النموذج الصهيوني لعلم الآثار

محمود الصباغ

2017 / 12 / 18

يبدي الآثاريون الصهاينة , في العموم ,تشككا أقل في الكتاب [المقدس] من نظرائهم الفلسطينيين أو ممن يوصفون بالتنقيحيين minimalists المؤيدين للفلسطينيين، أو الإسرائيليين ما بعد الصهيونيين .وتقتفي هذه المقالة أثر الجوانب الاجتماعية والسياسية والبلاغية لخطاب علم الآثار الكتابي في إسرائيل المعاصرة وسوف يتبين لنا , عدم إمكانية فصل البحوث والتفسيرات النظرية عن الهويات والتحيزات الاجتماعية والسياسية. هذا وقد برزت مدرسة جديدة في جامعة تل أبيب منذ تسعينيات القرن الماضي تعنى بتطوير وترويج نموذج تسلسل زمني جديد للحقب التاريخية يوصف بالتحقيب المنخفض الذي ينكر وجود الملكية الموحدة في عهد الملكين اليهوذيين داود وسليمان. ورغم بعض النجاح الذي أصاب هذا النموذج إلا أنه ما انفك يواجه تحديا من ممثلي التيار المحافظ في الجامعة العبرية في القدس الذي يحاول حماية أو تحديث النموذج القديم للتحقيب الزمني "العالي". ولعل موقع مدينة داود والمدينة القديمة التي تم التنقيب عنها في خربة قيافة من أكثر المواقع إثارة للجدل اليوم . وتحلل المقالة الصراع بين هذه المدارس حول مملكة إسرائيل ويهوذا كما يتجلى في المقالات والكتب والمحاضرات والعروض والمقابلات والمناقشات الساخنة في وسائل الإعلام.
الحركة الصهيونية وعلم الآثار الكتابي
لابأس من البدء باستعراض موجز لتطور الآثاريات الكتابية على خلفية الإيمان اليهودي المسيحي والهوية الصهيونية حيث تلقت التقاليد اليهودية المسيحية و الإيمان بأن موسى هو من كتب أسفاره الخمسة تهديدا مباشرا تمثل في دراسات الكتاب [المقدس]، التي جسدها مؤلف يوليوس فلهاوزن "المقدمة النقدية لتاريخ إسرائيل القديمة" (2013 [1878]). . والذي وضع الفرضية الوثائقية، التي تنص على أن البنيان الأدبي للأسفار الموسوية يتكون من مصادر أربعة مختلفة تعود لعصور مختلفة. وجاء عمل الحاخام ديفيد زفي هوفمان كأحد ردود الفعل الدفاعية البارزة إزاء فرضية فلهاوزن، حين سعى لحماية عقيدة الأصل الإلهي للأسفار الموسوية والكتاب (هوفمان، 1902).ولم تشكل الأبحاث الأكاديمية الحديثة ,منذ البداية, نقدا لجذور الهوية اليهودية المسيحية فحسب، بل كانت أيضا تعبيرا عن القيم الشخصية والاجتماعية والثقافية تجاه هذه الهوية. فقد تأثر عمل فلهاوزن بخلفيته البروتستانتية (كان أستاذا في اللاهوت، لكنه استقال في عام 1882 لأنه شعر أنه لا يستطيع أن يمنع أفكاره من أن تنتقل لتلامذته كهنة المستقبل)، ويعتبر فلهاوزن أصدق تعبير عن الرومنسية و المثالية الألمانية في القرن التاسع عشر, فكان يرى في اليهودية التي وضعتها المؤسسة الكهنوتية في فترة الهيكل الثاني عبارة عن منظومة عقائدية مؤلفة من وصايا وطقوس ,أو هي تعبر عن انحطاط لما كان أكثر طبيعية في دين الإسرائيليين و اليهوذيين و الملكية (الدولة)..وحاول أن يظهر ,في هذا المجال, أن اليهودية ,كما تتجلى في القانون الكهنوتي, "تفصل نفسها أولا عن الحياة اليومية، ثم تمتص هذه الأخيرة لتصبح شغلها الشاغل، بالمعنى الدقيق للكلمة "(Wellhausen, 2013 [1878]: 81) .و لا يزال النقاش حتى يومنا هذا يدور حول ما إذا كان نهج فلهاوزن معاديا للدين أو مؤيدا للمسيحية، ومعاديا لليهود أو حتى معاديا للسامية، وما مدى أن يكون عمله تعبيرا عن الرومانسية الألمانية والمثالية(Kratz, 2009) ..
قام علماء الآثار المسيحيين بحفرياتهم منذ نهاية القرن التاسع عشر حاملين الكتاب [المقدس] بيد و المعول باليد الأخرى مفترضين عدم الشك في النصوص المقدسة فاستخدموا الاكتشافات الأثرية بهدف التأكيد على المرويات الكتابية عبر تأويل هذه الاكتشافات بما يوافق هذه المرويات .[فعلى سبيل المثال] تعرض فلهاوزن للاتهام بأنه هيجلي من قبل باحث رائد مثل وليام .ف.أولبرايت،( الذي كان ابنا لمبشرين إنجيليين) والذي كان يرى بأن علم الآثار يؤدي دورا بوصفه أداة علمية تثبت الدقة التاريخية للكتاب ومصداقيته. كما كان على قناعة بأن نظرية مدرسة فلهاوزن أمست مجرد "مفارقة تاريخية" في ضوء الاكتشافات الأثرية (Albright, 1968: 1-2) .وعبر عالم الآثار و الكاهن الدومينيكي الفرنسي رولاند دو فو أوضح تعبير عن أجندة الآثاريين المسيحيين حين قال: "إن الإيمان التاريخي هو إيمان خاطئ و لا يمكنه أن يتوافق مع إيماني ما لم يشر إلى أن إسرائيل وجدت في التاريخ بطريقة ما " (Vaux, 1965: 16).أما القالب القومي لكتابة التاريخ اليهودي فقد صاغه المؤرخ اليهودي هاينريش غريتز الذي نشر في منتصف القرن التاسع عشر كتابه "تاريخ اليهود من أقدم العصور حتى الوقت الحاضر".وهو أول محاولة لإنتاج مروية تاريخية كبيرة عن "الشعب اليهودي" ليس بوصفهم جماعة دينية فحسب ، بل بوصفهم ,ولو جزئيا على الأقل, أمة حديثة .وقد تضمن المنهج الجديد تأويلا حديثا للكتاب باعتباره مصدر تاريخي ذو مصداقية مع حذف بعض الجوانب منه ذات الطابع الغرائبي و الإعجازي .وكان غريتز قد زعم ,حين نشر فلهاوزن أعماله، أن هذا الأخير "يحيل على إبراهام و موسى و عزرا كراهيته للأنف اليهودي ". كما تركز نقده على التأكيد بأن جزءا كبيرا من الأسفار الموسوية لم يكتب إلا بعد العودة من السبي البابلي. وبعبارة أخرى، أدى عمل فلهاوزن إلى تقويض مصداقية أهم وثيقة تصف أصل الأمة اليهودية وماضيها البطولي. أصبح عمل غريتز نوعا من تاب توجيهي تاريخي قومي لمنظمة أحباء صهيون التي كان أعضاؤها من رواد الحركة الصهيونية. وقد تأثر موسى هس، أحد مؤسسي الصهيونية، ومثقفين يهود آخرين بعمل غريتز، فضلا عن قادة المستوطنين الصهاينة في فلسطين. وكان سيمون دوبناو أحد هؤلاء الذين تقفوا أثر غريتز, وقد توافق عمله هذا مع المقاربة الصهيونية التي كانت تميل ,من ناحية, للعلمانية و ترفض الإيمان الأرثوذكسي ، و من ناحية أخرى تستخدم الدين,"كثقافة قومية" توحد يهود العالم. وتم ضمن هذا الإطار تأويل القصص الكتابية على أنها تصور عن أحداث و عمليات تاريخية على الرغم من أن العديد منهم فعلوا ذلك مجازا وبشكل رمزي(1) (Sand, 2009: 78-109)..وكان ديفيد بن غوريون، زعيم الحركة الصهيونية وأول رئيس وزراء لإسرائيل، ينظر للكتاب [المقدس] على أنه الوثيقة التأسيسية للأمة اليهودية في أرض إسرائيل, لقد كان [الكتاب]بالنسبة لبن غوريون و للمؤسسة الإسرائيلية العلمانية بدرجة أكثر أو أقل عنصرا رئيسيا في تشكيل الروح القومية. فقد ساهم الكتاب بخلق اتصال مباشر ,النسبة لبن غوريون، بين إسرائيل القديمة وإسرائيل الجديدة، متجاوزا الشتات والتقاليد الأرثوذكسية الدينية. وكما قال بن غوريون نفسه: "... ما قمنا به في الأرض هو" قفزة فوق التاريخ اليهودي ". هناك قفزة تأتي في الوقت المناسب وهناك قفزة في الفضاء. نحن هنا قمنا بالاثنتين معا " (2) و كان قد أوضح بأن الحياة في الدولة اليهودية الجديدة ليست استمرارا لحياة كراكوف أو وارسو، بل هي بداية جديدة ترتبط مباشرة بالماضي البعيد ليشوع، وداود و الحشمونيين(Ben-Gurion, 1957) .
استمر البناء الأيديولوجي لفكرة الأمة اليهودية في التطور على يد المؤرخين والآثاريين الصهاينة قبل وبعد قيام إسرائيل في العام 1948. وكان المؤرخ بن صهيون دينور من الجامعة العبرية في القدس واحدا من أهم المفكرين الذين ساهموا في هذه العملية. استخلص دينور الكتاب المقدس من اللاهوت تقريبا و استخدمه لخلق بيان قومي تاريخي، مدعما بالوثائق القليلة التي كشفتها الحفريات الأثرية في الشرق الأدنى. كان دينور عضوا في الكنيست الأول ، وأصبح وزيرا للتعليم في العام 1951 ,كما شارك خلال الخمسينيات مع مثقفين آخرين، مثل الآثاري الكتابي الريادي بنيامين مزار والباحث الكتابي يحزقيل كوفمان، بالإضافة إلى عدد من كبار السياسيين في حلقة الكتاب [المقدس] التي كان يعقدها بن غوريون في بيته. كان الكتاب بالنسبة إلى بن غوريون ودينور والمؤسسة بأكملها جزءا لا ينفصل من الخطاب السياسي وأداة هامة في تشكيل مجتمع المهاجرين ضمن شعب موحد وربط الجيل الأصغر سنا بالأرض. وعندما استولى [جيش الدفاع الإسرائيلي] على شبه جزيرة سيناء خلال حرب العام 1956، خاطب بن غوريون قوات الجيش قائلا: "يمكننا ,مرة أخرى, أن نرتل نشيد موسى وبني إسرائيل القديمة ...بهمة جبارة ومتضافرة لأذرع وحدات الجيش الدفاع الإسرائيلي ,مددتم أيديكم لتصافحوا يد الملك سليمان ... ".كما قامت هذه المؤسسة بتشجيع الحفريات الأثرية، وكما أوضح بن غوريون فإنه في حال كانت نتائج الحفريات تتناقض بين ما هو وارد في الكتاب وبين المصادر الأخرى من خارجه ، فهو يفضل الرواية الكتابية :" لدي مطلق الحرية ,من وجهة نظر العلوم البحتة , في قبول شهادة الكتاب , حتى لو كانت تواجه تحديا من مصادر خارجية, شريطة أن لا تتضمن هذه الشهادة تناقضات داخلية وأن لا تكون واضحة العيوب"(Sand, 2009: 105-115 see also: Silberman and Small (eds), 1997 Abu El-Haj, 2002) ...لقد كان علم الآثار جزءا من السياسة والسياسة جزء منه .وقد انعكس السرد الكتابي لمرويات غزو يشوع لكنعان والمملكة العظيمة لداود وسليمان في الروح القومية الحديثة. واعتمد علماء الآثار الصهاينة الذين اتبعوا أولبرايت و الآثاريين المسيحيين على تبني ممارسة الكتاب في يد و المعول في اليد الأخرى. واستندت وجهة نظرهم إلى تأريخ قومي وضعه المفكرون اليهود الذين تم ذكرهم ,بهدف تعزيز هذا الرأي. كان علماء الآثار الصهاينة في الواقع جزءا من النخبة الحاكمة, فلم يكن يغال يادين، -وهو تلميذ أولبرايت-، مجرد عالم آثار وابنا لإليعيزر ليبا سوكنيك- مؤسس قسم الآثار في الجامعة العبرية في القدس فحسب، بل كان أيضا رئيسا لغرفة العمليات خلال حرب 1948، وثاني رئيس أركان [لجيش الدفاع الإسرائيلي] ووزيرا. وعمل يادين على تفسير و تأويل اللقى التي عثر عليها أثناء حفرياته في حاصور و مجدو في الستينيات، فضلا عن لقى جازر بوصفها تؤكد على النشاط العمراني العظيم للملك سليمان كما يصف الكتاب .وتمت الإشارة إلى حاصور و مجدو و جازر كجزء من المدن التي أنشأها سليمان (سفر الملوك الأول 9:15). وهكذا يبدو أن تلك البوابات والقصور والمدن تنتمي إلى مملكة سليمان العظيمة في القرن العاشر ق.م (Yadin, 1975). و شكل بنيامين مزار، مع يادين النموذج الصهيوني لعلم الآثار. كان مزار رئيسا للجامعة العبرية. كما كان شقيق زوج الرئيس الإسرائيلي السابق اسحق بن تسفي، وكان على علاقة وثيقة مع بن غوريون. ولم يخالط التزامه بالمرويات الكتابية أدنى شك بصفته ممثلا للنخبة الصهيونية, وحاول موائمة علم الآثار بما يتوافق مع التصور ذو المفارقة التاريخية عن البطاركة في الكتاب ,فالفلستيين و الآراميين ذكرتهم قصص الآباء على الرغم من أنهم ظهروا بعد عدة مئات من السنين من الفترة التي عاش فيها الآباء. كان اقتراح مزار يرى بأن هذه القصص تصف بشكل موثوق العصر السابق لفترة الملوك (Mazar, 1974) . وخدم موشي ديان ( أحد أكثر القادة الكاريزميين في إسرائيل) خلال حياته المهنية كرابع رئيس أركان للجيش الإسرائيلي ووزيرا للدفاع و الخارجية كما كان عالم آثار هاو (ديان كان لص آثار)، ونشر مؤلفه بعنوان "العيش مع الكتاب" الذي دمج فيه إسرائيل القديمة و الحديثة (Dayan, 1978)..وقام يوحنان أهاروني ,أحد معاوني يادين بتأسيس معهد الآثار في جامعة تل أبيب. سلك أهاروني ويادين طرقا مختلفة وأصبحا نديين . ففي حين أيد يادين الرأي القائل بأن الإسرائيليين استولوا على كنعان بغزو عسكري كما يبين ذلك سفر يشوع، وقف أهاروني (1957) إلى جانب الرأي القائل بأن الإسرائيليين قاموا بذلك عبر عملية توطن تدريجية كما هو موضح في سفر القضاة. ومن هنا بدأ التنافس بين الجامعة العبرية في القدس وجامعة تل أبيب. ووفقا لنيل [آشر] سيلبرمان، تعكس الاختلافات بين يادين وأهاروني وجهات نظرهم العالمية بشأن إسرائيل الحديثة. فبالنسبة للجنرال يادين، تتناغم سردية الغزو مع حرب 1948 (حرب الاستقلال) وإقامة دولة إسرائيل. ومن ناحية أخرى، كان أهاروني ينتمي إلى حركة الكيبوتس (الجناح اليساري من الصهيونية العمالية)، ويفضل الأخلاق الصهيونية للاستيطان (Silberman, 1993 Abu El-Haj, 2002: 99-105) ومع ذلك، وعلى الرغم من التنافس بينهما ، كان يادين و أهاروني يمثلان جيلا كاملا مفعما بعزم حماية السردية الكتابية ، أي أساس الروح القومية.
الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وخطر النزعة التنقيحية Minimalism الكتابية
اتسم كل من علم الآثار المسيحي وعلم الآثار الصهيوني بالنزعة التقليدية الأصولية maximalism الكتابية ، أي ,القبول بالسرد الكتابي كمصدر تاريخي أساسي موثوق لما ينبغي تعديل جميع الأدلة الأخرى بما يوافقه. وقد الطعن في هذه النزعة التقليدية بظهور نموذج جديد في أوروبا على يد علماء كتابيين عرفوا باسم التنقيحيين الكتابيين biblical minimalists ، مثل ألبيرشت ألت (1966) ومارتن نوث (1960). اللذان اتجهت ردة فعلهما نحو العلماء الكتابيين. وتمثلت الخلفية التي ظهرت فيها التنقيحية الكتابية في لاهوت التحرير (أي رفض الكتاب كنص متميز يبرر الاستعمار والإمبريالية) وكذلك في التيارات الفكرية والسياسية الراديكالية في الأوساط الأكاديمية في أواخر الستينيات و التي كان من أبرز ممثليها كل من نيلز بيتر لامكة (1988؛ 2008: 316-317) وتوماس تومسون (1992؛ 1999) من جامعة كوبنهاغن، بالإضافة إلى فيليب دافيز (1992) وكيث ويتيلام (1996) من جامعة شيفيلد ، وظهر هؤلاء كمتشككين بشدة في الروايات الكتابية وعبروا عن انتقادهم لالتزام علماء الكتاب وعلماء الآثار بالإيمان اليهودي المسيحي وبالهوية الصهيونية. يفصل التنقيحيون إسرائيل الأسطورية الموصوفة في النصوص الكتابية عن إسرائيل التاريخية. ويجادل هؤلاء بأن السرد الكتابي لم يتشكل إلا بعد تدمير الهيكل الأول والسبي البابلي (القرن السادس ق.م)، أي خلال الفترة الفارسية (حوالي القرنين الخامس والرابع ق.م),بل وحتى خلال الفترة الهلنستية (حوالي القرنين الثالث و الثاني ق.م). وقد أدى هجومهم على المرويات الكتابية ونقد التحيزات اليهودية المسيحية والصهيونية لعلم الآثار الكتابية والدراسات الكتابية إلى ضجة أكاديمية اتهموا فيها بمعاداة السامية وتبنيهم أجندات معادية لإسرائيل. ويزعم [توماس .ل.] طومسون بتعرضه للاضطهاد وعم حصوله فعليا على عمل بعد نشر أطروحته في العام 1976.ويصف ,في مقالتين منفصلتين, مسار الأحداث التي تعرض لها إلى حين التحاقه بجامعة كوبنهاغن في العام 1993 بمساعدة [نيلز بيتر] لامكة .فقد تلقى طومسون قد حصل في العام 1985 منحة سنوية من المدرسة الكتابية École Biblique,غير أن العديد من الوسط المعني كان غير راض عن هذا القرار ,ففي مراجعة لكتاب طومسون قامت الباحثة الكتابية سارة ثافث من الجامعة العبرية باتهامه بأنه معاد للسامية وذلك في مقال نشر لها في 24 كانون أول 1999 في صحيفة جيروزاليم بوست. وكتب عنه عالم الآثار الإسرائيلي ماغن بروشي "لقد قادني التعارف المتبادل مع طومسون على التأكيد بأنه مؤمن بشدة ببروتوكولات حكماء صهيون". بينما اعتبره الآثاري الأمريكي وليم ديفر ,في مؤتمر عقد في تشرين أول -أكتوبر 1999 بأنه مناهض لإسرائيل وللكتاب ونهلستي (Thompson 2011 2001) .ووفقا لديفر أيضا ، يتاخم عمل ويتيلام "نزعة معاداة السامية"، بسبب التعميمات التي تميزه و التي يكيل فيه اتهاماته للباحثين المسيحيين و اليهود والإسرائيليين ، فكتب ويتلام على سيل المثال إن : "دراسات الكتاب هي، و الحال هذه منخرطة في عمل من التجريد له ما يناظره في السياسات الحديثة في الحيازة الصهيونية للأرض ونزع ملكيتها من سكانها الفلسطينيين". ويزعم ديفر أن ويتلام يحدد بمثل هذه الأحكام مؤامرة يهودية غير شرعية (Dever, 2003 Whitelam, 1996: 46) وقد لخص غاري ريندسبورغ من جامعة كورنيل الاتهامات السياسية ضد التنقيحيين على النحو التالي: للإجابة على سؤالي الثاني، من هم هؤلاء الناس، هؤلاء التنقيحيون، هؤلاء العدميين؟ ما هي دوافعهم ؟ ولنقدم أسماء الأربعة الأكثر شهرة من بينهم: توماس طومسون، فيليب دافيز، نيلز لامكة، وكيث ويتيلام. بعضهم تقودهم الماركسية والسياسة اليسارية. وبعضهم من المسيحيين الإنجيليين السابقين الذين يرون الآن شرور طرقهم السابقة. بعضهم من تيار مضادي الثقافة ، من بقايا الستينيات و السبعينيات الذين كان يشتمل نقدهم الشخصي على مسائلة السلطة في جميع جوانب حياتهم (Rendsburg, 1999) .
هؤلاء العلماء ليسوا معادين للسامية، كما يدعي بعض خصومهم. ومع ذلك، يتشابك نقدهم ورفضهم للأصولية الكتابية و لعلم الآثار الصهيوني مع نقدهم للروح الصهيونية وآرائهم المؤيدة للفلسطينيين. وفي هذا الصدد، لا يمكن لأحد من المعارضين أن يدعي أنه غير متحيز ,إذ لا يمكن فصل البحوث والافتراضات النظرية عن الآراء الاجتماعية والسياسية والهوية الثقافية. ومن الواضح أن وجهة نظر طومسون وعمله مؤيدة للفلسطينيين [يقول طومسون]: في نهاية فترة عملي في المدرسة [الكتابية École Biblique ]، عينت مديرا لمشروع المدرسة الذي ترعاه اليونسكو ,و كان المشروع بعنوان : أسماء المواقع الطبوغرافية الفلسطينية Toponomie Palestinienne ، وهو مشروع يتناول اندماج أسماء الأماكن القديمة في الطبوغرافيا الفلسطينية الحديثة, من بين أمور أخرى تناولها العمل حيث كان الاهتمام ينصب في المقام الأول على الجغرافيا التاريخية، وينتقد الإسرائيليين في سعيهم لنزع الطابع العربي عن الطبوغرافيا الفلسطينية وإلحاق الضرر بالتراث الثقافي للمنطقة. وقد توقفت اليونيسكو عن دعم المشروع بعد سحب التمويل السعودي و تعرضه لاتهامات "معاداة السامية"(Thompson, 2011).و يعرض ديفز علنا بطريقة مماثلة أجندة مؤيدة للفلسطينيين في رده على وليم ديفر وآخرين ,فيقول: تكمن خطورة البحوث الكتابية في كونها "صهيونية" و تشارك في القضاء على الهوية الفلسطينية، وكأن أكثر من ألف سنة من وجود المسلمين على هذه الأرض لا يعن شيئا, فالتركيز على فترة قصيرة من تاريخ طويل يساهم في نوع من استعمار الماضي بأثر رجعي, حيث تميل إلى اعتبار الفلسطينيين المعاصرين متعدين على الأرض أو "غرباء مقيمين " في أراضي الغير. و لا أعني بهذا القول كاتهام لأحد بل هو, باعتقادي, مجرد نتيجة حتمية لهوسنا في الكتاب. ونخطئ تماما عندما نتجاهل هذا أو ننكره (Davies, 2002) .كما يعتبر عمل ويتلام بدوره مؤيد أيضا للفلسطينيين، كما يظهر من العنوان الفرعي لكتابه "اختراع إسرائيل القديمة: إسكات التاريخ الفلسطيني" (1996). و يجادل ويتلام ,على خطى إدوارد سعيد, بأن الخطاب الكتابي "جزء من شبكة معقدة من أعمال و أبحاث يعرفها سعيد بأنها" خطاب الاستشراق ". وقامت هذه الدراسات بتجاهل تاريخ فلسطين القديمة وإسكاته لأن هدفها ينصب على الاهتمام بإسرائيل القديمة التي تم تصورها وعرضها بوصفها معين لا ينضب للحضارة الغربية ". ويعرف ويتلام عمله كمحاولة لإظهار أن" التاريخ الفلسطيني القديم موضوع منفصل في حد ذاته، ويحتاج إلى أن يتحرر من قبضة الدراسات الكتابية ، أي من قبضة دراسة الكتاب المقدس العبري ومن وجهات النظر اليهودية والمسيحية. و يشكو ويتلام من أنه في حين يقوم الخطاب التنقيحي بمثابة عرض سياسي وعقائدي، فهو يعرض الخطاب المهيمن على أنه خطاب موضوعي وغير متحيز وعلاوة على ذلك يتهم ويتلام وزملائه علماء الآثار الكتابيين ، مثل إسرائيل فنكلشتين، أنهم متحيزون لجهة "البحث عن الكيان القومي[ إسرائيل ]في الفترة الانتقالية للعصر البرونزي المتأخر "، وبالتالي تهميش وفصل المناطق الكنعانية التي لا يرونها هامة وذات صلة لفهم الاستيطان الإسرائيلي (Whitelam, 1996: 1-18).
وعلى هذا تشكل الآثاريات الكتابية جزء من حرب السرديات بين الإسرائيليين والفلسطينيين حيث تلعب الهويات الصهيونية -الإسرائيلية والعربية - الفلسطينية دورا رئيسيا في بناء التوقعات والافتراضات والتحيزات النظرية وتأويل البيانات. وبطبيعة الحال ينحاز الجانب الفلسطيني للنزعة التنقيحية و يعكس كتاب نور مصالحة " الكتاب المقدس والصهيونية: التقاليد المخترعة وعلم الآثار وما بعد الكولونيالية في فلسطين-إسرائيل" (2007)، الرؤية الصهيونية . ونور مصالحة مؤرخ عربي فلسطيني وأستاذ دين وسياسة ولد في إسرائيل (و التي يشكل العرب حوالي 20٪ من سكانها ) .بعبارة أخرى، يعد كتاب نور مصالحة بمثابة بيان فلسطيني, ومتأثر بمفكرين مثل إدوارد سعيد وإيلان بابيه, الناشط الإسرائيلي اليساري ما بعد الصهيوني وأحد المؤرخين الجدد في إسرائيل الذين يتحدون السردية الصهيونية. ويمثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الإطار الذي طور فيه مصالحة مقاربته للكتاب[المقدس[ ,فإذا كانت النكبة الفلسطينية بمثابة "محرقة صغيرة" و وإذا كان "نفي مئات الآلاف من السكان الأصليين الذي حدث مع قيام دولة إسرائيل في عام 1948 – تقرر باسم الكتاب المقدس – فهذا بحد ذاته يعد أحد أعظم جرائم الحرب في القرن العشرين "(Masalha, 2007: 1) و بالتالي فإنه من المغري جدا التوصل إلى الاستنتاج التنقيحي التالي:" يتم هدم تاريخية العهد القديم تماما ,على أساس الأدلة الأثرية والعلمية الحالية " (Masalha, 2007: 10) .ثمة ترابط واضح إذن فيما يتعلق بالاشتباك بين الآثاريات الصهيونية والفلسطينية وكذلك الصراع بين السرديتين القوميتين , وفي هذا الصدد يقول الآثاري الفلسطيني هاني نور الدين من جامعة القدس لصحيفة نيويورك تايمز إنه يعتبر ,هو وزملائه, أن علم الآثار الكتابي يمثل جهدا إسرائيليا "من أجل موائمة الأدلة التاريخية مع السياقات الكتابية ,فالصلة مفقودة إلى حد كبير بين الأدلة التاريخية والمرويات الكتابية المدونة لاحقا ,ثمة هناك نوع من الخيال عن القرن العاشر ق.م ,لذلك نراهم يحاولون ربط أي شيء يجدوه بالسردية الكتابية , إنهم بذلك يشبهون من يمتلك زرا ثم يقوم بصنع بدلة تناسبه " (Erlanger, 2005) ويشرح نور الدين المنظور الفلسطيني لـ "ناشيونال جيوغرافيك" بقوله : "عندما أرى النساء الفلسطينيات يصنعن الفخار التقليدي الذي يعود للعصر البرونزي المبكر، وعندما أشم رائحة خبز الطابون المخبوز بذات تقليد الألفية الرابعة أو الخامسة قبل الميلاد، فكأني ,هنا, أرى أن هذا هو الحمض النووي الثقافي. ففي فلسطين لا توجد وثيقة مكتوبة، لا توجد تاريخية – ومع ذلك [فما أراه و أشمه] هو التاريخ " (Draper, 2010) .إن إنكار الفلسطينيين للمرويات الكتابية والصهيونية يترافق مع التأكيد بأنهم هم أنفسهم أحفاد الكنعانيين أو غيرهم من سكان الأرض الأقدمين .وكان رئيس قسم الآثار في جامعة النجاح الفلسطينية ,جلال قزوح قد كشف في العام 1988 عن بقايا منازل تعود للمدينة الكنعانية تل صوفر غرب نابلس, و تظهر الأدلة، كما يزعم قزوح ، على الاستمرارية بين تاريخ الكنعانيين و الفلسطينيين . لم يتفق جميع علماء الآثار الفلسطينيين مع نظرية قزوح. فقد قال حامد سالم، أستاذ علم الآثار في جامعة بيرزيت: "إنه ليس من علم الآثار بشيء تتبع استمرارية الناس لنحو 5000 سنة مضت". وأوضح حمدان طه مدير عام دائرة الآثار والتراث الثقافي في رام الله الدوافع الاجتماعية والسياسية وراء التفسير الأثري لقزوح: "إذا حاول بعض الفلسطينيين مطابقة أنفسهم مع الكنعانيين القدامى، فأعتقد أن هذا جزء من علم الآثار الانعكاسي اللاواعي، واستجابة مباشرة للممارسة الإسرائيلية لعلم الآثار " (Eltahawy and Klein, 1998 Wallace, 2013) . وقام الآثاري خالد ناشف من جامعة بيرزيت في العام 2000 بتأسيس مجلة الآثار الفلسطينية، التي تتحدى علم الآثار الكتابي باسم السردية الفلسطينية الصامتة والمحرومة.
مرحلة جديدة في علم الآثار الكتابي
ساهم تفكك المجتمع "المشتبك"، أو المجتمع "المعبأ" كما يطلق عليه في إسرائيل، وتراجع النزعة الجماعية الصهيونية-الاشتراكية في أواخر السبعينات، في ظهور روايات وخطابات مختلفة. فعلى سبيل المثال، تحدى المؤرخون الجدد، وبعضهم ممن يوصفون بأنهم ينتمون لأفكار ما بعد صهيونية ، الرواية الصهيونية فيما يتعلق بجذور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحرب 1948، ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين. وقد بدأ عمل المؤرخين الجدد، مثل بني موريس (Morris, 1987) خارج الأكاديمية الإسرائيلية وأدى إلى خلق ضجة من حوله . وكما يصف موريس حاله: "عوملت كعدو للدولة وبقيت هذه الصورة عالقة. لقد نبذت ,فلم أكن أدعى للمؤتمرات، وبطبيعة الحال، لم يقدم لي أي منصب جامعي "(Morris in Ben-Simhon, 2012) . وقد هيمن التيار الجديد لعلم الآثار الكتابي خلال تسعينيات القرن الماضي وأوائل القرن الحالي, و قامت مدرسة جديدة في جامعة تل أبيب، يقودها إسرائيل فينكلشتين، وزئيف هرتسوغ، ونداف نعمان، التي رفضت المنطق الدائري التعميمي لعلم الآثار التقليدي، وعرضت مقاربة أكثر نضجا ونقدا. وفي العام 1999 ابتدأ سجالا شرسا إثر نشر هرتسوغ مقالة في هآرتس( صحيفة النخبة الفكرية في إسرائيل) (Herzog, 1999) .وتنتمي السجالات حول المقاربة الجديدة في علم الآثار الكتابي في جزء منها لمناقشة عمل المؤرخين الجدد، نظرا لما تنال أعمالهم من الروح والأساطير القومية وتعريض الهوية الصهيونية والهوية اليهودية للخطر. وكان هرتسوغ قد لخص في مقالته تلك نتائج أعمال مدرسة تل أبيب وهاجم المقاربة التي شكلها الجيل السابق من علماء الآثار. وبحسب هرتسوغ، لا تثبت الأدلة الأثرية والكتابية قصص البطاركة والخروج، وفتح كنعان، ووجود المملكة الموحدة في عصر داود وسليمان, فضلا عن أن التوحيد لم يظهر إلا في فترة الملكية الأخيرة فقط. كان التأريخ الكتابي أحد أركان بناء الهوية القومية للمجتمع اليهودي - الإسرائيلي، وبالتالي اعترف هرتسوغ أنه بوصفه ابن الشعب اليهودي وتلميذا للمدرسة الكتابية ، يشعر بخيبة أمل و أسى على "شعبه" .وفي هذا السياق، فإن اعترافه هذا كان له علاقة غير مباشرة بعمل المؤرخين الجدد، وهو يقدر بأن المجتمع الإسرائيلي مستعد للاعتراف بالظلم الذي وقع على الفلسطينيين، لكنه مازال غير قويا بما يكفي لقبول الحقائق الأثرية التي تحطم أسطورة الكتاب [المقدس]. و استعرض هرتسوغ , وفقا لنظرية توماس كون ,الأحداث على أنها نقلة نوعية: فقد انهار النموذج القديم لعلم الآثار الكتابي بسبب تراكم الحالات الشاذة ,وفي ظل الأزمة نهض النموذج الجديد لمدرسة تل أبيب.وتجدر الإشارة ,عند هذه النقطة، إلى أنه مع نهاية القرن العشرين لم يحدث التغيير في مقاربة علم الآثار للكتاب فحسب ،بل في ممارسته أيضا ,فأضحى علم الآثار الكتابي ,كما لاحظ فنكلشتين, "علما كبيرا" بتأثير من العلوم الطبيعية (Finkelstein, 2006-2007: Lecture 1)، وحتى في العام 1970، عندما بدأ [فينكلشتين]دراسته، كان علم الآثار لا يزال غير مرتبط بالعلوم الطبيعية. ومنذ ذلك الحين تطورت الروابط والاتصالات بشكل كبير. فإذا كان يتم -على سبيل المثال-توقيع تقارير أعمال الحفر و التنقيب في بداية القرن العشرين من قبل عالم آثار واحد مثل روبرت ماكاليستر، فاليوم يوقع على مثل هذه التقارير في أعمال الحفر و التنقيب لبعثات فينكلشتين عشرات الخبراء من مختلف المجالات، مثل الفيزياء والجيولوجيا وعلم المعادن و علم النبات و الحيوان الأحفوريين .
يطعن فينكلشتين ومن خلفه مدرسة تل أبيب بالتسلسل الزمني التقليدي لعلم الآثار الكتابي و يستبدله بنظرية التسلسل الزمني المنخفض, فقام بخفض تاريخ مجاميع القرن الحادي عشر ق.م إلى أوائل القرن العاشر ومجاميع القرن العاشر إلى أوائل القرن التاسع . ووفقا لهذا الرأي، حصل الانتقال من أواخر العصر الحديدي الأول إلى أوائل العصر الحديدي الثاني IIA مع نهاية القرن 10 ق.م ، أي بعد عصر داود وسليمان ,ما يعني بأن المملكة الموحدة العظيمة لم توجد في عصر داود، ولم تكن يهوذا سوى مملكة قبلية صغيرة غير محصنة ، و أورشليم مجرد “قرية صغيرة". ولم يكن هناك سوى 500 من الذكور البالغين تقريبا في يهوذا من القرن 10 ق. التي لم يكن عدد سكانها بشكل عام يتجاوز بضعة آلاف على أكثر تقدير (Finkelstein, 1996 Finkelstein, 2005 Finkelstein, 2006-2007 Finkelstein and Silberman, 2001: 142)..في الوقت الذي لاتزال فيه مجموعة منافسة من علماء الآثار المحافظين ينتمي أبرزهم للجامعة العبرية في القدس ، تنظر إلى الكتاب كمصدر تاريخي ذو مصداقية عن الفترة الملكية وتدافع عن نظرية التسلسل الزمني العالي.وتعتبر مدرسة القدس هذه , بالمقارنة مع مدرسة تل أبيب ,أقرب بكثير إلى الجيل السابق من علماء الآثار الصهاينة. وتم نشر مجموعة من المقالات التي تعرض وجهات النظر المختلفة في هذه المناقشة في عام 2001 (Levine and Mazar (eds), 2001).
في هذا القسم، وفي الأقسام التالية، سوف أركز على الجوانب الاجتماعية والسياسية للسجال بين أنصار التسلسل الزمني المنخفض والتسلسل الزمني العالي . ويحاول عميحاي مزار، عالم الآثار البارز من الجامعة العبرية (والأستاذ الفخري فيها) وابن أخيه بنيامين مزار، الذي يعرف نفسه بأنه "محافظ معتدل"، التقليل من تأثير الجوانب الاجتماعية والسياسية على عمل زملائه من كلا المدرستين: "كل هؤلاء هم أساسا من العلمانيين الذين ينحدرون من أطر تعليمية مماثلة ويحملون آراء سياسية مماثلة ليست متطرفة. لن تجد أناس من أقصى اليمين أو من أقصى اليسار، فهؤلاء يقعون في مكان ما في الوسط. لا أعتقد أن تلك الاعتبارات للآراء السياسية حاسمة ". من ناحية أخرى، يزعم أهارون مئير من جامعة بار إيلان أن" إحدى المشاكل تكمن في الدوافع المتعلقة بالسياسة" ,فهو يقول عن الآثارية إيلات مزار، من مدرسة القدس المحافظة و ابنة بنيامين مزار "ستقول إن عملها ليس له دوافع سیاسیة، ولکن يمكنك أن ترى رؤيتها للعالم ,ومن أین تحصل علی مالھا [جزء منه من جمعیة "إل عاد "القومية المتطرفة ] ", تراجع مئير عن تصريحاته هذه فيما بعد وقال إن إيلات مزار لا تمتلك، على أية حال، أي أجندة سياسية (Shtull-Trauring, 2011). وفي الواقع، ينتمي معظم الآثاريين الإسرائيليين إلى التيار الصهيوني, غير أن هذا لا يعني أن عملهم لا يتأثر بالجوانب الاجتماعية والسياسية والثقافية. فالآثاريون الصهاينة المعاصرون أقل تشككا بالكتاب[المقدس] بالمقارنة مع نظرائهم التنقيحيين غير اليهود في أوروبا المؤيدين للفلسطينيين ، ومن الفلسطينيين أنفسهم، ومن الإسرائيليين ما بعد الصهيونييين.وعلاوة على ذلك، هناك ثمة اختلافات حتى بين مدرستي تل أبيب والقدس فيما يتعلق بالمسائل الاجتماعية والسياسية، كما يعترف مئير بمرارة وعلى مضض , فمن جهة هناك زئيف هيرتسوغ الذي تم اعتباره من ضمن المؤرخين الجدد والأكثر تشككا في الكتاب من الجيل السابق من الآثارين الصهاينة. و في الجهة المقابلة تقف إيلات مزار ,حيث يعكس عملها وجهة نظر قومية وهي تحمل إرث الجيل السابق .إن ترابط الآراء الاجتماعية والسياسية والافتراضات النظرية وتفسير الأدلة يمكن رؤيته بمقارنة وجهات النظر الصهيونية وما بعد الصهيونية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك ما يكتبه أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب شلومو ساند العلماني و اليساري والمفكر ما بعد صهيوني, فقد أصبح كتابه المثير للجدل "اختراع الشعب اليهودي" (2009) من أكثر الكتب مبيعا في إسرائيل, وبعد نجاح كتابه الأول، نشر ساند تكملتين له :" اختراع أرض إسرائيل" (Sand, 2012) و"كيف ومتى توقفت عن أن أكون يهوديا". (Sand, 2013) وقد تعرض ساند لانتقادات شديدة من قبل ممثلي النخبة الصهيونية، مثل المؤرخون: أنيتا شابيرا و إسرائيل بارتال و يوآف جيلبر(Shapira, 2009 Karpel, 2012 Haaretz, 2012 Gelber, 2012) . وفي جزء من هذا النقاش كان يدور السؤال حول طبيعة حدود المجالات العلمية والتوتر بين التخصصات المختلفة .فيدعي خصوم ساند أنه ليس لديه سلطة للحكم على مثل هذه القضايا، لأنه متخصص في التاريخ الثقافي لفرنسا والعلاقة بين الفيلم والتاريخ.ومن المهم أن نلاحظ أنه لا يمكن التمييز بوضوح في هذه المناقشة بين الجوانب التالية: (أ) رؤية العالم الصهيونية أو ما بعد الصهيونية لمختلف المنافسين، و (ب) مقاربتهم للتاريخ ، ولظهور وتطور النزعة القومية بالنسبة للكتاب ولعلم الآثار الكتابي ومسألة ما إذا كان اليهود اليوم هم أحفاد ينحدرون مباشرة من يهود فترة الهيكل الثاني أو ما إذا كان الفلسطينيون، جزئيا، أحفادهم. وجميع هذه الجوانب والقضايا شكلت جزء لا ينفصل من السجال ذاته ,ويهدف ساند على سبيل المثال إلى الكشف عن الكيفية التي قام بها "أتباع القومية اليهودية" بنقل الكتاب [المقدس] من الرف اللاهوتي إلى الجرف التاريخي و "بدأوا بقراءته كما لو كان شهادة ذات مصداقية عن الصيرورات والأحداث"(Sand, 2009: 127). فهل من المستغرب إذن أن يدعم ساند التنقيحيين الكتابيين ويكون أكثر تشككا في الروايات الكتابية من المفكرين الصهاينة، بما في ذلك أتباع مدرسة تل أبيب ؟ يعتقد ساند أن أعمال "رواد مدرسة تل أبيب"، من أمثال نعمان و فنكلشتين وهرتسوغ "تقدم استنتاجات ملفتة للانتباه". ويصف ساند جدالهم الذي يفسر عدم إمكانية تأليف الكتاب قبل نهاية القرن الثامن ق.م بأنه جدال "مقنع إلى حد ما" ,بيد أنه يرفض الموضوع الرئيسي في أعمالهم الذي يوضح تشكيل قصص الكتاب وتحريرها،وبدرجة كبيرة من خلال مصالح وآراء مملكة يهوذا في عصر الملك يوشيا (القرن 7 ق.م). يقول ساند إن تفسيراتهم هذه تحكمها مفارقة تاريخية. فعلى الرغم من أن كتاب فنكلشتين و سيلبرمان :التوراة مكشوفة على حقيقتها (2001) هو "غني ومحفز"، فهو .كما يشير ساند,"يصور مجتمع قومي حديث إلى حد ما ,يسعى ملكه ، ملك يهوذا عن طريق اختراع التورة ، لتوحيد شعبه مع لاجئين مملكة إسرائيل المهزومة ". ويرى ساند أن فينكلشتين و سيلبرمان وزملائهما، يعكسون المجتمع الحديث والثقافة التقنية على مجتمع الفلاحين الأميين الذين عاشوا في القرن السابع ق.م ، على الرغم من عدم احتواء مملكة يهوذا على نظام تعليمي، ولغة موحدة نموذجية ووسائل اتصال متقدمة. قد تكون التوراة ,بالنسبة للأميين, " معبودا "فيتشيا",غير أنه لا يمكنها أن تكون راية إيديولوجية ". ناهيك عن أنه لم يعتمد الملك قديما في حكمه على حسن نية الشعب أو الآراء "السياسية" للجماهير، بل على ضمان إجماع إيديولوجي فضفاض بين الطبقة الإدارية وشريحة ضيقة من الأرستقراطية العقارية (Sand, 2009: 123-124). ويخلص ساند إلى أن شرح أصل التوحيد الأول في سياق البروباغاندة الواسعة التي تقوم بها مملكة هامشية صغيرة تسعى إلى ضم الأرض إلى الشمال لا تعدو أن تكون حجة تأريخية غير مقنعة .ومع ذلك، قد يكون هذا مؤشرا على مزاج مضاد للإلحاق في إسرائيل القرن الحادي والعشرين . ومن النظريات الغريبة أن الاحتياجات البيروقراطية والمركزية لحكومة أورشليم الصغيرة أن تولد العبادة التوحيدية "يهوه وحده" وذلك قبيل سقوطها فضلا عن تدوين عمل لاهوتي بأثر رجعي في شكل الأجزاء التاريخية من الكتاب [المقدس] .ومن المؤكد أن معاصري يوشيا ، الذين قرأوا الروايات التي تصف قصور سليمان الضخمة، كانوا يتوقعون أن يشهدوا بقايا عظمة الماضي في شوارع مدينتهم. ولكن بما أن تلك القصور القديمة الشاسعة لم تكن موجودة قط، كما بين علم الآثار، فكيف يمكن وصفها قبل تدميرها الخيالي؟(Sand, 2009: 124) .وهكذا، فمن المرجح, وفقا لساند, أن السجلات الإدارية فقط ونقوش النصر المشبعة بالغرور التي كتبها مدونوا البلاط مثل شافان كاتب يوشيا، هي ما تم حفظها في أرشيف مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل ويقر ساند بأننا " لا نعرف، ولن نعرف قط ما تحتويه تلك السجلات ".يفضل ساند , ضمن مجال واسع من التفسير النظري، الوقوف إلى جانب التنقيحيين الكتابيين ، أو مدرسة "كوبنهاغن- شيفيلد"، الذين تبدو نظريتهم "أكثر إقناعا" على الرغم من أن المرء لا يجب أن يقبل جميع الافتراضات والاستنتاجات من هذه النظرية . ويجادل ساند بأن استخدام السجلات والنقوش في تأليف الكتاب حصل فقط بعد سقوط مملكة يهوذا، تحت تأثير الأمثال والأساطير والخرافات من الشرق الأدنى، فضلا عن النفي من يهوذا والعودة خلال القرن السادس ق.م. تم إنشاء التوحيد والكتاب المقدس نتيجة للقاء بين النخب الفكرية اليهوذية والدين الفارسي المجرد. لقد حرر غياب النظام الملكي الكتبة والكهنة وسمح لهم ليس فقط بالإشادة , بل بانتقاد حتى داود مؤسس السلالة . (Sand, 2009: 124-128)
دفاع فينكلشتاين وكبش فداء من شارع شينكين
اقتبس فنكلشتين,في محاضرة له في جامعة تل أبيب، اهتمام الآثاري المسيحي "رولان دو فو" في العقيدة اليهودية-المسيحية. وتساءل فنكلشتين بأسلوب خطابي ما إذا كان ملتزما بهذا الرأي. وأوضح على الفور أنه غير ملتزم به,لا من حيث الهوية والإيمان ولا من حيث البحث (Finkelstein, 2006-2007: Lecture 1) . وبطريقة مماثلة، تعاطف فينكلشتين مع الجيل السابق من علماء الآثار الصهاينة، ولكن في الوقت ذاته يرسم خطا بينهم وبين الجيل الجديد: كانت هناك حاجة عميقة هنا لخلق ثقافة وإعطاء جذور لأناس من قوميات مختلفة أتوا من أماكن مختلفة كثيرة، وكان علم الآثار أداة قوية لهذا الغرض. لقد تم استقطاب الجميع في هذا الجهد وفقا لقناعة داخلية عميقة، وليس هناك ثمة أي خطأ في ذلك. رأى يادين بأن التاريخ يكرر نفسه: غزو الأرض آنذاك والآن، ومملكة داود وسليمان المجيدة آنذاك والآن، وهذه المرة تأخذ شكل ديمقراطية في الشرق الأوسط. يمارس الآثاريون لعبهم بين الماضي والحاضر، ولا يمكن انتقادهم جراء ذلك (Finkelstein in Shtull-Trauring, 2011) . وعندما سأل أحد الصحفيين فينكلشتين عن مدى انشغاله من أن نظريته سوف تخدم أولئك الذين ينكرون الحجة الصهيونية، كانت إجابته بتقديم رواية أكثر نضجا ونقدا للصهيونية من أسلافه:إن النقاش حول حقنا في الأرض أمر مثير للسخرية,كما لو أن هناك لجنة دولية في جنيف تنظر في تاريخ الشعوب, فيأتي شعبان ويقول أحدهما "لقد كنت هنا منذ القرن العاشر ق.م "، فيقول الآخر "لا، إنه يكذب، إنه هنا فقط منذ القرن التاسع ق.م فما العمل ؟ ".ماذا يفعلون – هل يطردوه؟ يطلبوا منه أن يوضب أغراضه ويرحل؟ وفي جميع الأحوال ,يعود تراثنا الثقافي إلى تلك الفترات، لذلك فالقصة كلها مجرد هراء ,لقد كانت أورشليم موجودة وكان لها معبدها الذي يرمز إلى شوق اليهوذيين الذين عاشوا هنا، وبعد ذلك أصبح يرمز ، في فترة عزرا و نحميا، إلى شوق اليهود. ألا يكفي هذا؟ أليس هذا كافيا؟ كم هو عدد الشعوب التي تعود إلى القرن التاسع أو العاشر ق.م؟ ..ولنقل أنه لم يكن ثمة خروج من مصر ولا وجود لمملكة عظيمة موحدة ، وأننا في الواقع كنعانيين. لذلك فلا خوف علينا من حيث الحقوق،أليس كذلك؟ (Finkelstein in Lori, 2005). .يؤكد فنكلشتين على الدوام في كتبه ومحاضراته ومقابلاته أنه يؤمن بشدة في "الانفصال الكامل" بين الإيمان والتقاليد والبحوث الأثرية بيد أنه لا يستبعد لاهوت الكتاب [المقدس] معتبرا إياه "لاهوتا مثيرا" له بطريقة لا توصف من المهم له أن يعرف جمهوره الإسرائيلي مدى فخره في التقاليد اليهودية وأنه لا يحاول تقويضها, لم يبن سكان يهوذا الذين عاشوا في أواخر عهد الملكية جدار أو أنتجوا فخارا يستحق وضعه في متحف، ولكن من خلال موجة استثنائية من الإبداع، كما حصل في أثينا وفلورنسا، أنتجوا الوثيقة التأسيسية لليهودية والمسيحية. وبما أن الهوية تشكل تهديدا للموضوعية والبحوث تشكل تهديدا للهوية، فإن حل فينكلشتين يكمن في الإصرار على الفصل [بين الإيمان و التقاليد و البحوث الأثرية] الأمر الذي من شأنه أن "يحرر التصعيد والتوتر" (Finkelstein, 2006-2007: Lecture 13) .
يقدم فينكلشتين ومنافسيه المحافظين عملهم على أنه :موضوعي" و"غير متحيز"، ولكن النقاش بينهما يظهر بجلاء هيمنة الآراء الاجتماعية والسياسية والقيم الثقافية ,فل يختف البعد الاجتماعي السياسي لعلم الآثار الكتابي رغم ادعاءات فنكلشتيني. فمن المستحيل فصل هوية الباحث عن مجال دراسته .ويواصل فينكلشتاين ومنافسيه إلقاء اللوم على بعضهم البعض بسبب تأثرهم بالآراء الاجتماعية والسياسية. فمن ناحية يتهم ويتلام ، كما رأينا من قبل، فنلكشتين بقيامه بتضخيم الاستيطان الإسرائيلي في البحث عن الكيان القومي , أي إسرائيل ، في حين يهمش المناطق الكنعانية. ومن ناحية أخرى، يتهم الصهاينة المحافظون ، فينكلشتين و مدرسة تل أبيب بالتآمر مع التنقيحيين. ويوضح فينكلشتين بشكل متكرر أن عمله لا يشكل أي تهديد للصهيونية أو اليهودية, وهو يقدم نفسه للجمهور الإسرائيلي بطريقة خطابية باعتباره واحدا من أولئك الذين يتقاسمون ذات القيم والانشغالات .ويشرح فنكلشتين و سيلبرمان في المقدمة العبرية لكتاب "التوراة المكشوفة" (Finkelstein and Silberman, 2001), ,أنه ينبغي فصل مطابقة القارئ اليهودي مع النص الكتابي عن الدراسة العلمية للنص: فالإيمان والتقاليد والبحوث موجودة بأبعاد متوازية. ووفقا للمؤلفين، فقد نضج المجتمع الإسرائيلي, و أن الفكرة القائلة بأن شرعية إسرائيل تعتمد على دقة التصورات الكتابية ليست سوى فكرة صبيانية. فلا يهم ما إذا كان سليمان حكم مملكة كبيرة أو قرية صغيرة وعدد قليل من الأراضي في القرن العاشر ق.م ,فليس هناك أدنى شك في أن مملكتي يهودا وإسرائيل وجدتا بالفعل في القرن التاسع ق.م. وعلاوة على ذلك، قد يتحول الاستخدام السياسي للتاريخ القديم إلى سيف ذو حدين, فالتأكيد على أن الإسرائيليين ينحدرون من نسل الكنعانيين قد يبدو بدعة، ولكن يعتقد فينكلشتين وسيلبرمان أن ذلك يسحب البساط من تحت بعض التأكيدات التي ترى بأن جذور مجموعة أخرى يمكن العثور عليها في العالم الكنعاني. وتستهدف مثل هذه الخطوة البلاغية لفنكلشتين و سيلبرمان سجالات التنقيحيين في بعدها السياسي ,مثل السردية الفلسطينية وحجة "الإسكات" التي ينادي بها ويتلام, ويضيف المؤلفان بأن إسرائيل بوصفها مجتمع ديمقراطي وليبرالي منفتح اجتماعيا , ينبغي لها أن تتعاطى مع ماضيها و أن تدعم حرية البحث ,التي تعد أهم بكثير من قصور القرن العاشر ق.م الرائعة. وقد ألفا كتابهما , كما يقولان, مع الاحترام العميق لـ "الحقيقة" الكتابية, التي تتعامل مع واقع واحتياجات وصعوبات شعب يهوذا في نهاية الفترة الملكية وخلال الفترة الفارسية. وأحد الموضوعات الرئيسية في نظرية فينكلشتين هو أن السرد الكتابي يتشكل إلى حد كبير من الاعتذاريات، أي الدفاع عن سلوك الملك داود أو الدفاع "التثنوي الثاني" الذي كان عليه أن يفسر تدمير الهيكل الأول ومملكة يهوذا و السبي البابلي(Finkelstein, 2006-2007 Finkelstein and Silberman, 2001) .وفي بعض الأحيان يجد فنكلشتين رابطا بين الآن ولاحقا , فيقول "قال شعب يهوذا أن ملوك إسرائيل كانوا أوغادا ، ولكن بالنسبة للشعب هناك، ليس لدينا أي مشكلة معهم، هم جميعا على حق" هم قالوا عن إسرائيل ما يقوله شخص أرثوذكسي متطرف أصولي عنك أو عني : " فلا تزال إسرائيل هي إسرائيل ، رغم خطأها " (Finkelstein in Lori, 2005). . ومن المثر للسخرية أنه عندما يتحدث فنكلشتين عن دفاع الكتاب ,يقوم بإنشاء دفاعه الخاص. لقد أتت عائلة والدته إلى فلسطين في العام 1860، وعائلة والده قبل تسعة عقود. ويوضح , في مقابلة مع صحيفة "هآرتس"، أنه ليس من أولئك المترفين العلمانيين العدميين من تل أبيب أو من اليسار ما بعد الصهيوني مستخدما تماما نفس الاتهامات التي يسوقها الحاخامات الأرثوذكسيين والسياسيين من الأحزاب الدينية والسياسيين اليمينيين أو الصهاينة المتطرفين القدامى، ضد شارع شينكين، وضد ثقافته وناسه ، الذي أصبح رمزا لعلمانية تل أبيب:ما الذي لم يقولوه عنا؟ إننا نهلستيين ، و نبشر بالثقافة الغربية، ونقوض حق إسرائيل في الوجود. حتى أن أحدهم استخدم وصف "منكر الكتاب [المقدس] " ... أنا لست شينكساني نهلستي مشرك [أي لا يهودي]... فماذا أفعل؟،أغادر؟ أين من المفترض أن أذهب؟ إلى غرودنو*؟ لا أريد أن أذهب إلى هناك ... ربما تتمتع يهدوء أكثر و متعة لو كنت في بوسطن أو باريس، ولكن إن كنت تعيش هنا، فينبغي لك أن تكون ,على الأقل,جزءا من التجربة التاريخية الجارية وتفهم قوتها. أما إذا كان هدفك من العيش هنا هو التمتع بحفلات ليلة الخميس الشاطئية ، فمن الافضل لك أن لا تكون هنا أصلا ، لأن هذا المكان خطير. وأي شخص يعتقد أن تل أبيب هي نوع من غوا [شاطىء في الهند] إنما هو شخص غابت عنه هذه الفكرة تماما(3) (Finkelstein in Lori, 2005)
سبق لـ "بن غوريون" ,الذي كان صهيونيا بيوريتانيا أن دعى في رسالة له من العام 1955 تل أبيب وحيفا بـ "سدوم وعمورة المعاصرتين" (Sima, 2012).ويمكن لأي شخص ملم في الخطاب الإسرائيلي أن يلحظ أن الشيء الوحيد الذي نسي فينكلشتين أن يقوله عن كبش فداءه من شارع شينكين هو أنهم يأكلون السوشي هناك, وعندما يستخدم اليهود المتطرفون في العادة مصطلح "غير اليهود" في هذا السياق، تكون الخطوة التالية اتهام خصمهم بالتحول إلى المسيحية. فنكلشتين أبعد ما يكون عن الأرثوذكسية، ولكنه كوطني ملتزم بالتقاليد اليهودية و عمله لا يقوض اليهودية أو الصهيونية، عليه أن يقدم رواية لآخرين حقيقيين و متخيلين و أحدهم آدم زرطال، الأستاذ الفخري في جامعة حيفا الذي يمثل الجيل القديم من الآثارين الصهاينة. لقد كان زرطال هو من اعتبر فينكلشتاين، وهرتسوغ ومدرستهما في عداد منكري الكتاب[المقدس] ، وهو مصطلح له دلالات مثل دلالات"إنكار المحرقة"(Zertal, 1999 Zertal 2000) .ويمكن العثور على رد غير مباشر من الشينكينايم في الكوميديا الشهيرة "هذه هي سدوم"، وهو عمل روائي من إخراج مولي سيجيف وآدم ساندرسون (2010). تم إعداد ه من قبل فريق "إريتس نهيدريت"[ البلد الرائع]، أحد أشهر البرامج التلفزيونية الأكثر نجاحا في إسرائيل في العقد الماضي. إريتس نهيدريت هو عرض ساخر في قالب يماثل "ساتورداي نايت لايف". إن الهوية الاجتماعية والسياسية للعرض واضحة.وينتمي مؤلفو العرض لجناح اليسار الوسط الليبرالي، العلماني، رجال أشكناز من تل أبيب. وكثيرا ما يتعارض العمل مع السياسيين الدينيين واليمينيين. يعرف سيجيف، المؤلف ورئيس تحرير البرنامج، نفسه بأنه ناخب نموذجي لحزب العمل، على الرغم من أنه في انتخابات عام 2013 صوت لصالح حزب ميريتس اليساري، الذي يقدم موقفا أقوى حول حل الدولتين وتفكيك المستوطنات فضلا عن الفصل بين الدين والدولة، والتشريع الديني، والمؤسسة الأرثوذكسية. ويعبر سيجيف في مقابلات مع وسائل الإعلام (Halutz, 2013) عن الخوف من تدمير الرؤية الديمقراطية الليبرالية في إسرائيل بواسطة رؤية ثيوقراطية قومية. عمل سيجيف وزملائه "هذه سدوم" يحمل دلالات رمزية للصراع بين تل أبيب والإسرائيلي العلماني، من جهة ,وبين الصهيوني القومي و اليهودية الدينية من جهة أخرى ,الرب كما هو مبين في الفيلم، هو البائع الماكر الذي يخدع في نهاية المطاف أبراهام ، الزبون الانتهازي الساخر ، لتوقيع عقد معه, يمثل أبراهام الأرثوذكسية اليهودية.الملك بيرا، الديكتاتور الشرير من سدوم، يجسد عمدة تل أبيب ونظام الحكم بأكمله في إسرائيل. يرسل الرب إلى سدوم الملاكين رافائيل وميكائيل يرتديان زي ضباط شرطة ويقودان دراجات نارية. ومن المهم أن نلاحظ ,في هذا السياق،أن الإسرائيليين والفلسطينيين كثيرا ما يصفون صلتهم ببعضهم البعض كأبناء عمومة، أي أحفاد الآباء البطاركة الكتابيين إسحق وإسماعيل. وفي الفيلم، عندما تلتقي هاجر وابنها إسماعيل في الملائكة في الطريق إلى سدوم، تقوم بتقديم شكوى ضد إبراهيم الذي طردها و ابنها إلى الصحراء. لقد تركت مع والصبي بلا شيء: "ما هو مستقبل الطفل؟..و في ظل حالة اليأس، سيقوم بعمل متطرف , سوف يأخذ جمله، يدخل إلى خيمة ويفجرها بمن فيها ، يا رحمة الله! "يسأل اسماعيل المتفاجئ " ماذا ؟! "، تهمس هاجر " امض ...فقط تابع ".في المشهد الأخير من الفيلم، لا يتم تدمير سدوم ويصبح لوط ملك المدينة-الدولة / عمدتهاو. تنتقل اللقطة من مشهد بانورامي لسدوم القديمة إلى بانوراما لتل أبيب الحديثة، ويوضح التعليق: "ظلت سدوم مدينة مزدهرة. وانتقل سكانها لاحقا إلى موقع أفضل ". ينضم بيرا لعائلة إبراهيم بعد أن يهرب بالمال من سدوم متنكرا في شكل لوط, ويوضح التعليق أن "إبراهيم وبيرا أسسا سلالة رائعة وعاشا جيرانا طيبين مع شعوب المنطقة"، بينما نرى في الخلفية إبراهيم وبيرا يجلسان في الصحراء في الوقت الذي تقوم فيه هاجر بتنظيف ما تحت أقدامهما. استقلال سدوم الجديد مستثنى من الصراع العربي الإسرائيلي.
ثمة رد آخر غير مباشر من شينكينايم يتصل بموضوع القسم التالي: الحفريات بالقرب من جبل الهيكل واتهامات فينكلشتين للحفريات التي تقوم بها مدرسة أورشليم ,يعرف أعضاء فرقة غنائية إسرائيلية أنفسهم بأنهم شينكينايم(4) (تعرف الفرقة با باسم Cain & Abel 90210) لهذه الفرقة أغنية بعنوان "نيفيلا هوفشيت (حفيروت): "السقوط الحر (الحفريات)"،[بالانجليزية This is a free fall [Nefila Hofshit]! Shit! Shit! Shit!...] و كلمة حر هنا قابلة للتلاعب حيث أن نطقها بطريقة خاطئة باللغة العبرية تتحول إلى "خرا"....تقول الأغنية
الحفريات في تل جمجمتي
الحفريات في تل جمجمتي
آلات جاهزة لتشتغل و تدمر
ليس وقتا سيئا ليشعر به
يوم القيامة...
واجه الكابوس
قاتل من أجل جبل الهيكل أو مت
لا تقلق بشأن زوجتك
لأن الموت واجب و أيضا امتياز ...
تحدث الذكريات الأثرية في وقتها
أين ستقودني الصور بترتيب زمني ؟
هذا هو السقوط الحر [نيفيلا هوفشيت]!
خر خر خر ...
(Cain & Abel 90210, “Free Fall (Excavations)”, Album: “Cain & Able Bogus Journey”, 2010)
الحفريات في مدينة داود
تعد إيلات مزار، عالمة آثار من الجامعة العبرية في القدس ومركز شاليم من اتباع النهج الصهيوني المتطرف الذي صاغه جدها بنيامين مزار الذي تقول عنه : "أحد الأشياء العديدة التي تعلمتها من جدي كان كيفية الارتباط بالنص الكتابي: قم بتدويره مرارا وتكرارا، لأنه يحتوي في داخله على وصف للواقع التاريخي الحقيقي" Mazar, 2006b: 20) ) .تسترشد مزار بقراءة أصولية للكتاب ,وقد شكلت هويتها اليهودية الصهيونية افتراضاتها النظرية وتوقعاتها والأهمية التي تعطيها لإيجاد المملكة العظمى لاثنين من الأبطال الأسطوريين القوميين والعالميين - داود وسليمان. وكانت قد قالت في جلسة "الوطنية والأمن القومي في إسرائيل"، في مؤتمر هرتسليا السادس،أن عملها يكشف "أهمية الكتاب المقدس كمصدر تاريخي رائع يجسد ثروة من المرويات التاريخية الأصيلة". وبالنسبة لها، ينحفر الكتاب و بقايا الأبنية في القدس " في جذور وجودنا و نرضع قوتنا القومية من كليهما". وهي تعرف عملها الأثري بأنه "حبل سري شخصي بيني وبين التاريخ القديم لشعب إسرائيل في أرض إسرائيل. يمكنك أن تسميها، إذا كنت ترغب، القوة القومية من الناحية الشخصية " (Mazar, 2006a)..إن الحفريات في المدينة القديمة في القدس، وموقع مدينة داود جنوب جبل الهيكل، ترتبط ارتباطا مباشرا بالسياسة الوطنية والدولية، وهي تقع في بؤرة وسائل الإعلام. فحتى مجرد اكتشاف بسيط يمكن أن يقدح زناد آلة البروباغاندة القومية . على سبيل المثال، في سبتمبر / أيلول 2013 نشرت مزار أن حملتها في أوفيل، وهو موقع يقع بين جبل الهيكل ومدينة داود، تكللت بالعثور على كنز ذهبي يعود للفترة البيزنطية المتأخرة (حوالي القرن السابع الميلادي). يتضمن الكنز ميدالية ذهبية مع صور للشمعدان "الرمز القومي لدولة إسرائيل" ،و البوق "شوفار"، ولفائف التوراة، وأصبح على الفور مثل هذا الإعلان موضوعا رئيسيا في الأخبار(Reinstein, 2013 Hasson, 2013b) .وتلت التقارير الإخبارية عن الاكتشاف ردود الفعل المعتادة حول "الحق اليهودي" في الأرض و"الخيال" الفلسطيني. واستدعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليميني مزار وهنأها. ونشرت وزارة الخارجية الإسرائيلية هذا الاكتشاف، كما هو الحال عادة في حالات الاكتشافات الأثرية التي تتعلق بالتاريخ اليهودي في إسرائيل. ووفقا للتقارير الإخبارية ، قال نتنياهو لمزار: هذا اكتشاف رائع على الصعيد القومي، يشهد على الوجود اليهودي القديم وحرمة المكان, وهذا واضح تماما مثل الشمس وهو أمر هائل ... هذه شهادة تاريخية، من أعلى درجة، لربط الشعب اليهودي بأورشليم، بأرضهم وتراثهم. إنه أمر مؤثر وعاطفي جدا. هذا الاكتشاف هو جوهر تراثنا – شمعدان ، وبوق، ولفائف التوراة . إن جوهر الشعب اليهودي لا يمكن أن يكون أكثر وضوحا وإيجازا من هذا (Netanyahu Israel Ministry of Foreign Affairs, 2013). .وفي كانون الأول / ديسمبر 2013، أبلغ نتنياهو أعضاء من حزب الليكود حول اجتماعه مع وزير الخارجية الصيني قبل بضع ساعات: أخذته إلى مكتبي، وأظهرت له الختم هناك، من فترة الهيكل الثاني [ينبغي أن يكون فترة الهيكل الأول]، من وقت الملك حزقيا. منذ 2700 سنة مضت، قبل ما يقرب من 3000 سنة ... أظهرت له الختم الرسمي للملك حزقيا، وهو الختم الذي عثر عليه بجوار الجدار الغربي ...قلت له : "انظر، هناك اسم عليه هنا . إنه مكتوب بالعبرية ، وهو اسم تعرفه - نتنياهو! "وقلت له :" هذا منذ ما يقرب من 3000 سنة، ولكن هل تعلم أن اسمي الأول يعود إلى نحو4000 سنة ؟؟". (Netanyahu in Verter, 2013) . ولم يخبر نتانياهو الزائر بأن والده، وهو مؤرخ صهيوني يميني واسمه بن صهيون نتنياهو الذي ولد في وارسو باسم "بن زيون ميليكوسكي"، اختار لقب نتنياهو.
في الواقع، تعد عبرنة الألقاب والأسماء عنصرا أساسيا في بناء الهوية القومية منذ بدايات الصهيونية. وقد أجرى نفتالي بينيت، وزير الاقتصاد وزعيم حزب البيت اليهودي الذي يمثل الجناح اليميني الديني والمستوطنين، مقابلة مع شبكة سي إن إن. بتاريخ 17 تشرين الثاني-نوفمبر 2013، وعندما سئل عن المستوطنات في الأراضي المحتلة، لوح بعملة قديمة ، وأخبر كريستيان أمانبور: "هذه العملة، التي تقول" الحرية لصهيون "باللغة العبرية، كان يستخدمها اليهود منذ 2000 سنة في دولة إسرائيل، التي تدعوها أنت أرضا محتلة . لا يمكن للمرء أن يحتل منزله " (5 )ومع ذلك، بعد شهر، هاجم بينيت استخدام علم الآثار. عندما لا يتطابق علم الآثار مع أجندته السياسية الدينية، فإنه يصبح تهديدا لهوية بينيت:" في الأشهر الأخيرة، هناك حملة منظمة ومتسقة ومقررة لمحو الهوية اليهودية لدولة إسرائيل. وتتولى العديد من المنظمات، إلى جانب صحيفة هاآرتس. قيادة هذه الحملة مرة [من خلال] مقالات [تزعم] أنه في الواقع لا يوجد أساس تاريخي / أثري على العلاقة بين الشعب اليهودي وأرضه. ومرة [من خلال] الاعتداء على الطلاب الذين يزورون مواقع التراث اليهودي في إسرائيل. والآن [من خلال] حملة مركزة ضد الختان(6) (Naftali Bennett, Facebook, 26 December, 2013).
لايختلف الوضع كثيرا في الجانب الفلسطيني ,ففي مؤتمر عقد في كانون الثاني / يناير 2014، قال كبير المفوضين الفلسطينيين لجمهوره أمام نظيرته الإسرائيلية، الوزيرة تسيبي ليفني إنه سليل الكنعانيين الذين عاشوا في الأرض منذ آلاف السنين قبل أن يدمر يشوع وبني إسرائيل أريحا(Beck, 2014 Yaakov, 2014) . وادعت وسائل الإعلام والمدونون المؤيدون لإسرائيل أن عريقات هو في الواقع بدوي، من قبيلة الحويطات من شبه الجزيرة العربية(7) .وقد ميزت السخرية بعض ردود الجناح اليساري لهذا النوع من الحجج. و يصف سيد قشوع في أحد أعمدته الساخرة،(الذي تعكس كتاباته التوتر بين هويته العربية الفلسطينية وجنسيته وهويته الإسرائيلية)، كيف ساعد ابنته في مشروع مدرسي عن الجذور. فبعد أن سألته ابنته عن معنى اسمها، قال سيد لزوجته: "علينا أن نذهب أعمق بكثير مع الجذور - 3000 سنة أعمق. فأنت تعرفيهم - يعودون إلى قصة المدفن الذي اشتراه البطريرك إبراهيم في الخليل، أو أينما كان ". وقرر أن يخبر ابنته أن اسمها يعني " آلة موسيقية كانت محبوبة بشكل خاص من قبل الكنعانيين ". "فتسأله هل تكتب بحرف ك أم ق ,فيصيح سيد ك "واحترمي حالك فنحن نتحدث عن أجدادك هنا، اللعنة ! ".(Kashua, 2012). وكان زميل يهودي لقشوع، هو بيني زيفر، المؤلف والمحرر الأدبي لصحيفة "هآرتس"، قد رد بطريقة مماثلة على استغلال مزار ونتنياهو لاكتشاف الميدالية الذهبية . يشكو زيفر من أن علم الآثار "المجند" أصبح كاريكاتيريا "علم نقي ملوث بغبار الأيديولوجية القومية الدينية". ويعرفه بأنه "شكل من أشكال التعويض العلاجي للدول التي تعاني من مشكلة انخفاض تقدير الذات في الحاضر "، والتي يمكن مقارنتها بهوس الرومانيين في أيام شاوشيسكو لإثبات أنهم من نسل الداسيين أو هاجس الأتراك لإثبات أنهم من أحفاد الحثيين. وأخيرا، يرى زيفر أن بوسع القادة الآخرين استخدام نفس حجة نتنياهو عندما نجد كنز عثماني أو بيزنطي أو عربي في القدس (Ziffer ، 2013).
و بالعودة إلى حفريات مزار,فهي تعتقد أن قصر الملك داود موجود في موقع مدينة داود وذلك استنادا إلى حفريات سابقة وإلى ما ورد في سفر صموئيل الثاني ,الإصحاح الخامس . وتدعي أن قصر داود بني خارج أسوار أورشليم المحصنة بسبب عدم وجود مساحة داخل المدينة. وعندما هوجمت أورشليم كان داود قد نزل إلى الحصن اليبوسي القريب، أي قلعة صهيون، كما هو موضح في الكتاب [المقدس]. رفضت الجمعية الأثرية وجهات نظرها ولم تتمكن مزار من جمع الأموال اللازمة للحفريات في الموقع. وفي نهاية المطاف، أصبحت مزار عضوا بارزا في مركز شاليم، و قد ساعدها رئيس المركز دانيال بوليسار في جمع الأموال المطلوبة من رئيس مجلس إدارة المركز روجر هيرتوغ. وقد بدأت حفريات مزار بالتعاون مع "إل عاد" في العام 2005 تحت رعاية أكاديمية الجامعة العبرية في القدس (Mazar, 2007 Mazar, 2006b) . وتمتلك إل عاد و مركز شاليم أجندة سياسية -دينية و إل عاد و مركز شاليم هما المنظمتان اللتان مولتا و دعمتا عمل مزار. "إل عاد" جمعیة دینیة متطرفة تشجع الاستيطان اليهودي في المنطقة (Rapoport, 2006). . ويعترف دورون سبيلمان، وهو مدير في "إل عاد" : "عندما نجمع المال من أجل الحفر، فما يلهمنا هو الكشف عن الكتاب المقدس، وهذا مرتبط ارتباطا وثيقا بالسيادة في إسرائيل" (Draper, 2010) . أما مركز شاليم فهو معهد بحثي يميني محافظ يتمتع بأجندة دينية متينة. وقال هيرتوغ، رئيس مجلس إدارة المركز و الذي قام بتمويل الحفريات شخصيا، لصحيفة نيويورك تايمز أن الهدف هو إظهار "أن الكتاب المقدس يعكس التاريخ اليهودي" (Erlanger, 2005) . أو، كما أوضح بوليسار، رئيس المركز، عن الأجندة إلى ناشيونال جيوغرافيك: "ادعائنا بأن نكون أحد أكبر الأمم في العالم، أن نكون لاعبا حقيقيا في مجال الحضارة من الأفكار، هو أننا كتبنا [أم الكتب]،أي الكتاب المقدس. أحذف داود ومملكته من الكتاب، فيصبح لديك كتاب مختلف. ولا يعود السرد عملا تاريخيا، بل عمل روائي. ومن ثم ستصبح بقية الكتاب المقدس مجرد بروباغاندة تجهد لخلق شيء لم يكن. وإذا لم تتمكن من العثور على الأدلة على ذلك، فإنه ربما لم يحدث. ولهذا السبب فإن الرهانات مرتفعة جدا "(Draper, 2010) . كطلاب شبان تأثر بوليسار، ويورام حزوني ويوشع فينشتين، مؤسسي ومدراء مركز شاليم، بالحاخام مئير كاهانا وأصبحوا أصوليين . كان كاهانا زعيم الجناح اليميني المتطرف، وفي عام 1988 منع حزبه كاخ، من الترشح للكنيست بسبب عنصريته (في عام 1994 أعلنت الحكومة الإسرائيلية أن كاخ منظمة إرهابية). على الرغم من نفوذه عليهم، يرفض مديري المركز أجندة عنف كاهانا. وهم قريبون من رئيس الوزراء نتنياهو وحزب الليكود. وعمل حازوني لصالح نتنياهو. والجهات المانحة للمركز هي أيضا الجهات المانحة لنتنياهو. وقد عمل موشيه يعلون، رئيس أركان الجيش السابق ووزير الدفاع الحالي، في مركز شاليم. وبمساعدة وزير التعليم السابق، جدعون ساعر، تم الاعتراف بالمركز كمؤسسة أكاديمية (Lanski and Berman, 2007 Nesher, 2013).وكشفت البعثة التنقيبية في مدينة داود عن هيكل حجري كبير حددته مزار على أنه قصر الملك داود.و تحت البناء الكبير هناك بناء حجري يصعد على المنحدر الذي كشف في الحفريات السابقة (البناء الحجري المدرج هو أكبر بناء حجري يعود للعصر الحديدي في إسرائيل ). وتعتقد مزار أن البناء الحجري يدعم القصر . تم وضع حجارة القصر على مكب ترابي (كان الموقع عبارة عن منطقة مفتوحة، قبل بناء القصر).. ترجع مزار تاريخ معظم الفخار الموجود في المكب إلى العصر الحديدي الأول، أو إلى القرنين الثاني عشر والحادي عشر ق.م ، وهي الفترة التي تسبق استيلاء داود على القدس من اليبوسيين . تم بناء الهيكل الحجري الكبير، وفقا لمزار، في وقت لاحق. تم اكتشاف مرحلة ثانية من البناء في غرفتين في القسم الشمالي من المبنى الحجري الكبير, وقد تكون هناك مرحلة ثالثة من البناء على الحافة الشمالية الشرقية من المبنى . يعود الفخار المرتبط بهذه المراحل إلى العصر الحديدي IIA ، أي القرنين العاشر والتاسع ق.م. وبالتالي يمكن أن له أن يؤرخ للمرحلة الأولى من البناء إلى "بداية العصر الحديدي IIA ، وربما في منتصف القرن العاشر ق.م، عندما يقول الكتاب أن الملك داود حكم مملكة إسرائيل الموحدة",كما تم العثور على فخار من العصر الحديدي IIB (القرون الثامن والسابع والسادس ق.م) في الزاوية الشمالية الشرقية من المبنى، مما يشير إلى أن المبنى ظل قيد الاستخدام حتى نهاية فترة الهيكل الأول. كما عثر المؤرخون ,إضافة إلى ذلك على ختم يوكل ابن شلميا، ابن شوفي، وهو رجل ذكر في سفر إرميا كموظف في بلاط الملك صدقيا (597-586 ق.م) (Mazar, 2007 Mazar, 2006b) .تتعرض استنتاجات مزار باستمرار للهجوم لكونها سياسية. ويصف مراسل ناشيونال جيوغرافيك روبرت درابر، الذي أجرى مقابلة مع مزار وفنكلشتاين وزملاؤه الآخرون من المدارس المتنافسة، حادثا حين لمحت مزار مرشدا سياحيا، وهو طالب سابق لها ، يجلب السياح إلى الموقع ويشرح لهم أن مزار لم تعثر على قصر الملك داود، وأن الحفريات في مدينة داود هي جزء من أجندة يمينية لتعزيز المستوطنات وتهجير الفلسطينيين. فواجهته مزار وقد اعتراها الغضب و الاضطراب . ولاحظ درابر بعد هذا الحادث أنه "لايوجد مكان آخر في العالم يكون فيه علم الآثار أشبه برياضة الاتصال أكثر من هذا المكان " (Draper, 2010) .وعندما أعلنت مزار أنها وجدت قصر الملك داود في موقع مدينة داود، حدد فينكلشتين ذلك بأنه "تفجر مسياني": " يحدث مرة كل بضع سنوات، أن يجدوا شيئا في القدس يبدو أنه يؤكد وصف الكتاب لحجم المملكة في عصر داود. ثم بعد فترة من الوقت، يتضح أنه لا يوجد أي مضمون حقيقي للنتائج، فتنحسر الإثارة ، حتى الاندلاع المقبل " (Finkelstein in Shapira, 2005) . إن التحيز النظري لمدرسة القدس بشكل عام ومزار بشكل خاص نحو الموقف المتطرف يصوره فينكلشتين على أنه "تفجر مسياني"، مع غمزة للذهان الديني المعروف باسم متلازمة القدس. وفي حالة مزار، فإن هذا الاتهام يتصل مباشرة بالخطاب السياسي الإسرائيلي وبأجندة المنظمات اليمينية الدينية التي دعمت عملها أي مركز شالم و"إل عاد" .
وعلى كل حال , يبدو من الناحية العملية، أن النقد السياسي لفينكلشتين في البحث في موقع مدينة داود معتدل نسبيا (Finkelstein, 2011) . ويأتي انتقاده من الوسط السياسي في إسرائيل اليوم. أولا، مزاعم فينكلشتين، اتهاماته للفلسطينيين بشأن مدينة داود تكون في بعض الأحيان مقبولة من قبل وسائل الإعلام الدولية دون تدقيق ,فموقع مدينة داود ليس جزء من قرية سلوان الفلسطينية وأن الأنفاق لا يتم حفرها تحت المسجد الأقصى. وعلاوة على ذلك، يتم العمل الميداني في مدينة داود وفقا للقانون ووفقا لمعايير الآثار الحديثة تحت إشراف سلطة الآثار الإسرائيلية. ويشكو فينكلشتين من أن قرية سلوان في الشرق مبنية على مقابر يهوذية صخرية فريدة تعود للقرنين الثامن والسابع ق.م . ويضيف أن القبور تغمرها مياه الصرف الصحي وتملأ بالقمامة من سلوان، على الرغم من أنه يختار عدم الإشارة إلى حالة القرى والأحياء الفلسطينية في شرق أورشليم / القدس. وكعنوان لوعوده الافتتاحية، فإنه يتناول قضايا "تتجاوز السياسة". يؤكد فنكلشتين مثل مزار والعديد أن أكبر دمار لحق بالتراث الأثري في جبل الهيكل / الحرم الشريف ينجم عن مشروع البناء تحت الأرض للأوقاف الإسلامية. ومع ذلك، فإن فينكلشتين غير مقتنع بأن مدينة داود ومركز الزوار للموقع يدار من قبل "منظمة غير حكومية ذات توجهات سياسية يمينية". ويحث منظمات الدولة، مثل سلطة الآثار الإسرائيلية وسلطة الحدائق الوطنية الإسرائيلية، على إيجاد طريقة للإشراف على إدارة الموقع(Finkelstein, 2011).وكما سأبين أدناه، شخصيا ومعرفيا، من المهم جدا أن يكون فينكلشتين في المركز، بل وتعكس وجهات نظره الوسط السياسي الإسرائيلي. إيلات مزار وجمعية "إل عاد" على يمينه. جمعية شلومو ساند و جمعية "عمق شبيه" على يساره. وخلافا لما ذكره فينكلشتين، فإن تقارير جمعية الجناح اليساري "عمق شبيه" تحدد الهدف من الحفريات في القدس الشرقية / القدس "كوسيلة للسيطرة على قرية سلوان والقدس القديمة". كما تدعي عمق شبيه أن بعض الأنشطة الأثرية في المنطقة تخضع لإشراف "إل عاد" ولا تفي بالمعايير العلمية، ولا سيما مشروع غربلة الحطام الذي تم إزالته من جبل الهيكل أثناء أعمال بناء الأوقاف الإسلامية (Emek Shaveh Association, 2013 2012)
يهدف عمل إيلات مزار بأكمله إلى حماية السرد الكتابي من التنقيحيين الكتابيين وكذلك من النظرية الأكثر اعتدالا للتسلسل الزمني المنخفض (وهذا بالطبع لا يعني أن عملها غير مهني، تماما مثل عمل أولبرايت أو عمل علماء الآثار الآخرين من الأجيال السابقة). وهكذا، كانت ردة فعل زملائها من تل أبيب، الذين طوروا نظرية التحقيب المنخفض متوقعة فقد كتب فنكلشتين إلى هرتسوغ و آخرين : "الأهمية الظاهرة لهذا الاكتشاف وهيجان وسائل الإعلام التي رافقت التنقيب تتطلب مناقشة فورية"(Finkelstein et al., 2007) .رفضت مدرسة تل أبيب تأويل مزار للمكتشفات في مدينة داود واستنتاجاتها. ويستند تأويلهم البديل على ثلاثة تأكيدات: (1) الجدران التي اكتشفها مزار لا تنتمي إلى نفس المبنى (2) دراسة مفصلة أكثر للجدران قد تظهرها تشترك مع العناصر التي كشفت في عشرينيات القرن الماضي ، ويمكن أن تؤرخ للفترة الهلنستية ( 3) هناك على الأقل مرحلتين في بناء هيكل الحجر المدعم الذي يدعم المنحدر: الجزء السفلي هو من فترة سابقة ربما يرجع تاريخها إلى العصر الحديدي الثاني IIA في القرن التاسع ق.م ، في حين أن الجزء العلوي المتصل بأعلى نقطة من منحدر الجدار الأول الحشموني يمكن أن يؤرخ إلى الفترة الهلنستية. مجمل تفسيرات اللقى التي عثر عليها فنكلشتين وزملائه في مدينة داود تهدف إلى حماية نظرية التسلسل الزمني المنخفض . ووفقا للتحقيب المنخفض فإن أحدث اللقى الفخارية التي عثر عليها في المكب يجب أن تعود للقرن العاشر-التاسع ق.م . وعلاوة على ذلك، فإن فخار العصر الحديدي الثاني IIA الذي عثر عليه في هيكل الحجر الكبير لا يمكن أن يستخدم لتأريخ الجدران المحيطة، لأنه لا يوجد أرضية في المكان. حتى مزار نفسها تشك فيما إذا كان الفخار وجد في الموقع. وقد أشار فينكلشتين وآخرون (2007) إلى عدم وجود علاقة فعلية بين الهيكل الحجري الكبير والهيكل الحجمي المسطح، وتساءلوا عن إمكانية وجود مثل هذا الارتباط، حيث يبدو أن الجزء الأعلى من الهيكل الصخري هو ترميم من الفترة الهلنستية . وعموما، حاول فينكلشتين وآخرون إظهار أن بعض أو جميع أجزاء هيكل الحجر الكبير بنيت بعد العصر الحديدي الثاني . IIA وحددوا أن الجدران بنيت قبل العصر الهيرودي الروماني، استنادا للقى الفخارية التي عثر عليها مؤخرا في المكب (الحديد المتأخر الأول / الحديد المبكر IIA). ومع ذلك، فهم يؤكدون على أنه لا يمكن تحديد فترة جدران الهيكل بدقة بسبب فقدان الأرضيات ، والبناء خلال فترات الرومانية والبيزنطية، والنشاط في الموقع خلال الحفريات الأثرية السابقة.
المملكة الشمالية لإسرائيل مقابل مملكة يهوذا
من الأمور المثيرة للسخرية أن الجدل بين مدرسة تل أبيب (المدينة التي تمثل مدينة إسرائيلية علمانية) ومدرسة القدس (المدينة التي تمثل اليهودية المحافظة) يستعاد في شكل جديد من التنافس والصراع بين المملكتين القديمتين: مملكة إسرائيل الشمالية ومملكة يهوذا. بشكل عام، تبدي كلية العلوم الإنسانية في الجامعة العبرية في القدس تحفظا أكثر بكثير مما تبديه كلية العلوم الإنسانية في جامعة تل أبيب. فالاتجاهات الفكرية للتاريخ الجديد،و ما بعد الحداثة وما بعد الصهيونية هي أكثر شيوعا في تل أبيب منها في القدس. وليس من قبيل الصدفة أن التيار الجديد في علم الآثار الكتابي تطور في قسم الآثار الكتابية في جامعة تل أبيب، في حين أن قسم الآثار الكتابي في الجامعة العبرية يهيمن عليه تيار أكثر تحفظا. في العالم القديم، مملكة يهوذا، التي دمرت بعد مملكة إسرائيل، كان لها في نهاية المطاف اليد العليا في كتابة "التاريخ". اليوم هناك كفاح متجدد حول إعادة كتابة التاريخ. يتم استعادة النضال الكتايي على أرضية جديدة من الأبحاث تستند إلى تقنية الكربون 14. يتحدث فينكلشتين باسم مملكة إسرائيل المنسية: "هنا تكمن المعضلة: كيف يمكن للمرء أن يقلل من مكانة" الرجل الطيب "والسماح" للرجل الشرير "أن يسود ؟" (Finkelstein, 2005: 39 Finkelstein, 2013), ويحاول يوسف جارفينكل من جهة أخرى حماية "إنجازات مملكة يهوذا" (Garfinkel, 2012-2013) .و على مدى السنوات القليلة الماضية،انصب النقاش على خربة قيافا، وهو موقع يطل على وادي إيله، على بعد 20 ميلا جنوب غرب القدس. كشفت الحفريات في الموقع عن مدينة صغيرة محصنة تعود للعصر الحديدي المبكر. وكانت البعثة التي عملت في قيافا بين عامي 2007 و 2013 بإدارة يوسف جارفينكل من الجامعة العبرية في القدس وساعر غنور من هيئة الآثار الإسرائيلية. ويعتقد جارفينكل أن موقع قيافا كان واحدا من ثلاثة مراكز لمملكة داود وسليمان، بالإضافة إلى القدس والخليل. فهل كانت الملكية الموحدة موجودة؟ يرى جارفينكل أن المسألة ستقرر من خلال مواقع في شمال إسرائيل. وهو يرفض التسلسل الزمني المنخفض لفينكلشتين في يهوذا من خلال التعرف على قيافا كمدينة يهوذية ويتساءل عن تحليل فينكلشتين الذي خفض تاريخ الاكتشافات في المواقع الشمالية من زمن داود وسليمان إلى نهاية القرن العاشر ق.م -بداية القرن التاسع ق.م، أي صعود مملكة إسرائيل الشمالية والأسرة العمرية . (Garfinkel and Ganor, 2008a Garfinkel, 2011 Garfinkel, 2012-2013) وقدم اقتراحات أخرى بشأن هوية قيافا. وكان نعمان قد اقترح أن قيافا موقع فلستي (2008) . ولاحقا اقترح أنه موقع كنعاني (2012) .كما اقترح فينكلشتاين وفانتالكين (2012)، وكذلك ليفين (2012) أن قيافا هو موقع إسرائيلي. و على الرغم من الاختلافات بين علماء الكتاب المقدس في كوبنهاغن وشيفيلد وعلماء الآثار في تل أبيب، يضع جارفينكيل كل منافسيه معا ويحددهم كمطورين للاستراتيجيات التنقيحية . فهم اقترحوا في البداية النموذج "الأسطوري" وشككوا في وجود داود. ومع ذلك انهار هذا النموذج،حسب جارفينكل، بعد اكتشاف تل دان في الأعوام 1993-1994، حيث أن النقش يذكر "بيت داود" فقط بعد زمن لا يتعدى 100-120 سنة من عصره . يرفض جارفينكل التفسيرات الأخرى للنص التي يعرفها بأنها "صدمة انهيار النموذج"، فضلا عن الادعاء بأن وجود سلالة داودية لا يثبت وجود داود. بعد انهيار النموذج الأول، "وضعت استراتيجية جديدة من قبل التنقيحيين "، ونموذج "التسلسل الزمني المنخفض" الذي كان ، كما يقول جارفينكل، غير مؤكدا لتأريخ موقع خربة قيافا .و بدلا من التخلي عنه، اعتمد التنقيحيون استراتيجية أخرى: النموذج "الإثنوغرافي" . ووفقا لهذه الاستراتيجية، فإن سكان قياقا لم يكونوا يهوذيين ولكن فلستيين أو كنعانيين أو إسرائيليين من مملكة شاول(Garfinkel, 2011 Garfinkel, 2012-2013).
علم الآثار الكتابي تخصص تتضح فيه الجوانب السياسية والثقافية والدينية. وكان جارفينكل قد وضح هذه الأمور في إحدى محاضراته حين يقول :ما ذا يهم إذا ما كانت قيافا فلستية أم لا؟ الحق؟ طيب , لتكن إذن فلستية . فإن هذا لن يؤثر علينا. لنفترض أنه كان [في]قيافا سكان كنعانيين؛ فهذا لن يؤثر علينا أيضا. صح؟ ماذا يعني ؟ حتى لو كان أن دمرت مملكة إسرائيل الشمالية ؛ فإنه لن يؤثر علينا. لأن يهوذا برفقة الكتاب [المقدس] و التوحيد , مستمرة , مع كل هذه الأمور – مستمرة في الواقع حتى يومنا هذا. ولذلك، هذه هي القضية، التي هي في الواقع القضية الأكثر أهمية ومساهمة رئيسية لأرض إسرائيل في تاريخ العالم وثقافته، تتعرض دائما للهجوم. ولماذا ينبغي لأي شخص أن يهتم بالكنعانيين [أو] الفلستيين؟ كل هذه الأمور قد مرت بالفعل. أنه ممتع فعلا ومثير للعجب . لاحظ، بعد ذلك، أنه ليس من قبيل الحوادث أن النزاعات تركز على مملكة يهوذا لأنها في الواقع أهم شيء حدث في هذا المكان على مر التاريخ البشري (Garfinkel, 2012-2013: Lecture 11) .ومن الناحية النظرية البلاغية ، فإن كل جانب من جوانب هذه المناقشة يعرض عمله الخاص بوصفه عملا علميا سليما، في حين يدعي أن الجانب الآخر منحاز بعوامل ومصالح غير علمية، ومدفوعا باعتبارات أيديولوجية غير سليمة. أعضاء مدرسة تل أبيب يصورون أعضاء مدرسة القدس على أنهم متطرفون - أصوليون، في حين أن أعضاء مدرسة القدس يصورون أعضاء مدرسة تل أبيب كتنقيحيين هدامين . إسرائيل فينكلشتين، عالم الآثار من مدرسة تل أبيب، يحدد عمل مجموعته "وجهة نظر من الوسط" - "نظرة متوازنة" في هذه القضايا.شخصيا ومعرفيا، من المهم جدا أن يكون فينكلشتين جزءا من التيار الرئيسي: "الجميع يريد أن يكون في الوسط . كيف تعرف أنك حقا في الوسط؟ عندما تحصل على ركل من كلا الجانبين ... عندما يتم الحصول على ركلة من كلا الجانبين، يجب أن تكون راضيا. إنه مكان جيد، عندما تحصل عليه من كلا الجانبين "(Finkelstein, 2006-2007: Lectures 1& 13) . الافتراض الضمني لفينكلشتين هو أن الوسط غير متحيز ويبقى دائما كما هو. ومن الناحية السياسية، يميل التيار العام والخطاب المهيمن إلى أن يكونا شفافين. ومن أجل كشف انحيازهما السياسي يجب أن تواجههما ببدائل محلية وأجنبية. يضع فينكلشتين نفسه بين النزعة التنقيحية التي تتجاوز ذروتها وبين التطرف الصهيوني الذي يرفض أتباعه الاعتراف بأن البيانات الأثرية لا تتزامن مع الوصف الكتابي لفترة الهيكل الأول. ومنافسيه الرئيسيين هما يوسف جارفينكل و إيلات مزار من اتباع مدرسة القدس ,وكان فنكلشتين قد كتب بخصوص تفسير جارفينكل لمكتشفات خربة قيافا: "هذا الموقف غير النقدي للنص الذي يراد له أن يعبر عن القرن الحادي والعشرين ,ليس سوى بقايا نهج سبينوزا لمقاربة الكتاب المقدس العبري" (Finkelstein and Fantalkin, 2012: 48). ,كما كتب حول استنتاجات إيلات مزار من عملها في مدينة داود أنه "يستند إلى قراءات حرفية مبسطة للنص التوراتي ولا تدعمها الحقائق الأثرية" (Finkelstein, 2011) . و لاتزال مزار، كما أوضحت أعلاه،تواصل تقليد الجيل السابق من الآثاريين الصهاينة ,ويتهمها فينكلشتين وزملاؤه بتجاهل الأدلة الكاملة كافةو للآثاريات و الدراسات الكتابية:"إن النص الكتابي,وليس علم الآثار, هو المهيمن على هذه العملية الميدانية". فتحليلها للقرن العاشر ق.م على سبيل المثال، يستند حتى على سفر أخبار الأيام الذي يعود تأليفه لحوالي القرن الرابع ق.م. وبالمثل، يشكون من أن مزار تتجاهل "30 عاما من البحث في سفر التكوين والروايات الأبوية"، بينما تفسر "سفر التكوين على أنه يعكس وقائع العصر البرونزي الأوسط". وفيما يتعلق بعمل مزار في أوفيل، المنطقة الواقعة بين جبل الهيكل ومدينة داود، يشكو فنكلشتين و رفاقه من أن مزار تصر، على الرغم من عدم وجود من البيانات، على أن هذا هو الجدار السليماني الذي وصفته النصوص الكتابية, على الرغم من اعترافها بأن الجدار المكتشفة في هذه المنطقة كان قيد الاستخدام خلال القرنين الثامن والسابع ق.م (Finkelstein et al., 2007: 160-162). كما تلعب السلطة والنفوذ والسياسات الأكاديمية والميزانيات دورا في الصراع بين مدرستي تل أبيب والقدس. وتتجسد هذه الجوانب في الحادث التالي من العام 2011 حين قدمت مجموعتان من علماء الآثار، واحدة بإدارة يوفال غورين وعوديد ليبشيتس من جامعة تل أبيب والأخرى بإدارة جارفينكل وزميله الأمريكي مايكل هاسل، طلبات إلى سلطة الآثار الإسرائيلية، من أجل القيام بحفريات في تل سوكوه، بالقرب من خربة قيافا في وادي إيله. وقام غورين و ليبشيتس ,مثلهما مثل جارفينكل، بحفريات في وادي إيله، لكنهما لم يقبلا مقولته حول يهوذية قيافا. ووفقا لهما تنتمي قيافا إلى كيان كنعاني صغير. وتم منح كلا الفريقين تصريحا لإجراء المسوح، ولكن في رسالة ليبشيتس التي أرسلها إلى سلطة الآثار اتهم فيها جارفينكل بالحفر في الموقع دون تصريح. ونفى جارفينكل هذه الاتهامات وادعى أن ليبشيتس غير قادر على التمييز بين السرقات الأثرية و الحفريات البدئية , رفض جدعون أفني من هيئة الآثار شكوى ليبشيتس، وردا على ذلك، اشتكى ليبشيتس من أن العلاقات بين الجامعة العبرية في القدس وهيئة الآثار غير منتظمة وغير واضحة: أفني يعمل مدرسا مع جارفينكل في الجامعة العبرية وجانور الذي يعمل مع جارفينكل في قيافا هو رئيس الوحدة في هيئة الآثار للوقاية من السرقات الآثار (جانور هو أيضا طالب سابق لجارفينكيل).وردا على ذلك ادعى جارفينكل أنه منذ أن هدم نظريات التنقيحيين لمدرسة تل أبيب من خلال إيجاد مدينة محصنة في قيافا يحاول آثاريو تلك المدرسة مضايقته و "بدلا من إجراء نقاش علمي تراهم يستخدمون الحيل القذرة". وكان جارفينكل قد وصف فينكلشتين بأنه دكتاتور وادعى أنه وراء هذا الاضطهاد: "تحاول مدرسة تل أبيب إعاقتنا. لا أعتقد أن لديهم الحرية العلمية هناك. فنكلشتين هو من يوجههم. من أين ليوفال غورين ميزانية التنقيب إن لم تكن من ميزانيات فنكلشتين؟ " كما نرى اتهامات مماثلة أطلقها غابرييل باركاي، وهو عضو آخر في مجموعة من علماء الآثار المحافظين، حين قال أن" الجماعية المفاهيمية "فرضها فينكلشتين، على القسم في تل أبيب، الأمر الذي أدى إلى مغادرة باركاي لجامعة تل أبيب في العام 1997. وكان جواب فينكلشتين على ذلك بأنه لا علاقة له بالمناقشة بين جارفينكل ومجموعة غورين و ليبشيتس، وأن ميزانياته البحثية تستخدم فقط لعمله الخاص(Hasson, 2011 Shtull-Trauring, 2011) . ومع ذلك، فإن منحة البحث التي حصل عليها فينكلشتين والتي تبلغ قيمتها أربعة ملايين دولار، استخدمها جارفينكل في المعركة الخطابية: "حتى أنه لا يستخدم العلم، وهنا تكمن السخريةإنها أشبح بمنح صدام حسين جائزة نوبل للسلام "(Garfinkel cited in Draper, 2010) . في نهاية المطاف، واصل جارفينكيل العمل في قيافا وتم منح مجموعة غورين التصريح لإجراء الحفريات في تل سوكوه [شويكة].
الصبي الهولندي الصغير الذي وضع إصبعه في مكان التسرب في السد
هناك حروب عالمية على قيافا ، يقول جارفينكل للطلاب، في حين يقارن نفسه بذلك الصبي الصغير الذي وضع إصبعه في مكان التسرب في السد لمنع الفيضانات . (Garfinkel, 2012-2013: Lecture 1) ويحدد جارفينكيل التنقيحيين الكتابيين كمنتج ثانوي لما بعد الحداثة والنزعة التفكيكية . ووفقا له ,بدأت المشاكل عندما صاغ مفكرون مثل ميشيل فوكو وجاك دريدا فكرة أنه لا توجد حقائق مطلقة,بل هناك ثمة نظريات مختلفة يمكن أن توجد في ذات الوقت وبالتالي، لايوجد علم طبيعي في العلوم الإنسانية اليوم كما أن الهدف اليوم تغير من عملية البحث إلى تفكيك المفاهيم القديمة. فالجميع يريد خلق نموذج جديد. ويلوم جارفينكيل توماس كون من أجل ذلك لذلك.ويلاحظ ,علاوة على ذلك، أنه وبسبب انفجار المعرفة والضغوط الأكاديمية، فإن كل شخص يحتاج إلى الابتكار ونشر ما بين اثنين إلى أربع مقالات كل عام. من ناحية أخرى، يقول لطلاب كلية الرياضيات والعلوم الطبيعية، الأمر ليس كذلك على الإطلاق في العلوم الطبيعية : 1 + 1 يساوي 2 دائما . على الرغم من أنه سمع من فيلسوف رياضي أنه ليس كذلك دائما وهذا ما شجعه , أسطورة العلوم الطبيعية تتصدع قليلا . (Garfinkel, 2012-2013: Lecture 1) وبما أن جارفنكل يعرف فينكلشتين على أنه تنقيحي ، فهو يستخدم ضده الاتهامات ذاتها: المشكلة مع فينكلشتين هي أنه لا يتفق أبدا مع ما يقوله أي شخص آخر. دائما يجب أن يكون هو الأصلي. وينبغي أن يكون على الدوام له نموذج مختلف [ويتابع جارفينكل القول وهو يضحك] لو قلت أن معطفك رمادي، سيقول بل بني غامق ,وبذات الطريقة لو قلت هذه مدينة فلستية سيقول إنها يهوذية (Garfinkel in Shtull-Trauring, 2011).بيد أن إسرائيل
فنكلشتاين ليس تنقيحيا بالتمام ,كما أنه بالتأكيد ليس مفكرا تفكيكيا- ما بعد حداثيا، ولكن عندما يصور جارفينكل فينكلشتين كعدمي راديكالي فإنه يضع نفسه في مركز متوازن غير متحيز. وردا على الاقتباس المذكور أعلاه، يدعي فينكلشتين أن جارفينكيل يعبر عن "موقف ارتيابي مرضي "، وكما هو الحال دائما يحاول تصوير جارفينكيل باعتباره متطرف أصولي: "لا يوجد ثمة فرق بين جارفينكيل ويادين وأولبرايت. كل ما في الأمر أن الأمور [ مع جارفينكل] ازدادت سوء "(Finkelstein in Shtull-Trauring, 2011). وفي محاولة منه للتمايز يتسرع جارفينكيل في إلقاء اللوم على الجميع ،ليظهر نفسه أصيلا و فريدا ، عبر تفكيك النماذج القديمة والمهيمنة وابتكار نماذج جديدة. ولكن هذا هو بالضبط ما يفعله جارفينكيل نفسه (8). ويحاول من خلال عمله في قيافا تفكيك ما يسميه نماذج النزعة التنقيحية ، ولا سيما النموذج الحالي لتصنيف التسلسل الزمني الذي وضعه فينكلشتين وزملاؤه. فإن لم يقم بذلك من أجل الموقف المتطرف القديم الذي لم يعد صالحا( 9)، فإنه يفعل ذلك من أجل تعزيز نموذج جديد يقدم موقفا متطرفا بنسخة معدلة ناعمة .وقد استخدم جارفينكل و جانور ,في استعراضهما لخربة قيافا صورة فوتوغرافية لمقبرة قديمة أتبعاها بعنوان :"بات التسلسل الزمني المنخفض ميتا الآن وتم دفنه " (Garfinkel and Ganor, 2008b) وبالمثل، أكد جارفينكل في مقال بعنوان "ولادة وموت التنقيحية الكتابية " أن "فنكلشتين ليس فقط الأب المؤسس لعلم التسلسل الزمني المنخفض، بل أيضا وكيله ومتعهده"(Garfinkel, 2011: 50) . و يربط فينكلشتين و فانتالكين في مقالهما عن قيافا "اللغة المروعة" لجارفينكل بدوافع أخروية . يمكن للمرء أن يقول أن هذه المقالة هي محاولة لحل البيانات الشاذة عن قيافا في إطار العلوم الطبيعية. وفي الواقع، هما يسعيان للتوضيح بأن شذوذ واحد لا يمكنه أن يهدم النموذج القائم: لا يمكننا إغلاق هذه المادة دون التعليق على الطريقة المثيرة التي تم فيها تقديم لقى خربة قيافا لكل من المجتمع العلمي والجمهور. فالفكرة التي ترى بأنه يمكن لاكتشاف واحد مذهل أن يعكس مسار البحث الحديث وإنقاذ القراءة الحرفية للنص الكتابي فيما يتعلق بتاريخ إسرائيل القديمة من البحوث العلمية النقدية ليست سوى فكرة قديمة يمكن العثور على جذورها في هجوم وليم فوكسويل أولبريت على مدرسة فلهاوزن في أوائل القرن العشرين ، وهو الهجوم الذي حرف البحوث الأثرية، و الكتابية و التاريخية [عن مسارها]لعقود عدة . وقد ظهر هذا الاتجاه بأشكال مختلفة -وإن بشكل متقطع في السنوات الأخيرة، باستخدام علم الآثار كسلاح لقمع التقدم في البحوث النقدية. وليس خربة قيافة سوى أحدثها لجهة التوق نحو إلحاق كارثة في البحوث النقدية الحديثة عن طريق كشف أثري إعجازي (Finkelstein and Fantalkin, 2012: 58)
شكل صيف العام 2013 الموسم النهائي لحفريات جارفينكل وجانور في قيافا . وأعلنا في مؤتمر صحفي، أنهما وجدا قصر الملك داود. وبشكل أدق، وجدا صفين أو ثلاثة من الحجارة تمتد على طول 30 مترا. ووفقا لتقديراتهما بلغ حجم مساحة القصر نحو 1000 م2 . ويؤكد جارفينكل أنه "ليس هناك شك في أن حاكم المدينة جلس هنا، وعندما جاء الملك داود لزيارة التلال نام هنا". تم تدمير القصر بسبب بناء معمار بيزنطي كبير في نفس الموقع بعد 1400 سنة من بناء القصر. وشكك منافسو جارفينكل في تأريخ القصر، وصلته بالملك داود وتحديد مدينة قيافا كمدينة يهوذية. وأشار فينكلشتين بشكل غير مباشر إلى مزار، التي زعمت ,قبل عدة سنوات ,أنها وجدت قصر الملك داود في القدس: "هذا يذكرني بخرافة الفتاة الصغيرة التي نادت الذئب. فيوم أمس وجدوا قصر الملك داود في القدس، واليوم هو في قيافا، وغدا سوف تجد أنه ... من يدري أين. هذه البيانات تسترعي انتباه الجمهور ". كما رد جاكوب ل .رايت من جامعة إيموري بطريقة مشابهة:" إن الطريقة الأكثر تحديدا لخلق ضجة هي الادعاء بأنك وجدت شيئا يتعلق بعصر الملك داود ". ويضيف بأنه كان هناك ملوك وأمراء حرب محليين آخرين في القرن العاشر ق.م الميلاد المرتفعات (التي أصبحت فيما بعد جزءا من ممالك إسرائيل ويهوذا)و بالنسبة له، فإن مثل هذا الإسناد التلقائي للقلى بردها للملك داود ليس سوى نوع من "فقر الخيال التاريخي"(Garfinkel, 2013a Hasson, 2013a Fridman, 2013) .ومع ذلك، لا يمكن اختزال المسألة بأسئلة حول الفائدة المباشرة من العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام والشهرة والوضع الأكاديمي وتمويل البحوث. فرغم أنه لايمكن اعتبار جارفينكل متطرفا كلاسيكيا، إلا أنه لا يزال منحازا للقراءة الأصولية للكتاب .وعلى الرغم بمعرفتنا القليلة عن الملك داود , سواء تاريخيا وأثريا، فإن جارفينكل يخلص ,من خلال سلسلة من القفزات النظرية، إلى استنتاج أن قيافا ليس فقط مدينة يهوذية من القرن العاشر ق.م ، بل هي مدينة شعرايم. وستكون الخطوة التالية لجارفينكل إذن هي الزعم بانتماء الملك داود للمدينة ,طالما هناك قصر في المدينة، وبالتالي من الواضح[لجارفينكل] أن " الملك داود نام هنا عندما جاء لزيارة هذه التلال"

ساهمت مدرسة القدس وتقاليدها البحثية في بناء و تصميم المنظور النظري الذي فسر من خلاله جافينكل البيانات واللقى من قبل مدرسة القدس وتقاليدها البحثية ,ويتمحور تعليم جارفينكل الأكاديمي ومهنته حول معهد الآثار التابع للجامعة العبرية . وكان مشروعه البحثي الأولي قد تركز على حقبة ما قبل التاريخ، ولكن عندما تقاعد عميحاي مزار وغيره من علماء الآثار الكتابيين ، دعي جارفينكل إلى العمل في هذا التخصص وتم تعيينه في العام 2004 رئيسا لقسم الآثار الكتابي. وكما أسلفنا سابقا يعترف جارفينكل بأن مملكة يهوذا مهمة جدا ومثيرة للجدل، لأنها تؤثر علينا اليوم. وفي الواقع , إذا ما كانت تعابير مثل "(مملكة) والكتاب[المقدس] و التوحيد...مستمرة فعلا حتى يومنا هذا " و مازالت تؤثر علينا , فالهوية الصهيونية اليهودية و القومية تؤثر في حالة جارفينكل على طموحاته في العثور على بعض الأشياء وتفسير الاكتشافات بطريقة معينة. ويبدو جارفينكل بكل تأكيد ملتزما بما يسميه في محاضراته "الإنجازات المادية والفكرية لمملكة يهوذا " وحمايتها . وهو يتحدث بحماس ضد التقيحيين الذين يحاولون "محو" هذه الإنجازات,وبطبيعة الحال فنكلشتين واحدا منهم. يسخر جارفينكل من نموذج التسلسل الزمني المنخفض من خلال الزعم بأن داود و سليمان ، وفقا لفنكلشتين، كانا مجرد شيوخا من البدو حكموا قرية صغيرة. وهو يسرد بعض الأمثلة على محاولات التنقيحيين "تجريد مملكة يهوذا من إنجازاتها المادية والفكرية": (أ) لم تكن المملكة المتحدة ليهوذا وإسرائيل خلال عصر داود وسليمان موجودة (ب) إعمار و إنشاء مملكة يهوذا حدث فقط في نهاية القرن الثامن ق.م، أو وفقا لنموذج فنكلشتين الجديد ، في نهاية القرن التاسع ق.م (ج) خطة المدينة الفريدة للمدن اليهودية تم نسخها من قيافا وهي مدينة فلستية أو كنعانية أو إسرائيلية (د) أصبحت القدس مدينة مركزية فقط بسبب العدد الكبير من السكان الذين فروا من مملكة إسرائيل إلى يهوذا بعد دمار مملكة إسرائيل (ه) وضع النص العبري خلال القرن الثامن ق.م فقط .(و) تطور مفهوم التوحيد خلال العصور الفارسية أو الهلنستية فقط . ويبدو جارفينكل مستعد للاعتراف بأن كل إدعاء يبدو معقولا على حدة ، ولكن اجتماع كل هذه المزاعم ، بالإضافة إلى العديد من المزاعم الأخرى ،إنما يخلق "اتجاه غريب" (Garfinkel, 2012-2013: Lectures 11 & 12) . ويظهر جارفينكل في هذا الصدد بأنه حقا كما قال أشبه بالصبي الهولندي الذي تقول عنه الحكاية بإنقاذه البلد من الغرق بوضع إصبعه مكان التسرب في السد .
الحرب على خربة قيافة والتفاعل المتبادل بين النظريات والبيانات
عندما تثار الخلافات في العلم، يصبح الأدب , كما لاحظ برونو لاتور,تقنيا (Latour, 1987: 30-44).ويمكن رؤية ذلك النقاش الدائر بين [مدرستي]تل أبيب والقدس حول قيافا (Finkelstein and Fantalkin, 2012: 39-41)، مثلما نراه في تصريحات فنكلشتاين وفانتالكين حول "العيوب المنهجية" و "العملية المتسرعة" لبعثة قيافا ، أو في تأريخ الكربون المشع وجوانب أخرى.
التفاعل المتبادل بين النظريات والبيانات:
(1) تأريخ الكاربون المشع
ابتدأ العصر الحديدي IIA حوالي 1000 ق.م. وانتهى حوالي 925/900 ق.م وفقا للنظرية المحافظة للتسلسل الزمني العالي ، أي خلال عصر داود وسليمان / المملكة المتحدة. وكان فينكلشتين، الذي ينكر وجود المملكة المتحدة ويعزز نظرية التسلسل الزمني المنخفض، اقترح في العام 1996 أن بداية العصر الحديدي IIA حوالي 900 ق.م (Finkelstein, 1996). و هو يحاول ,في السنوات الأخيرة, أن يظهر أن العصر الحديدي IIA ابتدأ حوالي 930/920 ق.م. وانتهى خلال النصف الثاني من القرن التاسع ق.م. (Finkelstein and Piasetzky, 2011 Toffolo et al., 2014), وقام شارون و آخرون . Sharon et al. (2007) بدراسة شاملة تدعم نظرية التسلسل الزمني المنخفض والتأكيد على أن العصر الحديدي IIA بدأ حوالي 900 ق.م. وكان عميحاي مزار ، الممثل البارز لمدرسة القدس والذي أصبح محافظا معتدلا، اقترح نسخة معدلة للتسلسل الزمني العالي استنادا لآرائه المحدثة، يبدأ فيها العصر الحديدي IIA حوالي 980 وينتهى حوالي 840/830 ق.م. أخذ مزار استثناء استخدام فينكلشتين لنماذج بايز للكربون المشع وهو يرى أنه حتى "برونك رامزي"، الذي طور النماذج، "شكك إذا ما كانت نماذج بايز حساسة بما فيه الكفاية عند استخدامها للتحقق في العديد من العينات من مواقع مختلفة وعندما تكون هناك ثغرات موضع شبهة في تسلسل التواريخ المتاحة" ((Mazar, 2011). ويحاول فينكلشتين ,خلال السنوات الأخيرة، أن يثبت أن الفجوة بين التسلسل الزمني تضييق والفرق اليوم بين الآراء لايتعدى خمسين عاما أو حتى أقل: 985-935 ق.م، أو حتى ~ 970-940 ق.م(Finkelstein and Piasetzky, 2011 Toffolo et al., 2014) .لم يتم ذكر جارفينكل في هذه المقالات. وكما سنرى ، يتعامل فينكلشتاين مع تفسير جارفينكل لبيانات 14C في قيافا في مقالات أخرى. ويزعم جارفينكيل نفسه أن بيانات الكربون الجديدة تبشر "بموت" التسلسل الزمني المنخفض . ويؤرخ جارفينكل ومعه جانور سوية العصر الحديدي في قيافا إلى حوالي 1026-975 ق.م . ويشيران إلى أن هذه التواريخ تناسب الوقت المفترض لمملكة داود (حوالي 1000-965 قبل الميلاد) وتعد تواريخ مبكرة جدا بخصوص الوقت المفترض لمملكة سليمان (حوالي 965-930 قبل الميلاد) ويرى جارفينكل وجانور، أن الموقع وجد لعدة عقود فقط و دمر في تاريخ لا يتجاوز 969 ق.م (احتمال% . (77.8). ومن غير المحتمل أن يكون الموقع استمر في الوجود حتى العام 940 ق.م (احتمال 6.2٪) وهكذا، فإن نظرية التسلسل الزمني العالي صحيحة فيما يتعلق بيهوذا: فالانتقال من أواخر العصر الحديدي الأول إلى أوائل العصر الحديدي الثاني IIA في يهوذا حدث حوالي 1000 ق.م (Garfinkel and Ganor, 2009: 4, 8 Garfinkel, 2011: 51 Garfinkel et al., 2012: 364) .
و يمكن وضع جدول يبين الفروقات بين نظريتي التحقيب المخفض و العالي لبداية العصر الحديدي IIA حسب الآراء المختلفة كما يلي
1-إسرائيل فنكلشتين"تحقيب منخفض ": حوالي 900 ق.م ( آخر التحديثات تحدد البداية بحوالي 920-940 ق.م)
2-إيلان شارون "تحقيب منخفض" : حوالي 900 ق.م
3-عميحاي مزار"تحقيب عالي" :حالي 1000 ق.م ( تم تعديل هذا التأريخ إلى حوالي 980 ق.م)
4-يوسف جارفينكل"تحقيب عالي": حالي 1000 ق.م على الاقل في يهوذا(بالنظر إلى بدايات المملكة الموحدة , وظهور مملكة إسرائيل الشمالية)
وتقنية تأريخ الكربون المشع في قيافا ليست تساؤلا منفصلا بل هي جزء من النقاش الكبير بين نظريات التحقيب المنخفض و العالي. وأحد أهداف البحث ,أساسا, هو العثور على تطابق بين التسلسل الزمني المطلق والنسبي، أي ، بين تأريخ الكربون 14 ومنتجات الثقافة المادية، مثل الفخار. ويعود تأريخ سوية العصر الحديدي في قيافا حسب جارفينكل وجانور إلى حوالي 1026-975 ق.م. (احتمال 58٪)،باستخدام عينات الكربون 14 . وتحققت النتيجة النهائية عن طريق حساب متوسط نتائج الكربون 14 في أربع حفر زيتون تم العثور عليها في مواقع مختلفة في الموقع. ومما هو غير مفاجىء أن التأريخ كان يفسر على أنه تأكيد على التسلسل الزمني العالي الذي يدحض مع بقية الأدلة من قيافا تسلسل فنكلشتين المنخفض للتحقيب الزمني : "... وقع الانتقال من العصر الحديدي الأول إلى العصر الحديدي الثاني في نهاية القرن الحادي عشر ق.م، وبالتالي هذا يوفر أدلة واضحة إزاء تأريخ التسلسل الزمني المنخفض "ويحدد كل من جارفينكيل و جانور اثنتين من المشكلات المنهجية الرئيسية فيما يتعلق بالنتائج الإشعاعية التي تدعم التحقيب المنخفض ,فمن الناحية الجغرافية، أخذت عينات العصر الحديدي الثاني IIA أساسا من مواقع في المملكة الشمالية "إسرائيل" وليس من مواقع في مملكة يهوذا. وثانيا، أخذت العينات من سويات العصر الحديدي الثاني المتأخر IIA وليس من بداية الفترة (Garfinkel and Ganor, 2009: 4, 8, 15, 35-38) .وعلاوة على ذلك، اتهم جارفينكل في مقالته "ولادة وموت النزعة التنقيحية الكتابية" فينكلشتين وزميله الفيزيائي إيلي بياسيتزكي بأنهما ترددا في نشر عدة نتائج للكربون 14 الذي يرجع تاريخها إلى مملكة إسرائيل الشمالية، لأن النتائج(حوالي 1000 ق.م )كانت تتفق مع التسلسل الزمني التقليدي العالي.واستنادا إلى هذه النتائج، لم يتردد جارفينكل في إعلان أن فينكلشتين ليس فقط الأب المؤسس لعلم التسلسل الزمني المتدني ,بل أيضا متعهده (Garfinkel, 2011: 50)
إلى جانب المعايرة والصحة والدقة الفعالة لطريقة التأريخ ونوع المادة التي يتم من خلالها أخذ العينة واختيار إجراءات الحساب والنماذج الإحصائية (على سبيل المثال، متوسط النتائج ونماذج بايزي)، هناك عوامل واعتبارات أخرى لها تأثير على تأريخ الكربون .والنتيجة المنشودة التي تدعم التسلسل الزمني العالي، وفقا لجارفينكل و جانور، هي النصف الأول من القرن العاشر ق.م . قدم جارفينكل و جانور لتأريخ مجموعتين من أربع حفر زيتون محترقة (واحدة من سبع حفر زيتون استخدمت في كلتا المجموعتين من العينات) المجموعة الأولى من العينات، التي تم جمعها من جدار حظائر المدينة، فشلت في تحقيق النتائج المرجوة. كما أن عينة واحدة لم تسفر على وجود الكربون 14 على الإطلاق، لكنها استخدمت مرة أخرى في المجموعة الثانية.تم تأريخ عينيتين من حفرة زيتون أخرى إلى العصر البرونزي الوسيط وهي نتيجة تتطابق مع اللقى الفخارية التي عثر عليه في الموقع. وكانت العينة التالية أرخت للعصر الحديدي الأول (1130-1046 ق.م، 59.6٪ احتمال)، وهي نتيجة "مرتفعة قليلا، حتى بالنسبة للتسلسل الزمني العالي". وكانت العينة الأخيرة من الفترة الهلنستية. ووفقا لتفسير جارفينكيل و جانور، هناك ثمة ثقوب كبيرة بين الحجارة الضخمة للحظائر والمشكلة هي هجرة المواد العضوية بسبب النشاط الحيواني والنباتي. و قد تكون ما نسبته حوالي 10٪ -30٪ من العينات عموما ملوثة نتيجة لحركة المواد العضوية بين الطبقات. وبعد ذلك، يقدم جارفينكل و جانور المجموعة الثانية من العينات للتأريخ . كما ذكر سالفا ، وتم حساب النتيجة النهائية عن طريق متوسط نتائج العينات الأربعة، وهي عملية مكنتهما من تقليل النطاق الزمني لعصر داود أو أبكر من ذلك بقليل (Garfinkel and Ganor, 2009: 35-38 Garfinkel, 2012-2013: Lecture 8) .
تؤثر الحسابات على صحة النظريات، ولكنها تتأثر أيضا بها. وفي هذه الحالة، يؤثر التأريخ الكربوني على نظريات التحقيب المنخفض والعالي ولكنه يتأثر أيضا بها. وقد كانت استجابة جارفينكل وجانور سريعة: ففي العام 2010 نشر فينكلشتين وبياسيتسكي مقالا هاجما فيه طريقة جارفينكل و جانور(Finkelstein and Piasetzky, 2010) . وذهبا إلى القول بأن حسب المتوسط هو إجراء مشروع عندما تكون جميع العينات بالضبط من نفس العمر فقط. وتتحقق مثل هذه الشروط، على سبيل المثال، عندما يتم تحديد الدمار نتيجة للحريق أو عندما تؤخذ العينات تحت انهيار سميك من نفس طبقة التدمير. وإلا فإن العينات يمكن أن تمثل مراحل مختلفة في حياة المستوطنة التي لم تعرف بعد. وفي المثال الذي بين أيدينا ، أخذت العينات من مواقع مختلفة ولا تمثل حدثا واحدا في تاريخ قيافا. واستنادا إلى الجوانب التالية، قدر فينكلشتين وبياسيتسكي أن العينات تمثل مدة النشاط في الموقع، التي بدأت حوالي 1050 ق.م وانتهت في وقت ما خلال القرن العاشر، في تاريخ لا يتعدى العام 915 ق.م : (1) البيانات التي نشرها منافسيهم (2) تحليل يظهر أن مجاميع الفخار في قيافا تنتمي إلى مرحلة السيراميك لأواخر العصر الحديدي الأول (3) بيانات إضافية على مجاميع الفخار ونتائج الكربون المشع من العصر الحديدي الأول المبكر والوسيط. ومن غير المفاجئ أن توصلا إلى نتيجة مفادها أن "تحديدات الكربون المشع لخربة قيافا تتطابق مع عدد كبير من القياسات من مواقع العصر الحديدي الأول المتأخر في شمال وجنوب إسرائيل وتدعم التحقيب الزمني المنخفض ". وأخيرا، يتهم فينكلشتين وبياسيتسكي جارفينكل و جانور بأنهما" خاطئا ومضللان "في الادعاء بأن (أ) النتائج السابقة كانت تستند إلى عينات مأخوذة من الشمال فقط (ب) تأريخ الانتقال من العصر الحديدي الأول إلى العصر الحديدي الثاني كان يستند إلى عينات من سويات العصر الحديدي الثاني المتأخرIIA وليس على عينات من بداية الفترة. هناك 107 قياسات من ثمان سويات من العصر الحديدي الأول المتأخر و 32 قياس من خمس سويات أخرى من العصر الحديدي الثاني المبكر الحديد IIA ويعتقد فينكلشتين وبياسيتسكي أن القياسات تمثل على نحو كاف كل من شمال البلد وجنوبه.
القصة، بالطبع، لا تنتهي هنا. فأولا، أجاب جارفينكل بأن عملية حساب المتوسط كانت مشروعة، لأن المدينة كانت موجودة لفترة قصيرة قبل تدميرها بالكامل. ثانيا، وجد فريق جارفينكل في العام 2012 بقايا فخار مكسور يحتوي على عشرين قطعة زيتون. وبما أن جميع حفر الزيتون وجدت في نفس المكان وفي نفس السياق فإنها تستوفي معايير المتوسط، على الرغم من أن العينات يمكن أن توفر التاريخ المقدر لتدمير المدينة وليس تاريخ إنشائها(Garfinkel, 2012-2013a: Lecture 8) .على أي حال، من المهم التأكيد مرة أخرى على أن مسألة التأريخ عن طريق الكربون المشع لا يمكن فصلها عن الجوانب الأخرى للنقاش بين التسلسل الزمني المنخفض والعالي ، وعن مسألة ما إذا كانت المدينة القديمة في قيافا يهوذية على الإطلاق. وبعبارة أخرى، فالسؤال عما إذا كان الباحث يتوقع أن يجد مدينة يهوذية محصنة تعود لعصر الملك داود، يؤثر على الطريقة التي يتم فيها اختيار و تفسير البيانات، والطريقة التي يتحدد بموجبها ما إذا كانت هذه البيانات والنتائج ذات صلة وما إذا كان احتساب المتوسط والحسابات الأخرى مشروعة في ظل ظروف معينة.لا يعتمد تأريخ الكربون المشع في قيافا على قياسات الكربون المشع فقط من مواقع أخرى، بل على بقية الأدلة، منها, المجاميع الفخارية، وكذلك على النظرية التي يلتزم فيها الباحث.وعندما يعترف فينكلشتين أن "هناك مسافة معينة في علم الآثار بين الاكتشافات والتفسير" (Finkelstein in Fridman, 2013 Finkelstein, 2006-2007: Lectures 1) ،فإنه يصو , في الواقع,مأزق العلوم برمتها، كما يعلمنا تاريخ وفلسفة العلم.وتتميز المؤسسة العلمية بقفزات نظرية لا يمكن تجنبها. وفي هذه الحالة، ينظر ‘لأى جميع الأدلة و تفسر لقى قيافا وفقا للأطر النظرية لمختلف الفرقاء, كما يلخص فينكلشتين وبياسيتسكي موقفهما واعتباراتهما: لقد ضاقت حدة نقاش الاختلافات بين الأطراف إلى عدة عقود فيما يتعلق ببداية العصر الحديدي الثاني IIA ( المرحلة الانتقالية بين العصر الحديدي الأول و الثاني )، وهي فجوة تتجاوز حل نتائج الكربون المشع ، حتى عندما يتم نشر عدد كبير من التحديدات . وبإدخال الاعتبارات التاريخية فضلا عن الملاحظات المتعلقة بسرعة وتيرة تغيير التقاليد الفخارية، كان من الممكن أن يستغرق الانتقال من العصر الحديدي الأول إلى الثاني عقدا أو عقدين، وينبغي أن يوضع بعد فترة قصيرة من منتصف القرن العاشر ق.م (Finkelstein and Piasetzky, 2011: 52). دعونا نستمر في دراسة الطريقة التي تفسر بها الاكتشافات في قيافا وفقا للأطر النظرية المختلفة للصفوف للتحقيب المتدني و العالي :
(2) التخطيط العمراني .
يؤكد جارفينكل وجانور أن التخطيط العمراني لقيافا هو خاصية يهوذية فريدة من نوعها: حظيرة مسورة للمدينة وحزام من المنازل تستخدم فيها الحظائر كغرف خلفية. يدعي جارفينكل و جانور أن لدى المدينة بوابتين وهما يعرفان المدينة باسم شعرايم , والتي تقع ,وفقا للكتاب المقدس، في قائمة مدن يهوذا(يوشع 15:36) في وادي إيله حيص حصلت قصة داود وجالوت (صمويل الأول 17:52).وبحسب جارفنكل وجانور، فإن قيافا ھي الموقع الوحید في یهوذا وإسرائیل الذي يوجد فيه بوابتين ومدخلها الرئيسي يواجه القدس . في حين أن المدن الكبيرة مثل لخيش ومجدو ، لايوجد بها سوى بوابة واحدة. كانت قيافا حصن يهوذا على حدودها مع فيليستيا (Garfinkel and Ganor, 2008a Garfinkel et al., 2012).. أنكر فنكلشتين وجود بوابتين في قيافا كما سنوضح أدناه، وعلى أية حال، يرفض فينكلشتين وآخرون مطابقة قيافا مع شعرائيم. فوفقا لتفسيره، لا يمثل تصوير شعرايم في الكتاب المقدس واقع يهوذا من القرن العاشر ق.م ،بل واقع يهوذا في العصر الحديدي الثاني ، وخاصة يوشع 15 الذي يصور التنظيم الإداري ليهوذا في أواخر القرن السابع ق.م وبالإضافة إلى ذلك، لا يمكن أن تقع شعرايم وفقا للوصف الكتابي في قيافا . هنا، أيضا، لايفوت فينكلشتاين الفرصة لاتهام جارفينكيل في القراءة الحرفية، غير النقدية للكتاب (Finkelstein and Fantalkin, 2012: 46-48 Dagan, 2009) .ويجادل فينكلشتاين بوجود مواقع مشابهة لقيافا تتمتع بحظائر مسورة من العصر الحديدي الأول حتى العصر الحديدي الثاني المبكر IIA ،و ليس فقط في يهوذا, مثل هذه المواقع تتواجد في المرتفعات في المناطق الجغرافية التالية: المناطق الداخلية من بلاد الشام، أمون، موآب، مرتفعات النقب ومرتفعات شمال القدس. ويريد فينكلشتاين أن يعزو الموقع إلى بدايات ما يدعوه كيان جبعون-جبعا الإسرائيلي الشمالي للأسباب التالية: (أ) أن المدينة قريبة من القدس، ولكن لم يكتشف نشاط بناء هام في هذا العصر في القدس وغيرها من المواقع اليهوذية ,فضلا عن النشاط الاستيطاني القليل في المرتفعات اليهوذية واستنزافها الديمغرافي. وهكذا ليس من الواضح [لنا]كيف بنى داود وشعبه قيافا وحكموها . ومن ناحية أخرى، كان كيان جبعون-جبعة مأهولا بكثافة ولايعاني من مشكلة في القوى العاملة؛ (ب) وجد نظام عمراني كثيف لجدران حظائر معاصرة في هضبة جبعون -بيتئيل (ج) يتحدث الكتاب عن وجود شاول، ملك إسرائيل، في وادي إيله حيث وقعت المعركة بين الإسرائيليين والفلستيين (د) إذا كانت قيافا مدينة إسرائيلية، فإنه يمكن تفسير تدميرها خلال حملة شيشنق الأول بسهولة ..(Finkelstein, 2013: 56-59 Finkelstein and Fantalkin, 2012). . في الختام، إن ما يعتبره غارفينكل وغانور دليلا قويا على وجود مدن محصنة في مملكة داود، وحجمها، وصحة التسلسل الزمني العالي، يفسره فينكلشتين كدليل على حجم مملكة إسرائيل نظرا لأنه يتوافق مع نظرية التسلسل الزمني المنخفض.
(3) عظام خنزير العظام ومجاميع الفخار .
يفسر جافينكل و جانور غياب عظام الخنازير في قيافا كدليل على أن المدينة كانت يهوذية وليست فلستية. كما أن مجاميع الفخار التي عثر عليها تختلف عن الفخار الفستي اذي عثر عليه في جات. ويظهر التحليل البيتوغرافي للصخور أن الفخار محلي، أي من وادي إيله. تم العثور على حوالي 600 من مقابض الجرار التخزينية مع طبعات الأصابع في قيافا. كما تم العثور على مقابض بطبعات أصابع في القدس. كان هناك تقليد إداري في يهوذا في تصنيع الجرار مع مقابض مختومة لأغراض الضريبة (Garfinkel et al., 2012 Garfinkel, 2013b). .ويعترف فينكلشتاين أنه حتى السنوات الأخيرة، تم تفسير عدم وجود الخنازير في مواقع مختلفة على أنها تشير إلى أن السكان كانوا إسرائيليين / يهوذيين، ولكن في السنوات الأخيرة تم اكتشاف أن عظام الخنازير هي أيضا نادرة في المواقع غير الإسرائيلية التي تعود للعصر الحديدي الأول في المناطق الداخلية و المنخفضات و حتى في المواقع الريفية في قلب فيليستيا. كما تعد مجاميع الفخار نموذجية للمنطقة، وبالتالي لا يمكن تحديد الهوية الخاصة لسكان قيافة وفقا لهذه الاكتشافات. وعلاوة على ذلك، يؤكد فنكلشتين أن تعيين سكان قيافا لا يمكن تحديده حتى على أساس البيانات المعروفة من هذا الموقع ومن مواقع أخرى(Finkelstein, 2013: 55)
(4) النقوش.
وجدت البعثة في قيافا عدة كسر تحتوي نقوشا وقام العديد من الخبراء بتحليلها و قد أثار أح النقوش نقاشا حادا ,فهو مكتوب بلغة ما قبل كنعانية الذي تطورت منها الأبجدية الفينيقية . تطورت النقوش العبرية القديمة، فضلا عن غيرها من النقوش المحلية ،من الأبجدية الفينيقية. وقد اختفت العديد من الحروف في النقش، لكن الباحثين حاولوا فك رموز النقش باستخدام تقنيات التصوير (10). تشير عدة مقالات إلى أن النقش قد يكون من أقدم النقوش العبرية، ويمثل المرحلة التي سبقت تحول النص ما قبل الكنعاني إلى نص فينيقي معياري. اقترح هذه الفكرة عن النقش كل من حجاي ميسغاف و جارفينكل وجانور. ويزعم ميسغاف، على سبيل المثال، أن عبارة "لا تفعل" باللغة العبرية تظهر في النقش (in Garfinkel and Ganor, 2009: 243-257 Garfinkel, 2012-2013: Lectures 11 & 12) .وقد حاول جرشون جليل، أحد مؤيدي هذا الرأي، إعادة بناء النص، واقترح أن النقش مشابه للنصوص الكتابية . ووفقا لجليل، حملت بدايات القرن العاشر ق.م مؤشرات قوية على تأليف نصوص أدبية معقدة في العبرية . ويطابق جليل موقع قيافا مع نتاعيم التي كانت، وفقا للكتاب ، مركزا إداريا محصنا بناه الملك داود على الحدود بين مملكته وفيلستيا (Galil, 2009) .لا توجد ,وفقا لمقالات أخرى، دلائل على أن الكتابة مدونة باللغة العبرية القديمة (Rollston, 2011 Millard, 2011).وتستمد المواقف في هذا السجال من النقاش الأكبر بين نماذج التحقيب المنخفض والعالي. وعندما يسعى جارفينكيل و جانور و ميسغاف في محاولة لتحديد لغة سكان قيافا العبرية القديمة، فإنهم يقومون بذلك كجزء من نمط شامل من التسلسل الزمني العالي لجارفينكيل، والتأكيد على أن الكتابة العبرية تمت خلال القرن الثامن ق.م. فقط هو جزء من الاتجاه التنقيحي لمحو "الإنجازات المادية والفكرية لمملكة يهوذا" (Garfinkel, 2012-2013: Lectures 11 & 12).
تؤثر هوية الباحث على تحليل وتفسير النص و يميل الباحثون الصهاينة و الدينيون، مثل ميسغاف، إلى أن يكونوا أكثر تحفظا برفضهم لموقف التنقيحيين ، على الرغم من أن وجهة نظر الأصوليين اليوم يبتعد عن العقائد الأرثوذكسية. يجب على الباحث الديني التعامل مع النزاعات الخطيرة، كما يصف ميسغاف نفسه في محاضرة له عن التناقضات بين علم الآثار والكتاب ،ألقاها في المؤسسة الأكاديمية الدينية - كلية هرتسوغ (Misgav, 2010)..أشار خلالها إلى مراسلاته مع جليل حول مسالة النقش [المذكر أعلاه] ,لا يبدي ميسغاف أي موافقة على التأكيدات المتطرفة القوية من جليل حول هذه القضية. وفي هذا السياق كتب إلى جليل أنه إذا كان "أي مسغاف" قد اقترح -وهو يضع القبعة اليهودية على رأسه-تأويل جليل ذاته فسوف يتهم بأنه أصولي متطرف .
يدعم فينكلشتين وفانتالكين وجهة النظر القائلة بأن النقش لم يكتب باللغة العبرية. ويؤكدان أن جميع النقوش ماقبل -الكنعانية المتأخرة تقريبا عثر عليها في شيفلة والسهول الساحلية الجنوبية، لا سيما قرب مدينة جات الفلستية. كما تم العثور على نقوش هيراطيقية مصرية تعود لحقبة العصر البرونزي المتأخر الثالث في المنطقة عينها ،وبشكل خاص حول لخيش . كانت المنطقة مركز الإدارة المصرية في كنعان في العصر البرونزي المتأخر. وبالتالي فالنقوش ماقبل الكنعانية المتأخرة قد تعكس تأثير التقاليد الإدارية والثقافية القديمة. عندما يتبنى فينكلشتين وفانتالكين الموقف القائل بأن نقش قيافا لم يكتب باللغة العبرية، فإنهما يقومان بذلك كجزء من النمط الشامل للتحقيب الزمني المنخفض . وهكذا يتهمون جليل على سبيل المثال، باتخاذ موقف الأصوليين (Finkelstein and Fantalkin, 2012: 50-51 Finkelstein, 2013: 55).لا ينكر فينكلشتين وزملاؤه أن النص القصير للنقش تأريخه لبدايات مملكة يهوذا. كما أنهما لا ينكران أن الكتاب يحفظ الذكريات القديمة. ومع ذلك، يعتقدان أن العنصر الأساسي لنظرية التحقيب المنخفض هو عدم وجود نصوص أدبية معقدة في يهوذا قبل نهاية القرن الثامن ق.م: ووفقا لهما ساهم كل من نمو المملكة، والبيروقراطية، والكتابة، والازدهار الاقتصادي، والعلاقات الدولية - كل ذلك معا، من الناحية الإيديولوجية واللاهوتية والتاريخية، في تأليف الكتاب المقدس و تحريره بصورة رئيسية منذ القرن السابع ق.م كجزء من الإصلاح التثنوي للملك يوشيا (Finkelstein and Silberman, 2001 Finkelstein, 2006-2007)
(5) العبادة.
لم يجد جارفينكل وجانور تماثيل أو دلالات عبادة في قيافا مما يؤكد على أن قيافا موقع يهوذيا .وقد عثرا على صندوقين، أو "نماذج أضرحة"، أحدهما مصنوع من حجر والآخر من الطين. وصناديق مماثلة من حفريات أخرى تحتوي على رموزا أو أيقونات آلهة، ولكن في هذه الحالة كانت الصناديق مكسورة ولم يعثر على رموز، أيقونية أو آلهة. ويمكن تفسير الطيور على الجزء العلوي من الصندوق الطيني و الأسود على الجزء السفلي كعلامة على آلهة الخصوبة. ويحتوي الصندوق الحجري على درج مزين بثلاثة إطارات مرصعة وكما يحتوي على ثلاث شقوق عمودية على عوارض سطحه, و وفقا لجارفينكل و جانور، يتشابه النموذج المعماري للصندوق الحجري مع الهندسة المعمارية في هيكل و قصر سليمان كما تصفه النصوص الكتابية. بالإضافة إلى ذلك، فإن نسب الباب في النموذج مشابهة لنسب الأبواب في الهيكل الثاني كما هو موضح في الميشناه. ويرى جارفينكل ذلك على أنه استمرارية العبادة في يهوذا. وأخيرا، كانت طقوس العبادة لسكان قيافا تتم في غرف العبادة داخل المنازل الخاصة. هذه الممارسة غير الاعتيادية لا تظهر في الثقافات الكنعانية أو الفلستية، ولكنها تتفق مع الوصف الكتابي لفترة ما قبل إنشاء هيكل سليمان (Garfinkel et al., 2012 Garfinkel, 2012-2013: Lectures 10 & 11 Garfinkel, 2013b).
لا يبدو فنكلشتين معجبا بعدم العثور على تماثيل في الموقع: "هل يقول جارفينكل أن غلاة الموحدين عاشوا في خربة قيافا في القرن العاشر ق.م؟ هل هذا ما حدث ؟لقد قمت شخصيا في التنقيب في موقع معين ولم أجد مواضيع طقسية ، ولكن لم يحدث أن خطر على بالي القول بأن السكان هم من غلاة موحدون "(Finkelstein in Shtull-Trauring, 2011) . ومرة أخرى، يرتبط هذا السجال بالسجال الأكبر. حيث يستثني جارفينكل فكرة أن التوحيد ظهر فقط بعد فترة الهيكل الأول، وهو الادعاء الذي يتحدد كمثال على محو الإنجازات الفكرية لمملكة يهوذا. ومع ذلك، فهو يقبل فكرة القبول التدريجي للتوحيد ، كما يصف الكتاب [المقدس ] ذلك .ومن جهة أخرى يؤكد فنكلشتين على هيمنة نوع من التوفيق بين المعتقدات في يهوذا خلال فترة الهيكل الأول. و وفقا للعهد القديم ,كانت الوثنية شائعة في يهوذا حتى في عصر الملك سليمان. وتبين الأدلة الأثرية أن الإصلاح التثنوي ، الذي يسمح بعبادة إله واحد فقط ومركزية العبادة في معبد سليمان،حدث في أيام يوسيا (القرن السابع ق.م )، على الرغم من أن الشعب كان لا يزال يستخدموا حتى في منازلهم (حتى في المنازل القريبة من الهيكل) يستخدم التماثيل. ووفقا للكتاب ظهر التوافق بين المعتقدات مرة ثانية بعد عصر يوسيا الذي قتل على يد نخو الثاني ظهر التوافق بين المعتقدات مرة ثانية (Finkelstein, 2006-2007: Lectures 11 & 12).
لنلاحظ هنا أن التوحيد، أو الاعتقاد في وجود إله واحد، لا يعادل بالضرورة لاهوت تثنويا يعود لفترة الهيكل الأول. كما نشد موسى وبني إسرائيل: "من بين الآلهة مثلك يا رب" (خروج 15: 11). على أية حال، يتعارض المنظور القومي المحافظ الذي يرى جارفينكل من خلاله أن هذا الموضوع حتى مع وصف الكتاب لفترة الهيكل الأول. يعتمد جارفينكل على الكتاب المقدس والأنبياء الذين أدانوا أولئك الذين يعبدون الآلهة الأخرى كخطاة، لكنه يتجاهل حقيقة أن الكتاب المقدس يصور هيمنة الوثنية / التوافق الديني خلال فترة الهيكل الأول. ويجادل بأن الأدلة الأثرية تعاملت حتى الآن مع الفترة الأخيرة لمملكة يهوذا، ولكن قيافا الآن تقدم أدلة جديدة عن بدايات المملكة (Garfinkel, 2012-2013: Lectures 10 & 11) . والمشكلة هي أنه تم في العام 2012 تم اكتشاف معبد وثني قديم يعود تاريخه إلى القرن التاسع ق.م في تل موتزا [موقع قرية قالونيا"على بعد 5 كيلومترات من جبل الهيكل[الحرم الشريف]. وتشمل النتائج تماثيل للرجال والحيوانات. كان من السهل على فينكلشتين أن يفسر ذلك: أولا كانت هناك مواقع أخرى مماثلة في يهوذا حتى نهاية القرن الثامن ق.م، ثانيا, نظرا لأن هناك العديد من مواقع الطقوس في إسرائيل ويهوذا كان الكتاب نفسه طالب مرارا وتكرارا أن على يهوذا وإسرائيل التخلص من جميع مواقع العبادة المعاصرة لمعبد سليمان في القدس. ولكن بالنسبة إلى جارفينكل كان الأمر أكثر صعوبة: "أفترض احتياج سكان النقب موقع لأداء طقوسهم، ولكن موتزا على بعد خمسة كيلومترات من القدس .فلماذا كانوا بحاجة إلى معبد آخر؟ "يعترف جارفينكل بأن معبد تل موتزة لا يمكن تجاهله، لكنه يعد بأن الخطاب حول هذا الموضوع سوف يتغير بعد نشر مقالات جديدة مع الأدلة الكافية من خربة قيافا(Hasson, 2012 Garfinkel, 2012-2013: Lecture 11)
نظرية الملاحظة
يشرح جارفينكل و جانور ومايكل هاسل لقرائهم أن البيانات مثل أحجار الفسيفساء: يمكن تجميع الحجارة / البيانات بأشكال مختلفة لخلق صور / نماذج مختلفة، لكن الحجارة / البيانات تبقى كما هي (Garfinkel et al., 2012: 45) . ومع ذلك، وكما أوضح توماس كون( 1970 ) وآخرون، فإن البيانات / الملاحظات / الأدلة ليست مستقلة عن التصور و النموذج بل على العكس هي تعتمد على النموذج.ومن الواضح أن نظرية الملاحظة ظاهرة في السجال بين فنكلشتين وجارفينكل، الذي ينظر ويفسر البيانات و اللقى من خلال العدسات النظرية المختلفة. وفي حين يحدد ويرى جارفينكل و جانور أن هناك ثمة بوابة ذات غرف أربع في حظائر السور الجنوبي لمدينة (قيافا)، لايرى ذلك فينكلشتين وفانتالكين فتبني وجود بوابة تم بناء على وجود (أ) صخرتين ضخمتين، تزن كل واحدة نحو عشرة أطنان ، على جانبي البوابة - في المقدمة . (ب) اتجاه الحظائر على جانبي البوابة: مداخل الحظائر يغير التوجه في هذه البقعة.ويقول جارفينكل و جانور، أن البوابة تعود للقرن العاشر ق.م و قد أغلقت في الحقبة الهلنستية وتعرضت للتلف بسبب النشاط العمراني .(Garfinkel and Ganor, 2009: 108-111 Garfinkel et al., 2009: 218 Finkelstein and Fantalkin, 2012: 45-47). .وفي العام 2011 قال فينكلشتاين لصحفي: "ليس هناك بوابتان هناك.[في قافا], هناك بوابة واحدة، البوابة الغربية. 90%مما تراه في البوابة الجنوبية تم ترميمه . أعتزم نشر صورة من نهاية أعمال الحفر وصورة أخرى التقطت بعد الترميم ، وسوف يرى كل شخص عاقل أنه لم يكن هناك بوابة هناك " (Finkelstein in Shtull-Trauring, 2011) .وقارن فنكلشتين وفانتالكين في مقالهما المشترك صورتين: واحدة التقطت للبوابة الجنوبية قبل الترميم وأخرى لها بعد الترميم . وهما يزعمان أن الترميم اعتمد بشكل فضفاض على الاكتشافات: في الجناح الشرقي للبوابة، تم ترميم الرصيف المركزي من جدار قد أغلق مدخل البوابة، وفي الجناح الغربي لا يوجد رصيف داخلي (شمالي) وتم ترميم الرصيف المركزي من البقايا الصغيرة. ثانيا، وفقا لتفسيرهما للقى، وجود بوابة ذات أربعة غرف في هذا الموقع يتطلب منا أن نفترض أنها بنيت على المنشآت الصخرية ويجب أن يؤرخ البناء إلى العصر البرونزي الأوسط أو إلى مرحلة مبكرة من توطن العصر أواخر الحديدي الأول.في الحجرة الجنوبية الشرقية، بالقرب من ممر البوابة المرممة، هناك علامات قطع للصخور وعلامات تشبه الكأس , يشير فينكلشتاين وفانتالكين إلى أنه من خلال المقارنة بين الصور يمكن أن نرى أن القطاع الشمالي الغربي من البوابة المرممة مبنية فوق المنشآت وعلامات الكأس، ومعظمها لا تظهر في البوابة المرممة . ويبدو أيضا أن الرصيف المركزي للجناح الشرقي قد بني على مبنى (Finkelstein and Fantalkin, 2012: 45-47). .
تتشابك الملاحظة والتفسير على الدوام . أما مسألة ما إذا كان هناك بوابتان في قيافا، أم لا فهي مسألة لا توجد من تلقاء نفسه . ويأتي كل جانب من جوانب هذ ا السجال بمجموعة مختلفة من الافتراضات والتوقعات والالتزامات النظرية. إن تحديد البوابات في قيافا مهم للصورة الكبيرة التي يحاول أن يسمها جارفينكيل . إذا أمكن تعريف المدينة التي تم التنقيب عنها في قيافا بأنها مدينة يهوذية كما مدينة شعرايم " بوابتين" , فإن وجود مدن محصنة في القرن العاشر ق.م في يهوذا هو أمر مؤكد . وبعبارة أخرى، مطابقة شعاريم هو تأكيد على أطروحة جارفينكل عن العصور القديمة، وتأكيد على حجم وأهمية مملكة يهوذا، الذي هو الدافع وراء الإرادة لحماية "إنجازات مملكة يهوذا" .ومن ناحية أخرى يريد فينكلشتين حماية نموذجه الذي وضعه، أي التسلسل الزمني المنخفض، من عمل جارفينكيل الذي ينحاز نحو التسلسل الزمني العالي المحافظ . وبالتالي فإن تحديد المدينة التي تم التنقيب عنها في قيافا بوصفها شعرايم الكتابية قد لا يؤكد جزء كبير من أطروحة فينكلشتاين.
الخلاصة: فصل البحث عن الهوية
دعونا ندرس مرة أخرى حجة فنكلشتين حول الفصل بين البحث والتقاليد والمعتقد: "أنا مؤمن بدرجة كبيرة في الفصل التام بين التقاليد والبحوث,و أنا شخص يحتفظ في بقعة دافئة من قلبه للكتاب [المقدس]وقصصه الرائعة. ولا تستمع فتاتي اللتان تبلغان الحادية عشر و السابعة من عمرهما ,خلال عيد الفصح أي كلمة عن عدم وجود خروج من مصروعندما يصلان إلى سن الخامسة و العشرين سنقول لهم قصة مختلفة. الاعتقاد والتقاليد والبحوث هي ثلاثة خطوط متوازية يمكنها أن تتواجد في وقت واحد. و لا أرى في ذلك تناقضا جسيما "(Finkelstein in Lori, 2005) .وفي الحقيقة يبالغ فينكلشتين قليلا . فإذا كان هناك ثمة فصل كامل بين البحث والتقاليد والمعتقد، لماذا لا يخبر ابنتيه أنه لم يكن هناك خروج من مصر؟ لأنه ,في هذه الحالة تشكل البحوث تهديدا للهوية. إن نظرية فينكلشتين بمثابة تهديد مباشر للهويات الصهيونية المحافظة واليهودية. والواقع أن التهديد متبادل: فالأبحاث تشكل خطرا على الهوية ,والهوية تشكل خطرا على الموضوعية. ولذلك فإن حل فينكلشتين هو الإصرار على الفصل الذي "يحرر التوتر" (Finkelstein, 2006-2007: Lecture 13) . وكما حاولت أن أظهر، فإن إصرار فنكلشتاين على الفصل هو الأداة البلاغية المستخدمة في اعتذاره لتهدئة المخاوف من الجمهور الإسرائيلي اليهودي، فضلا عن الأداة البلاغية المستخدمة ضد منافسيه في السجالات الحامية حول التسلسل الزمني المنخفض والعالي . ما يريد فينكلشتين قوله هنا هو قدرته على التوفيق بين أبحاثه ونظرياته مع وجهات نظره الاجتماعية والسياسية والثقافية كصهيونية يهودية / علمانية تقليدية. فهو يقول، على سبيل المثال، "لدي آراء قوية جدا بشأن الهوية والخلفية التاريخية. أنا لست مذعورا (Finkelstein in Feldman, 2006) . وبعبارة أخرى، فإن فينكلشتين لا يعتريه الذعر لأن وجهات نظره ونظرياته التي يسترشد بها إبستيمولوجيا واجتماعيا من خلال "الرؤية من الوسط"(Finkelstein, 2006-2007: Lectures 1& 13 Finkelstein, 2011) - تتناغم مع بعضها البعض . وهذا لا يعني أن نظرياته لا تعرض هوية الآخرين للخطر، على سبيل المثال. وجهات نظر الصهاينة المحافظين، والتيارات المحافظة المهيمنة بين اليهود الأرثوذكس، وبطبيعة الحال، اليهود المتزمتين.لماذا يكون من المهم جدا أن يختم فينكلشتين بالقول "الفجوة المتزايدة التي لا تطاق بين ما يجري في علم الآثار اليوم وما يعرفه الجمهور" (Finkelstein in Feldman, 2006) ؟ لأن الهويات ليست فقط تصوغ علم الآثار وإنما لأن علم الآثار هو أيضا قوة تشكيلية التي تصوغ الهويات. كتب فينكلشتين كتبا لعامة الناس، ومحاضراته ومقابلاته هي جزء من النضال لهوية إسرائيل. و يجب أن تستمر,في رؤيته, تنمية الهوية الصهيونية اليهودية في مسار ديمقراطي ليبرالي: "إن قوة إسرائيل تتحدد، أولا وقبل كل شيء، من كونها مجتمعا منفتحا وديمقراطيا وليبراليا، يمكنه التعامل مع ماضيه الأخير البعيد . وفي هذا الصدد، فإن البحوث الحرة والحيوية والنابضة بالحياة هي اليوم أكثر أهمية بكثير من القصور الرائعة التي تعود للقرن العاشر ق.م "(2002 to Finkelstein and Silberman, 2001من المقدمة العبرية).بطريقة مماثلة، تنعكس أعمال فنكلشتاين وسلطته العلمية في البرامج التلفزيونية التي يستخدمها ناشطون ملحدون في النضال من أجل هوية إسرائيل: ومنها على سبيل المثال
(أ)أشرطة فيديو يوتيوب ScienceReasonIsrael ، وخاصة الفيديو التالي المؤرخ ب 3 أيلول 2013 و الذي يتحدث عن الخروج من مصر
http://www.youtube.com/watch?v=NTxBNVVxXd0
(ب) انظر أيضا المنشور التالي في موقع http://www.daatemet.org.il/articles/article.cfm?article_id=10 لمنظمة Daatemet ، وهي منظمة ملحده تهدف إلى تقويض التفسير الأرثوذكسي للكتاب المقدس، والتي "أصبحت أداة سياسية في يد الأصوليين المهتمين بالذات الذين يدعون أنهم يمتلكون ملكية حصرية لهذا الإرث, و يمكن الاطلاع عليها على موقعها http://www.daatemet.org/aboutus.cfm
في الختام، يؤكد فينكلشتين على الانفصال مرارا وتكرارا فقط لأنه في الواقع لا وجود له. لا يمكن لأحد أن يفصل هويته عن أسئلة حول هويته. ولكي نكون حاسمين حقا يجب أن نعترف بأن هويته ونظرياته مترابطة بدلا من أن تعلن أنها موضوعية وغير متحيزة. وينبغي الاستعاضة عن مبدأ الموضوعية بـ "التداخل المشترك".
.....................
العنوان الأصلي للمقال: Israel vs. Judah: The Socio-Political Aspects of Biblical Archaeology in Contemporary Israel
المؤلف: Shimon Amit
الناشر : http://www.HPS-Science.com 2014
ترجمة:محمود الصباغ
.................
ملاحظات
*[ غرودنو مدينة تقع الآن ضمن أراضي جمهورية بيلاروسية وتقع قرب الحدود الليتوانية و البولنية , انتقلت حياتها عدة مرات بين بيلاروسيا و لوبلناي , سكانها خليط من اليبلاروس و البولونيين و الليتوانيين ]
1- ترمز قصة أبراهام، على سبيل المثال، إلى انفصال العبرانيين عن البدو الساميين البدو، والقصص عن إسحاق ويعقوب ترمز إلى فصل "شعب إسرائيل" عن الشعوب العبرية الأخرى. هذا وقد حاول دوبنو، والمؤرخين الصهاينة بعده، التوفيق بين الكتاب المقدس والأدلة الأثرية والبحوث الحديثة، على سبيل المثال. القصص التوراتية للخروج من مصر وفتح كنعان فيما يتعلق بالأدلة من خارج الكتاب فيما يتعلق بحكم مصر على كنعان في الوقت المفترض لوقوع الأحداث.
2- الترجمات من العبرية للمؤلف ، على الرغم من أن في العديد من الاستشهادات أدناه استخدمت كليا أو جزئيا الترجمات الإنجليزية التي تظهر في المواقع الإخبارية.
3-يقول فينكلشتاين في العبرية " شينكاني وثني عدمي "، على الرغم من أنه في النسخة الإنجليزية من المقابلة تم ترجمتها إلى "عدمي مترف:، وهي عبارة مخففة وأكثر وضوحا للقارئ غير الإسرائيلي.
4- مقابلة مع Cain and & 90210 http://pod.icast.co.il/bfcc402e-cdc4-4fc1-b964-94d2bcbacc67.icast.mp3
و انظر أيضا Penn, 2011.
5- انظر نهاية المقابلة ع بينيت هنا http://www.nrg.co.il/online/1/ART2/523/195.html.
6-https://www.facebook.com/NaftaliBennett/posts/671099339578404.
7-أنظر مثلا
http://elderofziyon.blogspot.co.il/2014/02/erekats-latest-lie-my-family-was-in.html#.VSz9V_mUftt
http://elderofziyon.blogspot.co.il/2014/02/saeb-erekat-admits-he-is-jordanian.html#.UxY2LWDNvyc
http://www.assawsana.com/portal/pages.php?newsid=167478.
8-غارفينكيل يتمتع بما يراه هزيمة التفكيكيين على طريقتهم الخاصة . انظر، على سبيل المثال، مراسلاته الدؤوبة مع فيليب ديفيز:
http://www.biblicalarchaeology.org/scholars-study/the-great-minimalist-debate/. Yoav Karny (2010) و كارني الذي أجرى مقابة مع جارفينكل أشار
إلى أنه يستمتع كثيرا بالضجة التي تثار حوله وهو حريص على القتال
9-يقارن جارفينكل الكتاب بكتاب "حقيبة الكذب" ، وهي مجموعة شهيرة من القصص الطويلة التي تصف أيام البالماخ (مقاتلي قوات النخبة في الييشوف ) لا ينبغي للمرء أن يأخذ تلك القصص بحرفيتها ، لكنها تحتوي على بذور الحقيقة حول المواقع الجغرافية والعلاقات بين اليهود والعرب والبريطانيين. و يزعم جارفينكل بطريقة مماثلة أنه يمكن استخدام الكتاب المقدس كدليل في البحث عن الحقائق والقرائن عن الحقائق (كارني، 2010).
(10) بخصوص قيافا : انظر: http://qeiyafa.huji.ac.il/ostracon.asp.
..................
المصادر
Abu El-Haj, Nadia (2002) Facts on the Ground: Archaeological Practice and Territorial Self-Fashioning in Israeli Society (Chicago, Ill.: University of Chicago Press).
Aharoni, Yohanan (1957) The Settlement of the Israelite Tribes in the Upper Galilee [in Hebrew] (Jerusalem: Magnes Press, Hebrew University).
Albright, William Foxwell (1968) Yahweh and the Gods of Canaan: A Historical Analysis of Two Contrasting Faiths (London: University of London, Athlone Press).
Alt, Albrecht (1966) Essays on Old Testament History and Religion. Translated by R.A. Wilson (Oxford: B. Blackwell).
Beck, Eldad (2014) ‘Kerry: Israel s security - an Illusion, Boycott is in the Doorway’, Ynet.co.il (1 February). Available at http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4483419,00.html.
Ben-Simhon, Coby (2012) ‘Benny Morris on Why He s Written his Last Word on the Israel-Arab Conflict’, Haaretz.com (20 September). English version available at http://www.haaretz.com/weekend/magazine/benny-morris-on-why-he-s-written-his-last-word-on-the-israel-arab-conflict-1.465869.
Dagan, Yehudah (2009) ‘Khirbet Qeiyafa in the Judean Shephelah: Some Considerations’, Tel Aviv 36: 68–81.
Davies, Philip (1992) In Search of ‘Ancient Israel’ (Sheffield: JSOT).
Davies, Philip (2002) ‘Minimalism, “Ancient Israel,” and Anti-Semitism’, Bibleinterp.com. Available at http://www.bibleinterp.com/articles/Minimalism.shtml.
Dayan, Moshe (1978) Living with the Bible (London: Weidenfeld and Nicolson).
Dever, William (2003) ‘Contra Davies’, Bibleinterp.com. Available at http://www.bibleinterp.com/articles/Contra_Davies.shtml.
Draper, Robert (2010) ‘Kings of Controversy: Was the Kingdom of David and Solomon a Glorious Empire—or Just a Little Cow Town? It Depends on which Archaeologist You Ask’, National Geographic (December). Available at http://ngm.nationalgeographic.com/2010/12/david-and-solomon/draper-text
Emek Shaveh Association (2013) ‘From Silwan to the Temple Mount: Archaeological Excavations as a Means of Control in the Village of Silwan and in Jerusalem’s Old City – Developments in 2012’, Alt-arch.org. Available at http://alt-arch.org/en/wp-content/uploads/2013/04/Frm-Sil-to-Tmpl-Mnt-English-Web-.pdf.
Emek Shaveh Association (2012) ‘Archaeology on a Slippery Slope: Elad’s Sifting Project in Emek Tzurim National Park’, Alt-arch.org. Available at http://alt-arch.org/en/archaeology-on-a-slippery-slope/.
Erlanger, Steven (2005) ‘King David s Palace Is Found, Archaeologist Says’, The New York Times (5 August). Available at http://www.nytimes.com/2005/08/05/international/middleeast/05jerusalem.html?pagewanted=-print-.
Feldman, Maya (2006) ‘Breaking with Tradition’, Ynet.co.il (16 October). Available at http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-3314122,00.html.
Finkelstein, Israel (1996) ‘The Archaeology of the United Monarchy: An Alternative View’, Levant 28 (1): 177-187.
Finkelstein, Israel (2005) “A Low Chronology Update: Archaeology, History and Bible”, in Thomas Levy & Thomas Higham (eds), The Bible and Radiocarbon Dating: Archaeology, Text and Science (London: Equinox): 31-42.
Finkelstein, Israel (2006-2007) Ancient Israel: Archaeology, the Bible and What Happened (A course at Tel Aviv University). Available at http://www.youtube.com/watch?v=BQGul9OYI7s&list=PLL6llhM6ViT1x4kNxJpFy3DMjPgmw1bRu.
Finkelstein, Israel (2011) ‘In the Eye of Jerusalem’s Archaeological Storm: The City of David, Beyond the Politics and Propaganda’, The Jewish Daily Forward (26 April issue of May 06, 2011). Available at http://forward.com/articles/137273/in-the-eye-of-jerusalem-s-archaeological-storm/.
Finkelstein, Israel (2013) The Forgotten Kingdom: The Archaeology and History of Northern Israel (Atlanta: Society of Biblical Literature).
Finkelstein, Israel & Alexander Fantalkin (2012) ‘Khirbet Qeiyafa: An Unsensational Archaeological and Historical Interpretation’, Tel Aviv 39: 38-63.
Finkelstein, Israel & Eli Piasetzky (2010) ‘Khirbet Qeiyafa: Absolute Chronology’, Tel Aviv 37: 84–88.
Finkelstein, Israel & Eli Piasetzky (2011) ‘The Iron Age Chronology Debate: Is the Gap Narrowing?’, Near Eastern Archaeology 74 (1): 50–54.
Finkelstein, Israel & Neil Silberman (2001) The Bible Unearthed: Archaeology s New Vision of Ancient Israel and the Origin of Its Sacred Texts (New York: Free Press).
Finkelstein, Israel, Lily Singer-Avitz, Ze ev Herzog & David Ussishkin (2007) ‘Has King David s Palace in Jerusalem Been Found?’, Tel Aviv 34 (2): 142-164.
Fridman ,Julia (2013) ‘Crying King David: Are the Ruins Found in Israel Really his Palace?’, Haaretz.com (26 August). Available at http://www.haaretz.com/archaeology/.premium-1.543216.
Galil, Gershon (2009) ‘The Hebrew In-script-ion from Khirbet Qeiyafa/Neta im: -script-, Language, Literature and History’. Ugarit Forschungen 41: 193-242.
Garfinkel, Yosef (2011) ‘The Birth and Death of Biblical Minimalism’, Biblical Archaeology Review 37: 46–53, 78.
Garfinkel, Yosef (2012-2013) The Beginning of the Kingdom of Judah (A course at the Hebrew University of Jerusalem). Available at http://www.youtube.com/watch?v=V4F51-_98Gc&list=PLcysIED5sYMl_oEKBtB8_jfn2afyftm73.
Garfinkel, Yosef (2013a) Khirbet Qeiyafa Project 2007-2013: Final Summary of Field Results by Excavation Area and Season. Available at http://qeiyafa.huji.ac.il/Reports/Seven_Seasons_of_Excavations.pdf.
Garfinkel, Yosef (2013b) Why Khirbet Qeiyafa is a Judean city. Available at http://qeiyafa.huji.ac.il/Reports/Is_Khirbet_Qeiyafa_a_Judean_site.pdf.
Garfinkel, Yosef & Saar Ganor (2008a) ‘Khirbet Qeiyafa: Sha’arayimn’, Journal of Hebrew -script-ures 8: Article 22.
Garfinkel, Yosef & Saar Ganor (2008b) Khirbet Qeiyafa: An Early Iron IIa Fortified City in Judah presentation at the 2008 ASOR meeting. Available at http://www.judaea.ru/upload/files/ASOR_2parts.pdf.
Garfinkel, Yosef & Saar Ganor (2009) Khirbet Qeiyafa: Excavation Report 7002 - 7002 (Jerusalem: Israel Exploration Society).
Garfinkel, Yosef, Saar Ganor, Michael Hasel & Guy Stiebel (2009) ‘Notes and News: Khirbet Qeiyafa, 2009’, Israel Exploration Journal 59: 214–220.
Garfinkel, Yosef, Saar Ganor & Michael Hasel (2012) Footsteps of King David in the Valley of Elah (Tel Aviv: Yedioth Ahronoth Books and Chemed Books).
Gelber, Yoav (2012) ‘How and When the Land of Israel was Invented? They Say, There is a Land’, Haaretz.co.il. (27 September). Available at http://www.haaretz.co.il/literature/study/1.1829868.
Haaretz (2012) ‘Comments Following the Interview with Shlomo Sand’, Haaretz.co.il (8 June). Available at http://www.haaretz.co.il/magazine/1.1724795.
Halutz, Doron (2013) ‘The Election Season of Muli Segev and Eretz Nehederet’, Haaretz.co.il (2 February). Available at http://www.haaretz.co.il/magazine/1.1918617.
Hasson, Nir (2011) ‘The University of Tel Aviv and The Hebrew University in Excavations War’, Haaretz.co.il (11 March). Available at http://www.haaretz.co.il/news/science/1.1166225.
Hasson, Nir (2012) ‘Were There Two Holy Temples? Israeli Archaeologists Uncover Ancient Temple Just Outside Jerusalem’, Haaretz.co.il (26 December).English version available at http://www.haaretz.com/news/national/israeli-archaeologists-uncover-ancient-temple-just-outside-jerusalem.premium-1.
Hasson, Nir (2013a) ‘Archaeologists are Divided: Has King David s Palace been Found?’, Haaretz.co.il (18 July). English version available at http://www.haaretz.com/news/features/.premium-1.536594.
Hasson, Nir (2013b) ‘Ancient Golden Treasure Trove Found at Foot of Jerusalem s Temple Mount’, Haaretz.co.il (9 September). English version available at http://www.haaretz.com/archaeology/.premium-1.545965.
Herzog, Ze ev (1999) ‘The Bible. There are no Finds in the Field’, Haaretz (29 October). Available at http://www.hayadan.org.il/bible-no-evidence-291099/.
Hoffmann, David Zvi (1902) Die Wichtigsten Instanzen gegen die Graf-Wellhausensche Hypothese (Berlin: Itzkowski).
Israel Ministry of Foreign Affairs (2013) ‘PM Netanyahu on the Gold Treasure Uncovered in Jerusalem’, mfa.gov.il (9 September). Available at http://mfa.gov.il/MFA/PressRoom/2013/Pages/PM-Netanyahu-on-the-gold-treasure-uncovered-in-Jerusalem-9-Sept-2013.aspx.
Eltahawy, Mona and Amy Klein (1998) ‘Palestinian Dig Unearths Canaanite Homes’, Reuters /Jerusalem Post (4 August). Available at http://www.highbeam.com/doc/1P1-16487322.html.
Karny, Yoav (2010) ‘Yossi Garfinkel, Detective of History’, Yoavkarny.com. (9 January). Available at http://yoavkarny.com/2010/01/09/%D7%99%D7%95%D7%A1%D7%99-%D7%92%D7%A8%D7%A4%D7%99%D7%A0%D7%A7%D7%9C-%D7%91%D7%9C%D7%A9-%D7%94%D7%99%D7%A1%D7%98%D7%95%D7%A8%D7%99/
Karpel, Dalia (2012) ‘Author of The Invention of the Jewish People Vents Again’, Haaretz.co.il (26 May). English version available at http://www.haaretz.com/weekend/magazine/author-of-the-invention-of-the-jewish-people-vents-again.premium-1.432371.
Kashua, Sayed (2012) ‘Sayed Kashua s Daughter s School Project isn t Homework, it s War’, Haaretz.com (25 October). Available at http://www.haaretz.com/weekend/weekend/sayed-kashua-s-daughter-s-school-project-isn-t-homework-it-s-war.premium-1.472257.
Kratz, Reinhard (2009) ‘Eyes and Spectacles: Wellhausen’s Method of Higher Criticism’, The Journal of Theological Studies 60 (2): 381-402.
Kuhn, Thomas (1970) The Structure of Scientific Revolutions (Chicago: University of Chicago Press).
Lanski, Na ama and Daphna Berman (2007) ‘Storm in a Neo-Con teapot’, Haaretz.co.il (29 November). English version available at http://www.haaretz.com/weekend/week-s-end/storm-in-a-neo-con-teapot-1.234226.
Latour, Bruno (1987) Science in Action: How to Follow Scientists and Engineers through Society (Cambridge, Mass.: Harvard University Press).
Lemche, Niels (1988) Ancient Israel: A New History of Israelite Society (Sheffield: Jsot Press).
Lemche, Niels (2008) The Old Testament between Theology and History (Louisville, Ky.: Westminster John Knox Press).
Levin, Yigal (2012) ‘The Identification of Khirbet Qeiyafa: A New Suggestion’, Bulletin of the American Schools of Oriental Research 367: 73-86.
Levine, Lee & Amihai Mazar (eds) (2001) The Controversy over the Historicity of the Bible (Jerusalem: Yad ben Zvi – Dinur Center).
Lori, Aviva (2005) ‘The Greatest Spin in History’, Haaretz.co.il (26 February). English version [‘Grounds for Disbelief’] available at http://www.haaretz.com/grounds-for-disbelief-1.10757.
Masalha, Nur (2007) The Bible and Zionism: Invented Traditions, Archaeology and Post-Colonialism in Palestine-Israel (London: Zed Books).
Mazar, Amihai (2011) ‘The Iron Age Chronology Debate: Is the Gap Narrowing? Another Viewpoint ’, Near Eastern Archaeology 74 (2): 105-111.
Mazar, Benjamin (1974) Canaan and Israel: Historical Essays (Jerusalem: Bialik).
Mazar, Eilat (2006a) ‘Patriotism and National Security in Israel’, The Sixth Herzliya Conference (24 January). Available at http://www.herzliyaconference.org/?ArticleID=2097&CategoryID=258.
Mazar, Eilat (2006b) ‘Did I Find King David s Palace?’, Biblical Archaeology Review 32 (1): 16-27.
Mazar, Eilat (2007) Preliminary Report on the City of David Excavations 2005 at the Visitors Center Area. Translated by Ben Gordon. (Jerusalem: Shalem Press).
Millard, Alan (2011) ‘The Ostracon from the Days of David Found at Khirbet Qeiyafa’, Tyndale Bulletin 61: 1-13.
Misgav, Haggai (2010) Contradictions between Archeology and the Bible (A lecture delivered at Herzog College). Available at http://www.youtube.com/watch?v=7hB3_bvdhxI.
Morris, Benny (1987) The Birth of the Palestinian Refugee Problem (Cambridge: Cambridge University Press).
Na aman, Nadav (2008) ‘In Search of the Ancient Name of Khirbet Qeiyafa’, Journal of Hebrew -script-ures 8: Article 21.
Na aman, Nadav (2012) ‘Khirbet Qeiyafa and the Philistine-Canaanite Struggle in South Canaan in the Early Iron Age’, Cathedra 143: 65–92.
Nesher, Talila (2013) ‘With the Support of Sa ar, Shalem Center was Recognized as Academic Institution’, Haaretz.co.il (3 January). Available at http://www.haaretz.co.il/news/education/1.1899517.
Noth, Martin (1960) The History of Israel (New York: Harper and Row).
Penn, Lea (2011) ‘Cain & Abel 90210 Present: Laughter and Rage’, Haaretz.co.il (28 March). Available at http://www.haaretz.co.il/gallery/music/discovery/1.1168932.
Rapoport, Meron (2006) ‘The republic of Elad’, Haaretz.com (23 April). Available at http://www.haaretz.com/-print--edition/features/the-republic-of-elad-1.185892.
Reinstein, Ziv (2013) ‘Gold Treasure Including a Model of Menorah was Discovered Near Temple Mount’, Ynet.co.il (9 September). Available at http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-4427447,00.html.
Rendsburg, Gary (1999) ‘Down with History, Up with Reading: The Current State of Biblical Studies’, McGill University Department of Jewish Studies Thirtieth Anniversary Conference (expanded version). Available at http://jewish30yrs.mcgill.ca/rendsburg/.
Rollston, Christopher (2011) ‘The Khirbet Qeiyafa Ostracon: Methodological Musings and Caveats’, Tel Aviv 38: 67–82.
Sand, Shlomo (2009) The Invention of the Jewish People. Translated by Yael Lotan. (London: Verso).
Sand, Shlomo (2012) The Invention of the Land of Israel. Translated by Geremy Forman. (London: Verso).
Sand, Shlomo (2013) How and When I Stopped Being Jewish (Or Yehuda: Kinneret, Zmora-Bitan).
Segev, Muli & Adam Sanderson (2010) This is Sodom feature film (Israel: United King Films).
Shapira, Anita (2009) ‘The Jewish-People Deniers’, The Journal of Israeli History 28 (1): 63-72.
Shapira, Ran (2005) ‘A Debate of Biblical Proportions’, Haaretz.co.il (8 September). English version available at http://www.haaretz.com/-print--edition/features/a-debate-of-biblical-proportions-1.169365.
Sharon, Ilan, Ayelet Gilboa, AJ Timothy Jull & Elisabetta Boaretto (2007) ‘Report on the First Stage of the Iron Age Dating Project in Israel: Supporting a Low Chronology’, Radiocarbon 49:1–46.
Shtull-Trauring, Asaf (2011) ‘The Keys to the Kingdom’, Haaretz.co.il (21 April). English version available at http://www.haaretz.com/weekend/magazine/the-keys-to-the-kingdom-1.360222.
Silberman, Neil (1993) A Prophet from amongst You: The Life of Yigael Yadin: Soldier, Scholar, and Mythmaker of Modern Israel (Reading, MA: Addison-Wesley).
Silberman, Neil & David Small (eds) (1997) The Archaeology of Israel: Constructing the Past, Interpreting the Present (Sheffield, England: Sheffield Academic Press).
Sima, Gil (2012) ‘Ben-Gurion Stated: Rechovot is Part of Tel Aviv’, Mynet.co.il (16 December). Available at http://www.mynet.co.il/articles/0,7340,L-4318985,00.html.
Thompson, Thomas (1992) Early History of the Israelite People: From the Written and Archaeological Sources (Leiden, the Netherlands: Brill).
Thompson, Thomas (1999) The Mythic Past: Biblical Archaeology and the Myth of Israel (New York: Basic books).
Thompson, Thomas (2001) ‘A view from Copenhagen: Israel and the History of Palestine’, Bibleinterp.com.
Available at http://www.bibleinterp.com/articles/copenhagen.shtml.
Thompson, Thomas (2011) ‘On the Problem of Critical Scholarship: A Memoire’, Bibleinterp.com.
Available at http://www.bibleinterp.com/opeds/critscho358014.shtml.
Toffolo, Michael, Eran Arie, Mario Martin, Elisabetta Boaretto & Israel Finkelstein (2014) ‘Absolute Chronology of Megiddo, Israel, in the Late Bronze and Iron Ages: High-resolution Radiocarbon Dating.’ Radiocarbon 56 (1): 221-244.
Vaux, Roland (1965) ‘Method in the Study of Early Hebrew History’, in J. Hyatt (ed), The Bible and Modern Scholarship (Nashville, TN: Abingdon): 15-29.
Verter, Yossi (2013) ‘From the Palestinians to His Own Coalition, Netanyahu Faces a Year of Decisions’, Haaretz.co.il (27 December ). English version available at http://www.haaretz.com/weekend/1.565698.
Wallace, Jennifer (2013) ‘Archaeology and the Israel-Palestine Conflict’, ISN (January). Available at http://www.isn.ethz.ch/Digital-Library/Articles/Special-Feature/Detail/?id=143890&contextid774=143890&contextid775=143886&tabid=1452426438.
Wellhausen, Julius (2013 [1878]) Prolegomena to the History of Ancient Israel (New York: Cambridge University Press).
Whitelam, Keith (1996) The Invention of Ancient Israel: The Silencing of Palestinian History (New York: Routledge)
Yadin, Yigael (1975) Hazor: The Rediscovery of a Great Citadel of the Bible (London: Weidenfeld and Nicolson).
Yifa, Yaakov (2014) ‘Israel Said Set to Accept Kerry’s Framework Proposals’, The Times of Israel (2 February). Available at http://www.timesofisrael.com/israel-said-set-to-accept-kerrys-framework-proposals/?utm_source=dlvr.it&utm_medium=twitter.
Zertal, Adam (1999) Go to Mount Ebal - says Herzog s rival, Adam Zertal , Haaretz (11 November). Available at http://www.hayadan.org.il/go-to-eival-mt-sais-zertal-111199
Zertal, Adam (2000) A Nation is Born: The Altar on Mount Ebal and the Emergence of Israel (Tel Aviv: Yedioth).
Ziffer, Benny (2013) ‘A Breathtaking Jewish Archaeological Discovery? Give Me a Break’ , Haaretz.com (18 September). Available at http://www.haaretz.com/jewish-world/high-holy-days-2013/high-holy-day-news-and-features/.premium-1.547727. 87



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن