الإستفتاء التركي: إستفتاء للإستحواذ على السّلطة أم تخطيط لإستهداف النّموذج المجتمعي العلماني؟

لطفي الهمامي
hammami_l@yahoo.fr

2017 / 4 / 24

الإستفتاء التركي:
إستفتاء للإستحواذ على السّلطة أم تخطيط لإستهداف النّموذج المجتمعي العلماني؟
توجّه حوالي 86 بالمائة من الأتراك المرسمين بالقائمات الانتخابية والبالغ عددهم حوالي 55 مليون يوم الأحد 16 افريل الجاري إلى مراكز الاقتراع للتصويت لصالح أو لمعارضة محتميات الاستفتاء القاضية، بتنقيح الدستور من اجل التخلّي عن النظام البرلماني لصالح النظام الرئاسي/الرئاسوي. كانت نتيجة الاستفتاء المصرح بها والتي سارع حزب العدالة والتنمية بتبنيها 51,4 بالمائة لصالح التنقيح الدستوري، في حين ندّدت المعارضة وأساسا كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي بهذه النتيجة وهي متّجه نحو الطعن في النتيجة لدى هيئة الانتخابات وكذلك الهيئة العليا لحقوق الإنسان الأوروبية.مباشرة بعد نتيجة الاستفتاء بدأت تظهر تركيا جديدة منقسمة بين جزأين متناقضين بدل تركيا موحدة ومتعددة في ظل تناقضات داخلية وحروب إقليمية وتقلبات دولية.
جوهر التعديلات الدستورية وغاياته الحقيقيّة
دون العودة إلى الفصول الدستورية وصياغتها المقترحة في الاستفتاء، لأننا تعرضنا لها سابقا بجريدة "صوت الشعب" يمكن تلخيصها في النقاط التالية: تحويل قيادة السلطة التنفيذية من رئيس الوزراء والحكومة إلى رئيس الجمهورية، تقليص من صلاحيات المجلس التشريعي لصالح رئيس الجمهورية، مركزة الإدارة تعيينا وعزلا بيد رئيس الجمهورية، مركزة القيادة الأمنية والعسكرية والسياسة الخارجية بيد رئيس الجمهورية، مركزة الأوامر التنفيذية ومشاريع القوانين لدى رئيس الجمهورية، إلغاء المؤسسات القضائية العليا المدنية والعسكرية وتمتيع رئيس الجمهورية بسلطة واسعة في هاذين المجالين. مما يعنى تحويل النظام السياسي من نظام برلماني تعددي إلى نظام رئاسي ممركز من الأدق اعتباره رئاسوى أي التمركز العمودي للسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية والعسكرية.
لقد بلغ طيب رجب اردوغان السلطة عبر مراحل وتدرّج، انطلق في البداية بالبلدية ثم بالأغلبية البرلمانية ثم برئاسة الحكومة وهو رئيس للدولة منذ سنة 2014،ومرّ بكل هذه المراحل بفضل الدستور التركي والنظام البرلماني ألتعددي.لكن إرادة الانقلاب على الدستور لم تكن وليدة اللحظة مثلما يدّعيه الآن على أساس أنّ النظام البرلماني لا يسمح بالإصلاحات الضرورية لتركيا بالسرعة الكافية، لذلك يريد نظام رئاسي سلس.لقد اتّبع حزب العدالة والتنمية منهجية التمكّن التدريجي من السلطة وهو الآن يمرّ إلى مرحلة السيطرة الكليّة على الدولة لغايات إيديولوجية صرفة. لان الأطروحة التي يجيب عنها الاستفتاء، هي أنّ نظام اردوغان وحزب العدالة والتنمية يسيطرون على كافة السلطات في تركيا ويمثلون الأغلبية البرلمانية فلماذا يبحثون عن مزيد من مركزة السلطة بيد رئيس الجمهورية عبر تنقيح دستوري؟ والجواب يطرحه سؤال، ما الذي يريد حزب العدالة والتنمية من هذه السلطة الممركزة بيد رئيسه خاصة إذا نظرنا إلى احد الفصول المطروحة بالاستفتاء والتي تقول بان رئيس الدولة يظل رئيس الحزب الذي رشحه لذلك المنصب؟.من الواضح أنّ المرحلة كما حددها حزب العدالة والتنمية تستوجب المرور بتركيا إلى مرحلة جديدة تبدأ بتغيير شكل النظام السياسي نحو البدء في إحداث تغييرات في بنية المجتمع التركي.
على عكس تيار التاريخ الذي عادة ما يطرح على الشعوب الذهاب من الدكتاتورية والسلطة المركزية إلى الديمقراطية والسلطة التعددية، فان تركيا اليوم بقيادة حزب ذو مرجعية إسلامية يختار العكس أي الخروج من التجربة الديمقراطية نحو الكليانية.إذا ما عدنا إلى التجارب التاريخية فان التجربة الأكثر اقترابا من هذا المشهد التركي هي التجربة الألمانية، حيث بلغ هتلر السلطة عبر الانتخابات الديمقراطية وانقلب عليها باستعمال الدستور الألماني للانقضاض على السلطة بشكل كلياني.
غاية حزب العدالة والتنمية السيطرة على الدولة لتغيير طبيعة المجتمع العلماني وتصفية الإرث الأتاتوركي
ما بلغه حزب العدالة والتنمية من السلطة، وتصفية الخصوم السياسيين، وتدجين المؤسسة العسكرية وقيادة السياسة الخارجية، يكفيه للمضي في تطبيق أيّة إصلاحات اقتصادية أو غيرها، ولكن الغاية واضحة، انه يريد مركزة السلطة حتى يتمكن من الانطلاق في إعادة تنظيم المجتمع التركي واستهداف نموذجه الأتاتوركى وعلمانية الدولة وتنظّم المجتمع على تلك الصيغة.فمركزة السلطة سوف تمكن حزب العدالة والتنمية من التقدم التدريجي في إحداث تنقيحات أخرى ذات طابع مجتمعي مثل التعليم وموقع الدين في علاقة بالمؤسسات وحول مظاهر التدين بالوظيفة العمومية والغاية الأساسية من ذلك ضرب علمانية الدولة والفصل بين الدين والدولة. فحزب العدالة والتنمية لا يرى التناقض بين القوى الاجتماعية وتوزيع الثروة والقضاء على البطالة وتقدم الدولة التكنولوجي والعلمي وإنما يرى التناقض الأساسي يجري بين أنصار الدولة المدنية ذات الخلفية الدينية وأنصار النموذج العلماني. تحديد التناقض بهذا الشكل من نتائجه الانحراف بالدولة نحو الصراع الديني والمذهبي والطائفي والقومي والحال أنّ تركيا متعددة الأعراق والديانات والقوميات.استهداف علمانية الدولة في تركيا هو الرجوع بها نحو الانحطاط بدل التقدم وهو ما يعكس تفكير وذهنية الإسلام السياسي بصفة عامة.
الخطوة القادمة: دكتاتورية سياسية وبداية تركيز نموذج مجتمعي اسلاموي/ قومي.
سوف تتسم مرحلة ما بعد الاستفتاء أولا، بارتفاع حدّة الصراع السياسي بين العدالة والتنمية والقوى المتمسكة بعلمانية وديمقراطية وتعددية المشهد السياسي وأركان الدولة. أما فيما يخص تنقيح الدستور فسوف يؤدى إلى تنظيم انتخابات رئاسية سنة 2019 ولكن من الواضح أنّ الخطوة التي سوف تسبق ذلك هي تصاعد للقمع والتضييق على الحريات العامة والخاصة. فتركيا بهذه الخطوة تقطع مع النظام الديمقراطي وتخطوا خطوة حاسمة نحو الحكم الفردي إذا ما لم يتمكن الشعب التركي من قلب المعادلة السياسة.كما انه من الواضح أنّ الإسراع بتصفية الإرث الاتاتوركي سوف تنطلق عمّا قريب عبر تحويرات قانونية وعبر استفتاءات تخص قضايا أساسية ومصيرية للشعب التركي.من بين المواضيع المطروحة على طاولة العدالة والتنمية هي قضية العودة إلى أحكام وتطبيق الإعدام، لذلك ومباشرة على اثر إعلان نتيجة الاستفتاء أعلن رجب طيب اردوغان انه سوف يمهد إلى إجراء استفتاء حول الإعدام وبطبيعة الحال سوف يقوم بذلك عندما يتم ضبط الاستفتاء والتيقن من نتائجه، سوف يرجع تركيا إلى عقوبة الإعدام.ثمّة منهجية واضحة يمارسها الإسلام السياسي عبر مراحل تطوره فإذا كان خارج الحكم فانه يتبنى الديمقراطية ويقتحم الانتخابات على أساس انه لا يهدد الدولة الحديثة ولما يصل السلطة يعمل على تحويل كافة المؤسسات لصالحه للتمكن من القوة وبعد ذلك ينطلق في تطبيق برنامجه الاجتماعي وأول نقاطه تصفية الإرث المدني للدولة والدفع بها نحو العقدي وتثبيت ذلك صلب المجتمع لتأبيد السلطة بين يديه.إن ما يجري في تركيا اليوم لا علاقة له بمصلحة الشعب التركي التواق إلى التقدم والنهوض وإنما هو عودة إلى الانحطاط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والحضاري.
من الناحية الخارجية، إضافة إلى مشاكل تركيا الخارجية منها تورطها في الحرب السورية وتدخلها في العراق وتغييرها التحالفات بشكل دوري وإصرارها على الاستمرار في الحرب ضد الأكراد وتوسيع دائرة الأعداء إضافة إلى الاستفتاء الأخير سوف يجعلها في كماشة الضغوط الدولية وأوّلها الاتحاد الأوروبي.أن تخوض صراع ضد أعداءها الخارجيين ليس سلوك سلبي بالمطلق بل لأجل ماذا تقوم بذلك؟هل من اجل مصلحة الشعب التركي آم لمصلحة النظام التركي الذي كشّر عن أنيابه الإيديولوجية والعقائدية بشكل مفضوح.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن