لماذا يخلق الله البشر مع انه يعلم أن منهم سوف يذهب لجهنم؟

منسى موريس
mansymores2014@yahoo.com

2017 / 11 / 13

هذا السؤال يطرحه الكثير من الناس مهما إختلفت عقائدهم وأفكارهم فالشخص المُلحد يطرح هذا السؤال كدليل على نفى وجود الله المحب العليم والشخص المؤمن يطرح نفس السؤال لكى يفهم الطبيعة الإلهية بشكل أفضل لأن هذا السؤال يمثل إشكالية كبيرة لشريحه كبيرة من الناس بغض النظرعن ميولهم الإعتقادية وهذه الأسئلة من حق العقل البشرى أن يطرحها لكى يستوعب الأمور بشكل أفضل .
ولكى نصل إلى إجابة مُقنعة لهذا السؤال علينا تحليله تحليل فلسفى عميق لكشف أبعاد وجوانب هذا السؤال والإشكالية الفلسفية الموجودة فى هذا السؤال تكمن فى ثلاث نقاط أو مقدماتان والنتيجة . ونشرحهم بالتفصيل .
النقطة الأولى : أن الله كلى العلم فهو يعرف الماضى والحاضر والمستقبل ومصير كل البشر .
النقطة الثانية : أن هذا الإله كلى المحبة وكلى الرحمة والعدل.
النقطة الثالثة أو النتيجة : أن دخول بعض البشر للجحيم يتعارض مع المقدمتان أو النقطتان السابقتان فلا يمكن لإله كلى العلم وكلى المحب أن يخلق بشراً لكى يتعذبوا فى الجحيم.
(بعض الحلول الفلسفية المُقترحة لحل هذه الإشكاليه والرد عليها )
الحل الأول : (إنكار العلم الإلهى ) الكثير من الفلاسفة أنكروا علم الله سواء الكلى أو الجزئى وأشهرهم " ابن رشد" ولو طرحنا على " ابن رشد " هذا السؤال : هل الله يعلم الكليات أم الجزئيات لأجاب ( بأنه لايعلم هذه ولاتلك 1)
هذا الحل يلغى المقدمة الأولى التى تخبرنا بأن الله كلى العلم ومن هنا يمكن حل هذه الإشكالية من وجهه نظر القائلين بأن الله لايعلم المستقبل ولكن هل هذا حل حقيقي لهذه الإشكالية ؟
الإعتراض علي هذا الرأى : أعتقد أن هذا الحل فى حد ذاته يطرح إشكالات أكبر فمثلاً كيف يتحقق الضمان الوجودى والمصيرى للإنسان مع إله لايعلم المصير؟!! كيف يكون هناك إله متعالى فوق الزمان والمكان لايعلم المستقبل؟! هذا الإفتراض يخالف مبادىء الفلسفة العقلية , وأيضاً يوضح أن هذا الإله ليس لديه خُطة مستقبليه للإنسان وللكون .
الحل الثانى : إلغاء النقطة الثانية أو المقدمة الثانية التى تقول أن الله محب ورحيم لكنه يعلم المستقبل فالإله شريروغير رحيم وليس بمحب كما جاء فى بعض الإعتقادات القديمة ولكن هذا أيضاً ليس حلاُ مُرضياً.
الإعتراض على هذا الحل : أعتقد لو كان الإله شرير بالمطلق ماكان يريد دخول البشر فى ملكوتة وسمائة التى هى عبارة عن سعادة مُطلقة ولو كان هناك إله شرير بالمُطلق ماكان الإنسان يرى يوماً سعيداً وماكانت فكرة السعادة تتطرق إليه من الأصل ولامعايير الخير والشر.
الحل الثالث : هو نفى وجود الله بشكل عام لأنه شرير ولايعلم المستقبل ولايمكن التوفيق بين الله المحب العليم وبين دخول بعض الناس إلى الجحيم.
الإعتراض على هذا الحل : لايمكن نفى وجود الذات من أجل الصفات فلايمكننى نفى وجود شخص لأن صفاتة تتعارض مع مبادئ الخير.
ومن هنا نجد أن هذه الحلول غير مُرضية للعقل الفلسفى السليم ولكن ما الحل لهذه الإشكالية؟ كيف نوفق بين إله محب وعليم وبين دخول بعض البشر لجهنم؟
سيكون حل هذه الإشكالية فى أربع نقاط فقط .
النقطة الأولى تحليل مفهوم الجحيم : يجب علينا أن نعرف ما هى الجحيم لأن بمعرفة طبيعتها سنحل جزء كبير من الإشكال , الجحيم بحسب الفكر المسيحيى الصحيح هى حالة إنفصال بين الإنسان والله هى ليست مكان به "نار وكبريت" لأن الكتاب المقدس يتكلم بلغة رمزية روحية كما قال السيد المسيح ( إنجيل يوحنا 6: 63) الروح هو الذي يحيي. أما الجسد فلا يفيد شيئا. الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة)
فالجحيم عزلة الإنسان وإنفصالة عن الله فمثلاً الجحيم وجدت للشيطان كما قال " المسيح " (إنجيل متى 25: 41) «ثم يقول أيضا للذين عن اليسار: اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس وملائكته) والشيطان هو كائن روحانى فلا يمكن أن يعذبة الله بأمور مادية لأن هذا تناقض؟! فالجحيم ليست نار مادية بل هى البعد عن الله لأن الله هو الخير الأقصى على حد تعبير " أفلاطون " (وانه هو عله كل ما هو جميل وخير2)
والبعد عن الخير هو عذاب وألم وجحيم , والبعد عن الخير والحب يتطلب قرار مبنى على إرادة واعية بأعتبار أن حالة الإنفصال هذه لايمكن أن تتحقق بدون حرية إنسانية فلا يجب أن نلوم الله على قرار إنسانى ولايمكن الله أن يجبر شخص بعدم الإنفصال عنه .

ثانيا : الجحيم والطبيعة البشرية .بناءاً على النقطة الأولى التى مفادها أن الجحيم هى قرار شخصى فالطبيعة البشرية التى رفضت العيش مع الله وتأقلمت مع الشر حتى أصبح جزء أصيل منها فلايمكن أن يجبرها لله على البقاء بجانبة لأن هذا ضد مبادئها فمثلاً أنا أرى" أن السماء بالنسبة للشيطان جيحم لأنها تتعارض مع مبادئة " فكذلك الحال مع الطبيعة البشرية التى رفضت الله فلن تجد راحة مع الله بل ستسعى بكل جهدها للإبتعاد عنه فالجحيم تعتبر هى الحالة الطبيعة للطبيعة البشرية التى رفضت الله بإرادتها الحرة لأن الجحيم هى الإنفصال , .
ثالثا: العدالة الإلهية والجحيم : إن الإشكالية الفلسفية الموجودة فى السؤال مبنية على تناقض صارخ فالسؤال يخبرنا بأن هناك تناقض وتعارض بين صفة المحبة والعلم والجحيم مع إن المحبة تتطلب العدل فالمحبة بدون عدل تتحول إلى ظلم لذلك العدالة الإلهية لكى تكون عدالة مبنية على الحب يجب أن يكون هناك ثواب وعقاب فالحب لايُلغى العقاب أبداً بل يجعله جزء أصيل منه لأن كما ذكرنا الحب بدون عدالة ظلم والظلم لايُعتبر حب .
رابعاً : مثال لحل هذه الإشكالية : أى رئيس عادل مثلما يبنى المدارس والجامعات والمستشفيات يبنى "السجون " أيضاً هو يبنى السجون لا لكى يلقى فيها الأبرياء بل يتمنى أن تكون دائما فارغة ولكنه يعرف أن هناك من يكون مجرماً ويلقى داخل هذا السجن و الإنسان بكامل حريتة عندما يقترف جريمة ما يُلقى فى هذا السجن تنفيذاً للعدالة هنا لايمكننا القول بأن هذا الرئيس ظالم أو غير رحيم نفس الشىء عن الله فهو لايريد الناس يذهبون للجحيم كذلك لايمكن أن يجبرهم للبقاء معه ولكنه بذل كل شىء لأجل خلاصهم من إرسال أنبياء حتى تجسد هو بنفسه فى السيد المسيح ويقول الوحى الإلهى عن هذا الأمر ((إنجيل (يوحنا 3: 16) لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية) فالله يريد الخلاص للجميع ولكن الأمر متوقف على الإنسان وحده و جهنم هى نتيجة قرارتنا الخاصة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع :
1- تاريخ الفلسفة فى الإسلام : دى بور طبعة مكتبة الأسرة 2010 ص 346
2- تاريخ الفلسفة اليونانية : يوسف كرم مطبعة التأليف والترجمة والنشر الطبعة الخامسة 1966 ص 81



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن