قراءة في واقع -الحركات الإسلامية- وغياب -الإعلام الإسلامي- (الفيس و الإخوان في الجزائر نموذجا)

علجية عيش
aljaiches@yahoo.fr

2017 / 8 / 12

الدَّعْوَة الإسْلاميَّة" بَيْنَ "التـّرْغـِيبِ و التَّرْهِيبِ"
قراءة في واقع "الحركات الإسلامية" وغياب "الإعلام الإسلامي"
(الفيس و الإخوان في الجزائر نموذجا)

ربما غياب الإعلام الإسلامي و إصابة الدعاة المسلمين بالانفصام الدعوي (السكيزوفرينيا) هي الدوافع الرئيسية و الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تراجع "الحركات الإسلامية" و فشلها في تحقيق أهدافها المنشودة في بناء"دولة إسلامية" قائمة على الكتاب و السنة؟ ذلك ما نراه من خلال هذه "القراءة"المتواضعة في واقع الحركات الإسلامية و أسباب تراجعها تحت عنوان : الدعوة الإسلامية بين الترغيب و الترهيب


إن الحديث عن مجال "الدعوة الإسلامية" يجعلنا نتساءل بكل موضوعية عن الحقل الإسلامي الذي يمكن أن تُزْرَع فيه بذور هذه الدعوة، هل يكون ذلك في إطار تأسيس حزبا إسلاميا أو إن صح القول تشكيل حركة إسلامية؟ و هل الإعلام الإسلامي ضروري لنشر الدعوة الإسلامية، و إن كان كذلك فالسؤال يطرح نفسه، لماذا الإعلام الإسلامي غائب أم أنه مُغَيـَّبٌ؟ و هي أسئلة تحتاج إلى الرد عليها من قبل المختصين لتوضيح الرؤى و تنوير الشباب المسلم من أجل تصحيح عقيدته و تجديد إيمانه و علاقته بربه..، يؤكد الدكتور بشير قلاتي أنه لا يوجد تعريف خاص لمفهوم الدعوة الإسلامية، غير أنها عبارة عن حركة إنسانية شاملة تهدف إلى بناء مجتمع إسلامي ملتزم بتعاليم الإسلام، عقيدة و شريعة و أخلاقا، و تبليغ رسالته إلى الناس كافة باستخدام كافة الوسائل المشروعة، و من هنا يقول الدكتور قلاتي تظهر "الدعوة الإسلامية " على أساس أنها جهد حضاري شامل تهدف إلى توعية الناس بقيم الإسلام السمحة، و من ثم إحداث التغيير النفسي و الاجتماعي، بتربية الأفراد للالتزام برسالة الإسلام كاملة، ذلك بإتباع منهج "الحوار" و المجادلة، أما الشيخ محمد الغزالي رحمه الله فهو يقدم مواصفات "الداعية الإسلامي" و الشروط التي لابد من توفرها في الداعية، أولها أن يكون موصولا بالله و أن يكون مخلصا لله وحده، عاشقا لدينه و لربه و مخلصا للصالحين من العباد، و إذا ضاع هذا الأساس فلا قيمة لشيء، كما لا بد للداعية أن تكون له ثقافة إسلامية لا حدود لها، و أن يكون نابغا في العديد من المجالات لأنه كما يقول الغزالي مُدَرِّسٌ للشعب كله و في وجه الجماهير بمختلف ثقافاتها و أفكارها، و أن يكون كذلك محيطا بعلل المجتمع الذي يعيش فيه و أن يكون خبيرا بالمكان الذي يذهب إليه، كما يرى الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله) أن الدعوة "وظيفة" تحتاج إلى تخصص و لكن في نفس الوقت لابد من إعطاء للداعية "الحصانة" حتى لا يُجْبَنَ أمام دعوته إلى الحق..

تطور التدين و ظاهرة اللحية و القميص

و بفضل هذا الجهد عرفت ظاهرة "التدين" تطورا ملحوظا على أيدي بعض الدعاة المسلمين من خلال رحلاتهم عبر العالم الإسلامي و تدريسهم في الجامعات الإسلامية و إلقائهم الخطب و المحاضرات من أجل عودة الشباب إلى الصواب و السير في الطريق السليم و طاعة الله و ترك الشبهات و محاربة الفساد بكل أشكاله، و قد لقيت هذه الشريحة من الدعاة استجابة لدى الناس خاصة الشباب منهم الذي التفت حول الدعاة يستمعون إلى خطبهم و مواعظهم، و يطبقونها عن قناعة و طواعية، و أصبح مجال "الدعوة " محور نقاش و جدل بين مؤيد و معارض من قبل المختصين، فذهب بعض المهتمين بالشأن الدعوي إلى القول بأن الدعوة الإسلامية مهمة الأنبياء و الرسل وحدهم، و هم أشرف الخلق بذلك..، و بما أن الدعوة الإسلامية هي حركة تغيير حضاري شامل جعلها تعرف قصورا و تواجه عقبات فتراجعت عن تحقيق الأهداف حيث انقسم أصحابها إلى فريقين و أخذ كل منهما الطريق الخاص به، فريق سلك طريق الترغيب ( حركة الإصلاح و التجديد) التي يتزعمها محمد عبده و جمال الدين الأفغاني، و الفريق الثاني اتخذ سياسة الترهيب منهجا له، فانحرف و جرّ معه العديد من الانحرافات، مثلما نراه في بعض الحركات الإسلامية الحديثة، التي تركت الأخذ بالمعاني الروحية و العمل بالقواعد الأخلاقية و سارت إلى حد الإفراط إلى أن وجدت نفسها تسير في طريق "التطرف" و غذت ثقافتها الإسلامية بقيم العنف في حين رمت أخرى نفسها بين أحضان "النظام" لكي تستفيد من بعض الامتيازات و الحقائب الوزارية..، و يعرف الأخصائيين في الشأن الإسلامي أن الحركات الإسلامية هي الحركات التي قبلت الدخول أو الاشتراك في ساحة العمل السياسي القانوني من منطق القبول بقواعده و ترك "الدعوة" و التحول إلى السياسة و هذا يعني الانتقال من مرحلة التفاعلات الفكرية إلى ممارسات عملية أي دخول الانتخابات و التمثيل البرلماني و المشاركة في الوزارة و الوصول إلى السلطة بشتى الطرق و الوسائل وفق الحكمة القائلة "الغاية تبرر الوسيلة"، و نشير هنا و حسب الكتابات أن لحركات الإسلامية ظهرت إلى الوجود تعبيرا عن أزمة الفشل في "النهوض" و تحقيق التقدم لأنها لم تكن لديها الميكانزمات اللازمة للمواجهة، و لأنها كما يقول البعض لم تكن مُؤَسَسَة على نهضة دينية ، و لو أنها انطلقت من نهضة روحية لأمكنها أن تبني أخلاقية المجتمع المسلم كما قال جاك بيرك، ، بدليل ما نلاحظه من ظواهر أخلاقية فاسدة (انتشار الزنا و زنا المحارم ، اللواط ، السرقات ، المخدرات و ما شابه ذلك) و غالبا ما تكشف لنا محاكم الجنايات عن جرائم فظيعة و مخلة بالحياء، في حين اقتصرت هذه النهضة عند بعض الحركات الإسلامية بإطلاق اللحية و ما تبعها، فبالإضافة إلى "الإخوان المسلمون" في مصر ركز التيار الأول المتمثل في عبد السلام ياسين من المغرب على تربية الأفراد و اعتماد المنهج النبوي في تحسين سلوك الفرد ثم تغيير المجتمع و يقابله في ذلك التيار الثاني الذي يرى ضرورة الإمساك بالسلطة و يتمثل هذا التيار في الشيخ "حسن الترابي" في السودان الذي كان أكثرهم ميلا بأولوية الإمساك بالسلطة السياسية مهما كانت الوسائل و جعلها أداة لتغيير المجتمع و الأفراد، و يقف إلى جانبه أبو جرة سلطاني في الجزائر، في حين يقف "راشد الغنوشي" زعيم "النهضة" في تونس موقف "الوسط" كونه يميل إلى دور "المفكر" أكثر منه إلى دور السياسي أو التربوي و إن كان له ميلا نوعا ما إلى الترابي، أما الفيس فقد شق طريقا خاصا بتكوينه "جيشا إسلاميا" و دعوته إلى "الجهاد"...

وقفة مع الجبهة الإسلامية للإنقاذ الـ: FIS المحل في الجزائر

و ربما تجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ ( الفيس) شبيهة بتجربة (الإخوان المسلمين ) في مصر عندما تكرر اصطدامها مع الحكومة في عام 1965 و 1966 في عهد الراحل جمال عبد الناصر و حملات السجن و التعذيب و الإعدام، إلا أن هذا لا يبرر الأخطاء التي ترتكبها الحركات الإسلامية ( الأحزاب الإسلامية) و الشروخ التي تحدثها رغم أنها تنتمي إلى مشروع واحد كما يقول الدكتور عيسى جرادي ، فبدل من قيام التواصل الروحي و التحاور بين أجنحة هذه الحركات في جو من الإخلاص و النية و عمق التفكير و الحرص على تفهم ظروف الغير و تفكيره و اجتهاده مع تأكد الولاء للأهداف الجامعة و المقاصد الكلية و المصالح العامة ، ساد التنافر و احتقنت القلوب بالضغائن و ضاقت العقول، انتهت بالانشقاقات و الانقسامات حتى داخل الحزب الإسلامي الواحد مثلما نشاهده في حركاتنا الإسلامية في الجزائر، و هذا بسبب التعددية في الرؤى و التصورات و الإستراتيجيات ، و أمام هذه التناقضات بدت الحركات الإسلامية عاجزة عن النهوض و تحقيق التقدم و لذلك لا يمكن أن تكون في مستوى حركة الإصلاح و التجديد ، فأصحاب هذه الأخيرة و منهم الأفغاني و محمد عبده و خير الدين التونسي نظروا إلى الحضارة العربية بـ: "ندّيّة" عن طريق المناظرات و المناقشات، و اكتشفوا قصور المسلمين و إيجابيات الحضارة الغربية بخلاف الحركات الإسلامية التي وضفتها بالجاهلية و التفسخ ولم تقدم إنتاجا ثقافيا فكريا يكون في مستوى دعوتها.. ، و من جهته يرى الباحث السوري جمال الخضّور أن إشكالية تأخر الحركات الإسلامية يعود إلى الاختلاف بينها و بين بعض "النهضويين"، و يرى الخضور أن أي مشروع نهضوي على المستوى الإيديولوجي الثوري لا يمكن أن ينشأ من الفراغ أو على أرضية "مَرَضِيّة" و بالتالي فهو مرتبط بالمشروع النهضوي الفكري الذي يستمد إلى أربع أسس هي: (الديمقراطية، الحداثة، الأصالة و المعرفة التكنولوجية) ، وورود الديمقراطية كأساس من هذه الأسس يبين أن الديمقراطية لا وجود لها عند الحركات الإسلامية لأنها تؤمن بوحدة الأمة الإسلامية.
إن انتقال الحركة الإسلامية من "الدعوة" إلى "الدولة" و من المرجعية إلى الواقع و من المبادئ العامة إلى التطبيق أي تبني سياسة لإدارة الحكومة دفعت البعض إلى التشكيك في الإسلام و إعادة النظر فيه و التعريف به مكن هو ؟ و من أي أصول تاريخية ينحدر؟ كما يطرح السؤال حول ما إذا كانت الحركات الإسلامية حركة إصلاحية تدعو لعموم الإسلام و نشره و دعوة الناس إليه، أم هي مجرد حزب سياسي كسائر الأحزاب السياسية تتبنى اختيارات سياسية محددة؟، و في هذا الإطار يؤكد خبراء في الحركات الإسلامية أن إضفاء صبغة "السياسي" على "الإسلام" أحدثت خلطا و تشويشا يتعلق أساسا بأن مصطلح " الإسلام السياسي" هو مصطلح يجزئ الإسلام كدين و يعتقد الخبراء أنه من الأفضل أن يستخدم مصطلح " الحركات السياسية الإسلامية " مادامت هذه الأخيرة قبلت الدخول في العمل السياسي، و هو ما قامت به الحركات الإسلامية ، حيث وظفت "الدّين الإسلامي" بكثافة و بفعالية في السياسة و تجييش الجماهير مهملة العامل الروحي فدخلت في صراعات حادة، و تحول الإسلام من " قضية " إلى "مشكلة" تبحث لها عن حلول عن طريق الملتقيات و المؤتمرات الدولية أمام ظهور المصطلحات الجديدة مثل ( الإسلاموية، أسلمة الدولة، و أصبح المسلمون يلقبون بألقاب معينة مثل السلفيون، الأفغان الجزائريون، و الجماعات الإسلامية و الإخوان المسلمون)..، كان "النظام" و "المعتقل" بمثابة الجنة و النار بالنسبة للحركات الإسلامية في الجزائر و على رأسها الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الفيس ) التي يتزعمها الشيخ عباسي مدني، و و حركة مجتمع السلم ( حمس) بقيادة أبو جرة سلطاني التي تبنت الفكر الإخواني على حد تصريحها ، و كان لكل منهما طريقه الذي انتهجه، الأولى اختارت طريق المعارضة عكس الثانية التي رمت نفسها بين أحضان "النظام"..

السلطة تدافع عن الجمهورية

لقد دخلت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في رهان مع النظام فانقلب على الجبهة باسم الدفاع عن الجمهورية و إعادة هيبة الدولة، رغم أن الشعب الجزائري اختار الحلّ الإسلامي في علاج المشاكل المطروحة، و حُلّت الجبهة، ومنعت من الممارسة السياسية داخل الجزائر، و بهذا القرار دخلت الجزائر في حرب أهلية و هي ما سميت بالعشرية السوداء و حمّل النظام الجبهة الإسلامية للإنقاذ مسؤولية الدماء التي سالت قدرها الأخصائيون بحوالي 100 ألف قتيل و هي خسائر فادحة جدا فضلا عن التدهور الاقتصادي و اتساع رقعة البطالة و الفقر وسط الشباب الذي تغذى بالفكر الإرهابي و صعود الجبل و حمل السلاح رغم أن العمل المسلح بدأ بعد سجن زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، و تواصلت المناورات بين النظام و الفيس كما يقول الدكتور مقداد إسعاد في كتابه بعنوان (رهان بوتفليقة و الفيس(، ورغم أنه كان للسياسيين فيس الجزائر مواقف تدعو إلى ضرورة "الحوار" مع الأطراف المتخاصمة دون إقصاء و منه عبد العزيز بلخادم ألأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عندما كان يشغل منصب رئيس المجلس الشعبي الوطني آنذاك، و هذا يتطلب حسبه توفير "جو" من الحرية لمناقشة القضايا الهامة و و الأخذ برأي الأغلبية، لأن النزاهة كما يراها بلخادم تقتضي أن تسمع الرأي الآخر، كان عبد العزيز بلخادم يرى أن أزمة الجزائر ليست أزمة نصوص بل أزمة سياسية و تقتضي حلا سياسيا بـ: "الحوار" بين كل القوى السياسية للوصول إلى تصور مشترك، و الوصول إلى هذا التصور يقتضي بالضرورة وضع ضمانات لتفادي الإنزلاقات في المستقبل، على أساس أن "الظلامية" و "التطرف" و "الأصولية" ليست مقرونة بالعقيدة ألإسلامية فال بلخادم، و لكن الحوار و التسامح محرم عند الأنظمة العربية، في حين نجد بعض الإسلاميين يدافعون عن الحركات الإسلامية و يعتبرون الهجوم عليها هجوما على الإسلام و في نفس الوقت لا يعترفون بأخطائها لاسيما و هي تتفق في بعض القضايا أو بما يسمى بـ: "الإرهاب المضاد" أي أنها تتصدى لأي اعتداء عليها أو إرهاب جماعة من جماعاتها بدعوى أنه دفاع عن النفس باعتبار أنها تجمعها "مرجعية" واحدة هي الدين الإسلامي و لذلك ترفض الجماعات الإسلامية أن تستعمل الحركات ألإسلامية في صيغة المفرد أي ضرورة القول حركات إسلامية و ليس حركة إسلامية مهما كانت تجاوزاتها أو أخطاؤها لدرجة أن بعض الأقلام مصطلح "تعددية الحركات" مبررة قولها أن الحركات الإسلامية استطاعت أن تسوق فكرة (المحنة العربية) و تغليب البعض العامل القومي و الاقتصادي و من ثم من حقها تطبيق مبادئها، فقامت بتحزيب "المسجد" و تغيير وظائفه الشرعية و الدعوية التي كانت منطلقا للتبليغ و رص الصفوف في تواصل إيماني، فصنعت مننه منبرًا للخطابات السياسية، و في مدح "الحكام"..


"سكيزوفرينيا" الدُّعاة و غياب "الإعلام الإسلامي" وراء فشل "السياسة الدعوية"


إن تحزيب المسجد أو تسييسه إن صح التعبير، حسب الخبراء يعد إحدى مشكلات الحقل الدعوي الذي كان فيه الدعاة سبب خيرية هذه الأمة و نموذجا يحتدى به كونه حارس حدود الله في الأرض، و لكن بظهور الحركات الإسلامية أصيبوا بما يسمى بـ: "الإنفصام الدعوي" أو (السكيزوفرينيا schizophrénie ) ، فالداعية الذي يخالف فعله قوله و باطن ظاهره و سره علانيته مصاب بالإنفصام الدعوي ، تؤكد دراسة أجراها الدكتور "رمضان فوزي" أن الدّعاة لم يفهموا طبيعة الدعوة و منهجها، و أثـّر عليهم "الغرور" بحيث يظن الداعية ان اسمه اصبح ملء السمع و البصر من كثرة "التدين" تقول الدراسة أن مظاهر "السكيزوفرينيا " أو ألإنفصام مع الدعوة تتمثل في اساليب الدعوة الخاطئة التي يتبعها الداعية، فتأتي بنتيجة عكسية عليه و على الدعوة، فالداعية طبيب القلوب المريضة و يتعامل مع امراض يصعب تشخيصها، و من هذه المظاهر (الغلظة، الشدة، الفظاظة في التعامل، فضلا عن ضيق الأفق، و ربما فشل الحركات ألإسلامية في العالم أفسلامي يعود الى التدين "المغشوش" الذي يعد كذلك إحدى مظاهر الإنفصاد الدعوي، فنجد بعض خطباء هذا العصر يتخذون من لخكابة مهنة يرتزقون منها غير عابثين بأهمية الرسالة التي يتحملونها في نشر الدعوة، و نجدهم في كل مناسبة يقفون أمام المنابر يمدحون الحكام، و آخرون يتصفون بالعصبية بحيث ترتكز خطبهم إلا على الأوامر( افعل كذا و لا تفعل كذا و هذا حرام و ذاك حلال) دون تقديم الحجج و الأدلة الشرعية و أمور أخرى لا يصدقها العقل.. ، و يضم صاحب الدراسة في كتابه مجموعة من الشكاوي طرحتها زوجات عن أزواجهن ينشطون في حقل الدعوة أي "دعاة"، و نورد هنا بعض الأمثلة منها المشكلة التي طرحتها السيدة (مناوي) من أمريكا فتقول في(الصفحة 136) من الكتاب: ( إن زوجي إمام مسجد يصلي الجمعة فقط، و غالبا ما يكون نائما وقت الصلاة و لما تدعوه إليها يقول لها القلم يرفع عن النائم، كما انه لا يغتسل من الجنابة و كان في بعض ألحيان يلعن الدين و الأخلاق و يستهزئ بحجابي و عندما شكته مُنِعَ من الإمامة بالناس فزاد غضبه منها..الخ) و تستفسر السيدة لمياء من مصر في الصفحة 147 عن تقسيم الدعاة أنفسهم و انتسابهم الى "أحزاب "
و نجد الداعية ذو الشخصية لمزدوجة الذي يُحْسِنُ فن التعامل مع الناس و لكنه يفقد هذا الفن مع اهله، و هذا النوع من الدعاة يعاني كذلك من انفصام واضح، تقول سيدة رمزت فسمها بـ: ( م.ن) من مصر في الصفحة 173 من الكتاب أن زوجها الداعية عصبي جدا معها و مع والدته و أنها اكتشفته يشاهد المواقع الإباحية على النت، رغم أنه كان يرشدها و يمنعها من النظر الى التلفاز ، و تذكر سيدة أخرى رمزت لإسمها بحرف ( w) من مصر كذلك أن الإخوان المسلمين افسدوا طبائع زوجها الذي يدعي أنه من ألإخوان المسلمين، و يحكي لها ما يفعلونه حتى بدأت تشعر أنه مسلوب الإرادة يقتنع بكل ما يقولونه و يفعلونه و يلبي اوامرهم حتى لو كان غير مقتنع، مما افقدها الثقة في كل شيئ تضيف متسائلة بالقول: لما أصبح المسلمون يصنفون أنفسهم حتى اصبحوا شيعا و أحزابا؟ في حين نجد (أم محمد) من مصر وهي تنشط في مجال الدعوة أفسلامية تشكو من زجها في الصفحة 216 من نفس الكتاب بأنه لا يشاركها الدعوة و يمنعها من المشاركة في المحاضرات بالرغم من عمله في مجال الدعوة ، لكنه غير مقتنع بجدوى عمل المرأة في هذا المجال و يشعرها دائما بعدم الثقة في نفسها..الخ.. ، كانت هذه أمثلة بسيطة عن حالات الإنفصام عند الدعاة المسلمين و لعل هذه الحالات لا تبدو مضرة الى الحدّ الذي يشكل خطرا، فإن أخطر أناع السكيزوفرينيا يشير "رمضان فوزي" في دراسته تلك الموجهة للمجتمع باعتباره بيئة لعمل الداعية و من مظاهرها التعامل بنوعين من ألأخلاق، فهو مع الناس بشكل و في بيته بشكل آخر و هذا يكون سببا في الصدّ عن التديّن و الإلتزام و تلك هي الماساة على الإسلام و المسلمين و "غير المسلمين" بالخصوص، بدليلالرسومات الكاريكاتورية المشوهة لصورة الرسال صلى الله عليه وسلم، كون هذا النوع من الدعاة يتميز بالمعاندة الشديدة وقد يصل به ألأمر الى معاندة نفسه، فعندما يتحول الداعية الى الله من حارس لحدود الله الى منتهك لها ندق ناقوس الخطر حتى لا تكون الفتنة..

"الإعلام الإسلامي" و دوره في النهوض بالمجتمع الإسلامي



وانحراف الحركات الإسلامية و إصابة الدعاة المسلمين بالإنفصام أدى الى إفشال الدعوة الإسلامية ربما هو راجع إلى إسباب عديدة أهمها غياب ما يسمى بـ: "الإعلام الإسلامي"، لقد أصبحت "الجريدة" في الوقت الحاضر "سلاحا" خطرا يمكن أن يكون سبب في القتل و التخريب و هدر الحقوق، و يمكن أن تكون سببا في حفظ الحياة و استتباب الأمن و صيانة العدالة، لذلك لا يجوز سلاح "القلم" أن يستعمله كل فرد على حسب هواه أو ميله..و القانون يمنع اي شخص أن يحمل السلاح مهما كان نوعه و يأمر باسم القوانين "بمصادرته" ، و ذلك ما حدث عبر التطور التاريخي بحيث لم تعد صحافة الفرد اي التي يملكها شخص واحد و ظهر ما يسمى بالمؤسسات الصحفية و هذه المؤسسات إما أن تكون ملكا لحزب ما و ناطقة باسمه، أو تكون تابعة للدولة و تحظى بدعمها، كما أصبحت المؤسسات الموجه الوحيد لقلم الصحفي..، يرى الإعلامي المعروف بشير العوف أن الصحافة سميت بالسلطة الرابعة لأنها كانت ناطقة باسم "الشعب" و مُعبِّرَةٌ عن رأيه، و ربما كان من المفروض أن تسمى بالسلطة "الأولى".. ، إن الإعلام الإسلامي و بالأخص الجرائد الإسلامية هي تلك الجرائد التي تهتم بالجمعيات الدينية و الهيئات الإسلامية سواء كانت أحزابا إسلامية أو وزارات و تعبر عن آرائها و اتجاهات أعضائها و من هنا كان ألإعلام الإسلامي صعب و لا يمكن الخوض فيه ذلك لأن المفاهيم الإعلامية الحديثة لدى معظم شعوب العالم الإسلامي و دوله ما تزال دون المستوى العالمي الراقي، و حسب الإعلامي "بشير العوف" فإنه إلى غاية اليوم لا يوجد إعلام إسلاميا بالمعنى الدقيق للمصطلح، و لذلك لا يوجد إعلاميون إسلاميون ، كما لا توجد دولة إسلامية أقامت نظاما إعلاميا وفق منهج إسلامي متفق عليه ، فجميع الدول الإسلامية ما زالت تعيش على هوامش ما صنعته الدول الأخرى حول الأنظمة الإعلامية، و لم تتمكن من توفير شروط تنشئة إعلاميين إسلاميين و إن وجدت هذه الشروط فهي مفقودة، لأن معظم الجرائد الإسلامية في العديد من الدول العربية محظورة و نذكر على سبيل المثال ( جريدة "المنقذ" في الجزائر و جريدة "الأطلس" التي كانت تصدر من باتنة شرق الجزائر، و جرائد أخرى تم حجبها من قبل "النظام" الجزائري في فترة ما باستثناء بعض الجرائد المجلات مثل "البصائر" و "الشهاب" و هي تختلف في منهجها و خطها الافتتاحي عن الجراد المذكورة، لأن ظهور مثل هذا الإعلام يكون لا محالة موضع حرب عنيفة كما قد تلتصق به وصمة الرجعية و العصب و التخلف..
من جهة أخرى نرى جميع الأنظمة العربية في دساتيرها عبارة " الإسلام دين الدولة" ثم لا تتورع عن محاربة المبادئ الإسلامية جهارا، و كان من المفروض أن تكون الدول الإسلامية ذات نظام إسلامي طالما أن دستورها يقول ( دين الدولة الإسلام) ، لأن النظام الإسلامي لدولة ما هو ذلك النظام الذي يقول باسم الإسلام لا باسم فرد أو جماعة أو حزب و باسم "أمة" لا باسم شعب أو حكومة أو دولة و باسم القرآن و السنة و الإجماع و القياس لا باسم الجهل و الهوى و المصلحة الفردية العابرة، و هنا نقف على حقيقة هي أن "آفــة" المسلمين اليوم هي اختلافهم و عدم إجماعهم على حكم واحد في المشكلات العصرية، فالقول بوجود "إعلام إسلامي" يعني وجود فكرا إسلاميا فقط على جوهر العقيدة الإسلامية باعتبار أن المسلمين كافة "أمة" رسالة و عقيدة و دين و لن يقوم لهم قائمة إذا ما تجردوا من عقيدتهم..، يقدم "فتحي يكن" منهجية الإمام الشهيد "حسن البنا" في سياسته الدعوية ، بحيث يرى أنه ليس بالضرورة أن تكون "المساجد" الأماكن الأكثر مناسبة لتبليغ الدعوة للناس، فقد يحصل أن يكون المسجد ساحة صراع بين فرق و مذاهب، و قد تكون المساجد خلوا إلا من الشيوخ الفانين، الداعية الى الله و موجه الناس الى الطريق السليم يريد مخاطبة الشباب فلا يجدهم إلا في "المقاهي"، و يخطئ من يظن أن جمهور المقاهي ابعد الناس عن الاستعداد لسماع العظات، بل قد يكون هذا الجمهور أكثر الناس تجاوبًا، و الدعوة الإسلامية لا تستوجب على الداعية أن يكون متكيفا مع الفئات حديثة التدين فحسب، بل مع الجماعات ألأخرى و يقصد فتحي يكن الجماعات السلفية و الصوفية أو الطرقيين التي تتميز بذهنية و مزاج خاص..


ملاحظة/ ورد عنوان "شيزوفرينيا" الدعاة أو (مظاهر الإزدواجية و الإنفصام لدى الدعاة العاملين في مجالات الدعوة الى الله ، للدكتور رمضان فوزي "خطأ" في غلاف الكتاب و الصحيح هو "سكيزوفرينيا" و ليس "شيزوفرينيا" و معذرة للدكتور على التطاول

المراجع/
1- الصحافة ( تاريخا و تطورا و فنا و مسؤولية) تأليف الإعلامي بشير العوفي الطبعة الأولى 1987 المكتب الإسلامي بيروت.
2- عبد العزيز حسين الصاوي ( موضوعات في الفقكر و السياسة) الحركة الإسلامية في السودان الطبعة الأولى 1993 عن المؤسسة العربية للدراسات.
3- منهجية الإمام الشهيد حسن البنا و مدارس الإخوان المسلمين تأليف فتحي يكن الطبعة الأولى 2001 مؤسسة الرسالة لطباعة و النشر.
4- رهان بوتفليقة و الفيس تأليف مقداد سيفي و عي مجموعة رسائل كتبها الكاتب الى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، رقم الإيداع 2003 عن الزيتونة للإعلام و النشر.
5- الحركة الإسلامية في الجزائر من الدعوة الى الدولة تأليف الدكتور عيسى جرادي الطبعة الأولى 2005 دار قرطبة.
6- دراسات في مسار وواقع الدعوة الإسلامية في الجزائر للدكتور البشير قلاتي مكتبة إقرأ الطبعة الأولى 2007 .
7- "شيزوفرينيا" الدعاة أو (مظاهر الإزدواجية و الإنفصام لدى الدعاة العاملين في مجالات الدعوة الى الله ، إعداد رمضان فوزي الطبعة الأولى 2008 الدار العربية ناشرون.
8- محمد الغزالي: لقاءات و حوارات حول واقع الحركة الإسلامية المعاصرة، طبعة 2008 عن نوميديا للطباعة و النشر و التوزيع.

قراءة / علجية عيش بتصرف







https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن