رقص رقص رقص

آرام كربيت
hadad_kiven@hotmail.com

2017 / 4 / 19

رواية, رقص رقص رقص, للكاتب الياباني هاروكي موراكي, تدخل في تحليل بنية المجتمع الرأسمالي المركزي, اليابان, في فترة الثمانينات من القرن العشرين.
يرصد الروائي هاروكي انفصال الإنسان عن الطبيعة, عن ذاته ككائن طبيعي, ويتحول إلى مجرد كائن مصنع بعيدا عن النسيج الاجتماعي الذي يربط الإنسان بالأخرين.
يسلط الضوء على فندق اسمه الدولفين يقع في حي من أحياء مدينة سابورو بشكله التقليدي القديم, نزل فيه عندما كان في عشرينات عمره. مبنى مشوه, صغير وقبيح بصحبة امرأة متوسطة الجمال, له علاقة معها, دون حب. يشير من خلال الرواية على النشأة, عيب في تكوينه. وعندما يعود إليه مرة ثانية بعد أربعة أعوام ونصف يجده غائبًا تمامًا عن الوجود, يستبدل بفندق أحدث وأكبر, بني على المكان ذاته, بقيمه القديمة, وعندما يسأل عن الدولفين القديم يتم نكره بالكامل بالرغم من انتحال الاسم ذاته, الدولفين. لم يبق من اليابان إلا الأسم, فقد جرى درس لكل المعالم القديمة, التي كانت عليه بشيء جديد, يقول على لسان بطله:
ـ ما كان ينبغي لهذا الفندق أن يشيد حيث كان. كان هذا هو الخطأ الأول الذي جعل كل شيء يأخذ منحىً سيئًا.
تتغلغل الرواية في بنى الحياة الاجتماعية في اليابان الحديث, العائم, المفكك, المضطرب. حيث العلاقات المشوهة هي السائدة, تتم معالجة اغلب المستويات الاجتماعية بالمال في محاولة الهروب الدائم إلى الأمام. فالمال السائل المتدفق بكثرة يحول الإنسان إلى مجرد سلعة تباع وتشترى حسب قيمة كل شيء.
الجنس جاهز له مكاتب, صور النساء المعلبة في قشور الجنس, أشتر وخذ, وتأتيك إلى شقتك أو فندقك سواء في اليابان أو فرنسا أو الولايات المتحدة. كل شيء جاهز وتحت الطلب. وتتم صناعة العلاقات, الزواج, الطلاق, الجنس, الرفاهية, كلها موجودة. لا تبتئس, لا تحزن أو تفرح, الحياة السعيدة المعلبة أمامك, لا تشغل بالك بأي شيء, أعمل خذ وأعطي واستمر. لا مكان للحميمية والحب في أية علاقة. هذا البناء المشوه أنتج مجتمعًا مريضًا مفككا, مشوهًا, سريع الإيقاع. المهم الركض إلى الأمام بحثًا عن الشهرة, بحثًا عن المزيد من المال. الأيام متشابهة, لا يوجد استرخاء أو محاولة التواصل مع جمال الطبيعة وكائناتها. ولا يهم نوعية الإنسان كقيمة معنوية وأخلاقية أو تكوينه ككائن طبيعي.
تعوم هذه البلاد فوق ذاتها, وتتحول الأرض إلى لا أرض, منفصلة عن نفسها لمصلحة رأس المال واصحابه الذي يحولونها إلى مجرد أماكن لإنتاج المال.
يوكي فتاة مراهقة في بداية حياتها, مزاجها صعب ومتقلب, في غياب أبويها, كلاهما مشهوران, كل واحد منهما مهتم بنفسه, بعلاقاته, بسفره, بالمال والشهرة. الأب مثلي الجنس, كاتب, وقته لا يسمح له الاهتمام بأبنته, والأم ممثلة سينما, وقتها ليس ملكها, تتحول يوكي, الكائن الجميل الحلو إلى عبء عليها وعلى طليقها.
إحدى المرات نسيت أبنتها في فندق الدولفين, طارت من هناك إلى الولايات المتحدة لتتحول إلى فتاة موديل, اهتمامها الدائم بجمالها, بطريقة التصوير. هذا الجمال هو رأس مالها الحقيقي الذي يدر عليها الشهرة والمكانة. بالمال, ترعى أبنتها من بعيد, تتركها في غرفة الفندق, وحيدة, شاردة, لا صديق أو أخ أو أخت أو أقرباء. فتاة تعيش مع الريح والفراغ والضياع.
تواجد بطل الرواية في الفندق ذاته, الدولفين, يحوله إلى مهتم بها. تطلب الأم من إدارة الفندق أن يأخذها معه في طريق عودته إلى طوكيو, ومن هناك إلى بيتها في مكان معزول. يضطر للبقاء معها حزنًا وشفقة على طفولتها. وعندما يتصل بالأب والأم يفرحان كثيرًا بهذا الاهتمام ويرصدان له مبلغا ماليًا كبيرًا لبقاءه معها, يخلصهما من هذا العبء الثقيل, بله, يعمل الأب على وضع فتاة يابانية في خدمته, فتاة لممارسة الجنس, وعندما يسافر بصحبة يوكي إلى حيث تقطن أمها في الولايات المتحدة, تكون فتاة ليل أخرى جميلة جدًا تحت تصرفه.
في الفندق الجديد, هناك ظل للفندق القديم , رجل مقنع, يظهر ويختفي, هو لغز, تورية, يرى الجميع ولا يروه. يجعلهم يمشون دون وعي وكأنهم في متاهة, عماء, يقول للبطل:
ـ ليس هناك وعود بأنك ستكون سعيدًا, وعليك أن ترقص. ارقص حتى يظل كل شيء يدور.
يوكي, الفتاة, اليابان القادم, شخصية مضطربة, دائمًا تصطدم بالناس, بيد أنها كامل الوعي بنفسها, التي لا تستطيع التنبؤ بالكيفية التي تتصرف بها. ويبدأ التساءل:
ـ مهما كان المرء, بمجرد أن يعتلي القمة, يبدأ بالهبوط وأسوأ ما في الأمر أن المرء لا يعرف أين توجد القمة. ويظن أنه قويًا, بيد أن لا أحد يتنبأ بعد الذروة ماذا يحدث. الجميع يسعى إلى تلك الذروة
لم تكن يوكي تضحك, أو تبتسم, تضع السماعات على أذنيها وتسمع الأغاني بصوت مرتفع في محاولة هروب. لا مبالية بأي شيء. حتى الناس في زحمة القطارات لا يبتسمون, مهمومون, منتمون إلى آلية العلاقة بالواقع, دفع الفواتير الغاز والإيجار والهاتف. تشعر أن أمها تعيش في عالم غريب, تقول:
ـ إنها أسوأ أم, دمرتني حقًا, بيد أن لها حضور طاغيا وشخصية قوية, وأنا طفلة والكل يرى ذلك إلا هي. تتحدث بكل ما يخطر في بالها ويرد في خاطرها ثم تنساه مباشرة, وكأنها لم تقل أي شيء, ثم ودون مقدمات تجدها تريد أن تلعب دور الأم مرة أخرى.
تقع الرواية في 510 صفحة, ترجمة أنور الشامي. الطبعة الأولى سنة 2011



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن