أدوات مكافحة التضخم في مصر نقدية أم مالية؟

احمد البهائي
f.mrahi@kpnplanet.nl

2017 / 5 / 24

مكافحة التضخم بين السياسة المالية والنقدية..
اتعجب ممن يصفون انفسهم بخبراء الاقتصاد في مصر! ، ففي الغرب ، تحديدا الاتحاد الاوروبي من يطلق عليهم خبراء اقتصاد يعدون على اصابع اليد ، ولا يمكن ان تمنح إلا إذا توافر لدى حاملها الدراسة والتخصص والخبرة وتولي المناصب وموافقة مراكز اتخاذ القرار والدراسات والابحاث الاقتصادية العليا ، اما في مصر هم بالالاف اوجعونا شرحا وتحليلا دون وضع حلا للازمة الاقتصادية التي تمر بها مصر ، خير مثال هجومهم على قرار البنك المركزي الاخير المتعلق برفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة بواقع 200 نقطة أساس ليصل إلى 16.75% و17.75% على التوالي. بعيدا عن قرار البنك المركزي ومتطلبات المؤسسات المالية والنقدية المانجة بل بنظره متفحصة لحال الاقتصاد المصري كان حتما رفع سعر الفائدة على الايداع ، فكل البيانات كانت تدفع الى ذلك ، حتى مع رفع الفائدة الى 16.75% مازالت معدلات الفائدة سالبة على الودائـع نظرا لارتفاع معدلات التضخم عن أسعار الفائدة على الودائع لدى الجهاز المـصرفي،مما ترتب عليه فقدان تلك الودائع لدى الجهاز المصرفي لجزء من قوتها الشرائية في ظل ارتفاع معدلات التضخم السنوية، مما يدفع الكثير من الأفراد والمؤسسات إلى التخلص من مدخراتهم النقدية قبل تـدهور قوتهـا الـشرائية واستخدامها في اقتناء السلع والخدمات أو استخدامها في المضاربة على الأراضي والعقـارات، أو تحويلهـا إلـى عملات أجنبية، حتما هذا سوف يؤدي إلى حدوث زيادة في حجم الطلب الكلي على السلع والخدمات في ظل محدودية العـرض الحقيقي منها وساهم في دفع مستويات الأسعار المحلية نحو الارتفاع فالإحصاءات الاخيرة تؤكد ان التضخم قفز الى 33% فالحكومة تعتمد على استخدام الرقم القياسي لاسعار التجزئة والجملة في قياس التضخم وهذا ليس دقيق في تحديد نسبة التضخم بينما الاصح هو الاعتماد على " الرقم القياسي الضمني " وهذا ما تريده المؤسسات النقدية والمالية المانحة وعندها تتعدى نسبة التضخم في مصر اكثر من تلك النسبة بكثير وذلك من خلال قسمة الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية في سنة معينـة مقدر مليار دولار علـى الناتج المحلي الإجمالي لنفس السنة بالأسعار الثابتة مقدر مليار دولار مضروباً في مائه، فإذا كان ناتج القسمة مساويا 100 فإن ذلك دليـل علـى استقرار مستويات الأسعار، في حين إذا زاد الناتج عن 100 فإن ذلك يؤكد على حدوث ارتفاع في المستوى العـام للأسعار ومثال على ذلك ففي الربع الاخير من 2014 :
475,6 مليار دولار
----------× 100=118,9%(الرقم القياس الضمني)
400,6 مليار دولار
* وفي الربع الاول من 2016 :
841,6 مليار دولار
----------× 100=167,5%(الرقم القياس الضمني)
502,3 مليار دولار
* ومع توافر البيانات عن الدخل القومي الاجمالي لعام 2016 و2017 ، من المقدر ان يكون الرقم القياسي الضمني قد قفز فوق 200% وهنا تكون الكارثة مما يعكس الاتجاهات التضخمية فـي الاقتـصاد المصري، والتـي تؤكـد حدوث ارتفاعات متوالية في مستويات الأسعار.

ومع ذلك ما اتخذه البنك المركزي من قرار كان يجب ان يتضمن بجانب رفع سع الفائدة على الايداع . * قـرار تحرير أسعار الفائدة على القروض والتسهيلات التجارية ويترك تحديدها للبنـوك التجاريـة وفـق متطلبات عملها وبشرط إحداث التوازن بين القطاعات بألا يحدوث زيادة في الطلب على القروض الممنوحة لقطاع معين في الاقتصاد على حساب قطاعات اخرى كقطاع الإنشاءات مثلاً، من شأنه أن يودي إلى حدوث اختناقات في هذا القطاع بسبب الزيادة في الطلب على مستلزمات البناء والتشييد بصورة تزيد عن طاقة العرض لهذه السلع، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها، وهنا يأتي دور البنك المركزي بتدخله ن تكون عملية منح القروض لتلك الأغراض مرتبطة بموافقة مسبقة من البنك المركزي ، وطالما تم تحديد سعر فائدة للإقراض يجب ان يتدخل البنك المركزي بغـرض تحقيـق التوازن بين مختلف قطاعات الاقتصاد، يفرض أسعار فائدة مرتفعة على القروض الموجهة للقطاعات التـي يزيـد فيها الطلب على القروض، وفرض أسعار فائدة اقل على القروض الموجهة للقطاعات الأخرى وذلك بهدف زيـادة الطلب عليها وزيادة حجم الاستثمارات المنفذة فيها، وبما يساهم في إحداث تخفيض فـي الطلـب علـى قـروض القطاعات الأولى وزيادة الطلب على القروض المخصصة للقطاعات الأخرى يؤدي إلـى تحقيـق التـوازن فـي الاقتصاد وتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة ، * كذلك قبول البنـك المركـزي ودائع البنوك التجارية تبدأ من لأجل 6 شهور، 9 شهور، 12شهراً، بحيث يدفع البنك المركزي فائدة على تلـك الودائع تعادل سعر الفائدة التي تدفعها البنوك التجارية لعملائها بحسب الآجال زائد ثلاث أرباع نقطة مئوية واحدة يليها تقليص الاجال عند الحاجة . * قيام السلطات النقدية برفع أسعار الفائدة على القروض التي يقدمها البنك المركزي للحكومة من حصيلة الودائـع لديـه تحدد من خلال متوسط تكلفة ودائع البنوك التجارية لديه زائد نقطتين الى ثلاث نقاط ، وذلك بهدف الحد من نمـو حجـم القروض الحكومية من البنك المركزي . * ايضا منـع البنوك التجارية من تمويل مكاتب الصرافة والوكلاء بأي قروض أو السحب على المكشوف، ومنعها مـن تقـديم قروض وتسهيلات بالعملة الوطنية مقابل ضمانات بالعملات الأجنبية، وذلك بهدف وقف التدهور في القوة الشرائية للعملة الوطنية وتحقيق الاستقرار في سعر صرف العملة الوطنية في مقابل العملات الأجنبيـة والحد من المضاربة على النقـد الأجنبي باستخدام التسهيلات بالعملة الوطنية .

أدوات السياسة النقدية تعتبر من وسائل مكافـحة التضخم ، لكن وحدها لا تكفي ويجب ان تكون بجانب استخدام أدوات السياسة المالية حيث تلجأ اليها الحكومة لتلافي قصور السياسة النقدية في مكافحة الضغوط التضخمية بمفردها نتيجة الزيادة في حجم الطلب الكلي على السلع والخدمات بنسبة تفوق مقدرة العرض الكلي للجهاز الإنتاجي، ومنها حدوث فائض طلـب يؤدي بدوره إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار ولذلك تلجأ الحكومة من خلال استعمال أدوات الـسياسة المالية إلى خفض حجم الطلب الكلي من خلال ضغط حجم الإنفاق والعمل على إعادة التوازن إلى الاقتصاد، ويـتم ذلك بصورة مباشرة من خلال تخفيض حجم الإنفاق الكلي، وبصورة غير مباشرة من خلال اسـتعمال الـضرائب سواء بزيادة معدلات الضرائب الحالية أو فرض ضرائب جديدة، هذا بالإضافة إلى استخدام وسيلة الـدين العـام فالحكومة فشلت حتى الان في استخدام مالديها من القواعد والأساليب والوسائل والإجراءات والتدابير لإدارة النشاط المالي لها بـأكبر كفـاءة ومنه للحد من التضخم فهناك فشل ذريع في *الرقابة الضريبية التي تعد من أهم أدوات السياسة المالية المستخدمة في علاج الضغوط التضخمية في الاقتصاد ، خير مثال البورصة فهى ترفض ضريبة الدمغة المقدرة ب1,75 فى الالف على تعاملاتها بيعا وشراء،كما رفضت ضريبة الأرباح الرأسمالية من قبل ، فالضرائب مفروضة فقط في مصر على المواطن الفقير حيث تلجأ الحكومة إلى استعمال الضرائب بنوعيها المباشرة وغير المباشرة، على دخول الأفراد البسطاء التي عادة يفلت منها اصحاب الدخول العالية وأرباح الشركات ، فالنظام الضريبي في مصر يتسم بجموده وعدم مرونته وعدم وضوح الأوعية الضريبية ،ويعبر عنه بما يسمى " بضآلة الجهد الضريبي "،ويمكن معرفة ذلك من خلال انخفاض نسبة حصيلة الضرائب إلى إجمالي الناتج القومي،والتي نجدها تتراوح ما بين %10 -13% بالمقارنة بالدول المتقدمة والتي تصل فيها إلى نحو 30 %مـن إجمـالي الناتج القومي،فأحد اسباب جمود الجهاز المالي سيطرة أصحاب المصلحة الخاصـة وتحكمهـم فـي توجيـة التشريعات الضريبية،بما لا يتعارض مع مصالحهم،فأنخفاض حصيلة الضرائب اللازمة لتمويل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية،تجبر الدولة اللجـوء إلى الاقتراض من الجهاز المصرفي والذي يمول عادة عن طريق الإصدار النقدي،أو الاعتماد علـى القـروض الخارجية،فالاعتماد على تلك المصادر التضخمية تؤدي إلى زيادة كمية النقود المتداولة في الاقتصاد وبالتالي تؤدي إلى زيادة حدة الضغوط التضخمية،لأن الزيادة في كميـة النقود المتداولة لا يقابلها زيادة في الناتج الحقيقي، مما يدفع بالأسعار نحو الارتفاع.*كذلك سياسة الإنفاق العام للحكومة بشقية الاستهلاكي والاستثماري بها فشل كبير ايضا ، حيث توجه النفقات الى غير وجهتها فهناك كثير من النفقات الاستثمارية اثبتت فشلها ومع ذلك مازالت الحكومة متمسكة بها وتزيد الانفاق عليها على حساب الانفاق الاستهلاكي ، فالوقت لا يتطلب انفاق في مشروعات عائدها يحتاج الى عشر سنوات بما فوق ، بل الاقتصاد في احتياج الى مشروعات تحقق عائد بعد عام او عامين حتى تدور عجلة الانتاج .*سياسة القروض العامة (الدين العام) فمازالت الحكومة تعتمد على القروض التضخمية في تمويل احتياجاتها ولتمويل عجز الموازنة العامة فالزيادة في حجم الاقتراض الحكومي من الجهاز المصرفي لتمويل عجز الموازنة العامة ساهم في زيادة حدة الضغوط التضخمية ، فإقتراض الحكومة من البنك المركزي لتمويل العجز الـسنوي فـي الموازنة العامة والذي يتم تغطيته عن طريق الإصدارات النقدية الجديدة، مما ترتب عليه زيادة كمية النقـود فـي الاقتصاد ونموها بمعدلات سنوية تفوق الزيادة في حجم الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، تؤدي الى زيادة فجوة فائض الطلب، نتيجة الزيادة في حجم الطلب الكلي على السلع والخدمات فـي ظـل قلة المعـروض الحقيقي منها، الأمر الذي يساهم في تغذية الضغوط التضخمية ودفع مستويات الأسعار المحلية نحو الارتفاع ، كذلك الاقتراض من الأفراد والمؤسسات غير المصرفية من خـلال الاكتتـاب فـي سندات القروض العامة، التي حقيقتها تكون ناتجة عن الزيادة في كمية النقود من خلال التوسع النقدي أو الائتماني وبالتالي تؤدي إلى مزيد من التضخم، وذلك كونها مولت من خلال إصدارات نقدية جديدة وبالتالي لم تساهم في امتصاص القوة الشرائية الزائدة لدى الأفراد والمؤسسات. * فشل سياسة الرقابة على الاسعار فالرقابة على الأسعار من أهـم تلـك الأدوات والتي يرجع الهدف من استخدامها إلى وضع ضوابط قانونية تعمل على وقف الارتفـاع فـي مـستويات الأسعار، بحيث تحدد الأسعار ادارياً، وبما يعمل على توفير السلع الأساسية بأثمان تناسب القدرة الشرائية لمختلف شرائح المجتمع. ويتم تحديد أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية بما يكفل عدم تحكم كبار المنتجين والمـستثمرين بأسعارها، بهدف حماية الأفراد من الاحتكار، فالحكومة تلجأ الى الحلول السريعة المضرة كرفع اسعار السلع الاستراتيجية التي لها تأثر مباشرة على حياة المواطن الفقير وهذا يدل على عجز الحكومة في حل المشكلة بل تزيدها تعقيدا .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن