لم يرفض الثوريون التحالف مع الاخوان المسلمين ؟

سعيد العليمى
memosat1945@yahoo.com

2018 / 1 / 8

* كبار الاخوان وكبار السلفيين تعبير سياسى عن الرأسمالية الكبيرة
لذا من الخطأ الفادح اعتبارالجماعة الام وواجهتها السياسية حزبا للمعارضة الاصلاحية البورجوازية الصغيرة , حيث لاتعبر سياسات الجماعة, ولاالحزب عن هذه الطبقة الاجتماعية الاخيرة ومصالحها , حتى وان مثلت فى تركيبهما الطبقى احدى قواعدها الاجتماعية .
وبغض النظر عن الشكل السياسى الدينى , وهو الغلاف الايديولوجى الخارجى الذى يجد تفسيره فى اصول نشأة البورجوازية المصرية -- التى لم تقم بثورتها على غرار الثورات البورجوازية الاوروبية -- , وتطورها اللاحق خاصة فى السبعينات , وكذلك فى ضعف تكوين وتشكل وتطور الطبقة العاملة وتفتتها التالى , فان الجوهرى هو المضمون الطبقى الواقعىى , والمصالح الفعلية التى يمثلها هذا الاتجاه السياسى , وهى مصالح قسم من البورجوازية الكبيرة السائدة , وهى طبقة غير متجانسة متعددة الروافد والاصول والميول . ومن هنا تتعدد تعبيراتها وتجلياتها السياسية وهى تبدو متنافرة متنازعة سياسيا بينما يجمعها موقف طبقى جذرى واحد هو عداؤها الاصيل للحركة الشعبية .
* يحملون الخير لانفسهم وهو اسمى امانيهم
موجز القول ان هذا الاتجاه يسعى منذ الاطاحة بمبارك – بصفة اساسية -- وراء مصالحه الحزبية الضيقة , التى لاتتجاوز حدود ازالة اثار العدوان المباركى السابق عليه (شرعية حزبية , مقاعد فى البرلمان , وفى الشورى , تعديلات اودستور مكيف لاوضاعه الخاصة , وتوجهاته السياسية , مساحة اقتصادية ارحب لاستثماراته , امتيازات توفرها المكانة الجديدة كشريك اصغر , العفو عن المحكوم عليهم من المحاكم العسكرية , ادخال نسبة معينة -- 25% من ابناء الحزب والجماعة كلية الشرطة ) ومحاولة تعزيز مواقعه داخل السلطة استباقا لانتهاكات مقبلة محتملة ضده , فلا يمكن نفى صراع المصالح الفئوية بين الاتجاهات والاجنحة داخل الطبقة الراسمالية السائدة ( ترشيح الشاطر للرئاسة مؤخرا ) , فى الوقت الذى لم يحرك فيه ساكنا ضد المجازر المتتالية التى تعرضت لها قوى الثورة , بل وفر لها غطاءا اعلاميا , باتهامها بانها ارادت الوقيعة بين الشعب والجيش , وبأنها لاتسعى الا لاثارة الفوضى , واسقاط الدولة , وزعزعة الاستقرار , وان الثورة بات لها ممثلها "الشرعى" وهو البرلمان , ولامعنى لوجود الثوار فى الميدان لانهم بذلك يفسدون " خطة نقل السلطة " . انه يريد الان ان يوطد دولة " النظام والشرع " اى دولة الرأسمالية الاستغلالية بأجنحتها المختلفة , مضفيا عليها مسحة تيوقراطية , وأن يضع حدا للثورة ومظاهرها العاصفة التى نظر لها دوما بعداء بعد ازاحة مبارك , وان يعيد اشكال التعسف السابقة بشكل اشد قمعا , وقهرا محاولا ان يقوض تلك الحقوق والحريات التى استندت الى الاستيلاء الثورى , والمبادرة المباشرة ( من اسفل ) دون ان يصدر بها قانون من احدى سلطات الدولة . باختصار يريد ان يصادر بعض ادوات الصراع الطبقى ويجرد الثورة من احد اهم اسلحتها .
*شريك اصغر مع البورجوازية البيروقراطية العسكرية
كيفما كان الامر فقد تقاسم هذا الاتجاه السلطة السياسية وامتيازاتها كشريك اصغر تحت سيطرة البورجوازية البيروقراطية العسكرية التى تلعب الان الدور القيادى داخل الطبقة بمجملها الى ان تجرى اعادة ترتيب البيت الذى لم يحظ بقدر كاف من الاستقرار بعد . وقد جمعته لحظة عارضة قصيرة بالثورة , وفى الوقت الذى كان الثوار فيه يقاتلون فى الشوارع ويستشهدون كانت قيادات هذا الاتجاه منذ اللحظات الاولى تفاوض وتساوم سلطة مبارك على شرعية وجوده , والافراج عن قادته , ولعب دورا فى لجم القوى الثورية .
وحقيقة الأمر أنه ضد الاشتراكية , وعدالتها الاجتماعية الذى لاينفتح مستقبل بدونها ( وتذكروا الحملة الضارية ضد الاشتراكية الثورية فى جريدة الحزب الرسمية عندما اشيع انها تهدف لاسقاط الدولة ) , ومع الاستغلال الطبقى الذى لاتغير الزكاة او اعادة احياء بيت المال جوهره ولاتلغيه . وهو لم يفكر للحظة رغم القمع والمحاصرة التى ووجه بها فى عهد مبارك فى الاطاحة بالسلطة , وانما فى اقتسامها واصلاحها , فالهيمنة عليها, فابتلاعها اللاحق ان امكن . فضلا عن ان "ديموقراطيته" لاتتسع الا لمصالحه الخاصة وحده , وهويستقى تصوراته ومفاهيمه من معين الماضى سواء بشأن مايسميه "الشورى" او "اهل الحل والعقد" او تبرير "امارات التغلب والاستيلاء " ( المجلس العسكرى ) فالمسألة مسألة وقت الى ان يبلغ مرحلة "التمكن " بعد ان تجاوز مرحلة "الاستضعاف ".
بورجوازية تيوقراطية اى رأسمالية ذات رداء دينى

والحال ان حزب الحرية والعدالة ( والجماعة الام ) , ومن دعمه من كبار مشايخ السلفيين من الدعاة المتمولين انما يناصرون النظام الرأسمالى بليبراليته المتوحشة, وملكيته الخاصة , واستثماراته , ورجال اعماله , وقروضه "الازهرية" . ويعتبرون التمايز الطبقى امرا طبيعيا من سنن الكون . ولاتتناقض ايديولوجيتهم رغم غلافها القروسطى مع نمط الانتاج الرأسمالى . وهم لايعادون الامبريالية وانما الغرب الصليبى . وقد كانت قياداتهم العليا ولازالت جزءا من الطبقة الرأسمالية الكومبرادورية الكبيرة مثل خيرت الشاطر وحسن مالك , ولقمة وغيرهم -- وتعبر سياساتهم اجمالا عن هذه الطبقة السائدة ومصالحها الاجتماعية الكلية . وقد دعموا حين كانوا اعضاءا فى مجالس الشعب المباركية القوانين الرجعية التى تدعم الملاك ضد المستأجرين فى الريف . وكانوا دوما بعيدين عن الصراعات الاجتماعية الحقيقية التى تخوضها الطبقات الشعبية , بل ونأوا عنها مكتفين بالقيام بالاعمال الخيرية التى لاتسهم فى تقويض الدولة بل فى تعزيزها . وفى الشهور الماضية لم يرفضوا التعديل الذى ادخله المجلس العسكرى على قانون الاستثمار فى 3 يناير الماضى قبل انعقاد البرلمان واتاح التصالح فى الجرائم التى ارتكبها الرأسماليون بالاستيلاء على المال العام مقابل رد مااستولوا عليه بقيمته السوقية وقت الاستيلاء ( مؤخرا – بعد ترشح سليمان للرئاسة -- يتحدثون عن ضرورة تدارك هذا الامر بعد ان تم التصالح بالفعل مع البعض ) , بل واقترح بعضهم عفوا عاما شاملا عن كل الجرائم المرتكبة منذ عام 1981وحتى الان الامر الذى لن يشمل فقط منسوبى الاتجاه الاسلامى , وانما ايضا كافة رجال نظام مبارك المتهمين والمحبوسين والمحكوم عليهم . كما دعموا الانظمة الرجعية فى باكستان والسعودية والسودان وافغانستان والبحرين وغيرها . وهم يقبلون بكامب دافيد ويحترمون معاهدات مصر الدولية .
اسماء الاحزاب لاتعبر بالضرورة عن مضمونها ولا عن حقيقتها
فالحقيقة ان معظم الاحزاب البورجوازية لاتجرؤ ان تسمى نفسها باسمها الحقيقى , مغامرة بكشف مضمون وكنه مصالحها , والا تبين انها ضد " الحرية والعدالة " بقدر ماهى ضد" النور" ! ولم يكن ممكنا لتلك القوى التى اشرنا اليها , ان تحقق مصالحها باستثمار الثورة – فى يناير 2011 واستغلالها , ولا ان تحظى بتأييدها الحاسم والضرورى فى لحظة معينة دون ان تخفى هويتها , وخاصة مباحثاتها السرية وصفقاتها , وتروج ادعاءاتها حول ديموقراطيتها ومعارضتها .
والموقف السياسى الثابت لحزب سياسى ما فى توجهه وتواصله , ليس امرا عارضا , ولاهو من قبيل الخطأ , او الاجتهاد (المأجور) ! , ولاهو نتاجا لسوء نية , ولاخيانة لوعد سبق قطعه , ولانكوصا على ماض , ولا ردة صدفية على ثورة , ولامما يمكن ان نعذر بعضنا فيه ! وانما هو نتاج ضغط مصالح طبقة , او فئة طبقية , وضرورة حفاظها عليها كما ترتأيها فى خضم صراع سياسى قد يكون ضاريا .
* لاينبغى الحكم على حزب بمايقوله ويدعيه عن نفسه وانما بما يفعله
ولعل الخمسة عشر شهرا الماضية من عمر الثورة بددت وهم انه يمكن الاكتفاء فى الحكم على القادة , والاحزاب , والطبقات , وتحديدا فى مواقفهم السياسية بما يقولون , او بما يتوهمون عن انفسهم , او بما يرغبون فى ان نراهم عليه , وانما بما يفعلون , اى بما هم عليه فى الواقع . ويرتبط بذلك ضرورة ان ندرك ان اسماء الاحزاب البورجوازية دينية كانت ام علمانية فضلا عن برامجها توظف احيانا كأداة من أدوات الدعايات الخادعة العمدية المقصودة , او قد تكون نتاجا لخداع الذات اى لأوهام الايديولوجيا العفوية التى يولدها الواقع على الاغلب . فكيف يمكن لحزب ان يناصر اعمال القمع بل وأن يحرض عليها ( مثلما حدث ضد الاشتراكيين الثوريين ) وينهمك فى استصدار القوانين المقيدة للحريات , ويتسمى ب " الحرية " ؟ وكيف يمكن لذات الحزب ان يناصر الرأسمالية , واستغلالها الطبقى للكادحين فى الريف والمدينة وينسب لنفسه صفة " العدالة " ؟ بل كيف يمكن لحزب ظلامى يستعير ايديولوجيته من القرون الوسطى—دفاعا عن الملكية الرأسمالية الخاصة المعاصرة ونظامها الاقتصادى -- ان يسمى نفسه حزب " النور" ؟ يتطلب ذلك منا حتى نكون على بصيرة فى صراع الاحزاب , وحتى نؤمن انفسنا ضد خداعها ان نعود الى تاريخها الفعلى , اى الى مواقفها السياسية ازاء المشاكل التى طرحت عليها وخاصة فى القضايا الاساسية التى تتعلق بالمصالح الحيوية لمختلف الطبقات الاجتماعية , مثل كبار ملاك الارض , الرأسمالية الكومبرادورية بفئاتها : البورجوازية البيروقراطية العسكرية – التى تمسك الان بمقاليد السلطة – البورجوازية الليبرالية التقليدية , البورجوازية التيوقراطية , البورجوازية الريفية , فقراء الفلاحين , البورجوازية الصغيرة المدينية , والريفية , الطبقة العاملة بكل الفئات الجديدة التى تشملها من كادحين فقراء , واشباه بروليتاريا . وفوق كل ماسبق مواقفها الفعلية لااللفظية من الامبريالية , والصهيونية , والرجعية العربية وهو مايؤدى بنا الى ان ندرك ماهى الطبقة التى يمثلها حزب ما , ويخدمها , بغض النظر عن تركيبه الطبقى , وقاعدته الاجتماعية رغم اهميتهما الحاسمة .
ويمكننا القول مع تروتسكى -- بهذا الصدد -- إن كل شرطى يعرف أنه مع أن الحكومات قد تتغير فإن الشرطة تبقى . ونضيف بأنه لايمكن تحرير القمع من وطأة تاريخه , إلا شرط معرفة تاريخ القمع , وهو الأمر الذى لن تفعله الشرطة تحديدا . وتضافر مع ماسبق , إيغال البعض , وإصراره على الدعوة لتطبيق الشريعة التى لاتعنى لديه سوى تطبيق الحدود من صلب , ورجم , وقطع من خلاف , ومايرتبط بها من ارهاب , وترويع , وافزاع , وتخويف , وخاصة حد الحرابة الذى يوسع الداعون اليه من دوائر تطبيقه بحيث لايقتصر على ماعين له تاريخيا , ولابد ان نلاحظ ان تطبيق هذه الحدود لن يعيد النظم البائدة التى ظهرت فيها هذه الشريعة الى الوجود : اى الانظمة العبودية , او الاقطاعية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية , فالعودة للقرون الوسطى بهذا المعنى ليست واردة , وغير مستهدفة بالطبع عند الاتجاهات الغالبة , ربما سوى مايرتبط بالامتيازات الذكورية , وانما يتمثل مضمونها الطبقى الراهن فى حماية الملكية الرأسمالية الكومبرادورية القائمة وسياساتها الاقتصادية ( الليبرالية المتوحشة ) بارهاب متطرف شديد , واعادة بناء وتقوية اجهزة القمع , واعتبار اى صراع ضد النظام الاقتصادى , والاجتماعى, والسياسى القائم بمثابة انتهاك لأوامر الله وشريعته ! أى تكثيف الاستغلال وتبرير الاستبداد الكليانى الشمولى المعادى للديموقراطية . وفكرة الانتقال من الراعى الانسانى للنظم , الى الراعى الالهى لها تحاول ان تموه عبثا واقع الاوضاع الفعلية الملموسة بمؤسساتها وشخوصها , وتضفى عليها قدسية كاذبة ليست لها , من خلال خطابها وبنية الوقائع الاقتصادية والسياسية التى يصعب حجبها .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن