التوراة : الخيال الأدبي في خدمة اللاهوت والسياسة

نضال الصالح

2017 / 11 / 23

جان بوتيرو كان طالبا من طلبة المدرسة الأكرليركية والتحق بالكنيسة الدومينيكانية وأصبح راهبا من رهبانها إلى أن طرد من صفوفها لآرائه الجريئة وأصبح بعد ذلك عالما من علماء الآشوريات المعتبرين. يقول في كتابه ( بابل والكتاب المقدس ، حوارات مع هيلين مونساكريه ،ترجمة روز مخلوف ، دار كنعان دمشق 2000 ) أنه في نهاية عام 1872، في لندن، أمام جمعية علم آثار الكتاب المقدس ، عرض شخص يدعى ج. سميث وهو من أوائل محللي رموز النصوص المسمارية، بأنه بين الرقيمات التي أحضرت من نينوى إلى لندن، اكتشف رواية للطوفان تغطي على نحو تام بما فيه الكفاية، حتى في التفاصيل ، رواية الطوفان الواردة في الكتاب المقدس. ومنذ تلك اللحظة، أصبح واضحا أن الكتاب المقدس باقتباسه أي شيء كان من أدب سبقه ، لم يعد ذلك الكتاب الفريد و الفوق طبيعي، لم يعد إذن أقدم الكتب جميعا، الذي كتب من عند الله شخصيا ، أو بإملاء أو إلهام منه كما كنا نراه دوما، تبين أنه في الواقع مغمور ضمن تيار هائل من الفكر و الأدب الانسانيين . لم يعد يمكن إذا قراءته كما في السابق على أنه منزل مباشرة من عند الله شخصيا، لقد تحول قبل كل شيء إلى كتاب كتبه بشر. (ص : 236 ). ويتابع أنه بعد تقدم علم الأشوريات واكتشاف نصوص جديدة، لم تعد حكاية الطوفان وحدها هي التي تكشف النقاب عن تبعية الكتاب المقدس، بل إن الحكيم الخارق بأكملها هي النموذج الذي اقتدت به الإصحاحات الأولى في سفر التكوين. كما أننا نستطيع القول أن لدى مؤلف سفر أيوب مصادر رافدية. ورغم جهلنا عن الطريقة التي وصلت بها الروايات الرافدية إلى مؤلفي الإصحاحات ، إلا " أن التماثل الأساسي للكتاب المقدس وتبعيته أمران لا يناقشان" ( ص 339-340 ) . ومن الواضح أن كتبة التوراة لم ينقلوا إلى لغتهم النصوص البابلية كليا ، بل " فهموها وأعادوا صياغتها لتكييفها مع منظومتهم الدينية الخاصة"
لقد كانت التوراة قبل الاكتشافات الأثرية الأخيرة في منطقة الشرق الوسط كالعراق وسوريا و فلسطين و مصر المصدر الأساسي الذي يرجع إليه الباحثون في تدوين تاريخ المنطقة القديم. ولقد بقيت على هذا النحو قرونا عديدة حتى كشفت لنا الحفريات عن الوثائق المكتوبة التي خلفها لنا الأقدمون الذين سبقوا عهد التوراة- وهم السومريون والبابليون والكنعانيون و الفينيقيون والمصريون وغيرهم ،عن كثير من الحقائق و الأمور الغامضة . ولقد أصبح واضحا الآن إن كتبة التوراة قد جمعوا خليطا من القصص و الأساطير التي اخترعوها أو نقلوها عن تاريخ و أساطير شعوب المنطقة باعتبارها حقائق تاريخية نسبوها لأنفسهم لدعم مذهبهم الديني و اختلاق تاريخ يرفع من شأن القبيلة الإسرائيلية، ويخدم أهدافهم الدينية . ( كريفيلوف : التوراة في عيون العلم ) .
كما توصل الخبراء إلى أن الكثير مما ورد في التوراة من قصص وأساطير و شرائع يرجع إلى أصول قديمة سومرية و بابلية و آشورية و كنعانية و مصرية ولقد اقتبس الكهنة اليهود كل ما ارتأوه ملائما لهم و حذفوا بلا هوادة كل ما لم يلق بهم . كما توصل الخبراء أيضا إلى أن أكثر التراتيل و التسابيح الدينية التي وردت في التوراة مقتبسة من الكنعانيين والمصريين وشعوب ما بين النهرين، وأن الشرائع الواردة في التوراة كان يمارسها الكنعانيون والبابليون والمصريون من قبل وقد اقتبسها اليهود منهم ومارسوها ثم أدخلوها في كتابهم المقدس. حتى آلهة التوراة أيل ومن ثم يهوه كانت معروفة ومعبودة قديما من قبل شعوب المنطقة ولقد اقتبسها الإسرائيليون عنهم و نسبوها لهم . (زنون كوسيدوفسكي )
لم يعد الكتاب المقدس إذن مقدسا و منزلا من عند الله، وإنما هو من نتاج البشر فقط لا غير، فهل يمكننا اعتباره كتاب تاريخ واعتبار الوقائع المذكورة فيه تاريخية يمكن الرجوع إليها كمصدر لكتابة تاريخ فلسطين والشرق الأدنى ؟
توماس ل. طومسون ، أمريكي الجنسية، أستاذ في علم الآثار ومختص في الدراسات التوراتية. درس في عدة جامعات أمريكية عالية المستوى منها فرع مدينة ميلوكي من جامعة ويسكنسن، ولقد فقد وظيفته بضغط من الأوساط اليهودية التي انزعجت من آراءه الجريئة، لدرجة أنه اضطر في فترة من الفترات للعمل في طلاء البيوت ،ولقد اصبح لاحقا أستاذا محاضرا في كلية اللاهوت بجامعة كوبنهاجن.
يجيب توماس طومسون على السؤال المطروح بالنفي و بأن التوراة ، و بناء على الوثائق والحفريات المكتشفة في المنطقة في الأعوام الأخيرة، هي كتاب أدب وليس كتاب تاريخ ، و أن القصص التي وردت في التوراة مثل قصة الخلق والأسفار الخمسة الأولى وروايات الملوك كالملك سليمان وغيره تعتبر قصصا إنشائية وليست تاريخا، ولم تترك لنا المصادر والوثائق التاريخية للمنطقة أي ذكر للشخصيات الإسرائيلية في التوراة. ... ويؤكد أيضا أن تصور نظرة توراتية للتاريخ في كل مروية توراتية على حدة يعطيها مغزى ما، سخيف بامتياز. و بالإضافة لذلك ، أي سؤال عن مغزى هذه المرويات في مجال إعادة بناء تاريخ شعب إسرائيل ، يجب أن يعني بتحولات هذه المرويات ، ويجب أن لا يكتفي بأي بينة لا تأخذ هذه التحولات بالاعتبار جديا، لأنه لا يبقى ولا توكيد تأريخي واحد ذي قيمة في المرويات ، مترابطا منطقيا أو ذا معنى في النصوص الموجودة. ( من كتابه: التاريخ القديم للشعب الإسرائيلي : ترجمة صالح علي سوداح ، بيسان للنشر والتوزيع،بيروت عام 1995 ،ص: 262 ،266 و 254 . )
يؤكد طومسون من جديد على رؤيته هذه في كتابه الثاني ( الماضي الخرافي: التوراة والتاريخ، ترجمة عدنان حسن ، راجعه زياد منى، نشر : قدمس للنشر والتوزيع، دمشق ، ط1، 2001 ) ويقول أن الاعتياد الطويل لعلماء الآثار والمؤرخين والباحثين التوراتين( ملاحظة: يستعمل المترجم كلمة " كتاب " والكتابيين بدلا من التوراة والتوراتين) على النظر إلى التوراة على أنها كتاب تاريخ، وفهمه في الوقت نفسه ، تراثا فكريا ثريا من الناحية الدينية وأساسيا لكل من اليهودية والمسيحية ، قد منح وجهة النظر هذه سلطة تتجاوز المعقول. "، ويتابع " أن " الكتاب" أي التوراة، يصنع تاريخا رديئا، فما نعرفه حول هذا التاريخ وما يمكننا إعادة بنائه من الأدلة الأثرية يظهر تاريخا لسورية الجنوبية مختلفا جدا عن القصص" التوراتية". إن قصص الكتاب "التوراة" وأناشيده لا تخبرنا عن ما حدث في فلسطين في أي عهد، بل تخبرنا كيف كان الناس في هذه المنطقة يفكرون ويكتبون.... ويؤكد طومسن بأن "الكتاب" أي "التوراة " ليس تاريخا على الاطلاق ، إنه مليء بالأمثولة وقصة العبرة، إنه لاهوت. ...يمكننا أن نقول الآن بثقة كبيرة أن " الكتاب " ليس تاريخا لماضي أحد ، إن قصة إسرائيل المختار والمنبوذ التي يقدمها ، هي مجاز فلسفي للجنس البشري الذي ضل طريقه.(ص:27 –37 )
يعتقد طومسن أنه قد جرى خطأ فاحش في قراءة وفهم التوراة، وأن الكيفية التي يرتبط بها " الكتاب المقدس" بالتاريخ قد تم فهمها فهما مغلوطا إلى حد كبير. ولأننا كنا نقرأ "الكتاب المقدس" ضمن سياق مغلوط بالتأكيد، ولأننا أسأنا فهم التوراة بسبب ذلك، فإننا أحوج إلى البحث عن سياق أكثر ملائمة، وصار من الضروري مراجعة كبرى لكل فروع فهمنا فيما يتعلق بتاريخ الشرق الأدنى القديم. .. (نفس المصدر )،
إن سعي كثير من الباحثين والمؤرخين إلى توحيد نتائج الأثريات الفلسطينية والبحث التوراتي ودراسات الشرق الأدنى القديم في توليفة شاملة قد دحض من حيث المبدأ والتفصيل. فحكايات " التوراة" تشبه كثيرا كتابات قديمة أخرى قامت بجمعها التراثيات القصصية للعالم القديم : من مصر ومن بلاد النهرين وفينيقيا، سواء كنا نتحدث عن هيرودوت الإغريقي في القرن السادس قبل الميلاد ، أو مؤلفي الحكايات التوراتية ، من سفر التكوين إلى سفر الملوك الثاني وسفر الأخبار إلى عزرا ونحميا، أو سفر المكابين الأول و الثاني، من القصص القديمة والحكايات الأسطورية لا تمدنا بالأدلة على التاريخ، كما اعتقدت الأثريات "التوراتية" طويلا وأملت في إثباته ... هذه النصوص مفيدة تاريخيا بسبب ما تتضمنه عن حاضر "المؤلف" وعن المعرفة المتاحة له ولمعاصريه وليس بسبب مزاعم مؤلفها حول أي ماض متخيل...وإذا كنا نحصل على كم متراكم من القصص من أعمال كالتي كتبها يوسفوس ومن التاريخيات التراثية الواردة في " التوراة"، فإن من الخطأ أن نعتقد أن بمقدورنا أن نستخدم نصا واحدا لإثبات ما يقوله نص آخر حول الماضي. فالمعلومات التاريخية الأكثر أهمية التي يمكن أن نتوصل إلى معرفتها من هذه التاريخيات القديمة ليس لها سوى علاقة ضئيلة جدا بنوعية تاريخها، ولا علاقة لها تقريبا بما يقال حول الماضي. ( طومسن: الماضي الخرافي، سبق ، ص: 47 ،48 ، 54 )
يؤكد طومسن كذلك أنه حتى في حالات العثور على النقوش القديمة، التي تشير إلى شخصية أو أخرى أو حكاية أو أخرى والتي لا يمكننا أن نعرفها بغير ذلك إلا من التوراة، فإن إثبات الحكاية التوراتية الذي يسمح لنا بقراءتها كما لو كان تاريخا، يبقى مشكوكا فيه. والسبب في أن هذه النصوص القديمة تبدو دائما قاصرة عن إعطائنا الدليل الذي يلزمنا هو أن طريقتنا في فهم الماضي لا يشاركنا فيها مؤلفو هذه النصوص أو نصوص أخرى قديمة، ويعطينا طومسون في عدة أمثلة، الدليل على أن التوراة قد جمعت وأعادت استخدام حكايات قديمة جدا من الماضي، ويؤكد أنه، حتى الدليل من نصوص خارج التوراة، الذي يثبت أن بعض الحكايات التوراتية مستمدة من مصادر قديمة جدا لا يثبت تاريخية هذه القصص، بل على العكس تماما، إنه يثبت تقديم التوراة لها بوصفها حكايات تخيلية عن الماضي.( الماضي الخرافي: ص: 54 ،60 )
يقدم طومسون لنا قراءة جديدة لنصوص التوراة لا مجال هنا لعرضها بالتفصيل ولكننا سنحاول باختصار شديد عرض الأسس التي تقوم عليها هذه القراءة للأهمية. تقوم هذه القراءة على أن ناقلي و جامعي التراث التوراتي قد استعملوا الخيال القصصي من أجل التعبير عن الصراع الدائم بين الخير والشر والخلاص، وعماد ذلك كله الصراع بين الإنسان و الرب يهوة، حيث أن الخير والشر هو ما يراه يهوه خيرا وما يراه شرا والخلاص هو في الإخلاص للرب يهوه، وطاعته. الخطأ والصواب، والخير والشر، لا يخضعان لمنطق وفهم الإنسان وإنما لإرادة الرب، فهو وحده يحدد الخطأ والصواب والخير والشر وخلاص الإنسان، هو في طاعة الرب ولإخلاص له.
يحدثنا طومسن كيف أن النصوص التوراتية تتحدث عن حكايات "إسرائيل" بما لها من دلالات كونية وأبدية بوصف" إسرائيل" ممثلا للإنسانية والمولود البكر ليهوه. تتمحور الحبكة القصصية على صراع الإرادتين المتنافستين للرب والبشر، الذي يتكرر من أول " التوراة" إلى آخرها، واختيار إسرائيل من قبل يهوه كمولوده البكر، والذي يليه ندم يهوه على خياره، لخيانة إسرائيل له ورفضه إياه، وهذا ما خلق مصيرا يعرف بالغضب الإلهي. فالقضية المهيمنة هي قضية الغرور والمصير، والنزاع والصراع. إنها أكثر من قصة وعد مؤجل، تلك الحكاية التسلسلية التي تميز أصول إسرائيل منذ إبراهيم فصاعدا، تتسم في الجوهر بقصة إطاحة، فالماضي هو مشهد الإخفاق الذي يتعين التغلب عليه عن طريق "إسرائيل جديد"، سيتبع في النهاية ما شاء له الرب يهوه.
لقد لعب إسرائيل بالأحرى دورا ضمن قصة خلقية، فالدور الذي لعبه، هو بالنيابة عن كل البشرية. وتصارع إسرائيل مع الرب هو المصير الذي عرف قبل ذلك في قصص سفر التكوين (1-11 )بوصفه قدر كل إنسان، فإن التصارع مع الرب يعني أنك إنسان، إنه قدر الجميع. ويمكن القول أنه لا الأرض، ولا المملكة، لا السامرة ولا أورشليم، بل الناموس، توراة الرب ، هو الميراث الحقيقي. ناقلو وجامعوا هذا التراث يعتبرون أنفسهم بمثابة الناجين والباقين العائدين من المنفى بوصفهم ينتمون إلى
" إسرائيل الجديدة"، طريق التوراة بعد أن تطهروا في عذاب المنفى. كما أن موضوعة عبور المياه التي تتكرر في قصص يعقوب وموسى ويشوع، كانت كلها تشترك بالهدف المجازي المشترك لتجاوز الماضي وخلق بداية جديدة في " إسرائيل جديده" مطيعة للرب يهوه.
يؤكد طومسن أنه، ليست تلك القصص ذات القطبية والنزاع في تراثيات الأصل التوراتية حول إسرائيل القديمة قصصا تعكس النزاعات الإقليمية والأثنية في الماضي، إنها محض شروحات لما يعتبره التراث نزاعا متعاليا بين الخير والشر. إن قصة التوراة، قصة النزاع والحرب، من موسى إلى يشوع وتدمير أورشليم ، هي احداث متكررة للصراع بين إرادة الرب وغرور البشر.
إن إسرائيل التوراتية ، كعنصر من عناصر التراث والقصة، مثل إسرائيل قصص التذمر والفقر، أو شعب قصص سفر الملوك الثاني الذين هم كافرون مثلما أن ملوكها كافرون ، أو إسرائيل الضائعة، التي هي موضوعة خطبة نبوية في سفري إشعيا وعاموس ، إنما هي اختلاق لاهوتي وأدبي. هذه الإسرائيل هي ما يدعوها طومسن، (إسرائيل القديمة). إنها تقدم بوصفها النقيض القطبي ل( إسرائيل جديدة) لاهوتية وأدبية بالقدر نفسه، الذي هو ، على سبيل المثال ، الصوت الضمني لسفر الأخبار الثاني، وسفر المزامير وميثاق دمشق والأناجيل.
يؤكد طومسن أن التوراة ليست كتاب تاريخ، ولا يمكن العثور عليه ضمن تاريخ فلسطين، فالأصول التوراتية تنتمي إلى العالمين الفكري والأدبي وليس إلى عالم الأحداث، سياسية كانت أو اجتماعية، و يمكن وصف " التوراة" بأنها أدب للخلاص أو أدب خلاصي. ( نفس المصدر)
رغم الهوس الحفائري لحكام إسرائيل الحالية، ورغم الجهود المضنية لعلماء آثارها المحليين والأصدقاء الأوروبيين والأمريكان، نجد الأرض ضنينة جدا بأي معلومات ذات شأن عن إسرائيلي التوراة في فلسطين. التاريخ كعلم بوثائقه المتنوعة في مصر و بين الرافدين و في فلسطين والشرق الأدنى لا يعرف عظيما باسم ( شاؤول ) وحد القبائل الاسرائيلية و أقام لإسرائيل مملكة في فلسطين . وهذا العلم لا يعرف شيئا عن محارب أو ملك أو نبي باسم ( داود ) أقام لإسرائيل مملكة عظيمة أو حتى صغيرة، ولم ترد في وثائق هذا العلم على كثرتها في المنطقة أي إشارة لملك حكيم حاز شهرة فلكية باسم ( سليمان ) كان من أشهر ملوك العالم ، وكان الملوك يأتونه من جميع أرجاء الأرض ولا عن مملكة أسطورية عظمى في المنطقة باسم دولة أو مملكة سليمان التي بلغت مساحة أراضيها حسب الرواية التوراتية من الشام إلى مصر والأردن.( فويتيخ زامورسكي: آلهة و ملوك مصر القديمة، زنون كوسيدوفسكي: ما قاله الأنبياء، روجيه جارودي : الأساطير التي تقوم عليها السياسة الإسرائيلية، ه.ج. ويلز، مختصر عن تاريخ العالم ،باللغة الانجليزية ،
التوراة إذن ليست كتابا منزلا من عند الله ، وإنما كتاب كتبه بشر . هذا من جهة ومن جهة أخرى فالتوراة ليست بأي حال من الأحوال كتاب تاريخ ولا يمكن اعتبارها مصدرا موثوقا لكتابة تاريخ فلسطين ومنطقة الشرق الأدنى، وكل ما كتب لحد الآن عن تاريخ المنطقة ، مستمدا من روايات التوراة، مشكوك في صحته وعلى المؤرخين إعادة كتابة تاريخ المنطقة بناء على الحفريات والوثائق التاريخية التي اكتشفت في المنطقة. (الجديد في التاريخ القديم لفلسطين: ك. وتيلهام ، ت. طومسون ، ن. لمكة وأخرون، الأب مايكل برير: الكتاب المقدس والإستعمار الإستيطاني، زنون كوسيدوفسكي،ما قاله الأنبياء، وغيرهم كثر),
النقطة التي يتعين فهمها بالنتيجة هي، أن قصص القرآن تماما كقصص التوراة حول شاول وداود وسليمان وغيرهم ليست تاريخا بالمرة، وأن التعامل معها كما لو كانت تاريخا يعني سوء فهمها وإساءة إلى النص القرآني نفسه . عندما نفترض أن هذه الحكايات هي حكايات تاريخية، فإننا نقوض الهدف الذي كتبت لأجله القصص ونمنعها من القيام بوظيفتها القصصية. إننا ندمر قيمتها اللاهوتية ونمنع أي شخص من قراءتها على نحو عقلاني. هذا إلى جانب أننا بقراءتنا الخاطئة نضع القرآن في وجه الحقائق التاريخية ونقع في مأزق يصعب الخروج منه. إن مترسة المواقف الجامدة خلف حرفية النص يسيء إلى النص ويحرمنا من العظة التثقيفية لما وراء النص.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن