لمصلحة من تقرع طبول الحرب ؟

داخل حسن جريو
dakhiljerew@gmail.com

2017 / 6 / 5

كشف تقرير المعهد الدولي لأبحاث السلام الذي يتخذ من مدينة إستكهولم السويدية مقرا له, الصادر في شباط عام 2017 . أن مبيعات السلاح في العالم بلغت أعلى مستوى لها منذ الحرب الباردة, وتصدرت منطقتا الشرق الأوسط واوقيانوسيا قائمة المشترين.أوضح الباحث في المعهد بيتر ويزمان أنه "خلال السنوات الخمس الماضية ،"توجهت معظم دول الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية في بحثها المتسارع عن حيازة قدرات عسكرية متطورة".وأضاف "رغم تراجع سعر النفط، واصلت دول المنطقة التعاقد على مزيد من الأسلحة في العام 2016 التي تعتبرها أدوات أساسية لمواجهة النزاعات والتوترات الإقليمية".حلت السعودية في المرتبة الثانية في مستوى توريد الأسلحة في العالم بنسبة زيادة ( 212% ) خلال هذه السنوات . كما إرتفعت واردات الأسلحة في دول الخليج، فقد ارتفعت مشتريات قطر للأسلحة بنسبة (245%) خلال العام 2015، في حين زادت واردات دولة الإمارات العربية المتحدة بنسبة (63 %)، والكويت بنسبة (175% ) .
وقال تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي الذي يرافق الرئيس دونالد ترامب في أولى جولاته الخارجية، إن شركات أمريكية وقعت اتفاقات تبلغ قيمتها( 350 ) مليار دولار مع السعودية، في اليوم الأول من زيارة الرئيس ترامب للرياض . وأدعى تيلرسون في مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي عادل الجبير إن صفقة الأسلحة "تدعم الأمن في السعودية ومنطقة الخليج العربي بأكملها على المدى الطويل في مواجهة النفوذ الإيراني الخبيث، وفي مواجهة التهديدات الموجودة على حدود السعودية من كل الجهات" . وأأكد ترامب أن بلاده اتفقت مع الحكومة السعودية على صفقات تجارية واستثمارية بلغت ( 450 ) مليار دولار. وأضاف أن صفقة الأسلحة "يمكن أن تمنح المؤسسة العسكرية السعودية دورا مهما في المجال الإقليمي، لتعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط, وأن وجود القوات الأمريكية جزء من الدفاع عن إسرائيل".
وفي مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" بتاريخ 26 من اذار2016 قال ترامب : "لو كانت السعودية دون عباءة الحماية الأمريكية، لا أعتقد أنها كانت ستكون موجودة " . وفي مقابلة مع وكالة أنباء "رويترز"،بتاريخ 27 من نيسان عام 2017 ,قال ترامب: "بصراحة السعودية لم تعاملنا بعدالة، لأننا نخسر كماً هائلاً من المال للدفاع عن السعودية". وفي كتابه الصادر في الخامس من كانون الأول عام 2011, بعنوان: حان الوقت لتكون أمريكا أقوى ثانية , قال ترامب: "انظروا إلى السعودية. إنها أكبر ممول للإرهاب في العالم. السعودية تستخدم البترودولارات- أموالنا الخاصة جدا- لتمويل الإرهابيين الذين يسعون إلى تدمير شعبنا، بينما يعتمد السعوديون علينا لحمايتهم". وخلال المناظرة الانتخابية الأمريكية الثالثة في 20 من تشرين الأول عام 2016، قال ترامب مهاجما منافسته هيلاري كلينتون ومؤسستها الخيرية: "مؤسسة كلينتون هي مؤسسة إجرامية مدعومة من السعودية وقطر وغيرهما من الدول التي تسيء معاملة النساء". وأضاف: "أمريكا تحمي السعودية الغنية بأموال طائلة ولكنها لا تدفع لنا شيئاً، وعليها دفع مبالغ مقابل حمايتا ".
ويبدو أن السعودية لم تُرد أن تغضب قاطن البيت الأبيض الجديد؛ لذا بادرت بفتح أبواب خزائنها أمامه، بضخ مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد الأمريكي، في صورة صفقات لشراء السلاح، واستثمارات في أذون وسندات الخزانة الأمريكية، وفي مشاريع تنموية أمريكية. ولعل من المفيد أن نشير هنا إلى تصريح «ديفد هيرست»مدير تحرير موقع «ميدل إيست آي» البريطاني , أن تلك الأموال الضخمة التي تعتزم المملكة ضخها في الاقتصاد الأمريكي تأتي بالرغم من الوضع الاقتصادي الصعب للمملكة؛ بسبب التدهور الحاد في أسعار النفط، المصدر الرئيس لدخلها, إذ يبلغ معدل البطالة الرسمي نحو( 12 % )، وهناك عجز متوقع في الموازنة المالية للعام 2017 بنحو ( 53 ) مليار دولار, ويحذر صندوق النقد الدولي هو الآخر من أن المملكة تواجه خطر الإفلاس (خلال خمس سنوات) بسبب التدهور في أسعار النفط.
وليس السعودية وحدها من بادرت بفتح خزائنها أمام «ترامب»؛ عبر صفقات السلاح وسندات الخزانة،إذ فتحت دول خليجية أخرى خزائنها لقاطن البيت الأبيض الجديد الذي قال في حملته الإنتخابية : "لا تنسوا دول الخليج بدوننا ليس لها وجود". ولإثبات وجودها بادرت دول الخليج بفتح أبواب خزائنها أمامه، وضخت أو بصدد ضخ مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد الأمريكي، في صورة صفقات لشراء السلاح، واستثمارات في أذون وسندات الخزانة الأمريكية، وفي مشاريع تنموية أمريكية, حيث رفعت دول الخليج من حجم استثماراتها في أذون وسندات الخزانة الأمريكية، لتبلغ ( 223.5 ) مليار دولار بنهاية آذار. كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، في 11 آيار من هذا العام، أنّ الولايات المتحدة بصدد بيع الإمارات ( 160) صاروخ باتريوت، بقيمة إجمالية تقارب ملياري دولار.كما استطاعت شركات الدفاع الأمريكية تحقيق أرقام قياسية في العقود التي وقعتها مع الإمارات في معرض ومؤتمر «إيدكس» 2017؛ حيث استحوذت الشركات الأمريكية على الجزء الأكبر من العقود التي بلغت ( 90 ) عقدًا بقيمة إجمالية بلغت ( 5.6 ) مليار دولار. دخلت البحرين، أيضاً، على الخط؛ إذ منح البنتاغون شركة «أوربيتال إيه تي كيه» للدفاع التقني عقدًا لتزويد كل من البحرين ومصر بمحركات دافعة لصواريخ سايد وايندر. بلغت قيمة العقد ( 67 ) مليون دولارًا، وسيتم تسليم هذه المحركات في 27 شباط عام 2022، وفقًا للعقد المبرم. أما دولة قطر ففي العام الماضي فقط أبرمت صفقات في السوق الأمريكية تصل قيمتها إلى نحو( 15 ) مليار دولار, وتخطط قطر حاليا لإنفاق نحو( 35) مليار دولار في استثمارات جديدة في السوق الأمريكي وحده في غضون السنوات الخمس المقبلة, حسب ما ورد في موقع (الخليج اون لاين) .كشف صباح خالد الصباح النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الكويتي، في تصريح له مؤخرا لمحطة " روسيا اليوم " التلفازية , أن استثمارات الصندوق السيادي الكويتي في أمريكا بلغت( 305) مليارات دولار. وتبلغ إستثمارات سلطنة عمان نحو ( 16 ) مليار دولار, وإسثمارات البحرين نحو (2 ) مليار دولار.
ولعل من المفيد ان نشير هنا إلى مديونية بعض الدول العربية التي تدولتها بعض وسائل الإعلام مؤخرا والتي بالإمكان تسديدها لو أن صفقة السلاح السعودية قد وجهت لهذا الغرض , ووفرت لها ولجيرانها والدول العربية الأمن والأمان , وهذه الديون موزعة على الدول العربية بواقع ( 30) مليار للأردن و (11) مليار للبنان و (60) مليار لمصر و(22) مليار للمغرب و(29) مليار للجزائر و(15) مليار للسودان و ( 18) مليار لتونس و ( 10) مليارات للصومال و(13 ) مليار لموريتانيا و( 70 ) مليار للعراق و( 11 ) مليار للسلطة الفلسطينية و ( 60 ) مليار لإعمار سورية و ( 20 ) مليار لإعمار ليبيا , أي ما مجموعه ( 369 ) مليار.
ومن مفارقات تصرفات حكام السعودية ودول الخليج إصرارهم الغريب بمطالبة العراق في أعقاب وقف الحرب العراقية الإيرانية عام 1988, بدفع ما قدمته له من منح مالية تقدر ببضعة مليارات من الدولارات لدعم مجهوده الحربي ضد إيران , مدعية أنها قروض مقدمة للعراق . ولم تكتف بذلك بل راحت تغرق السوق النفطية العالمية بمزيد من إنتاجها النفطي كي تتدنى الأسعار ويكون العراق أكبر المتضررين كونه بأمس الحاجة للأموال اللازمة لإعمار ما دمرته الحرب,مما تسبب في أوضاع إقتصادية ومالية صعبة للعراق الخارج توا من آتون حرب مدمرة لعب السعوديون دورا كبيرا بإشعال فتيلها عام 1980, بينما تقدم السعودية ودول الخليج اليوم مئات المليارات من الدولارات صاغرة إلى سيد البيت الأبيض الذي ما إنفك يوجه لها الإهانات تلو الإهانات ويذكرها بأن لا وجود لها لولا الحماية الأمريكية .
وللأسف ما زال حكام السعودية وبعض دول الخليج سادرين في غيهم وغرورهم , وغير شاكرين رب العباد الذي أنعم عليها بالمال الوفير من حيث لا يحتسبون من ثروة نفطية وغازية هائلة , فبدلا من تسخيرها لخدمة شعوبهم وأمتهم في تنمية شاملة تعود عليهم وعلى أمتهم بالخير الوفير , وظفوا الجزء الأعظم منها لأغراض شيطانية لتدمير البلدان العربية خدمة لمصلحة الأمريكان ودول حلف الناتو , بدءا بتدمير العراق بمشاركتهم بالحرب العدوانية عام 1991 بدعوى تحرير الكويت , وفرضهم حصار شامل على شعب العراق دام لأكثر من عقد من الزمان , وبعدها غزو العراق وإحتلاله عام 2003,حيث إنطلقت جحافل العدوان من قواعدها في السعودية ودول الخليج الأخرى وسط مباركة حكوماتها , لتنتقل بعدها لإرسالها المجاميع الإرهابية لإشعال نار الفتنة الطائفية في العراق لتدمير لحمة الشعب العراقي المتآخية طوائفه منذ مئات السنيين , وتفتيت العراق وتقسيمه. وهذا ليس وليد اليوم بل تنفيذا مخطط قديم لديهم ,حسب ما أكده صدام حسين نفسه في حديث متلفز في إجتماع لأعضاء قيادته عام 1987 عندما كان العراق يواجه حربا شرسا لإستعادة بعض أراضيه التي إحتلتها القوات الإيرانية , كما أكده بعض المسؤولين السعوديين حتى قبل ذلك التاريخ , برغبتهم تقسيم العراق وإقامة دولة كردستان الكبرى في إطار سعيهم القضاء على النظم العربية المتنورة, المتمثلة يومذاك في مصر عبد الناصر وسوريا البعث والعراق القومي , التي رأوا فيها تهديدا لنظامهم الثيوقراطي البغيض.
وبعد نجاحهم النسبي في العراق , إنتقلت السعودية ودول الخليج لتنفيذ الصفحة الثانية من مخطط الإدارة الأمريكية الذي أطلقت عليه الفوضى الخلاقة لتفتيت الدول العربية الواحدة تلو الأخرى ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد, بدعاوى نشر الحرية والديمقراطية وضمان حقوق الإنسان , بينما يعرف القاصي والداني أن السعودية ودول الخليج تحكمها أسرة مستبدة لا تقيم وزنا للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان . إتخذ التدخل هذه المرة شكلا آخر بإبتداع ما أطلقوا عليه ثورة التواصل الإجتماعي لتصبح فيما بعد " الربيع العربي " لإسقاط النظم السياسية في كل من تونس وليبيا ومصر وسورية واليمن , حيث أنهم نجحوا بإسقاط حكومات كل من تونس وليبيا ومصر واليمن , وما زالت مصر وتونس تعانيان من فوضى عارمة ولكن بدرجات مختلفة , وتعاني ليبيا من حرب أهلية تغذيها دول خليجية والجماعات الإرهابية , أما اليمن فأنها تواجه الآن عدوان سعودي سافر منذ نحو ثلاث سنوات , حصد آلاف الأرواح البريئة ودمر البنى التحتية اليمنية الهشة أصلا في بلد يصنف أحد أفقر بلدان العالم , ويفتك المرض والجوع بأبنائه دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل بالخلاص القريب . ولم تتمكن السعودية ودول الخليج من إسقاط النظام السياسي القائم في سورية على الرغم من الإسناد التركي والأمريكي ودول أخرى لها,ولكنها نجحت بإحداث تدمير هائل في البنى التحتية السورية وقتل آلاف المواطنين وتشريد ملايين السورين بحثا عن ملاذات آمنة في الدول الأوربية, وجعلت منها بؤرة إرهابية لا تهد سورية فحسب بل وعموم دول العالم.
ومرة أخرى يتوهم حكام السعودية وبعض دول الخليج أن تكديسهم للسلاح سيحمي عروشهم من الزوال , دون أن يتعظوا من أحداث الماضي القريب , ذلك أن السلاح وحده لا يحمي الدول ناهيك عن حماية العروش , وما تجربة شاه إيران محمد رضا بهلوي الذي كان يوصف جيشه يومذاك بأنه أقوى خامس جيش في العالم , وقد نصبه الغرب شرطيا في الخليج لحماية مصالحه , وإذا به يطاح بعرشه بين ليلة وضحاها ويصبح طريدا يبحث عمن يؤيه. كما لم يمنع الأحتماء بحراب الأجنبي من سقوط الأنظمة , إذ لم يحرك حلف بغداد ساكنا لمنع سقوط النظام الملكي في العراق عام 1958,وكذا الحال بالنسبة للرئيس المصري محمد حسني مبارك الذي فتح أبواب مصر على مصاريعها للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والدول الغربية دون أن يهب أحد لنجدته وقت محنته في فوضى " الربيع العربي " قبل أعوام . لا نريد الإطالة هنا فالأمثلة كثيرة . وهنا نقول أن من يحمي البلدان هي السياسات الحكيمة وبناء الثقة بين البلدان وبخاصة دول الجوار وإحترام خياراتها في الحياة والتعايش السلمي وتبادل المنافع والمصالح المشتركة على أساس التكافؤ, ولم ولن تنفع قرقعة السلاح التي لا تجلب لأي دولة سوى المزيد من النكبات والدمار , ولن تكون هناك أية مصلحة لأية جهة لقرع طبول الحرب.
نسأل الله أن يعود حكام السعودية ودول الخليج إلى رشدهم ويتقوا الله في عباده ويتركوا شؤون الخلق للخالق ويلتفتوا إلى مصالح شعوبهم ورعايتها , بدلا من إشعال الصراعات والفتن الطائفية في البلدان الإسلامية التي لن تكون في مصلحة أحد , والحقيقة لا تحجب بغربال كما يقال , إذ يعرف القاصي والداني أن الإرهاب صناعة خليجية سعودية فكرا وتنفيذا , وعلى هؤلاء الحكام بذل قصارى جهودهم لتجفيف منابعه في بلدانهم فكرا وتمويلا إن كانوا حقا راغبين بالقضاء على الإرهاب , بدلا من توجيه التهم جزافا إلى الآخرين وإفتعال صراعات جانبية معهم لصرف الأنظار عن مصادر الإرهاب الرئيسية في بلدانهم, ولم ولن تجدي نفعا صفقات السلاح الهائلة التي عقدوها مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول , وها هي حربهم القذرة في اليمن وتدخلاتهم السافرة في سورية وليبيا برغم كل ما يملكوه من سلاح وإستعانتهم بخبرات اجنبية وضباط مرتزقة خير شاهد ودليل على فشل مخططاتهم العدوانية تجاه الدول الأخرى .وفي الختام نقول أن الحوار والتفاهم لا قرقعة السلاح هي السبيل الوحيد لحل المشاكل بين الدول.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن