فعل بن سلمان ما كنا نطالب به السيسي- تأميم الترستات -

احمد البهائي
f.mrahi@kpnplanet.nl

2017 / 11 / 7


لقد تعدي الاحتكار من مفهومه التقليدي الذي يعني غياب المنافسة وانعدامها ومن ثم السيطرة على السوق وبسط الهيمنة عليه بكافة الوسائل من أجل فرض منتجاته مهما كانت درجة جودتها وبالسعر الذي يريده نظرا لعدم قدرة المنافسين على مواجهته ، وقد ينافس نفسه في بعض الأحيان عن طريق شركات أخرى تعود ملكيتها له ، الى مفهومه مضاف جديد قائم على احتكار الحداثة والتكنولوجيا الروبوتية ومنه الى التوغل في الشأن السياسي ومراكز صنع القرار.
فالإحتكار يأخذ شكل من الأشكال الاتية:
* الشكل الاول : الكارتلات " cartel " وهو اتفاق بين مشروعات رأسمالية كبيرة متعددة تقدم نفس الانتاج ووصلت الى نفس المستوى الانتاجي ،لتكون فيما بينها اتحاد يسمى بالاندماج الافقي حيث يقسم بموجبه الشركاء الاسواق بينهم ، كذلك يحددون الاسعار وطرق البيع والمنافذ بينهم وغيرها ..، ونتيجة لذلك يمكنهم الحصول على ارباح احتكارية عالمية ، وكل مشروع ينتمي الى الكارتل يمكنه ان يتصرف باستقلالية ،إلا فيما يتعلق بمشاكل الانتاج والتسويق .
* الشكل الثاني : الترستات " trusts " هو اشد تقيدا وتركيزا من الكارتل حيث يكون القرار في يد المحتكر الأجنبي ، وفيه تفقد المشروعات المندمجة تحته افقيا ورأسيا استقلالها كليا ، حيث يكون الترست مسئول عن كل شئ الانتاج والبيع والتمويل والتسويق ...الخ ، ثم ياتي الدور ليمكن المحتكر الترست من الهيكل الوطني للاقتصاد ، بسيطرتة على المواقع المالية للدولة التي نشأت نتيجة قدرته على شراء وادماج البنوك والمصارف بعضها في بعض ليتمكن من السيطرة على القطاع الصناعي والتجارجي سيطرة تامة ، عن طريق تمويلها وامداداتها من جهة ، وعن طريق مقدرته على منع الاعتمادات المالية عنها وتخفيض اسعار اسهمها وحرمانها من ائتمانها وتشويه سمعتها المالية عند المتعاملين من جهة اخري ، بهدف تحقيق اغراضه ، وهذا ما يحدث ويطبق في الاقتصاد المصري الان بقوة .

ليأتي الدستور المصري في باب المقومات الأساسية للمجتمع في فصله الثاني المتعلق بالمقومات الاقتصادية ، ليكرس بقاء السيطرة الاحتكارية في شكلها الاشد تركيزا وهذا ما يتضح في المادة (35) التي تنص على ان " الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا فى الأحوال المبينة فى القانون، وبحكم قضائي، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يدفع مقدمًا وفقا للقانون " .
اذا يتضح أنه بهذه المادة ضمنت الاحتكارات بجميع اجنحتها كيفية تكوينها وبقائها والاحتفاظ بممتلكاتها وتكوين امبراطوريتها بقوة الدستور ، فالدستور يضمن حمايتهم وبقائهم وحفظ ثرواتهم بل وامتداد ونمو نفوذهم الاقتصادي والاجتماعي ، ليس ذلك فحسب بل سهل لهم ان يدفعوا بأنفسهم وبأنصارهم الى مؤسسات العمل السياسي جميعها بقوة الدستور ،واية مسألة لهم خارج نص مادة الدستور تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون ،اي استخدام الدستور كوسيلة لمناهضة الدعوات التى تدعوا الى محاسبة الاحتكارات ، كمثال الدعوات التى تنادي بتأميم الخدمات العامة ، كذلك الصناعات الاحتكارية التى تهدد مصالح الشعب وخاصة الطبقة الفقيرة منه والتى تمثل شريحة تتجاوز 80 في المئة منه .
ولذا كنا من اشد المطالبين ان يحتوي الدستور المصري على مادة تكون اكثر قوة وردع لتحد من الاجنحة الاحتكارية كما هو الحال في دساتير بقية الدول التي ترغب بالنهوض بمجتمعاتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، وان تكون قوتها كما في نصها الاتي ( أن تؤمم بقانون مقابل تعويض عادل أي مشروع له طابع المرفق العام أو الاحتكار، متى كان في تأميمه تحقيق مصلحة عليا للمجتمع.) ، بدلا منها ، مع العلم ان هذا النص بقوته تحتوي عليه دساتير اكثر دول العالم ديمقراطية وتقدم ورأسمالية .

بعيدا عن التحيز، أو مع ام ضد ، مؤيدا او معارض ، حول ما حدث في السعودية من توقيف وإجراء عمليات اعتقال غير مسبوقة لأحد عشر أميرا وعشرات من الوزراء السابقين وأرباب الأعمال بتهم الفساد ، ولكن بنظرة تحليلية توافق الواقع المصري ، ماذا لو قام الرئيس السيسي في 2013 ب" تأميم الترستات" كما فعل الامير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الان ، هل كنا نقف معه ونؤيده ام نقف ضده ونعارضه؟ ، فالترستات وجدت خصيصا من اجل اقتصادات دول العالم الثالث التي منها بلداننا العربية ، تلك الاقتصادات التي تعاني من الفساد الهرمي في جميع مؤسساتها ، ذلك الفساد الذي يعتبر المغذي الاساسي والمساعد الاول على بقاء الترستات ، فالفساد والترستات وجها لعملة واحدة .
حيث ينظر كثير من المحللين والمتابعين على ان عمليات التطهير التي جرت في 4 نوفمبر/تشرين الثاني في المملكة العربية السعودية قد تضعف حماس المستثمرين ، ولا تساعد على خلق بيئة ملاءمة للاستثمار الأجنبي الجديد وفقاً للخطة الاقتصادية لمحمد بن سلمان المعروفة ب" رؤية 2030 " والتي تشمل خطة مشروع بقيمة 500 مليار دولار لبناء مدينة ضخمة "نيوم" في الشمال الغربي من المملكة ، ولكن في الحقيقة قد تؤدي هذه الخطوة المفاجئة وغير المتوقعة إلى ردع مستثمرين الترستات ، واعلان قوي بأن لا مكان لهم داخل المملكة ، وخاصة أصحاب الأعمال الأجانب الذين لهم اتصالات تجارية مع المعتقلين ، حيث تحتاج الشركات الأجنبية إلى شريك سعودي للعمل في المملكة .
اخيرا ، كما هو معروف ، النمو الاقتصادي الصناعي والتجاري ساهم في تركيز الثروات في ايدي مجموعة قليلة من الاشخاص تعد على اصابع اليد ، وبالتالي ادي الى نشوء شركات عملاقة في الصناعة والتجارة والمصارف والاعلام وغيرها ، لتظهر الاحتكارات الكبرى نتيجة لضعف الرقابة والقوانين التي تحارب الاحتكارات في بلداننا ، نهايك عن تفحل المسبب والداعم الرئيس لها ألا وهو الفساد بكل مسمياته ، ليتسع الاحتكار بمفهومه الى مؤسسات العمل السياسي ومراكز صنع القرار السياسي داخل البلاد وخارجها ، وهذا هو الترستات بعينه ليسيطر على الارض بقوة ، وهذا ما تعاني منه مصر الان ، حيث سمح بتحول دراماتيكي للاحتكار من شكل الكارتلات الى الترستات ليزداد توحشا في السنوات الاخيرة ، وهذا مالا يريده الامير الشاب بن سلمان قبل توليه الحكم رسميا ، اذا سؤال يطرح نفسه بقوة الان ماذا لو كان فعل السيسي في 2013 مثل ما فعل بن سلمان الان بتأميم الترستات .هل كنا نقف معه ام ضده؟.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن