وجهة نظر في حل الدولتين

محمد أحمد الزعبي
alzmo33@yahoo.de

2017 / 8 / 29

وجهة نظر في حل الدولتين
26.08.2017
د. محمد أحمد الزعبي
قرات ذات يوم للفيلسوف الأمريكي ناؤوم شومسكي المقولة التالية : عندما تقول أمريكا تقول إسرائيل وعندما تقول إسرائيل تقول أمريكا . تذكرت هذه الجملة الهامة والصحيحة والمعبرة مرتين : مرة حين رأيت بل كلنتون عام 1993 يشد يد كل من أبي عمار و إسحاق رابين ( رئيس وزراء الكيان الصهيوني ) نحو بعضهما بعضا تحقيقا لمصافحة آوسلو التاريخية ، بين الفلسطينيين و " اسرائيل " . تلك المصالحة / الإتفاقية ، التي كان ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب . ومرة أخرى حين رأيت نفس الرئيس الأمريكي ( بل كلنتون ) عام 2000 يتوسط كلا من وزير خارجية حافظ الأسد ، وإهود باراك رئيس وزراء الكيان الصهيوني آنذاك وهم يمشون صفاً واحداً و في خطوات متئدة ومتوازنة باتجاه طاولة المفاوضات ، الأمر الذي كان يشير بوضوح لالبس فيه ولاالتباس إلى توجه النظام السوري(حافظ الأسد) نحو المصالحة والتطبيع مع الكيان الصهيوني . إن الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة التحريرالوطني الفلسطينية يكونان بهذا قد فتحا في " أوسلو " عملياً وواقعياً معبراً آمنا لكل من يريد أن يعترف وأن يطبع مع " الكيان الصهيوني " من العرب المسلمين وكان " حافظ " - على مايبدو – السبّاق إلى فهم أبعاد رسالة الولايات المتحدةالأمريكية للأنظمة العربية حيال إسرائيل ، وأول من حاول العبور الآمن نحو هذا الإعتراف والتطبيع ، تنفيذاً لرغبة الرئيس بل كلنتون .إن ماحال دون متابعة حافظ الأسد عملية الإعتراف والتطبيع تيمناً بمنظمة التحرير الفلسطينية هو، من جهة معرفته بموقف الشعب السوري المبدئي من للقضية الفلسطينية والرافض للاعتراف بإسرائيل وللتطبيع معها ، تحت أي ظرف ، ومن جهة أخرى أنه كان على فراش الموت ، وما كان لإسرائيل آن تقبل بتوقيع رئيس مريض و هوعلى بعد خطوات من ملاقاة ربه ، ولا سيما على اتفاقية على هذا القدر من الأهمية . لقد ترك الأب هذه المهمة لوريثه بشار .
إنني لاأشك لحظة واحدة بوطنية الأخ أبي عمار ( الختيار ) قائد الثورة الفلسطينية وزعيم الشعب الفلسطيني دون منازع، بيد آن ما أشعر به ، أنه من الممكن أن يكون اتفاق اوسلو المذكور قد كان موضع أخذ ورد بين مؤيديه ومفنديه . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : ترى هل إن أبا عمار كان يصدق ( بضم الياء وتشديد الدال ) كل ما كان يسمعه من الأمريكان والأوروبيين حول " حل الدولتين " ؟ ، وأن اسرائيل نفسها مع هذا الحل ؟!. أو أنه كان فقط يضع مايسمعه منهم ومن إسرائيل بين قوسين كأفكارقابلة للنقاش ، يمكن أن يتساوى صدقها مع كذبها ، ولا سيما أن سلسلة الاتفاقات اللاحقة ( غزة اريحا ٤/٥/٩٤ ، طابا ٢٨/٩/٩٥ ، وادي ريفرالأولى ٢٦/١٠/٩٨ ،وادي ريف الثانية / شرم الشيخ ٤/٩/٩٩ ، وأخيرا وليس آخراً تقرير ميشيل ٢٠٠١ و ٢٠٠٢ والذي نص لأول مرة على حل الدولتين ، وعلى ان التسوية النهائية يجب أن تتم بحلول عام ٢٠٠٥ !! ) . وأيضاً هل كان أبو عمار ينظرإلى اسرائيل بوصفها كيانا مستقلا عن أمريكا وأوربا ، أم أنها كيانا وظيفيا ، زرعه الغرب الرأسمالي ( اوروبا وأمريكا ) في قلب الوطن العربي ليحكم ويتحكم بتطوره وتشكيل مستقبله ، ولا سيما في المجالين السياسي والاقتصادي ؟ ، وذلك بما يخدم مصالح هذا الغرب ليس أكثر . وبهذه الحال سيكون كل ما نسمعه ونراه من أمريكا وأوروبا ، حول القضية الفلسطينية ، إن هو إلاّ ظلال للحقيقة وليس الحقيقة ذاتها ( بالإذن من أفلاطون ) . ماتخشاه كل من أمريكا وإسرائيل ، - وهذا حسب رأي الكاتب - هو قيام دولة فلسطينية " كاملة السيادة " ولو على شبر أرض واحد في فلسطين . ولهذا السبب ، أي لمنع قيام مثل هذه الدولة التي يريدها أبو عمار ، قام الطيران " الإسرائيلي " والذي هو صناعة أمريكية خالصة ، بتدمير مطارغزة ومينائها ، لأنهما مع البساط الأحمر تعتبررموزاً سيادية لدولة اوسلو ، وربما - وهذا ما تخشاه إسرائيل أيضاً ـ إمكانية أن تكون هذه الرموز الوطنية - على المدى البعيد - إيذاناً بزوال الكيان الصهيوني المصطنع نفسه ، وبديلاً عنه .
لم تكتف اسرائيل بتدمير الرموز السيادية الفلسطينية بل فرضت الحصار أيضاً على " الختيار " مدة أربع سنوات تحت سمع العالم وبصره ، وأيضاً تحت سمع الحكام العرب وبصرهم ، وفرضت عليه عدم المشاركة في مؤتمرات القمة العربية ، لكي لايكون شاهداً ميدانياً على تخلي هؤلاء الحكام ( العرب!!)عن القضية الفلسطينية بعد هزائمهم المتكررة أمام اسرائيل . إن ما تفتقت قرائح هؤلاء الحكام العرب عنه في مؤتمر قمة بيروت عام 2002 هو ماسمي " المبادرة العربية للسلام " والتي بعد أن رفضتها إسرائيل ، شرعوا ( الحكام العرب ) يرحلونها من مؤتمر إلى آخر حتى يومنا هذا دونما خجل أو حياء ، بل إن استشهاد ياسر عرفات على يد اسرائيل بعد حصاره لأربع سنوات لم يهزلهؤلاء الحكام جفن ، ومرت الجريمة الاسرائيلية دون أن ينيس منهم أحد ببنت شفة ، وبمن في ذلك الجانب الفرنسي الذي يعرف الحقيقة ويتستر عليها ، ولسبب لايزال مجهولاً حتى اليوم .
إن شعار " حل الدولتين " إنما يمثل شعرة معاوية بين أمريكا وأوروبا من جهة وإسرائيل من جهة أخري ، بحيث لو أرخاها طرف ، قام الطرف الآخر بشدها ، بحيث تبقى هذه الشعرة صامدة لاتنقطع كما لو أنها حبل من مسد ، أطول مدة ممكنة . ذلك أنها ( شعرة معاوية بين أمريكا وإسرائيل ) تدخل عمليّاً في باب الضحك على ذقون العرب والفلسطينيين ، ذلك أن انقطاعها قد يؤدي إلى بديل ليس في صالح اسرائيل ، سواء أكان دولة واحدة بقوميتين / بشعبين ، أو كان ثورة شعبية عارمة ، تعيد للربيع العربي جذوته ، تلك الجذوة التي مابرحت قوى الثورة المضادة في الشرق والغرب وفي دول عربية معروفة ، تحاول دون جدوى إطفائها منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا
إن شعرة معاوية التي أشرنا إليها أعلاه ، والتي تمنع قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة في فلسطين المحتلّة سواء الى جانب دولة الصهاينة او على أنقاضها ، هي ذاتها ( شعرة معاوية ) التي منعت وتمنع ثورة 18 آذار 2011 السورية من الحسم والانتصار ، وهي ذاتها التي فتحت الجرح العميق في مجلس التعاون الخليجي بين قطر وأخواتها والتي تحول دون التئامه .
إن مصيبة الأمة العربية اليوم هي واحدة عند الجميع ، وعلى الظالم لابد أن تدورغداً الدوائر ، وما النصر إلاّ صبر ساعة ، فتواصوا أيها المناضلون العرب بالحق وتواصوا بالصبر ..



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن