فندق شعبة الفرح : من ذاكرة الشجن والحب والوفاء

ذياب مهدي محسن
nadrthiab@yahoo.com.au

2017 / 12 / 5

رواية مخطوطة تدون مرحلة خصبة وحرجة ، من تاريخ العراق من 1969 إلى 1979 .
مجزوء من مدخل الرواية:
حيث يحلو العيش في قلب بغداد ، شارع الرشيد عند منطقة الحيدرخانة ، وبالقرب من ساحة الرصافي حيث قصر كان زاهي البناء ، منذ بداية القرن العشرين بمعمار يهودي يتقن صنعته ، في الهندسة والبناء فكان القصر بطابقين وسرداب وقبو تحول بعد ذلك "مسافرخانه" فندق لاحقا واخرج منه دكاكين ثلاثة تطل على شارع الرشيد دخلة بسيطة برأس عكد كانت بوابته الكبيرة المنقوشة بالزخارف النباتيه والطيور من خشب الصندل الهندي ومطرقتين من "برنج اصفر" نحاس مع مسامير باشاكلها الزهرية والنجمية ، هذا هو( فندق شعبة الفرح ) هو عبارة عن رقصة من عشرينيات الزمن الماضي ، (هكذا اشبهه من حيث طراز بنائه والزخرفه الجداريه وشبابيكه المزينه بالزجاج الملون وكانت كل البيوتات البغدادية تتحلى بالشناشيل ونوافذها الكبيرة والآراسي الجميلة المزينه بالنقوش الخشبيه وحتى الطابوق الكربلائي بزخارفه الاسلامية والحفر على الجدران ) وابتداء تشكيل الدولة العراقية بعد الاحتلال الانكليزي 1918 وبعد ثورة العشرين ، واستيراد ملك للعراق من عملاء البريطانيين بأمتياز ، واعلان العراق دولة ملكية تابعة للاستعمار البريطاني 1921 ... رقصة غجرية لقربه من اول ملهى فتحت في بغداد الرشيد ، ولا تبعد عنه منطقة الميدان ، الحافلة بعناوينها العمالية والفنية والعسكراتية ومقاهيه وسوق الهجر وجامع الميدان الكبير وطوب ابو خزامة والصابونجيه "الكلهخانه" ... حكاية تعود إلى سنوات زهو العراق نحو آفق جميل رغم عودة البعث الفاشستي للحكم لكن زمن ( الرئيس أحمد حسن البكر) كان شكل ثاني !؟... كانت سنوات تاريخية لنهضة العراق بعد كبوته بالجريمة الكبرى الدموية ، انقلاب 8 شباط الاسود والدموي ، بقيادة البعث ومن دعمهم من القومجية والرجعية والمؤسسة الدينية الشيعية خاصة والسنية وعملاء القادة الكرد ، ودعم دول السور البغيضة إيران والأردن وسوريا. عشرة سنوات وانا ارتاد الفندق حيث كان من نزلائه الدائميين ، شقيقي الشهيد الذي اعدمه الطاغية المباد (صدام صبحه طلفاح) "ريس مهدي آل غلآم" .. لم يكن القلب يوما يحب اكثر من شخص ، لكني أحببت ثلاث ولما استطع تركهم فكلا كان له ميزة تعلقني به . عشقي الأول حبي وحبيبتي ولا تزل النجف ، والثاني انا ادرس لاخصاب موهبتي الفنية التشكيلية مع مواصلة النضال السياسي لكوني منتميا شيوعيا وبغداد الزهو والامجاد وانا الذي اتبغدد دائما ؟، والثالثة لم احتار قط كما احترت في قلبي عشقي للعراق فما الحل؟ في الفندق نزلاء كثيرين صاحبه "مظلوم علوان" الذي كان لقبه ( مظلوم جاموس ) رحمه الله .. للقبه عنوان انه كان قوي البنية ومخشوشن العظام اذا مسك احد ما بيديه كأنهما ( منكَنة ) قبضته لاتفك ولا تحل وربما تقطع الانفاس حينما يسمك للمداعبه او للتحدي " مكاسر او ملاوي ضرعان " يملك قلب طيب وكريم ورحيم ، حتى على من يخونه في عمله ، صاحب دعابة والفندق كان اغلب رواده من اهالي ديالى والكوت ، وبعضهم من محافظات اخرى ، واغلبهم طلبة وكسبة وبعض المشايخ..ابوعامر رجل من اهالي الكوت ترك مخزنه ومحله الكبير فيه " اسواق للمغازة " بعدما باعه وجاء الى بغداد ، استأجر هذا المكان، القصر ، الفندق وكانت لافتته بالأسم ( فندق شعبة الفرح )...
ذات صباح كئيب وبعد أيام مخيبة للأمل راح حلم الجبهة الوطنية التقدمية ادراج الفاشستية البعثية خونة الوطن والشعب والعهود ضباع القاذورات العربية والقومجية ، عملاء الامريكان والماسونية فكانت ضربة قوية للحزب الشيوعي العراقي الحليف مع البعث وفي حينها اطلق عليها الراحل الشهيد شمران الياسري ابو كاطع ( الجبحة ) و" نادر" ذياب مختبئ يتأمل من جديد، مرة أخرى من هروبة حيث مفرزة من امن النجف تفتش في فنادق العاصمة عن مطلوبين من الشيوعيين بعدما تم اعتراف بعض رفاقنا هناك ؟ ذياب وجهه الشاحب في مرآة الفندق المنكسرة، ليتأكد من بقائه ووجوده..طالعته بضعة شعيرات ناصعة البياض مبثوثة على رأسه، يراها منتشرة عليه مثلما ينتشر الأنثروبولوجيون البيض بوقاحتهم وسط مجتمع زنجي إفريقي يمهدون بأبحاثهم الإستطلاعية لإحتلاله بالقوة العسكرية. انه غدر البعثيين مرة اخرى.أحاطه طنين يرن في أذنيه وكأن جيوشا من الذباب استقر في تجاويفهما وتساءل مع نفسه:أليس من حقه أن يفرح ويحلم في هذا الوطن الذي يتشبث به ويطرده؟ وإلى متى هذا الإنتظار؟ هذه الخديعة
: أجابه طنين آخر ند من أغوار نفسه
وراء ذلك السؤال ياولدي يكمن فلفل الحياة..! لكن لمن تحكي زبورك ياداوود ايها الشيوعي الهارب بجلدك وسط ضجيج المصالح ؟ فالمصالح الشخصية والأنانية المفرطة لبني البشرهي سبب كل الكوارث التي عرفتها وتعرفها البشرية على وجه الكرةالأرضية منذ فجر التاريخ إلى اليوم، ومن سيفهم ألمك ياصابر، يا نادر، يا ذياب في عصر البترول، والحروب، والمال، والمهرجانات،والأنانية، والذرة، والأقمارالإصطناعية؟ فنحن أبناء قابيل الفلاح القاتل وهابيل الراعي الشهيد.ونحن جميعا أبناء آدم وحواء الذين طُردوا من الجنة والذين قال عنهم الله تعالى في سورة الأعراف " قال اهبطوابعضكم لبعض عدوولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين "...
كانت غرفة كبيرة كالقبو في اول مدخل الفندق يسارا مخصصة او محجوزة الى اربعة من وجهاء وشيوخ محافظة ديالى والنعم منهم كانوا فعلا اهلا للوجاهة وللحكمة وللكلمة الطيبة وللنخوة قولا وفعلا وثقافة الشيخ عبد العزيز التميمي ابو وادي شيخ البوحسان في بلد كان قاسمي الهوى وطني للنخاع تميمي الأصل والفصل ومن الشيوخ المثقفين حيث كان من القراء والمتابعين للقراءات التاريخية وللكتب الدينية يصنت ويستمع وحينما يرد يحبك جملته بتروي وينطقها بحكمة وهدوء ويتقبل الرأي والرأي الآخر بشكل مدني حضري رغم انه كان من مقليدي الخوئي كنت احاوره بشكل دائم وهو يصغي ويرتاح لحواري حيث كنت اقرأ في الماركسية ولينينية وتنظير الحزب الشيوعي العراقي وكانت في بيته مكتبة عامرة بالكتب والكراسات ويقرأ الجرائد دائما .. والشيخ علي الصعب العنبكي هذا من درس في الحوزة النجفية وتخرج من الثانوية الحكومية متابع وقارئ ايضا وجدي متعمق نوعما في الفقه الجعفري وهو على صلة دائمة في حوزة النجف ومرجعية الخوئي وهو كان شيخ عموم العنبكيه في ديالى ويسكن قرية العنبكية وكانه شقيقة يأتي معه الشيخ سامي صعب العنبكي اتذكراني خططت له خريطة مضيفه وخطيت لوحة فنية بزخرفة اسلامية اهداء للمضيف بعدما اكتمل بنائه وايضا يملك مكتبة كبيرة نسبية فيها كتب التاريخ والروائات وبعضها سياسية وعلمية ايضا كان مثقف ووطني ودعاني لمرات كثيرة بزيارة قرية العنبكية ، لكن الريح أتت بما لا تشتهيه السفن !؟. ثم الشيخ حميد يحيى الحسن التميمي ابو بلاسم ايضا شيخ ووجيه ومن عناوين ديالى وبني تميم ، ثم الشيخ الطيب وصاحب الهمة والنخوة والكلفات حاج عبيد العنبكي خال الوزير المغدور من قبل المجرم نزيل حاويات الصرف الصحي ناظم كزار الفريق الركن حمادي شهاب وكانت هذه الغرفة الشبيه بالقبو مجمع للذوات وللوجهاء والشيوخ الذين يلتقون معهم اتذكر جيدا ولقد تحدثت معه لمرات عديدة حينما يأتي للفندق احيانا ليلتقي مع شيوخ التمايمه في ديالى الشيخ "عراك الزكم التميمي " اول رئيس للجمعيات الفلاحية في العراق بعد ثورة 14 تموز المجيدة .. امامك الأدارة ثم باحة الفندق ويمينا غرفة كبيرة فيها كان الاصدقاء المقيمين في الفندق واعمارنا متقاربه الشيخ بلاسم حميد يحيى الحسن التميمي وشقيقة الآخ حامد وفيصل لا اتذكر اسم والده ؟ والشيخ وادي الحاج عبد العزيز التميمي وشقيقه الذي يأتي احيانا أ. محمود عبد العزيز العنبكي وشقيقه الشيخ ( هادي الحاج عبد العزيز التميمي ) المقيم فيه والشيخ سامي صعب العنبكي وغيرهم من نزلاء الفندق ولنا فيه اخوة واصدقاء كثيرين مع العلم ان شقيقي الشهيد ريس مهدي آل غلآم من المقيمين فيه رغم انه عسكري في القوة الجويه ( قاعدة الحبانية ) القاضي القانوني سعد جريان ابو مصطفى والحقوقي العميد جدعان العنبكي واولاد الشيخ عبد العزيز الزريجاوي صادق وعبد العظيم من قضاء الحي ، محافظة الكوت وجليل عبد ناصر الموظف والشيوعي السكير وطالب معهد البيطرة الصديق والرفيق الراحل محمد جاسم الوائلي الكوفي واولاد عبد علي سكندر الأخ حسين وسكندر واشقائه وشباب كوتاويين ومن المقيمين فيه ايضا الفنان الموسيقار جعفر الخفاف والمخرج الاذاعي والممثل حافظ مهدي الحلي والاسماء كثيرة عامل الفندق اسمه ( بكر ) كردي وحلاق فنان جميل "مستخنث" والعامل المناوب الشاب سمير الحلي ابو سمره ، وكان عامل مقيم ومن السكيرين كان ن.ض. عسكري طرد بعدما رأى الموت في قصر النهاية حينما اعترف عزيز الحاج على تنظيم القيادة المركزيه للحزب الشيوعي خرج مرعوب وترك الناصريه وسكن في الفندق عامل ليعيش ويشرب الخمرة ( ياسر ) . لقد سقطت الجبهة وللتو تسرحت من الخدمة الالزاميه بعدما توقف تسريحنا بسبب احداث الشمال كردستان العراق وتوقفت بعد اتفاق الجزائر مع شاه إيران 1975 . الشيوعيين منهم من استسلم قابضا عليه ومن هرب داخل الوطن وقسما الى شماله وبعضهم لخارج العراق وابتدأت المحن والمصائب فالى اين المفر رفقي من النجف كانوا مختبئين في اوكار بغرف بأسه مابين الحيدرخانه والبتاويين ومفارز أمن المحافظات تجوب فنادق العاصمة وبيوتات تأجير غرف السكن والحزب في شتات الى اين المصير فلاح حسن عوده ، مضر الاعسم ، حسين صادق ، كنت اعرف عنه وبتوجيهاته ايضا المناضل احمد القصير ابو ماجد ورفاق من الشامية نجم عبد حلبوص ، علي الحوار ، سامي التميمي مع شقيقة ،وآخرين ، أمام هذه الوضعية الضبابية القاتمة المجدبة المتشابكة،ومع هذا الحضيض، هل هناك من أمل للخروج من هذا الوضع المأزمي؟ نعم هناك أمل، خاصة حين تكون هناك إرادات صادقة، وصبر متأجج، عصرية ذاك اليوم ابلغني الصديق ( الشيخ هادي عبد العزيز التميمي ) بأن مفرزة من أمن النجف مع مفوض من أمن بغداد جائوا للفندق يبحثون عنك " يا خويه ذياب " رتب حالك الآن ولا تعود للفندق . كان شقيقي الشهيد ريس فقط يندل الوكر مع رفيقي الراحل فلاح عوده وهو الذي عرفني على الرفيق عبد العظيم الخفاجي حيث سلمت له التنظيم وما عندي من معلومات ورفاق . ولولا الصديق الشيخ هادي التميمي لكان وضعي في خبر كان؟؟ مجزوء من رواية مخطوطة عن تلك الفترة الزمنية وفاءا لصديقي الغالي الشيخ هادي عبد العزيزالتميمي وقبل ان اغادر الفندق طلبت ان نأخذ صور للذكرى وذهب الزمان وعدنا نستذكر تلك الايام ومابقي منها هذه الصورة في سطح الفندق وفيها بعض من اصدقائنا من نزلاء الفندق : من اليمين أخي وصديقي الشيخ هادي عبد العزيز التميمي ثم ذياب آل غلآم وقيس الكوتاوي وأحمد حاج علي الكربلائي والقاضي الكبير اخي ابو مصطفى سعد جريان التميمي والجالس امامنا هو نجل صاحب الفندق اركان مظلوم علوان ، آيار 1979 بغداد. ولازلت احمل واعيش الرغبة ونوايا الحسنة للخروج من هذا الحضيض الذي منحه الطاغية الساقط (صدام صبحه طلفاح) حينما غدر بالوطن وبجبهته الوطنية والتقدمية فادخل العراق في آتون الحروب والتهلكة والرعب والخوف ومن ثم تسليمه للاحتلال الامريكي رغم على انفه وانف الخلفوه وحزبه البعثفاشستي والمأساة الكبرى ان من أتي بعده كانوا ( انكَس واقذر واحقر من ذاك النظام الساقط ).. ويوم قريبا سيكون العراق الجمهوري وطن حر مدني حضري علماني تسوده العدالة الاجتماعية وشعبه يرفل بالسعادة حينما تتوفرمثل هذه الشروط وغيرها، اذا الشعب أراد الحياة ؟؟ أنذاك سيبدأبزوغ فجر جديد الذي سيطل علينا بعينين طافحتين بالبشرومعه نهارطويل ورائع بالجمال والحرية واليموقراطية .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن