بَصَائِرَ لِلنَاسِ - والحَقُّ أحَقًّ أنْ يُتَّبَعَ (9):

بشاراه أحمد
ahmedbusharaat37@gmail.com

2017 / 6 / 23

صَادِقُ البُرْهَانِ عَلَىْ زَيْفِ فِرْيَةِ بَشَرِيَّةِ القُرْآنِ:

الإشكالية التاسعة لدى الكاتب سامي لبيب في مشروعه الذي ينادي فيه ببشرية وتناقض القرآن الكريم, جوراً وبهتاناً جاءت هذه المرة تحت عنوان (الشورى الإسلامية ولكن لا خيار مع قضاء الله ورسوله ؟.),, فماذا قال, ولماذا قاله,, وما غايته من إفكه هذا ..... وما النتيجة الحتمية التي أكدها وشهد عليها مقهوراً؟؟؟

أولاً: قد أشكلت عليها آيات الله البينات - فيما يتعلق بالشورى في الإسلام - وقد فهمها بالمقلوب كعادته دائماً في تعرضه للنصوص البيانية العالية البيان والإبيان- لظروفه الخاصة التي ناقشناها مرات ومرات عديدة عبر التفنيد و التحليل العلمي الممنهج - ,,, فهو على ما يبدوا يريد هنا أن يثبت لنفسه وللعامة البسطاء أو يقنعها بأن هناك تناقض في القرآن الكريم, ليقنع نفسه "بحلمه القديم المتجدد المتبدد", وذلك لان الله تعالى قد أمر المسلمين بالشورى فتغنوا بها حتى إدعوا إعتماد "الديمقراطية", التي يظنها الكاتب هدفاً سامياً, وغاية تُبتدر ونهجها يَسُر, ومغنماً يسعى أهل الشورى للتمسح به والسعي للإنتساب له والتمحك فيه..., ولكن قد تبدد هذا الحلم لدى المسلمين قبل أن يتهنوا به, بعد أن عشَّمهم ربهم "بالأقراط" فثقبوا آذانهم,, فلا أقراط منالهم, ولا خيط يتدلى من الثقوب يستر حالهم,, إذ ما لبث - في آيات أخرى بالقرآن "على حد زعمه وفهمه وهمه" - أن نزع الله ورسوله عنهم هذه الشورى بكاملها, فتبددت الأحلام, ولم يبق فيها حجر على حجر, وأن الشورى الإسلامية لا ترقى إلى مستوى الديمقراطية السامية المقام وصاحبة الإكرام لديه,,, ولا علاقة لها بهذه الشورى المنزوعة مما يؤكد على صحة قوله بتناقض القرآن وبشريته .... الى آخر إدعاءاته هذه التي قد صاغها كاملة في النقاط التالية التي ستكون شاهداً عليه كما سيرى هو نفسه:

(أ): قال الكاتب سامي لبيب في إشكاليته هذه: ((... يتغنى الإسلاميون بأن الله أمرهم بالشورى ليعتبروا هذا بمثابة إعتماد للديمقراطية ففى الشورى42: 38 ( فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ), ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ) وفى ال عمران3 159: ( فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) ....)).

(ب): وقال: ((... قبل أن نطرح آية أخرى تتناقض مع الآيات السابقة لتبددها فلا تبقى فيها حجر على حجر حرىّ أن نقول أن تلك الشورى الإسلامية ليس لها أى علاقة بالديمقراطية , فالشورى بين المؤمنين المسلمين فقط فلا وجود لاى عنصر آخر أن يُبدى رأيه , ولمن يهوى البحث فى الفقه الإسلامى فالشورى أيضا غير ملزمة للحاكم ! ....)).

(ج): ثم قال: ((... نأتى لما يناقض سورة الشورى42: 38 , ففى الأحزاب 33: 36 ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا). فليس هناك أى خيار لمسلم أو مسلمة فيما يقضيه الله ورسوله ولتلاحظ إشراك النبى فى القضاء مع الله وقد إعتنينا بهذا فى مقال "ألوهية نبى" لنعتنى بسؤال أين الشورى بعد ما يقضيه الرسول, ...)).

(د): وأخيراً قال: ((... ثم فلنسأل سؤالا عن تطبيق هذا فى عصرنا , فالرسول غير موجود ليقضى فى الأمور , فإذا قال قائل أن القضاء لأهل العقد والحل الممثلين للرسول فلا تعليق بعدها حيث يتشرعن التفرد والكهنوت والديكتاتورية ...)).

ثانياً: فلنصحح الآيات التي إستشهد بها الكاتب ونزيل تحريفه لها بالبتر قصداً بغرض التمويه وتزوير الحقائق عياناً بياناً. وذلك قبل أن نفند ما خطه بشماله ظلماً وعدواناً,, ظنا منه أن ذلك يمكن أن يمر دون تقييم وتقويم وتقليم. فالآية الأولى التي بترها هي قوله تعالى في سورة الشورى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ « وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ » « وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ » 38), والآية الثانية المجنى عليها من سورة آل عمران, عند قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ « فَاعْفُ عَنْهُمْ » « وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ » « وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر »ِ - فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ - إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ 159), وأخيراً قوله تعالى في سورة الأحزاب: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ - « إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا » - أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا 36).

ثالثاً: الآن,,, فلنتدبر هذه الآيات الكريمات التي جار عليها الكاتب فأشكلت عليه فهماً وإستيعاباً فكان وقراً في أذنيه, وهو عليه عمى تأكيداً في لما جاء بسورة فصلت من قوله تعالى: (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ - « هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ» - وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ « فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ » « وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى » أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ 44). وفي سورة هود أجرى مقارنة بين العقلاء والجاهلين, فقال: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ - « كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ » « وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ » - هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ 24)؟؟؟

وفي سورة الرعد قال تعالى: (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ « قُلِ اللَّهُ » - قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا - قُلْ « هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ » « أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ » « أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ » قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ 15),, وقال: («أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ !» - كَمَنْ هُوَ أَعْمَى - « إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ » 19).

وقال الله تعالى في سورة الإسراء عن المكذبين الضالين: (وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى - « فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا » 72).

وفي سورة الحج, قال: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ - « فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا » « أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا » - فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ « وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ » 46).

وفي سورة غافر, قال: (وَمَا يَسْتَوِي - « الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ » « وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ » - قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ 58).

وفي سورة محمد قال عن المكذبين الضالين: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ - « فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ » 23).

إذاً,,, فلنرى الحق والحقيقة من كتاب الله مباشرة حتى لا ندخل في دهاليز وأنفاق المغالطات والمماحكات والبهتان والتخرصات,,, التي إعتادها المكذبون الكاذبون. ولكن,, كما قلنا سابقاً, الآية في السورة هي جزء من كُلٍّ, رغم كمال إبيانها في ذاتها, فلا بد من أن نتدبرها في بيئتها لذا سنذكر بعض الآيات التي قبلها و/أو بعدها لنرى مراد الله تعالى منها فيما يلي:

ففي سورة الشورى التي أشكلت على الكاتب نرى أن الله تعالى قد أخبر أولاً عن الكفار المكذبين وجدلهم, قال: (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ 35), ثم قال عن خير أمة أخرجت للناس, موصِّفاً إياهم بعد أن ذكَّرَهُم بتفاهة وقلة متاع الحياة الدنيا قياساً بما عند الله في الآخرة, قال: (فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ « فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا » « وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ » 36), ثم وصف هؤلاء الذين آمنوا فقال عنهم:

(وَالَّذِينَ ...):
1. (... يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ ...), فهل الديمقراطية تشترط هذه القيم السامية في روادها ومتخذيها؟؟؟ ..... فهل مرتكب الإثم والفواحش لا يصلح للتعاطي مع الديمقراطية,,, كما هو الحال بالنسبة للشورى؟
2. ليس ذلك كل شيء, بل: (... وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ 37), ويتنازلون عن حقهم وهم قادرون على إسترجاعه ما دام في ذلك مصلحة إجتماعية أو مصلحة عامة,, حتى يغفر الله لهم ويعوضهم عنه خيراً,
3. (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ ...), إذ أن أمر الله ونهيه وما آتاه الرسول وما نهى عنه ليس فيه حق الشورى, أو مجال للخيار, لأنه ببساطة ليس من الأمور التي بينهم في حياتهم وإحتياجاتهم ومعاملاتهم الإجتماعية, فهي ثوابت لا يقبل الخروج عنها,
4. (... وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ...), فإقامة الصلاة ليس فيها - بالنسبة للمؤمن - شورى ولا خيار,
5. وما دون ذلك من قضاء الله ورسوله, يتعاملون بالتناصح والتشاور في كل كبيرة وصغيرة, قال: (... وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ...), كل شئونهم وأمورهم الدنيوية مطلوب فيها الشورى والتشاور, ثم الأخذ بأحسنها فذلك يحبه الله منهم ويشجعهم عليه ويشاورهم الرسول في الأمر كله - ما لم يكن وحياً من الله - ويباركه لهم.

6. أيضاً,,: (... وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ 38), وهذا فيه التنافس والإستزادة والتفاضل والتسابق,
7. بل,,: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ 39), ولكنهم حتى إن إنتصروا لإستعادة حقهم المشروع لا يزيدون عليه حبة من قطمير, بل يحرصون على أخذه بقدر ما أخذ منهم, وبحذر شديد, ومع ذلك هناك خيار آخر قد حببه الله لهم أكثر, وجعل أنفسهم تواقة إليه كثيراً وهو العفو - إذا كان فيه إصلاح - ثم رجاء الأجر من الله تعالى في الآخرة,, وذلك بعد أن حذرهم من مغبة الظلم وكُرهَهُ للظالمين.

قال لهم في ذلك: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ...), لا زيادة ولا تطفيف ولا إخسار, - لكن هناك بديل أفضل ممثل في قوله تعالى: (... « فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ » ...), سيعوضه عنه خيراً منه يوم القيامة, ثم نفَّرهُم من الظلم ونتائجه الضارة لهم في موازينهم, فقال محذراً: (... إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ 40).

ثم بين - بعد ذلك - تشريعه في حالة خيار الإنتصار والعزم على إسترداد الحق, فقال: (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ 41), له إسترداد حقه فقط دون زيادة ولا تثريب, ولا شيء عليه في ذلك,, إنما الله سيؤاخذ الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير حق.
قال في ذلك, (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى « الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ » « وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ » - أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 42).
أما عن التشريع لمن فضَّل خيار الصبر والغفران إبتغاء مرضاة ربه, فقد بين الله قدره ومقامه عنده,, قال: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ 43). وذلك سلوك الأتقياء الأخيار الذي لا يقدر عليها إلَّا الصفوة من المؤمنين الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً.

ثم وضع الله الحاكمية الضامنة لتنفيذ أفضل هذه الخيارات وهي العفو والصبر, وحذَّر من الضلال الذي يجريه الله على الظالمين المكذبين,, قال: (وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ « فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ » وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ 44)؟,,, ولكن هيهات وأنى لهم المرد أو السبيل.

بعد هذه السياحة الجميلة مع هذه الآيات المحكمات, نقول للكاتب أين مجتمع "الديمقراطية" المزعومة من مجتمع الشورى هذا الذي تولى خالقه تهذيبه وتأديبه وتهيئته لنشر الأمن والأمان والخير في الدنيا بين البشر والبهم والحجر. هؤلاء هو رجال الشورى الذين لم يكتف الله بضبط حركاتهم وسكناتهم الظاهرية,, وانما غاص في دواخلهم وهذب وجدانهم وضمائرهم وأنار بصائرهم وربطها كلها "بالتقوى" حتى أصبح ظاهرهم يحكي باطنهم صفاءاً ونقاءاً وتجرد. فجعلهم يتركون إنتصارهم العادل بعد تعرضهم للظلم وحبب إليهم "الصبر" و "المغفرة" - إن وجدوا في ذلك إصلاح للمجتمع - ثم يتحرون أجرهم من الله تعالى يوم لقائهم المحتوم به سبحانه.

فماذا قال الله في أمر الشورى التي أشكلت على الكاتب, وكيف بين مقتضياتها وشروطها وفوائدها ومواطنها؟؟؟ ..... هذا ما سنعرفه من تدبرنا لبعض الآيات البينات, ولنبدأ من سورة
آل عمران التي قال الله تعالى فيها محذراً المؤمنين من خداع الكافرين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا - « يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ » - فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ 149), فلا تتولوا عدوكم: ( « بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ » وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ 150). وقد كان الموقف الذي يواجهونه عصيباً عليهم, وهم في مواجهة أتون حرب غير متكافئة لا عدةً ولا عتاداً ولاعدداً, فتزعزع إيمان بعضهم, وفزع آخرون وبقي من بقي من المؤمنين الصادقين على قلتهم نسبياً.

فطمئنهم الله تعالى, بقوله لهم إطمئنوا: (« سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ » - بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ 151), وأكد لهم بأنه قد صدقهم وعده, فقال مذكراً إياهم: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ « إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ » ...), ولكنكم أضعتم مكاسبكم بعد أن أراكم ما تحبون من نصر وغنائم, وذلك بتنازعكم في الأمر فيما بينكم, بل و قد عصيتم رسول الله, لأن من بينكم من يريد حطام الدنيا الفانية, قال لهم: (... حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ « وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ » « وَعَصَيْتُم » ...), كل ذلك قد سبب فشلكم: (... مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ - « مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا » « وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ » ...).

فالنتيجة الحتمية لهذا الخلاف والتنازع في الأمر هو الفشل, لذا أراد الله أن يبتليكم فصرفكم عن عدوكم,, قال: (... ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ...), ولكن مع ذلك الإخفاق والعصيان عفى الله عنكم فضلاً منه للمؤمنين به,,, قال: (... وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 152),, فبالبع هذا الموقف لم ولن يكون سهلاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم القائد, ولكن ماذا قال وماذا فعل؟؟؟.

وصف الله تعالى حال المؤمنين في تلك الظروف الإستثنائية العصيبة,, فذكَّرهم أولا بذهابهم وإبتعادهم في الأرض خوفًا وفرَارًا,, عندما كانوا لا يعرِّجون ولا يقيمون على أحد ولا يلتفت بعضكم إلى بعض,, والرسول يقول لكم - في آخركم ومن ورائكم، إليَّ عباد الله فأنا رسول الله، مَنْ يُكِرُّ فَلَهُ الجَنَّة,, فلم يلتفت إليه منكم أحد, قال تعالى: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ « وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ » ...), لذا, فبدلاً من أن يثيبكم بشرى أثابكم ما تستحقونه من غم لقاء ما تسببتم به من غم لرسوله في ذلك الموقف, قال: (... فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 153).

وعلى الرغم من إبتلاء المؤمنين بذلك الغم, إلَّا أنه عاملهم بالرحمة, قال: (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً - « نُّعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ » ...), وهذه طائفة المؤمنين, (... وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ « يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ » ...), وهذه طائفة المنافقين, الذين (.. يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ...), فقال الله تعالى لرسوله الكريم, بين لهؤلاء المنافقين: (... قُلْ « إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ » ...), لأنهم كانوا: (... « يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ » حيث كانوا يَقُولُونَ « لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا » ...), هذا ظنهم, وقولهم بأفواههم ما لا علم لهم به, لذا قال لنبيه أخبرهم: (... قُل « لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ » وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ « وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ » 154).
لقد إزداد الأمر تعقيداً وصعوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو يواجه هذا التدهور غير المتوقع, والهلع بين صفوف المسلمين,, ولكنه لم يفقد حلمه وثباته فقد أعده الله للشدائد فكان أهل لذلك. ألم يقل الله له "إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً؟؟؟".

خاطب الله المؤمنين, فذكَّرهم بحالهم الذي هم فيه, وأسبابه, قال: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ - « يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ » - إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا - « وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ » إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ 155),, ثم قال تعالى لهم محذراً ناصحاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى « لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا » - لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ - « وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ » وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 156). وإعلموا أن الموت والحياة بيد الله تعالى,, قال في ذلك محفذاً ومثبتاً: (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ « لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ » 157), وإعلموا أن في كل الحالات الأمر سيان والنتيجة النهائية واحدة, سواءاً أقتلتم في الميدان أو متم على أسرتكم, فالنتيجة الحتمية أنكم ستحشرون إلى الله ربكم, قال: (وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ 158).

بين الله تعالى أن الموقف الذي واجهه النبي من المؤمنين والمنافقين بهذه الصورة القاتمة وهو في مواجهة الأعداء المتربصين به وبالمؤمنين, لن يستطيع أحد أن يحتفظ فيه بتوازنه وضبط نفسه فيها, خاصة إذا كانت الحرب مصيرية وفاصلة,, ولكن الله تعالى قد رحمه وتولى أمره, فلم يقابل هذا الموقف منهم بالشدة أو الغلظة والفظاظة - التي إن فعلها من كان في موقفه العصيب هذا لما عبت عليه أحد -,, ولكنه كان في هذا الموقف على عكس ما هو متوقع من أي قائد في مكانه هذا, لأنه لو كان متفاعلاً مع الموقف لبدر منه الكثير من الإنفعالات والتصرفات - كرد فعل طبيعي - ما يجعلهم ينفضوا من حوله خاصة وأنهم لم يكونوا في وضعهم الطبيعي بل كانوا في حالة فارقة ثمنها الحياة,, فقال له ربه في ذلك: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ « وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ » ...), فموقفك هذا يعتبر خطوة أولى في الإتجاه الصحيح, ولكن هناك خطوات أخرى مكملة في إنتظارك وعليك أن تتهيأ لها, لذا:
1. (... فَاعْفُ عَنْهُمْ ...), ولا تعتب عليهم فيما بدر منهم من سلوك كان له ما يبرره,
2. (... وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ...), حتى يغفر الله لهم معصيتهم لك وإدخالك في ذلك الغم,
3. بل: (... وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ...),, حتى يكونوا قد شاركوا فيه ومناقشة إيجابياته وسلبياته ويصلوا فيه إلى إتفاق وقناعات كافية لتحملهم المسئولية والثبات بقدر أكبر,
أخيراً, بعد التشاور ووصولك إلى قرار نهائي فلا تتوانى, قال له: (... فَإِذَا عَزَمْتَ « فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ » إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ 159), وليس بعد ذلك مجال للشورى بل الإلزام والإلتزام. معلوم أن القتال أمر دنيوي والشورى فيه لازمة لتلاقح الخبرات القتالية والمهارات التكتيكية, فهو ليس أمر رباني له كيفية محددة موصفة بالكتاب أو بالسنة النبوية, فلنتذكر نزول النبي إلى رأي سلمان الفارسي في حفر الخندق, وكان النبي أول من أخذ المعول وبدأ في الحفر.

فلنتدبر الآن نموذجاً من الشورى بين الناس من قول الله تعالى في سورة البقرة: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ...), هذه الجزئية من الآية لا مجال للمشاورة أو التشاور فيها لأنها أوامر من الله تعالى يلزم العمل بها كما أمر, والبديل هو المعصية. أما الجزء التالي من الآية نفسها ففيه خيارات يستطيع الطرفان أن يتشاوروا هم وذويهم حتى يصلوا إلى إتفاق مرضٍ لكل الأطراف, مع مراعاة الشروط المتعلقة بأي من الخيارات الممكنة, ومع إستحضار "تقوى الله" في كل الأحوال, قال تعالى عن الزوجين: (... فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا « عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ » فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا « وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ » - إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ - « وَاتَّقُوا اللَّهَ » وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 233).

واضح الآن قول الله تعالى في سورة الشورى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ « وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ » « وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ » 38), أن المؤمنين قد أصبحت الشورى فيما بينهم في كل كبيرة وصغيرة من حياتهم الإجتماعية والإقتصادية, والفكرية سمة وضرورة لا يزهدون فيها قيد أنملة,, لذا تجد المسلمين في كل زمان ومكان يلجأون إلى الشورى والتشاور في كل أمورهم الدنيوية ولسان حالهم يقول (ما خاب من إستشار), والسمة الأخلاقية الثانية التي أصبحت ملكة محورية في حياة كل مؤمن الإنفاق في سبيل الله في السر والعلن, وتحري المناسبات له بشوق.

والآن,, فلنرى هوس التناقض الذي يعاني منه هذا الكاتب, حيث قال بأن هناك آية تتناقض مع الآيات التي إستشهد بها أولاً وقد أثبتنا "بالتدبر" أنه كان يغرد خارج السرب, فمفاهيمه خاطئة دوماً عن فقه اللغة وعلم البيان, على أية حال,, فلنذهب حيث أشار لنريه أنه كان من الخاطئين المكذبين, فمثلاً,,قال: ((... قبل أن نطرح آية أخرى تتناقض مع الآيات السابقة لتبددها فلا تبقى فيها حجر على حجر حرىّ أن نقول أن تلك الشورى الإسلامية ليس لها أى علاقة بالديمقراطية, فالشورى بين المؤمنين المسلمين فقط فلا وجود لاى عنصر آخر أن يُبدى رأيه , ولمن يهوى البحث فى الفقه الإسلامى فالشورى أيضا غير ملزمة للحاكم ! ...)).
هذا ما قاله الكاتب,, فهل له أي حظ من صحة؟؟؟ دعونا نفنده أولاً قبل أن نتدبر الآية التي إدعى انها متناقضة مع غيرها من الآيات السابقة.

1. فقوله: ((... حرىّ أن نقول أن تلك الشورى الإسلامية ليس لها أى علاقة بالديمقراطية ...)),, نقول له إنَّ هذه الديمقراطية التي نراك مبهوراً بها فإننا نؤكد لك - وسنثبت ذلك عملياً - لو أن بها شيء من حق وخير,, فإن ذلك برمته يعتبر جزء صغير من الشورى إن خَلِيَ ذلك الجزء من المآخذ الأخلاقية والسلوكية والعدلية التي لا يختلف حولها عاقلان. عندئذ فقط تكون هناك علاقة إلى حد ماء بالشورى الإسلامية,, ولكن لعلمنا بحقيقتها فإننا نؤكد أن الديمقراطية لن تبلغ قمة الشورى بأي حال من الأحوال. على أية حال,, لم يقل الإسلام إنه يقبل بهذه الديمقراطية بِعِلَّاتِهَا الكثيرة التي تحتاج إلى بصيرة نافذة حتى تدرك, فقد يقبلها بعض المسلمين, ولكن المؤمنين حقاً فلهم عليها تحفظات كثيرة, ومآخذ اكثر. وحيث أن المجال لا يتسع لمناقشتها فإننا سنخصص لها موضوع منفضل لاحقاً.

2. وقوله: ((... فالشورى بين المؤمنين المسلمين فقط فلا وجود لاى عنصر آخر أن يُبدى رأيه ...)). هذا إدعاء يكذبه الواقع نصاً وعملاً وسلوكاً, ويكفي قول الله تعالى في سورة الأنبياء: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ 7). وقوله تعالى في سورة النحل: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ 43). إذاً فأنت تقول ما لا تعلم وتظن أن الناس غافلون عن غاياتك,, فلا تتحدث عن أمور مغلقة دونك.

3. ثم قولك: ((... ولمن يهوى البحث فى الفقه الإسلامى فالشورى أيضا غير ملزمة للحاكم ...)), نقول له: دعك من البحث في الفقه الإسلامي, فأنت غير مؤهل لذلك ولا تملك مقوماته,,, فقط عليك أن تثبت للناس أنك تعرف شيئاً عن حقيقة الشورى, ثم تتطوع بتقديم حالة واحد لهم تكون الشورى فيها ملزمة لأحد حتى إن كان عبداً مملوكاً. فكيف إذاً تريد أن تكون الشورى ملزمة للمستشير أو للمستشار إبتداءاً؟؟؟ ..... حقيقة أمرك يحير الحليم. فإذا كان الشخص بإرادته يسعى للشورى حتى يستعين بها, فكيف تكون ملزمه له, وإذا سلمنا لك جدلاً بأنها يمكن أن تكون ملزمة له,,, فما هي الآلية التي تضمن إلزامه بها؟؟؟

رابعاً,, الآن فلننظر إلى إدعائه بأن هناك آية من سورة الأحزاب تتناقض مع الآية 38 من سورة الشورى, وذلك في عبارته التي قال فيها: ((... نأتى لما يناقض سورة الشورى42: 38 , ففى الأحزاب 33: 36 ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصى الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)...)), ثم واصل إدعاءه فقال: ((... فليس هناك أى خيار لمسلم أو مسلمة فيما يقضيه الله ورسوله ولتلاحظ إشراك النبى فى القضاء مع الله وقد إعتنينا بهذا فى مقال "ألوهية نبى" لنعتنى بسؤال أين الشورى بعد ما يقضيه الرسول, ...)).

نقول في ذلك وبالله التوفيق,,, في سورة الأحزاب,,,
أولاً: الله تعالى,,, مخاطباً نساء النبي ومحذراً إياهنَّ قال لهن: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ - « إِنِ اتَّقَيْتُنَّ » - فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ « وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا » 32), ليس ذلك فحسب, بل: («وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ » « وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى » « وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ » « وَآتِينَ الزَّكَاةَ » « وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ » - إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا 33), («وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ » - إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا 34).

ثانياً: ثم فصل الله وعدد مستحقي مغفرته وأجره العظيم للمؤمنين من الذكور والإناث فقال: (إِنَّ - « الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ » « وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ » « وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ » « وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ » « وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ » « وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ » « وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ » « وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ » « وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ » « وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ » - أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا 35).

ثالثاً: وبعد أن خاطب الله نساء النبي, ثم عرَّف المؤمنين بكل أنواعهم, وفي كل مراتبهم ومناشطهم الإيمانية,, أراد أن يبين لهم أن الذي يقضي بأمر بعد أمرٍ قضاه الله ورسوله فهذا ليس مؤمناً لعصيانه لهما,, حتى إن إدعى بأنه مؤمن, وفعل ما يفعله المؤمنون,, لذا قال مؤكداً: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ - « إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ » وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا 36). فما علاقة هذا بالشورى أيها الكاتب الذكي النجيب؟؟؟ ..... فهل بعد القضاء شورة؟؟؟
وهل عدم الخيرة في الأمر - بعد القضاء فيه - يعني منع أو تحريم الشورى قبله بأي حال من الأحوال؟؟؟
ألهذه الدرجة لم تستوعب أو تفهم معنى قوله تعالى: (... وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ « فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ » إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ 159)؟؟؟ ألا تعني عبارة « فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ » أن وقت الشورى قد إنتهى "بالعزم", ولم يبق سوى التنفيذ مع التوكل على الله؟؟؟
أهذا تناقض في رأيك وشرعتك ومنهاجك أم هو إتساق وإتفاق ووفاق؟؟؟

فمثلاً: هل أمر الحاكم أو القائد, أو القاضي عند طرق المطرقة بعد النطق بالحكم, يترك أي مجال لمرافعات أو مداولات؟؟؟,
أو قرار المدير بعد إتخاذه, أتكون فيه شورى أو ديمقراطية أيها العارف بها؟؟ ..... فكيف يكون أمر الله ورسوله فيه شورى؟؟؟ ..... وهل الله تعالى قال في سورة الشورى (أمرهم شورى بينهم) أم قال (أمر الله ورسوله شورى بينهم),,, ألهذه الدرجة يكون الضلال والتوهان والجهل؟؟؟

ألم تنظر إلى الآية التي بعدها مباشرة لتعرف لماذا قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ - « إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ » وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا 36)؟؟؟ ..... إن لم تكن قد فعلت من قبل, فأنظر إلى قوله تعالى لنبيه الكريم: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا « وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا » 37). أوكنت تعلم من قبل أنه لا تستعمل كلمة "قضا" إلَّا مع الأمر الذي تم وإنتهى؟؟؟

والأغرب من كل هذا وذاك وتلك قوله: ((... ثم فلنسأل سؤالا عن تطبيق هذا فى عصرنا, فالرسول غير موجود ليقضى فى الأمور...)). فنقول له,,, من ذا الذي قال لك إن الرسول غير موجود الآن؟؟؟ ..... بمعنى آخر, هب أنه موجود الآن "مادياً" بشحمه ولحمه وهامته الكريمة,,, ما هو التشريع الذي سيضيفه إلى ما جاء به من تشريع شهد الله له به بالكمال إلى يوم القيامة أيكون بعد الكمال شئ سوى النقص؟؟؟

ألم يقل الله تعالى للمؤمنين في سورة المائدة « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا », في سياق الآية الكريمة التي قال فيها: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ - «« الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا »» - فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 3)؟؟؟. فما دام ذلك كذلك,, وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شاردة ولا واردة تلزم الإنسان حتى قيام الساعة إلَّا وقد شرَّع لها تشريعاً وطبقها عملياً, وقد شهد الله له بكماله رسالته على أكمل وجه, فماذا بعد الكمال والتمام؟

إذاً سؤال الكاتب عن التطبيق فى عصره هذا, في غياب الرسول ليقضي في أمور قد قضى فيها سلفاً يعتبر لغو وخبل لا معنى له. فالقاصي والداني يعلمون أن أمور المسلمين كلها يراجعونها أولاً بكتاب الله وسنة رسوله قبل إعتمادها وقبول العمل بها,, فإن كان فيها قضاء لا يجرؤ مؤمن أن يقضي فوق قضائهم. بل يلتزمه ولا يمكن أن يخضع للشورى إلَّا إذا كانت هناك خيارات ظاهر تكون الشورى في ترجيح أحد الخيارات المتاحة فقط.

أما الإدعاء الأغرب من سابقه هو الذي يقول فيه الكاتب: ((... فإذا قال قائل أن القضاء لأهل العقد والحل الممثلين للرسول فلا تعليق بعدها حيث يتشرعن التفرد والكهنوت والديكتاتورية ...)).
نقول له إياك والشطحان والهزيان, فأنت تقول أشياء لا معنى لها,, مثلاً:

1. من هم أولاء أهل الحل والعقد الذين تدعيهم,,, فإن كنت تقصد بهم العلماء أو أولي الأمر فأنت تكون قد أخطأت في التعبير, حتى إن كان ذلك موجود في بعض الكتب.

2. النبي صلى الله عليه وسلم ليس لديه ممثلين أو قساوسة أو رهبان أو بطارقة ..... إذ الكل يأخذ مباشرة من كتاب الله وسنة رسول الله,,, فلا رهبنة ولا كهانة في الإسلام حتى إن إدعى بعض المهوسين ذلك.

3. أما الدكتاتورية والرأسمالية والملكية والشيوعية,,, الخ فهذه كلها عكس توجه الإسلام الذي يقول الله تعالى في كتابه العزيز عن أمته: (وأمرهم شورى بينهم).

كما ترى فقد حرقت مزيد من أوراقك بنفسك, فماذا بعد؟؟؟

تحية طيبة للقراء الكرام,

بشاراه أحمد عرمان.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن