في مئوية نجاح الثورة البلشفية - كيف يتحصن الحزب الثوري من الإنزلاق نحو الإصلاحية - من وحي وثيقة -ما العمل-

نجاة طلحة
najatalha@hotmail.com

2017 / 5 / 1

في مئوية نجاح الثورة البلشفية
كيف يتحصن الحزب الثوري من الإنزلاق نحو الإصلاحية
من وحي وثيقة "ما العمل"
تتسلل النزعات الإصلاحية إلى الأحزاب الشيوعية عبر مفاهيم وأيدولوجيا البرجوازية الصغيرة، من ليبرالية وديمقراطية زائفة تحاول جرجرة المنظمات الثورية إلى مستنقع الخضوع والعمالة للبرجوازية، وتحويلها الى جمعيات وأحزاب للإصلاحات الإجتماعية. سقطت البرنشتينية في مهدها، لكن ظل المد اليميني الإصلاحي يهدد المسار الثوري للأحزاب الشيوعية ويعمل على تشويش الوعي الطبقي، خاصة عندما تستدعيه المتغيرات التاريخية، كإنهيار تجربة البناء الإشتراكي في الإتحاد السوفيتي التي هي في حقيقتها سقوط لتجربة الإنقلاب على المسيرة الشيوعية، وليس العكس كما يشاع. وقد وضح تماماً أن هذه النزعة التحريفية، ليس فقط عند سبر أغوارها، بل وحتى في شكلها الظاهري، هي مشروع مخطط لمناهضة المد الثوري وتحريف الوعي الإشتراكي العلمي. هذا الربط الواضح إلا لمن تعامى قد نبه إليه لينين "وهكذا فإن مطلب الإنعطاف الحاسم من الإشتراكية-الديموقراطية الثورية إلى الإصلاحية الإجتماعية البرجوازية قد رافقه إنعطاف لا يقل حسماً نحو النقد البرجوازي لجميع أفكار الماركسية الأساسية." تبتذل البرجوازية الصغيرة مفهوم حرية النقد وتتذرع بدعاوى التجديد ومناهضة الدوغمائية تمهيداً للإنحراف اليميني. فتبدأ بمدخل حرية النقد وتنتهي بالدعوة لتصفية المشروع الثوري بأكمله. فحرية النقد هنا وكما وضح لينين تعني حرية إدخال الأفكار والعناصر البرجوازية إلى الإشتراكية.
هنالك التجارب التي لم تفلح فيها محاولات حرف مسار الأحزاب الشيوعية، فلجأت البرجوازية الصغيرة الإنتهازية الى تنفيذ مخطط آخر وهو تقويض تلك الأحزاب، أوالعمل على تشظيها وتشتت قواعدها. أما الأحزاب التي نجحت في مقاومة تلك النزعات التحريفية فقد أرهقها الظهور المتكرر لدعاوى التحريف وتسببها في البلبلة التي تعيق حركتها وتثقل مجمل نشاطها الداخلي ومساهماتها السياسية العامة، كما إنها تخدم أجندة القوى المعادية للشيوعية، لأنها تكون خصماً على التصدي لهجوم الأعداء، الطبقيين أصلاً. فالمواجهة العنيدة هي من صميم نضال الشيوعيين، بيد أنه لا يمكنهم خوض هذا النضال بجسم ترهقه المعارك الداخلية وتربك إستقراره.
وفي كلتا الحالتين، نجح المخطط في حرف مسار الحزب أو تشظيه أو فشل، تنتج عن تلك التجارب آثار سالبة تجهد الحزب وتهدد الإستقرار التنظيمي الذي هو ضروري لحيوية وديناميكية الحزب الثوري. فالإستقرار التنظيمي يساعد على توجيه القدرات والجهود لتطوير الحزب الثوري وتطوير أدوات عمله بين الجماهير، والأخيرة مهمة تتطلب حضوراً كاملاً دون تشويش. من سِمات الضرر المباشر الذي توقعه هذه البلبلة بالحزب إعاقة نشاط الهيئات الحزبية وتعطيلها عن مواكبة نضالات الجماهير القاعدية، كما ولها إنعكاسها على قدرات الحزب الثوري في قيادة الصراع السياسي. فهي تعطل تفاعل الحزب مع المهام المتجددة والمتصاعدة التي تطرحها الأزمات العامة، على المستوى المحلي أو العالمي.
لوائح الأحزاب الثورية، تتيح لها تطهير صفوفها من الذين ينقلبون على الماركسية اللينينية، وذلك بتضمنها لمقومات الوحدة النظرية كشرط أساسي ملزم. وعند إحتدام الصراع فإنه يحسم بمؤتمر عام، أو بمؤتمر تداولي إذا دعت الضرورة . فتكون تلك نقطة إنطلاق للأمام لا رجعة فيها. في حالة حسم الإتجاه اليميني التصفوي في المؤتمر العام ولضمان عدم تكرار تجربة الحزب الشيوعي السوداني الأخيرة، وهي مواصلة الصراع بعد أن حُسِم في المؤتمر الخامس، يجب التعامل الواعي مع كل مراحل المؤتمر وحتى تنفيذ مقرراته. فالمؤتمر لا ينتهي بإختتام أعماله ونشر مقرراته، خاصة إذا تعلق الأمر بمسألة مصيرية يترتب عليها بقاء الحزب أو تصفيته. إنما ينتهي بعد التقييم الكامل للتجربة، وهذا ما يساعد في تجنب إستمرار الصراع بعد المؤتمر. فإن من شأن التحليل العلمي لكامل التجربة أن يتطرق لمسألتين تحديداً كما وضح لينين "المسألة الأولى هي مسألة نقطة إنطلاق الصراع في حزبنا ومنشأه وأسبابه وطابعه السياسي الأساسي والمسألة الثانية هي النتيجة النهائية لهذا الصراع، مصيره، والرصيد المبدئي الذي نحصل عليه إذا جمعنا كل ما يمت بصلة الى المبادئ وطرحنا كل ما يمت بصلة للمشاحنات الحقيرة." (خطوة الى الأمام). هنالك خطوات يمكن تفعيلها في نفس إتجاه تحليل التجربة، كمناقشة الأوراق الأساسية المجازة من المؤتمر في شكل دراسات وسمنارات تنتظم فروع الحزب وهيئاته القائدة بعد المؤتمر.
هذا في حالة التجارب التي تُحسم عن طريق اللوائح وفي قمتها المؤتمر. لكن هنالك من التحريفيين الذين لا يسلكون هذا الطريق السافر، وبذلك يشكل وجودهم ناراً تستعر تحت الرماد تظهر في جرعات متفرقة تعمل على إفساد وتقويض الحزب الثوري. لذلك أصبح من المهم تحليل ودراسة جذور الإتجاهات اليمينية التحريفية التصفوية التي تتعرض لها الأحزاب الشيوعية.
هذه محاولة مستلهمة من التعاليم اللينينية للغوص في أعماق وجذور النزعات الإصلاحية في الأحزاب الشيوعية لتلمس الطريق نحو تخليص الحزب الثوري من الإتجاهات اليمينية التصفوية، من خلال دراسة نقدية للواقع لإستنباط معالجات ذات أساس موضوعي تتكاتف فيها كل القدرات النظرية والخبرات التنظيمية والسياسية التي من المفترض توفرها في الحزب الثوري. التركيز في هذه الدراسة سوف يكون على الأسباب الذاتية. فهي التي تقع عليها المسؤولية الأولى في ظهور الإتجاهات اليمينية. فالخلل في التركيب الطبقي أوالإستعداد النظري في التنظيم الثوري، يعتبرعاملاً أساسياً في تَكوُن وظهور الإتجاهات التحريفية، فهذا الخلل هو الحاضن الأمثل للنزعات الإصلاحية.
هذه المعالجات ترسم خطوطاً عريضة مبنية على الواقع العام للأحزاب الشيوعية. أما التفاصيل فهي تتصل بتنفيذ خطط مرتبطة بظروف الواقع المحدد لكل حزب. فتتنزل المعالجات آخذه في الإعتبار القدرات الذاتيه للأحزاب الشيوعية وواقعها، التحديات التي تواجهها، والمهام ذات الطابع الخاص التي تتصدى لها. لأنه ومن المهم في هذه المعالجات أن تكون ذات خصائص تجعل تنفيذها على أرض الواقع ممكناً، تحقق الوحدة لمواجهة المهام الآنية وطويلة المدى، دون أي مساومة في المبادئ، أو تنازل عن الماركسية اللينينية. يجب التعامل مع هذه المعالجات كأهداف عملية تقتضيها مهمة المحافظة على المسار الطبقي للأحزاب الشيوعية.
ليس خافيا أن تجربة الحزب الشيوعي السوداني مع الظهور المتكرر للمد اليميني وعبر تاريخه لها علاقة بتناولي للموضوع والتركيزعليه. لكن وبقدر المستطاع تناوَلت هذه الدراسة القضية من حيث خطوطها العريضة بعيداً عن خصوصيات ما يحدث في الحزب الشيوعي السوداني. فالقضية في أساسها وعمقها واحدة، لكن تشكل الظروف الذاتية والموضوعية الخاصة بكل حزب شكلها الظاهري.
ثلاثة مسارات يمكن لهذه المعالجات تبنيها وهي: تصحيح التركيبة الطبقية للأحزاب الشيوعية، تكثيف العمل وسط الشباب، والتركيز علي التثقيف الثوري:
1) تصحيح التركيبة الطبقية للأحزاب الشيوعية
ليس هنالك خلاف حول ضرورة وجود طبقة المثقفين ضمن مكونات الحزب الثوري، لأنه وكما أمنت عليه الماركسية، فالحركة العمالية منفردة لا تستطيع أن تصنع لنفسها أيديولوجية مستقلة. وكما قال لينين فإن الوعي السياسي الطبقي لا يمكن حمله إلى العامل إلا من الخارج "وإن مؤسسي الاشتراكية العلمية المعاصرة، ماركس وإنجلز، ينتسبان أيضا من حيث وضعهما الإجتماعي إلى المثقفين البرجوازيين" (ما العمل). ضرورة أخرى كذلك أمنت عليها الماركسية وهي أنه ومنذ بداية الحركة الثورية تبدأ المهام في طرح نفسها، ولا يمكن أن تنتظر حتى يكتمل الوعي الثوري عند جميع العمال، فيتصدى المثقفون العضويون لهذه المهام. لكن ذلك يوجب توسيع القاعدة العمالية وتثبيت الأساس النظري والإنضباط التنظيمي الذي يحمي الحزب من الإتجاهات التحريفية والتصفوية، لأن سيطرة المثقفين (البرجوازية الصغيرة بالضرورة) هي الثغرة المتسعة التي تتسلل منها التحريفية اليمينية والإتجاهات التصفوية.
هيمنة المثقفين هي واقع ينطبق على معظم الأحزاب الشيوعية إن لم نقل جميعها وهذه السيطرة النوعية (القيادة) والكمية (الغلبة العددية) هي التي تنقل الصراع الطبقي لداخل الحزب، بين أيدولوجية البرجوازية الصغيرة والفكر الثوري، فإنفصام البرجوازية الصغيرة عن طبيعتها شيء غير وارد إطلاقاً، وينسف الأساس الذي بُنيت عليه فكرة الصراع الطبقي. وفي تحليل أنطونيوغرامشي"فإن تصور «المثقفين» كفئة إجتماعية متميزة ومستقلة عن الطبقة ليس إلا خرافة" (دفاتر السجن، قضايا التاريخ والثقافة). لا يمكن أن تكون هنالك إعتراضات مبدئية على هذا الإستنتاج فمتلازمة التصفوية هي نتاج طبيعي لهذا الخلل في التركيبة الطبقية للأحزاب. هذا واقع يكون غض النظر عنه وتجاهله ضرباً من العبث، حين تقييم ظاهرة الإتجاهات الإصلاحية في الأحزاب الثورية. فإن البرجوازية الصغيرة ضيقة الصدر ولا تستطيع صبراً على الإلتزام بالإستراتيجية الطبقية الثورية ولذلك فهي ميالة للإنحراف عن هذا الخط ،أو مفارقته كلياُ نحوغايات إصلاحية أو عمل يساري ذو عائد سريع. فتكون إحتمالات إنحرافها يساراً أو يميناً، أو الخروج الكامل من العملية الثورية وارداً.
لا سبيل للإنفكاك من سيطرة البرجوازية الصغيرة على الأحزاب الشيوعية دون العمل المثابر وسط العمال لتصحيح التركيبة الطبقية. إذ لا يمكن أن يكون هنالك خوف علي حزب ثوري من الإتجاهات التصفوية إذا كان هو حزباً عمالياً في تركيبه، لأن العمال هم أكثر العناصر وفاءاً للمبادئ الثورية. فالعمال طبقة أوجدها تقسيم العمل الرأسمالي لينمو ويتراكم عن طريق القسم المسروق من قوة عملها. هي طبقة خلقها الرأسمال لتحفر قبره. ليس هنالك طريق تسلكه الطبقة العاملة لنيل حقها المغتصب غير الطريق الثوري. لذلك فهي ثورية موضوعياً "ومن بين جميع الطبقات، التي تُـناهض البرجوازية اليوم، فإنّ البروليتاريا وحدها هي الطبقة الثورية حقا." (المانفيستو الشيوعي) لذلك فإن توسيع القاعدة العمالية في الحزب هو أول الحلول، والذي يفرض نفسه بشرعية كاملة، مع التأكيد على أنه هدف لا يمكن أن يُحصر في كونه يمثل أحد المعالجات للقضية التي نحن بصددها. فمن دواعي السخرية أن يكون العمال هم من العناصر التي يلجأ لها الحزب الثوري حينما يبحث عن الحلول، بل هم في الحقيقة العنصر الأساسي والمكون الأصيل له. هذا بالتأكيد يتفق مع أنهم أصحاب المصلحة الحقيقية في بقاء الحزب وإستمراره ماركسياً بغير شوائب التحريف. فكل إتجاه تحريفي أو تصفوي هو في موقع التضاد مع المصلحة الحقيقية للعمال.
إن الغريزة الطبقية عند العمال تؤهلهم لأن يشكلوا وقاية لصد ومحاربة النزعات التحريفية والتصفوية. فإرتباطهم الطبقي يشكل ترابطاً عضوياً يعضد من تماسك الحزب. هذا ما يجعل من العمال، مسلحين بالوعي الطبقي والنضج الثوري، عنصراً مناضلاً طليعياً، يقود الصراع نحو الغاية النهائية (الإشتراكية) وفي لحظات الإنحراف يكون من أشد المدافعين عن الخط الثوري. وهوالعنصر الأساسي في الصراع الآني اليومي الذي يقود لمشارفها. إن هذا الوجود المكثف للبرجوازية الصغيرة في قيادة الأحزاب الشيوعية يشكل تناقضا طبقيا بين القيادة والقاعدة، إذا تمسكنا بأنها قيادة حزب الطبقة العاملة وهي قاعدته الأساسية.
الوعي السياسي الطبقي هو طريق العمال للتنظيم. الإلتحام بالعمال يمكن أن يتم عملياً من خلال الوقوف معهم في نضالهم الإقتصادي والوجود العضوي داخله والمساعدة في تنظيمه. لأن لكل مرحلة من مراحل هذا النضال سماتها المميزة التي تفرض وسائل ومناهج عمل محددة تنسجم وخواص تلك المرحلة. لذلك وجب الوقوف مع العمال لإيصال نضالهم الإقتصادي إلى غاياته وحتى يأتي بأحسن النتائج المتاحة. فهو مسار يمكن توظيفه في ربط هذه المسائل بالقضية الطبقية الكلية. الوقوف بجانب العمال في صراعهم الإقتصادي وتطويره ليصبح سياسياً يهدف للمعالجة الشاملة هو الطريق الذي سيقود للإنخراط في النضال المنظم والإنضمام لصفوف الحزب. لكن من المهم هنا أن لا نركن لهذه الوسيلة في تنمية وعي العمال فهي تضعهم على المسار الصحيح، لكنها لا تنمي وعيهم الطبقي، لذلك يجب دعمها نظرياً عبر المنشورات وتنظيم حلقات النقاش لإستنهاض الوعي الطبقي. فقد أكد لينين "مهما بذلنا من جهد في "إضفاء الطابع السياسي على النضال الإقتصادي نفسه"، لا نستطيع أبدا أن نصل إلى إنماء وعي العمال السياسي (إلى درجة الوعي السياسي الإشتراكي-الديموقراطي) ضمن إطار هذه المهمة، لأن هذا الإطار نفسه ضيق." لذلك يتضح أن مهمة تحصين الأحزاب الثورية من النزعات التحريفية تفرض ضرورة الإهتمام بتطوير العمال فكرياً، لتأهيلهم للإضطلاع بدورهم في تثبيت الحزب على مساره الثوري.
تنويع أساليب العمل وسط جماهير العمال بما يتناسب مع كل مجموعة وأشكال تواجدها ودرجة الوعي لديها، هو كذلك وسيلة قد تسهل المهمة. المهم هو إيلاء هذه المسألة إهتماماً أكبر، فشاهد الحال يقول أن الأحزاب الشيوعية اليوم مقصرة في جانب البناء وسط العمال. فيصبح الحديث عن الإتجاهات اليمينية مجرد قفز فوق واقع نراه ماثلاً أمامنا بكل وضوح، وهو غلبة وسيطرة البرجوازية الصغيرة وأيدلوجيتها على الأحزاب الشيوعية. إما السعي نحو تغيير هذه التركيبة المتناقضة وإلا فلتستعد الأحزاب الشيوعية لإستمرار المواجهة، ولتستعد لنضال طويل ضد أيدولوجية البرجوازية الصغيرة. فبذرة اليسارية واليمينية التصفوية تظل كامنة في عنصر البرجوازية الصغيرة، تظهر كلما إستدعتها التطورات التاريخية، محلية كانت أم عالمية. إذ لا يمكن منع التاريخ من أن ينتج البيئة المواتيه لظهور هذه الإتجاهات. كذلك ليست المستجدات وحدها هي التي تغذي هذه الميول فحالة الملل التي يفرزها النضال الطويل كفيلة بالقيام بهذه المهمة. جهود البناء وسط العمال مهمة أساسية تضاعف من أهميتها ضرورة تصحيح البنية الطبقية للأحزاب الشيوعية.
2) تكثيف العمل وسط الشباب
إن قدرات الشباب في الإبتكار والإبداع، هي من أهم روافد تطوير الحزب. لذلك فالتركيز على تطوير القدرات الفكرية للعضوية الشابة تكتسب أهمية خاصة في تأمين الأحزاب الشيوعية ضد النزعات الإصلاحية. كذلك فهي تؤهلهم لدورهم في عملية البناء وسط الشباب لتجديد الدماء في التنظيم. فالشباب هم قطاع إذا وجد بثقل داخل الأحزاب الشيوعية، سيساعد في خلق التوازن وهزيمة الميول اليمينية. فما دامت البرجوازية الصغيرة ذات ثقل في التركيبة الطبقية لهذه الأحزاب ستظل هذه الإتجاهات التصفوية هاجساً يهدد إستقرار هذه الأحزاب وإستمراريتها. الشباب عنصر ثوري أساسي في مقاومة الميول التصفوية لهذه الأسباب:
• العنصر الشبابي ذو حس ثوري عالي، لذلك فهو مهم كعامل موطد للحيوية الثورية. فالشباب هم أكثرالقطاعات إستعداداً وحماساً ومبادرةً، لذلك فهم عنصر يساعد على توطين التوجه الثوري وتثبيته.
• لدعاة االتجديد، فالعنصر الشبابي يشكل وقاية ضد الدوغمائية فهو ميال دوماً للجديد ووجوده يخدم مسألة تطوير المناهج والنظرية على حدِ سواء، وبذلك يُنهي دعاوى تَحَنُط المناهج.
• وجود الشباب بكثافة داخل الحزب يعزز من ديناميكيته فتُكسر حالة الضجر والملل التي هي أساس معظم الإتجاهات التصفوية عند عناصر البرجوازية الصغيرة.
تقدم العلوم التكنولوجية ساعد في تنمية التفكير النقدي وسط الشباب، لذلك فالظروف مواتية تماماً للعمل وسط هذا القطاع الحيوي، وجذبه للإنتظام في صفوف الأحزاب الشيوعية. يمكن أن نقول أن الإنترنت قد وفر مصدراً متاحاً للمعرفة ساعد في خلق ميل عند جموع الشباب نحو النضال للتغيير. الشاهد على ذلك الدور الطليعي الذي لعبته جماهير الشباب في "ثورات الربيع العربي" والتي خذلها الدور المتخلف للقوى الثورية في المنطقة. مواقع التواصل الإجتماعي تعج بالشباب التواقين للإنتظام في النضال وهؤلاء يشكلون رصيداً واعداً. لذلك يجب شحذ قدرات الشبيبة الحزبية الخلاقة للاستفادة من هذا الفضاء الواسع، المهيأ لإبتكار أشكال حلقات وقنوات التوعية والتجنيد.
على الأحزاب الشيوعية أن تطور أساليب التعاطي مع هذا الرافد الجديد المتقدم وأن تتيح مزيداً من الصلاحيات التنظيمية للشبيبة لتقرير خطوط العمل السياسي حسب ما يرونه مناسباً لهذا المجال الجديد، وكي يتحركوا في هذا الفضاء الذي وفرته التكنلوجيا في وجهة عملية البناء ونشر الوعي وحشد التأييد لبرنامج الإنتقال للإشتراكية. كمرحلة أولى يمكن تجنيد هؤلاء الشباب في أوعية مبتكرة يتاح للشباب إنشاؤها، والإستفادة من وجودهم العضوي في هذا المجال في رصد الظروف الموضوعية وكذلك الذاتية حول طبيعة وتركيبة الشباب لجعلها أساساً لعملهم البنائي والتنويري. يمكن تجنيد هؤلاء الشباب بدون ضرورة تبنيهم برنامج الحزب بشكل كامل وهذه واحدة من أهم تعاليم لينين في وجهة البناء. تقوية الأواصر التنظيمية بالشباب في القطاع الطلابي وشباب الأحياء وإعطاء الشبيبة الحزبية الفرصة لإبتكار أشكال التنظيم هي كذلك مسألة يجب أن تكون لها أولوية وأن تُحظى بالإهتمام الكامل. يمكن للإحزاب الشيوعية الإستفادة من إرثها في العمل وسط الشباب بإستنهاض الأشكال المجربة وفتح المجال للإيتكار في آن واحد.
3) التركيز علي التثقيف الثوري
المسارات المنحازة لهموم الجماهير التي تسلكها الأحزاب الشيوعية تخلق إنجذاب تلقائي نحو الإنضمام للأحزاب الشيوعية فيشكل المنضمون الجدد عضوية ضعيفة نظرياً. كذلك فجموع العمال التي تنضم للحزب لا يكون لها مسبق وعي طبقي ناضج. هذه الأسباب تعطي مسألة رفع الوعي الثوري أهمية موضوعية، لكن هذه المهمة لا تجد حظها من الإهتمام عند الأحزاب الشيوعية. فالتركيزعلى النشاط العملي، سياسي وتنظيمي كثيراً ما يضعف الإهتمام بالناحية النظرية.
كذلك فإن الإعتقاد بأن من ينضم للحزب هو بالضرورة قد وصل الى درجة من الوعي الثوري يساهم في تعطيل جهود الحزب في إتجاه الإعداد النظري للعضوية ويؤخرهذه المهمة من أن تكون أولوية. ذلك بالتأكيد لا يعني إنعدام الإهتمام بالإعداد النظري في الأحزاب الشيوعية، ولأنه أهم مدخل للإنخراط في التنظيم الثوري، فقد إهتمت جميع الأحزاب الشيوعية بتنظيم مدارس المرشحين والكادر، لكن التجارب التحريفية التي تتعرض لها الأحزاب تؤكد ضرورة إستثنائية للتركيز على التثقيف الثوري.
كذلك فما استجد من متغيرات بإنيهار المعسكر الإشتراكي، والنكسة التي منيت بها تجربة البناء الإشتراكي في الإتحاد السوفيتي، عرّض القناعات النظرية عند كثير من الشيوعيين للإهتزاز، وأضعف مقاومتهم للإتجاهات اليمينية، مما يستدعي درجة أعلى من التركيز على التثقيف الثوري، وتأهيل العضوية نظرياً لتمكينها من تحليل وفهم هذه المتغيرات لتجاوز هذه المرحلة من الإضطراب النظري. فالدراسة العميقة لهذه التجربة، من حيث الأسباب والنتائج، ستأتي من المؤكد بنتائج إيجابية قد تجيب على أسئلة كثيرة حول التطبيق العملي للماركسية.
الماركسية الكلاسيكية لم تشِخ، كما وأنها الأساس المتين الذي يؤهل الشيوعيين لقيادة الصراع النظري ضد الإتجاهات التحريفية. فكل جديد إذا ما بُني على هذه الأساسيات يُطوِر الماركسية ولا يحرفها. وفوق كل هذا، وبما أن الماركسية علم، وجب دراستها وتدريسها. كما أن أحداث إنهيار تجارب البناء الإشتراكي الأخيرة حفزت الكثيرمن المفكرين الماركسيين على الكتابة للدفاع عن الماركسية. الإنخراط في قراءة ومناقشة المساهمات الماركسية المعاصرة يوضح ويؤكد راهنية الماركسية فيثبت هذه المفاهيم لدى الرفاق. لذلك فالتثقيف الثوري في كِلا الإتجاهين، كلاسيكي ومعاصر هو ضرورة. وهو في نفس الوقت مهمة ممكنة.
كل هذه الدراسات والمناقشات يجب أن تحظى بالإهتمام فإذا كانت في الماضي تُمنح أولوية، يجب الآن أن تُمنح أولوية قصوى، مما يوجب وجودها بشكل دوري في خطط العمل القاعدي. فالماركسية الآن تجتاز مرحلة ذات أهمية استثنائية. ذلك يمكن ان يتم بتثبيت جند الدراسة النظرية في نشاط المنظمات القاعدية. كما يمكن أن تُكرس لها أنشطة منفصلة، كأن تكون هنالك لقاءات موسعة للكادر الحزبي لمناقشة الوثائق النظرية. المكتبات المتحركة التي يكونها الشيوعيون بتدوير ما يوجد عند الزملاء من كتب نظرية يمكن أن تساعد في إنجاز هذه المهمة. كل هذا وغيره من الوسائل التي يمكن أن تُبتكر كفيل بالإيفاء بهذا الواجب الهام، مع تنشيط الوسائل الموجودة أصلاً كالصحف والمجلات الحزبية ودعمها بالمساهمات. فــ"لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية." (لينين، ما العمل.، نقلاً عن إنجلز). التثقيف الثوري يحمي الحزب ويمنع التنازل النظري لأنه يجعل من الإلتزام بالماركسية اللينينية مسألة تقع خارج نطاق المساومة بل هي عصية عليها.
هذه الخطة
من تعاليم لينين، أن إستخلاص الدروس يُبْنى على الدلائل وليس على الإستنتاجات فقط، وهذا جانب بالغ الأهمية، فهو الذي يمهد الطريق نحو المعالجات المستديمة. والتقييم النظري مهم في إتجاه رسم الطريق للحلول العملية المستمدة من رؤية ثورية. هذا ما إستندت عليه هذه المساهمة. فتحصين الأحزاب الثورية من الإنزلاق في الإصلاحية يكمن في مشروع التطور أُفقياً في وجهة البناء الذي يستصحب برنامجاً لتصحيح التركيبة الطبقية للأحزاب الشيوعية بتوسيع القاعدة العمالية، ودعمها بالعناصر الشابة الثورية. ورأسياً بالعمل في جانب التثقيف الفكري للعضوية في وجهة توطيد القواعد النظرية والتنظيمية، ليس بالنقل الكامل للإرث الثوري التاريخي، بما فيه التجربة البلشفية، فلكل تجربة من تجارب النضال الثوري وحتي الرائدة منها ظروفها الموضوعية وتكوينها الذاتي الذي بُناءاً عليه تشكلت برامجها وخطط عملها. هذه الخطة يمكن أن تُدْرج ضمن المسائل الملحة (الآنية) والمستديمة (طويلة الأمد) في نفس الوقت.
وهذه دعوة للرفاق الماركسيين لإثراء هذه المناقشة بالمساهمات المستمرة لكي نحمي الأحزاب الشيوعية من الإنحراف نحو الإصلاحية. وكذلك لتأمينها من الضررالذي تسببه البلبلة الناتجة عن المعارك الداخلية، التي تعرضها لحالات الركود أو الشلل وكذلك التخلف. فأي حالة من السكون تعتبر تخلفاً عندما يكون الأمر متعلقاً بمنظمة ثورية، والتي يفترض أن يكون طابعها الدائم هو الديناميكية والتطور من خلال التفاعل مع الواقع من جهة، وبواسطة الإجتهادات والمساهمات النظرية من جهة أُخرى.
هذه الخطة، الغرض الأساسي منها هو تعزيز تركيبة الأحزاب بالعناصر التي توطد خطها الثوري وتحميها من الإتجاهات التحريفية والتصفوية. بالتأكيد فإن المعالجة الشاملة من المفروض أن تغطي نواحي أخري كمناهج عمل الأحزاب وبرامجها وخططها، لكن هذه المساهمة، في وجهة تركيبة الحزب، ينعكس أثرها كعنصر مساعد في إبتكار الخطط ورسم المناهج. وهذا لا ينهي أو يقلل من ضرورة الإهتمام بتلك الجوانب الأخرى الأساسية. لكنها ذات طابع يرتبط بخصوصية واقع كل حزب من الناحيتين، الذاتية والموضوعية، فلا ينفع فيها تعميم الإقتراحات.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن