نظرات في كتاب محوري: شفاء السائل لتهذيب المسائل لابن خلدون

أيوب بن حكيم
nawa-dir-ayoub@gmail.com

2017 / 11 / 28

ليست كل كتب ابن خلدون معروفة، بل هناك كتب قيّمة غير معروفة إلا للمتخصصين، كـ"لباب المحصل في أصول الدين" الذي طبع عن خط ابن خلدون سنة 1956 بمعهد مولاي الحسن بعناية مستعرب إسباني، وقد أشار الفيلسوف التونسي " أبو يعرب المرزوقي" الى هذه "المشكلة" في تراث ابن خلدون قائلا " كثيرا ما يحجب الاكتشاف الذي اشتهر به عبقري من عباقرة الفكر الإنساني كلّ اعماله الاخرى، فيعرض عنها الباحثون، مقتصرين على تحليل ذلك الاكتشاف ، ولقد كاد اكتشاف ابن خلدون لبدايات المباحث الاجتماعية أن ينسينا جميع أعماله .." [ الشفاء ص 55 ] .
أما كتابنا هذا، فبعنوان " شفاء السائل لتهذيب المسائل " وقد طبع الكتابُ ثلاث مرات، منها تحقيق الأب "أغناطيوس اليسوعي"، الكاثوليكية بيروت سنة 1959 اعتمادا على مخطوطة "أبي بكر التطواني"، ونسخة مصورة من دار الكتب المصرية التي هي نفسها نسخة التطواني كما أشار إلى ذلك المحقق بذكاء [ 1 ]، اما التحقيق الثاني فللعلامة الكبير محمد بن تاويت الطنجي، ولم أقف عليها للأسف لحد الآن[2]، اما الطبعة الاهم فهي بتحقيق ودراسة الفيلسوف التونسي " أبي يعرب المرزوقي " سنة 1991 الذي اعتمد على نص الأب .
يكتنف الكتابَ بعضُ الغموض في النسبة، وشك " عبد الرحمان بدوي" في نسبته إلى ابن خلدون، ورأى ومعه ابن تاويت أن ابن خلدون ـ إن صح أن الكتابَ له ـ قد ألفه قبل المقدمة، لكن المرزوقي والأب أغنيطوس [2] يريان أن الكتاب ألف بعد المقدمة لعلل أورداها[3].
يرى الكثيرون أن ابن خلدون ذم التصوفَ في المقدمة، ثم تراجع عن ذلك مع كتاب شفاء السائل، بذلك تقتضي الفرضيات دعاوى كثيرة لا حصر لها، هل تراجع ابن خلدون عن هجومه على التصوف ؟ أم أن المقدمة لم تقدم ما كان يصبو إليه من نقد خاص لنوع من التصوف ؟ متى علمنا أن الرجل حتى في شفاء السائل ينتقد التصوفَ بطريقة " المقدمة" لكنه يفصل في " المجاهدة" ويفرق بين التصوف الحقيقي وبين الشعوذات والخرافات والإشراقات والعرفان الشيعي....أي أنه كان أكثر دقة في " شفاء السائل" .
رأي المرزوقي يحمل بذرة تفلسف، ويرى في هذا الكتاب " سرَّ الانقلاب الخلدوني " على حد عبارته.
يبدو ابن خلدون متراجعا عن تقسيماته للعلوم النقلية، إذ عدها في المقدمة " التفسير، والقراءات، علوم الحديث، أصول الفقه، الفقه، علم الكلام "، لكنه يورد في الشفاء رأي الغزّالي الذي أضاف التصوفَ الى جملة العلوم الشرعية النقلية في "الإحياء"، فيقول ابن خلدون " فرق الغزّالي بين نظر الفقيه ونظر المتصوف، فيما ينظران فيه من العبادات والمتناولات، فنظر الفقيه الى مصالح الدنيا ونظر المتصوف الى مصالح الآخرة .. " ، أي ينكشف الانقلاب الخلدوني مزدوجا، من جعْل التصوف في المقدمة مجالا عقليا إلى جعله مجالا نقليا شرعيا في الشفاء عن طريق اندماج علم اصول الفقه الباطن مع المجاهدة، هاهنا يرى "طه عبد الرحمان" في كتابه "تجديد المنهج في تقويم التراث" أن علمَ المقاصد هو الصورةُ التي أبرز بها بها علم الاخلاق للاندماج في اصول الفقه في الفصل الخاص بالشاطبي [ويبدو طه متأثرا برأي ابن خلدون بقوة دون أن يحيل ] .
ــ شكرا للمتابعة، ولم أشأ الإطالة لعلمي بملل الفيسبوكيين .
هوامش :
[1] ص 18 من طبعة الكاثوليكية .
[2] حتى المرزوقي لم يقف عليها وتحسر على ذلك رغم بحثه الدؤوب عنها، فيقول " وقد حاولنا الحصول على نشرة الطنجي فلم يسعفنا الحظ ..." ص 10 .
[3] طبعة المرزوقي ص 36 والأب اغناطيوس ص 8 .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن