - أي قانون الأمم المتحدة – قانون ظالم مُستبد فأين هي الإنسانية في قطع كل تلك الخدمات التي تقوم عليها حياة الناس ؟! وأين هي الرحمة والمحبة عندما يبكي طفل إنتظاراً لأب لم يجد مواصلات يعود إلي بيته أو أنين أم وقلقها علي إبنها المسافر وهي لا تستطيع أن تتحدث إليه بسبب قطع تلك الخدمات ؟!
وأين هو الرقي والتسامي في قمع البشر ؟! أو إستخدام القوة والأسلحة ضد البشر ؟! أين هو العدل في قتلهم ؟! أين هو التحضر ؟! أين هي الإنسانية ؟! ثم أين هي حقوق الإنسان عندما تحكم علي إنسان بأن يُسلب من حريته التي هي أهم قيمة إنسانية علي الإطلاق ؟! أين العدل إذن ؟!
أليست كل هذه البربرية وكل هذا الظلم والقهر كافيان لأن نقول علي قانون الأمم المتحدة (كله) أنه قانون ظالم همجي ؟!
لماذا إذن لم يحدث ذلك بل علي العكس, العالم كله يقر بهذا القانون ؟! من أين يأتي الخلل إذن ؟!
أعتقد أن الصورة إتَّضحت الآن وعلمنا أن الخلل ببساطة هنا ليس في الشيء نفسه, وإنما في حكمنا نحن
لقد حكمنا من واقع وضعنا الحالي وقيمنا وطريقتنا في الحياة السلامية التي لم تأذي أحداً أو ترتكب إثماً فنظرنا من واقعنا نحن فإذا بنا لا نستحق أن نُقتل أو نُضرب أو نُسجن فجاء حكمنا مناهضاً لكل ما يحثُ علي القتل أو الضرب أو السجن, سواء كان ذلك في آيات قرآنية أو حتي في أعظم قانون يقره العالم كله علي إختلاف أديانه وعقائده وإتجاهاته ومذاهبه
لكن الحكم الحقيقي (عند الإنسان المفكِّر) يجب أن يكون مُبصراً لكافة الجوانب ...يجب أن يكون حكماً من خلال نظرة شاملة ...يجب أن يكون حكماً من خلال كل العيون وليس من عين واحدة فقط
بإختصار الحكم الحقيقي يجب أن يتمُ عن طريق وضع الإنسان ذاته مكان الكل والنظر من ذوات الكل
وعندما يحدث ذلك فإنك لن تري أي جريمة في رد عدوان مثلاً بقتل المعتدي لأنه سيقتلك – أي سيقتل من وضعت نفسك مكانه وتصوَّرت حالك وحال أهلك وذويك حينها
إنك لن تري في أي فعل أنه جريمة من عدمه إلا إذا نظرت إلي المعتدي والمعتدي عليه ونظرت إلي حالهم وما كان يحدث في أثناء هذا الإعتداء والظروف الاجتماعية والإقتصادية والتاريخية حينها
إن حكمك علي شيء من منظورك أنت فقط - هو مراهقةٌ فكرية وسذاجةٌ عقلية ...إنه إرتداد نحو الماضي - نحو الإنسان المنتصب الواقف علي قدمين لتوه لا يعرف منهج فكري أو علمي أو حضاري - يفكر في الطبيعة وفيما حوله حسب ما يراه هو وحسب ما يشعر به بل حسب ما يريده أما اليوم وفي ظل ما وصلنا إليه من علوم ونظريات وفلسفات, والأهم في ظل إمتلاكنا لمنهج التفكير العلمي أصبح الحكم لدينا علي الأشياء يشترط النظرة الشاملة وقراءة الأشياء في ذاتها لنفهمها في ذاتها لا كما نريدها نحن
وبنظرة شاملة علي آيات القتال في القرءان الكريم - موضوع حديثنا - نجد أن كل آية منهم نزلت لموقف محدد وتقصد هدفاً محدد بعينه
وفي البداية - وقبل أن أتحدث عن هذه الآيات - هناك عدة نقاط ستوضح جيداً قصة آيات القتال كلها ...

- الله في القرءان هو الحق {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} ...نلاحظ هنا إتيان كلمة (الحق) بالتعريف وليس بالتنكير فكل من آمن بالحق الذي يعني (العدل، السلام، الحب، الرحمة وكل فعل طيب وجميل) فهو مؤمن

- الكافر في القرءان هو الكافر بالحق وإن إتخذ هذا الموقف وتبناه وإعتنقه سيكون كفره كفراً فكرياً أي كفراً نظرياً وله الحرية حينها في كفره هذا {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}

- أما لو هذا الكفر تحول إلي كفراً عملياً أي رفض هذا الكافر الحق عملياً فرفض السلام بأن أعلن الحرب ورفض الحب بأن أعلن الكراهية ورفض صون الناس بأن هاجمهم وقتلهم وإغتصب بناتهم وأولادهم فالتشريع القرآني هنا يُوجب الناس بمواجهته وهذا طبيعي وشيء إنساني يتفق حوله الجميع

وتأكيداً للنقاط المذكورة يقول الله جل في علاه {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقي إليكم السلام لست مؤمناً} فهنا يُحذر الله, المسلمين وينبههم بأن يتبينوا ويتثبتوا بمدي مشروعية حربهم وهي أن تكون موجهة للمعتدي فقط فالضرب أي القتال في سبيل الله هدفه هو صد العدوان من الكافرين بالحق أما المسالمين مهما كانت قناعاتهم الفكرية (النظرية) فهم مؤمنين (دنيويا) طالما كانوا مؤمنين بالسلم والسلام وباقي خصال الحق

الله يقول أيضاً {أفنجعل المسلمين كالمجرمين} فالله هنا لا يقصد عقيدة دينية لأنه سبحانه لو كان يقصد عقيدة دينية لقال (أفنجعل المسلمين كالكافرين) ولكنه لم يقل لأنه لا يقصد العقيدة وأيضا حتي لا يساء فهمها من المسلمين نتيجة عدم تفريقهم بين الكفر النظري والكفر العملي فقال {أفنجعل المسلمين كالمجرمين} والمجرم هو الشخص المعتدي علي الآخر بالإيذاء أي الشخص الكافر بالحق عملياً ...وتأكيداً أكثر لهذا المعني نرجع إلي الآية التي قبلها مباشرة {إن للمتقين عند ربهم جنات نعيم} فالمتقين هنا الذين لهم عند ربهم جنات نعيم ممكن أن يكونوا من أي أمة وأي شعب لأن الله يقول مخاطباً كل الناس (وليس فئة واحدة بعينها) {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فأكرم كل أمم وشعوب العالم عند الله هم المتقين وهؤلاء (وهذا إستطراد بسيط) قد عرَّفهم الله أيضاً وقال {وسارعوا إلي مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}
وتأكيدا أكثر وأكثر يقول الله جل في علاه {وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون} فالمسلم لا يحارب المخالف له في عقيدته بينما يحارب المعتدي عليه ليرد عدوانه لأن كل أمة ستُجزي بما عملت من خير وهذا المعني أيضاً مؤكد في مواضع كثيرة منها علي سبيل المثال {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصاري والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} فكل من آمن بالحق وخاف من حساب هذا الحق الذي سيُفرز فيه معدنه ونتيجة عمله الذي ترجمه عملياً في أثناء حياته فله أجره عند ربه وله ثوابُ عظيم

وتأكيداً أكثر وأكثر وأكثر يقول الله تعالي {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} وتأكيداً (أكثر)4 قال في نفس الآية {ولا تعتدوا} وتأكيداً (أكثر)5 قال {إن الله لا يحب المعتدين} فالله لا يحب المعتدين أبداً ولا يوجد أي إنسان مؤمن عاقل يري هذا التصريح من الله نفسه ثم يخالفه

وتأكيداً (أكثر)6 وهذه (مفاجأة) أن القتال أصلاً تم تشريعه بسبب الظلم الذي وقع علي المسلمين فعندما طرد المسلمين من ديارهم وسُرقت أموالهم وإعْتُدِيَ علي نسائهم وأولادهم, أذن الله لهم بالقتال دفاعاً عن أنفسهم {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وأن الله علي نصرهم لقدير}
وهناك مفاجأتين أيضا لا يوجدان في أي دستور في العالم ولكنهم وُجِدوا في دستور الإسلام
- الأولي أن المسلمين وغيرهم من الأمم إن كانوا في حالة سلم فلا يجب أن تكون العلاقات فاترة أو مقطوعة أو عادية تبادلية مثل علاقات شعوب أغلب دول العالم, وإنما يجوز للمسلمين أن يذهبوا إلي غيرهم ليبرُّوهم ويعطوهم كل خيرٍ يملكوه ويحسنوا ويعدلوا ويُقسطوا إليهم {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتُقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} ونلاحظ هنا أن الله يُصرِّح تصريحاً واضحاً {إن الله يحب المقسطين} ولا يوجد أي مؤمن عاقل لا يفعل ما يحبه الله سبحانه وتعالي
- والمفاجأة الثانية أن قتل إنسانٍ واحد بغير ذنب تعادل قتل كل البشرية مجتمعة، وإحياء إنسان واحد تعادل إحياء كل البشرية مجتمعة {من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}
الله يقول (نفس) ولا يقول مسلم ...الله يقول (الناس) ولا يقول المسلمين...

وإذا أكملنا في ملاحظاتنا سنجد الآتي ...

- سنجد أن ما يحرمه الله هو {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصَّاكم به لعلكم تعقلون} فكل عاقل يعلم أن هذه الأشياء شر وبالتالي محرمة

- كلمة دين في القرءان تعني قانون وتعليم {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} أي ما كان النبي يوسف ليعاقب أخاه بقانون الملك الذي كان يحكم مصر آنذاك وهو العمل مقابل ما تمت سرقته ولكن أخذه بجانبه ولم يطبق عليه دين الملك أي قانون الملك ...ومن ذلك أيضاَ {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم الرحيم مالك يوم الدين} فالله هو مالك يوم إنفاذ القانون الذي وعد وتوعد الله به

- هناك إختلاف بين تعبير (أوتوا الكتاب) وتعبير (أهل الكتاب) فتعبير (أوتوا الكتاب) تُطلق علي كل الناس لأن { ما من أمة إلا خلا فيها نذير} أما من آمن بكتابه فيسمي (أهل كتاب) ومن آمن بكل الكتب وبمتممها والمهيمن عليها (القرءان الكريم) فيسمي حينئذٍ مسلم

وبعد هذه الملاحظات المهمة نأتي إلي الآيات التي يقتطعها المشككين فيها من سياقها ومن ثم يحكمون عليها وعلي الدين كله بنفس المنطق السقيم الذي ناقشته في بداية المقال

ومن إحدي هذه الآيات هي آية {إقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} والآية هنا كما هو واضح مقطوعة من سياقها ومناسبتها وموقفها الذي لا ينطبق إلا علي مثيله والسياق يكمن في أول 13 آية من سورة التوبة { بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ(1)
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ(2(
وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ ۚ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(3(
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ(4(
فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(5(
وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ(6(
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ(7(
--- إلى أن قال تعالى --- وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ(12(
أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (13) فمناسبة الآية التي تُقتطع من سياقها هي في نبذ العهد الذي بين المسلمين وبين المشركين الذين إتفقوا معهم على أربعة أشهر يُحرَّم فيهم القتال بين الطرفين فالمشركين هم الذين نكثوا أيمانهم وطعنوا في الدين وهم من بدأوا القتال فهنا أمر الله بنبذ عهدهم وإعطائهم فرصة السياحة في الأرض ليخرجوا بلا قتل وقتال أما بعد إنتهاء هذه المدة فقد أمر الله بقتل عدوانهم وليس قتلهم (كما فهم التراثيين) {فإذا إنسلخ الأشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم وإحصروهم وإقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم} فإذا كان المعني هو قتلهم فكيف سيأخذون أسري ؟! وكيف سيحصرون ؟! وكيف سيتوبون ومن هم أصلاً الذين يتوبون بعدما قُتلوا ؟! فالمعني هنا واضح وهو ليس قتلهم هم بل قتل عدوانهم وإنهاكهم حربياً حتي يتوبوا أي يكفوا عن الإفساد وما يفعلونه ...وعلي فكرة هذا تشريع موجود أيضاً في ميثاق الأمم المتحدة ومن الممكن أن تراجعوا قرار الأمم المتحدة رقم 1973 الخاص بفرض حظر طيران علي ليبيا لفترة محددة ثم بداية الحملة الجوية بعد ذلك ... وأيضاً المهلة التي أعطاها مجلس الأمن للقوات العراقية كي تخرج من الكويت ثم بعد إنتهاء هذه المدة بدأت العمليات العسكرية حتي تحررت الكويت ... الفرق هنا هو أن تشريع القرءان يلزم المسلم قتال هؤلاء المعتدين فقط أما تشريع الأمم المتحدة يعاقب كل الشعب وكل ما في الدولة نتيجة تضرره من الحظر والحصار وأيضاً من الحرب بعد ذلك وكلنا نعلم كم قُتل من المدنيين الأبرياء الذين لا ذنب لهم ...ونلاحظ في الآيات أيضاً أن من هؤلاء إن إستجار بالمسلم في الحرب فسيساعده ويجيره ويقرأ عليه القرءان ويؤمِّنه علي حياته مما يعني أن الحرب من الأساس كانت لصد العدوان وليست لتكدير السلم أو الخروج عليه

ومن الآيات التي تُقتطع من سياقها أيضاً {يا أيها النبي حرِّض المؤمنين علي القتال} وسياقها نقرأه معاً {وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} إلي قوله تعالي {يا أيها النبي حسبك الله ومن إتبعك من المؤمنين، يا أيها النبي حرِّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوما لا يفقهون} إذن تحريض النبي للمؤمنين هنا علي أن يقاتلوا من ؟!
كما هو واضح, الذين أحاكوا المؤامرات للرسول لأنهم يريدوا أن يخدعوه وهم الكفار بالطبع الذين ترجموا كفرهم هذا عملياً فوجب علي النبي أن يحرض المؤمنين أي يحث ويأمر المؤمنين علي القتال لأنه كان بالطبع قائد الدولة المركزية آنذاك وطبيعي أن يكون القائد هو الذي يأمر والأمر هنا أيضاً مؤيد من الله والأمر كله ما هو إلا رد عدوان لأناس سعوا في الأرض فساداً فكان لابد أن يُحاربوا ولهذا فهناك آية أخري (ينساها المشككون في أحاديثهم المرددة عن الآيات الأخرى الخاصة بالقتال) وهذه الآية هي {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يُقتَّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} فالذي يحارب الحق ويفسد في الأرض أي يترجم كفره (عملياً) يكون جزاءه طبقاً لما فعل وبقدر ما فعل ولهذا فإن من البلاغة الشديدة للآية هي تعدد أحكامها ...ليس هذا فقط بل المخايرة فيما بين هذه الأحكام وذلك بوضع الحرف (أو) بين الأحكام إشارةً إلي أن هذه الأحكام متعددة لأن طرق الإفساد متعددة فمن يزني بطفلة ثم يقتلها بطريقة بشعة (كما حدث في قصة الطفلة زينة) لا يتساوي حكمه مع من قال كلام سيء فقط أو ضرب شخصاً أو منع إمرأة من المرور أو خرَّب الشوارع ...إلخ فكل إفساد يختلف عن الآخر ولهذا جيئت الآية بأحكام متعددة ومخيَّرة لنطبق كل منها نحن البشر علي أنواع الإفساد المتعددة والمختلفة فيما بينها أيضاً

ومن الآيات التي يستغرب المرء أن يرفضها البعض بعد إقتطاعها هي الآية الكريمة {قاتلوا المشركين كافة} لأنه لو أكملت منها كلمة كمان فقط ستكون {قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} فكما يُقاتَل المسلمين, يُقاتلونهم هم أيضاً دفاعاً عن أنفسهم

أما الآية {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} فهذه الآية أولاً تتحدث عن تشريع أثناء (الحرب) {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها} والحرب هنا مع من ؟! مع الذين كفروا كما قولنا هم الذين ترجموا كفرهم عملياً وذلك بالإعتداء والإيذاء للآخرين فوجب مواجهتم ومعني الآية هو المناجزة الشديدة بين المسلمين والكافرين في حرب وعندما يلوح الإنتصار للمسلمين يقوموا بربطهم أي (تكتيفهم) درءاً لخطرهم حينها وأمام المسلم بعد ذلك خيارين إما أن يتركه لوجه الله وإما أن يتركه بعد أخذ فديه منه (تماماً مثل نظام الإفراج عن محبوس بكفالة) وإلي حين تنفيذ أي من هذين الخيارين فالمسلم يعامل الأسير (الكافر الذي كان سيقتله لو تغلب عليه) معاملة حسنة طيبة ويقدم له أشهي الطعام {ويطعمون الطعام علي حبه مسكيناً ويتيماً و(أسيرا) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا} فمعاملة الأسير الذي لو كان تغلب علي المسلم لقتله بهذا الشكل الإنساني لم يقرُّها أي فعلٍ حدث في حروب القرن العشرين (المتحضر والحداثي) كلها ويمكنكم أن ترجعوا إلي الكتب التي تحدَّثت عن معسكرات الإعتقال والتعذيب التي إنتهجتها الدول (المتحضِّرة) مع الأسري حتي في القرن الواحد وعشرين ويمكنكم أيضاً أن تطلعوا علي ما حدث في أفغانستان والعراق وغيرهم

وأما الآية {فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} فهذه ليست موجَّهة للمسلمين أصلاً وهي آية غيبية لأنها وُجِّهَتْ إلي الملائكة في معركة بدر {إذ يوحي ربك إلي الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} والأوامر الثلاثة التي يفعلها (الملائكة) بحسب الآية ثلاثة1 / ثبتوا الذين آمنوا
2 / اضربوا فوق الأعناق
3 / اضربوا منهم كل بنان
ويؤكد ذلك إقرار القرءان بنزول الملائكة يوم بدر {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممددكم بألف من الملائكة مردفين} وكلمة (مردفين) تعني قابلين للزيادة بالضعف وليس هذا لأن الله لا يعلم ما تحتاجه المعركة من عدد (كما يسوق بعض الجهال في هذه الآية) ولكن للسبب الذي ذكره الله في الموضع الذي أقره في سورة أخري وهي سورة آل عمران {ولقد نصركم الله ببدرٍ وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلي إن تصبروا وتتقوا ويؤتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين وما جعله الله إلا بشري لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم {فالملائكة كانوا مردفين فزيد عددهم من ألف إلي ثلاثة آلاف إلي خمسة آلاف والسبب الذي جعل الله يفعل ذلك {بشري لكم ولتطمئن قلوبكم به} وهنا يجب أن أنبه إلي معني دقيق في الآية أيضاً ...الله لم يقل (اضربوا الأعناق) بل قال (اضربوا فوق الأعناق) وهنا فرق شاسع فأولاً لا يوجد ضرب علي العنق (إسمها الرقبة عند العوام) وثانياً الضرب فوق الأعناق هو الضرب علي المخيخ لأن وظائف المخيخ متعددة ومنها
• ضبط العضلات الوضعية للهيئة
• التنسيق السريع والتعديلات التلقائية التي تحافظ على التوازن والإتزان
فالمخيخ بشكل عام هو مركز توافق وإنسجام حركة الجسم الذي يتلقى إشارات (معلومات) من جميع المخ والنخاع الشوكي ويعالجها ليُقدم لبرنامج الحركة تنظيم زمني ومكاني دقيق فيضمن بذلك تنظيم النشاط العضلي للحركات الإرادية عموماً فالأمر الموجه للملائكة بالضرب فوق الأعناق سيحقق إضطراب في وظائف المخيخ وبالتالي عدم تناسق الحركة وبطأها وقد تكون الحركة إهتزازية ناهيك عن الإضطرابات التي ستحدث في التوازن والمشي والتنظيم الزماني والمكاني للحركات العضلية وطبعاً تأثير ذلك كان واضحاً في نتيجة المعركة ...وأما قوله تعالى {واضربوا منهم كل بنان} فإن الهدف من هذا الضرب هو إضعاف القدرة على مسك آلات الحرب مثل (السيف) و(الحربة) والتحكم بها ومن هنا يتضح السر في هزيمة الكفار حينها هزيمة ساحقة حيث كان عدد المسلمين في معركة بدر (ثلاثمائة وأربعة عشر) رجلاً معهم (فرسان) فقط وكان تعداد جيش قريش (ألف) رجل معهم (مئتا) فرس أي كانوا يشكِّلون ثلاثة أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد والعتاد تقريباً وإنتهت معركة بدر بانتصار ساحق للمسلمين على قريش وقتل قائدهم عمرو بن هشام المخزومي القرشي (أبي جهل) ومن هنا كانت هذه الآية لموقف (حربي) بعينه وخاصة بحدث بعينه فقط

وأما بالنسبة للآية التي يسمّونها آية (الجزية) فطبقاً للنقاط الموضحة أعلاه فلا يوجد جزية علي المسيحيين واليهود كما فهم (التراثيين) فالمسيحيين واليهود يؤمنون بالله ويؤمنون باليوم الآخر ويحرمون ما حرم الله ورسوله (كلمة الرسول لا تعني شخص النبي محمد بل تعني الرسالة والمنهج الذي أُرسل له وأُرسل للأنبياء من قبله) وهم أيضاً يطبِّقون الحق في كل ما سبق لأنهم أهل كتاب وليسوا من الذين أوتوا الكتاب ولم يؤمنوا وترجموا كفرهم (بالحق الذي هو يجتمع في كل شروط الآية) عملياً كما وضحت أعلاه فنزلت هذه الآية التي تخص هؤلاء الكافرين بالحق عملياً ...وهؤلاء الكافرين عملياً كانوا شرزمة من الروم الذين حاربوا الرسول في معركة تبوك والتي كان سببها هي تهديدات الروم المباشرة لدولة المدينة وقطعهم للتجارة وقتلهم لبعض المسلمين وإغتصاب نساءهم وسلب أموالهم فنزلت هذه الآية {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من (الذين أوتوا الكتاب) حتى يعطوا الجزيةَ عن يدٍ وهم صاغرون} فهؤلاء الذين فعلوا كل هذه الأفاعيل لابد أن يُقاتلون دفاعاً عن النفس ودرءاً لعدوانهم الذي حدث والذي من المُحتمل بالطبع أن يحدث مجدداً ...وأيضاً حتي يتم أخذ الحق منهم وهو المال (الجزية) وهم ذليلون كما فعلوا هم بالمسلمين ... وإكتفي المسلمين (حينها) بأخذ حقهم في المال فقط نظراً لأن أخلاقيات المسلمين لا ترضي ولا تسمح أن تنحط لدرجة أن تغتصب نساءهم وتقتل أطفالهم وتهدد المسالمين في بلادهم كما فعلوا هم فإكتفوا فقط بأخذ الحق في المال ولكن وهم صاغرين أي مجبرين وذليلون حتي يعرفوا أن المسلمين أقوياء وبالتالي لا يفعلون ما فعلوه مرة أخري

وأما عن الآية {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون} فالحقيقة غريبة جداً أن يحتج أحد بهذه الآية لأنه ليس هناك أي دولة في العالم كله إلا ولديها جيش وأسلحة بل إن كل الدول المتقدمة لديها أسلحة ضد الإنسانية وإحتلَّت وتحتل غيرها كما رأينا من قبل كثيراً فهل نكون عُزَّالا بلا سلاح ؟! إذن كيف ندافع عن أنفسنا ؟! وهل ينجدنا شيء أمام عدونا سواء من الدول أو التنظيمات سوي سلاحنا وإعدادنا الجيد كأسباب دنيوية مهمة لمواجهة أي إعتداء ؟! فضلاً علي وجوب ملاحظة تعبير (وأتتم لا تظلمون) في الآية الكريمة
وعموماً أنصح من يحتج علي هذه الآية وغيرها أن يقوم بنزع كل الأسلحة من العالم كله وحل كل الجيوش والقضاء علي كل الحروب والنزاعات وتغيير طبيعة الحياة ووقتها يمكنه أن يرفض آيات القتال في القرءان التي شرِّعت أساساً لمواقف بعينها لا تُطبق إلا علي مثيلها الذي قد يُوجد أو الذي طواه الزمان

وبعد كل ما تقدم فليعلم الجميع أن الله لم يبعث نبياً ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين إلا رحمة {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الله يقول (للعالمين) وليس لفئة بعينها
الله لا يوجد في صنج وميزان عدله أن يسلط أناسٍ علي أناسٍ آخرين ليظلمهم لأن الله لا يظلم أحداً علي الإطلاق ونص علي ذلك في آيات كثيرة واضحة وصريحة {ولا يظلم ربك أحدا} ...{ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفسٌ شيئا وإن كان مثقال حبةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفا بنا حاسبين} فكيف تقولون علي الله ما لا تعلمون ؟!
هذه هي نصوص الدين ووثائق الدين فحتي إن كنت غير مؤمناً بالأديان ستكون - بحكم إنسانيتك - منصفاً للحق وللبحث العلمي بأن تكون قارئاً للشيء نفسه لتحكم عليه كما هو لا كما تريده أنت لأن إنصاف الحق هي مزية إنسانية ومن فقدها عليه أن يبحث عن إنسانيته .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن