مشكل المثقفين: الحلقة الرابعة - كلارا زتكين

8 مارس الثورية
8marsrevo@gmail.com

2017 / 8 / 6


الحلقة الرابعة

صراع المثقف ضد منافسة النساء وتحررهن

المدرسة البورجوازية، مدرسة للترويض وليست للتربية

هناك ميدان يعكس انحطاط الثقافة البورجوازية فهو ميزة خاصة للحالة الراهنة، إنه الميدان الذي يجب أن يعمل فيه التركيب لاكتشافات العلم والتقنية والفن، وباختصار الثقافة في مجموعها، لكي تنقل إلى الجميع، إنه ميدان التربية.
إن البيداغوجيا باعتبارها علما قد عرفت تقدما واسعا، فهي تستند على الاكتشافات الأساسية للعلوم الطبيعية والإنسانية، وتعرف إلى اي درجة يمكن للفن أن يساعدها في تربية الناس.

إن النظام البورجوازي معادي لكل وضع من شأنه ان يعمل على تطبيق بيداغوجية أساسية جديدة، بالنسبة للنظام البورجوازي فالتربية موضوعة تحت شعار الصراع الطبقي بين البروليتاريا والبورجوازية، وهدفها ليس تكوين الناس، بل ترويض مواطني مختلف الطبقات الاجتماعية. إن التربية الشعبية هي مرادف لتربية الفقراء، والمدرسة موجهة للترويض وليس للتربية.

إن التنظيم المدرسي والتكوين ومكافأة المعلمين ووسائل التعليم، كل ذلك يحمل بصمة الصراع العدائي الطبقي، وكل ذلك يرهن المستقبل بشكل خطير. إن التربية لا تساهم في تفتح المؤهلات الطبيعية، بل تمارس العنف ضدها، فهي تترك القدرات الفكرية الهائلة للشباب غير مشغلة، إنها تدمر ثروة ثقافية لا تقدر بثمن.

إن القصور والجريمة في الميدان المدرسي يجدان نفسهما فيما يسمى بالتربية الشعبية، سواء كانت منظمة وممولة من طرف الدولة البورجوازية، أو كانت من عمل "أناس ذوي نيات حسنة"، الذين يتخيلون أنه مع بعض نتف لثقافة بورجوازية يمكنهم ملأ الهوة التي تفصل بين الطبقات، وتجر بذلك العمال خارج ساحة المعركة الكبرى للصراع الطبقي الثوري، للعمل على إدخالهم إلى حديقة متواضعة لثقافة القساوسة ومعلمي المدرسة. إن انحطاط التربية الشعبية يفضي إلى رشوة الصحافة الرأسمالية، التي تعد واحدة من العلامات المنفرة لتعفن الثقافة البورجوازية.

التحالف بين المثقفين والبروليتاريا الثورية

لقد فقد المجتمع البورجوازي كل حق في الوجود، فهذا هو المعنى التاريخي للظروف التي قمت بعرض خطوطها العامة، فبإنكار الحق في الحياة لعشرات الآلاف من العاملين في المجال الفكري، فهو ينكر دورهم المتمثل في الإعلاء من شأن الحياة الثقافية، وتحقيق التقدم الاجتماعي وحمايته، فها هي ذي الأكذوبة الكبرى للمجتمع البورجوازي والمثقفين، عندما يؤكدون أن العلم والفن، والثقافة في مجموعها، تجد في حد ذاتها غايتها الخاصة. إن المجتمع البورجوازي في حاجة إلى هذا الكذب ليخفي عن نفسه هو أيضا بشاعة واقعه نتيجة بحثه عن الربح، لكن المثقفين أيضا في حاجة لهذا الكذب لنسيان التناقضات الصارخة لوجودهم: طبعا تناقض بين رغباتهم ومعارفهم وقدراتهم ووضعيتهم البئيسة واستلابهم، ولكنه تناقض ضخم وليس أقل خطرا من جهة، بين المثال والنشاط المهني، ومن جهة أخرى، بين غائية عملهم ونتائجه، بالمقارنة مع الإمكانيات والضرورات الاجتماعية.

يمكن أن نعتقد أن العاملين في مجال الفكر يستخرجون من هذا الوضع الخلاصات التي تفرض نفسها، والقوة للنضال بحماس ضد المجتمع البورجوازي، بحيث أنه بمساعدتهم على تحرير العمل الفكري والعمل بصفة عامة من سلاسل الرأسمالية، يتخلصون هم أيضا من آلامهم الجسدية والمعنوية، والحال أننا نجد ظاهرة معكوسة، فالمثقفون لا يريدون فهم ما سيشكل بداية تحررهم، بل يرفضون بدون استئناف هذه الخلاصات، ويمتنعون عن تقدير بشكل صحيح المهمة الثورية للبروليتاريا، التي يجب أن يناضلوا إلى جانبها، فموقفهم تجاه البروليتاريا غامض كما هو غامض وضعهم الاجتماعي، فأولئك الذين يوجدون في أعلى السلم يلعبون دور الأسياد، ويلقون نظرة متعجرفة على قطيع البروليتاريا البئيس والمستغل، فليس لهم إلا الحقد تجاه البروليتاريا الثائرة، هذا العدو وهذا "المتوحش" الذي تهدد "قبضته العنيفة" تدمير العلم والفن.

بدأت فئة واسعة من العاملين في المجال الفكري، والذين ما زالوا راهنا، يعيشون كبورجوازية متوسطة وبورجوازية صغيرة، ويسقطون الآن في هاوية وجود بروليتاري يشكون في وجود علاقة بين استعبادهم وبين قوة الملاكين، وأن مصالحهم ومصالح البورجوازية الكبيرة المستغلة غير متلائمة، لكن مع تردد قوي، وعلى الرغم منهم، تمكنوا من الوصول إلى هذه الخلاصات.

كثيرون جدا أولئك، الذين ما زالوا من بينهم يغذون ذلك الوهم في أن يكونوا شريحة على حدة، مميزة وليس لها قاسم مشترك مع البروليتاريا، مع أنهم ما زالوا مقسمين وممزقين داخليا، فالمثقفون المنتمون إلى الفئة الوسطى مدفوعون أكثر فأكثر نحو معسكر الثورة و ما من شك أنهم يتخلفون أكثر من مرة عن صفوف المقاومين، ومع ذلك لا يجب الاستهانة بهم ورفض التحالف معهم.

إن علاقات البروليتاريا بالمثقفين ليست بدورها متجانسة، فالبروليتاري يكره المثقف في المعمل، لأن هذا الأخير مكلف بقيادته ومراقبته وتحديد الإيقاعات، يكرهه داخل الدولة لأنه دركي، متسلط أو قاضي، ومن جهة أخرى فهو معجب بتفوقه الفكري، ومعرفته و سلاسته في الكلام وأساليبه "الجميلة"، و في آن واحد يحدث أحيانا أن يحتقر البروليتاري المثقف، لأنه إنسان يستطيع بفضل معرفته وقدراته، مقاومة الرأسمالي والانتصار عليه، لكنه يتخلى عن النضال نظرا لجبنه وغروره.
إن موقف الأممية الشيوعية تجاه المثقفين الذين يعانون، هو موقف "خطيب شعبي كبير"، الذي، نظرا لوفائه ورباطة جأشه ضد البورجوازية الكبيرة يدافع عن جميع الفئات المستغلة والمضطهدة، وفي المقابل فهي تعرف بالأهمية التي يمكن أن تكون للمثقفين كحلفاء للبروليتاريا في الصراع من أجل السلطة، هذه الأهمية التي لا يجب علاوة على ذلك إعطاؤها أكثر من حجمها.

إذا أخذنا بعين الاعتبار علم النفس والوضع الطبقي للمثقفين، نعرف أنهم في مجموعهم لن يكونوا أبطالا و قوات نخبة الثورة، كما كان المثقفون بالنسبة للبورجوازية، فلن يشكلوا أبدا طليعة الجماهير العمالية، ومع ذلك لا يمكننا الاستهانة بتحالفهم، فمن الممكن أن يكونوا مفيدين لنا، ليس فقط بسبب عددهم، ولكن بالأساس بسبب التأثير العظيم الذي يمارسونه على فئات واسعة من غير البروليتاريين، وبشكل خاص، الفلاحون والبورجوازية الصغيرة المدينية ... يمكنهم أن يشكلوا أهمية في النضال الثوري، بسبب الوظائف التي يحتلونها في الإنتاج والدولة.

أن ترتبط جماهير واسعة من المثقفين بنا في النضال من أجل السلطة وتنظيمات الثورة المضادة مثل "تيكنيشي نوثلف" Technisch Nothilfe (8) ... الخ سيكون أمرا مستحيلا، أن تكون هذه الجماهير مقتنعة بهزيمة البورجوازية والسيطرة على السلطة السياسية وبناء دكتاتورية البروليتاريا، تعد بالنسبة لها مرادفا للتحرر، وكل جهاز السلطة الموجه ضد البروليتاريا قد اختنق. إن المثقفين يمكنهم أن يلعبوا دورا ذا أولوية في تفسخ الدولة الرأسمالية. نحن الشيوعيين علينا أن نوجه أنظارنا إلى ما بعد الحاضر الراهن، في حليف اليوم من أجل الاستيلاء على السلطة، يجب أن نكون قد اعترفنا وحاولنا استمالة حليف الغد المحتمل، لأنه سيكون إذن من الأهمية بمكان كبير، المحافظة على الإنتاج وتطويره حين يكون العلماء والتقنيون متوفرين بالعدد الكافي، فهذا ما علمتنا إياه الثورة الروسية، لكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار عاملا آخر أكثر أهمية أيضا، فعندما سنستولي على السلطة، لا يكفي أن نحافظ على الإنتاج الحالي، بل يجب تحويله في اتجاه الشيوعية، لكن كلما استمرت البقايا الرأسمالية تحت سلطة دكتاتورية البروليتاريا، كلما أصبح هذا التحول صعبا، فهذا التحول لا يمكن أن يكون إلا بقدر ما أولئك الذين تكلفوا بذلك تمكنت منهم الروح الشيوعية.

سيكون للاقتصاد هدف آخر ومحتوى آخر إذا لم يحركه الربح الرأسمالي، بل يحركه تلبية الحاجات في الروح الشيوعية.

ترجمته عن الفرنسية جميلة صابر

هوامش:

(8) تنظيم ضد الإضراب تأسس سنة 1919 في ألمانيا جند من بين الشباب مهندسين وتقنيين متطوعين قادرين على تشغيل القطاعات الحيوية للمصالح العمومية مثل الماء والكهرباء والهاتف والاتصالات ألخ.

موقع 8 مارس الثورية الماركسي ــ اللينيني

http://8mars-revo.hautetfort.com

8 مارس الثورية



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن