يسوع والجهاد المسلح بين السيف والسكين !

ناصر المنصور
mnl79173@gmail.com

2017 / 4 / 3

إنجيل لوقا 22

36 فَقَالَ لَهُمْ: «لكِنِ الآنَ، مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذلِكَ. وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفًا.

تفسير أصحاح 22 من إنجيل لوقا للقمص تادرس يعقوب (لو 22: 36)

ثم قال لهم: حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية
هل أعوزكم شيء؟ فقالوا: لا.
فقال لهم: لكن الآن من له كيس فليأخذه، ومزود كذلك،
ومن ليس له فليبع ثوبه ويشترِ سيفًا.
لأني أقول لكم أنه ينبغي أن يتم فيَّ أيضًا هذا المكتوب:
وأُحصيَ مع آثمة،
لأن ما هو من جهتي له انقضاء.
فقالوا: يا رب هوذا هنا سيفان.
فقال لهم: يكفي" [35-38].

أولًا: في إرساله لهم لم يسألهم شيئًا سوى التخلي عن كل شيء حتى الضروريات ليكون هو سرّ شبعهم والمدبّر لحياتهم الخاصة وعملهم الكرازي، أما الآن وقد حان وقت الصليب وجّه أنظارهم للجهاد، لا ليحملوا سيفًا ويحاربوا به كما ظن التلاميذ، وإنما ليحملوا سيف الإيمان الحيّ العامل بالمحبة. لهذا عندما قالوا له أنه يوجد سيفان، قال لهم: يكفي. وقد حسبوه أنه يقصد السيفين الماديين.
يشبه القديس يوحنا الذهبي الفم تصرفِ المسيح هذا أشبه بمدرب السباحة الذي يضع يديه تحت جسم من يدربهم وهم في المياه فيشعروا براحة وثقة، ثم يسحب يديه قليلًا قليلًا فيجاهدوا ويتعلموا. هكذا في البداية لم يحثهم السيد عن الجهاد الروحي، إنما أرسلهم للكرازة محمولين على يديه لا يحتاجون إلى شيء، والآن يسألهم الجهاد الروحي بسيف الروح الحق، ليواجهوا الضيقات ويحتملوا الصلب معه بفرح ولا يتعثروا.
لم يتركهم السيد المسيح في عوزٍ إلى شيء، بل بفيض أشبع كل احتياجاتهم حين كان معهم بالجسد، والآن لمحبته أراد لهم أن يتركهم ليحمل هو الصليب، ويصيرون كما في عوز، لكي ينعموا بخبراتٍ جديدةٍ وسط العوز والألم. المحبة التي من خلالها عاشوا فترة من الزمن في راحة بلا عوز هي بعينها التي سمحت لهم أن يمارسوا الشركة معه في آلامه. لهذا السبب كما يقول القديس أنبا أنطونيوس الكبير في رسائله أن الله غالبًا ما يعطي للتائبين في بداية توبتهم تعزيات كثيرة ليرفعهم ويسندهم، لكنه يسمح فينزع هذه التعزيات إلى حين، لكي يجاهدوا وسط الآلام فيتزكون، وينالون تعزيات أعظم من الأولى.
ثانيًا: يرى القديس أمبروسيوس أن السيف الذي طلب السيد من تلاميذه أن يقتنوه هو "كلمة الله" التي تُحسب كسيفٍ ذي حدين.
ومن ليس له، فليبع ثوبه ويشترِ سيفًا" [36].
لماذا تأمرني يا رب بهذا الشراء، بينما تمنعني من الضرب (مت 26: 52)؟
لماذا تأمرني باقتناء ما تمنعني عن إخراجه من غمده، حتى ولو للدفاع عن النفس؟!
كان الرب قادرًا على الانتقام، لكنه فضل أن يُذبح! يوجد أيضًا السيف الروحي الذي يجعلك تبيع ميراثك لتشتري الكلمة التي تكتسي بها أعماق الروح.
يوجد أيضًا سيف الألم الذي به تخلع الجسد لتشتري بنفايات جسدك المذبوح إكليل الاستشهاد المقدس...
ربما يقصد بالسيفين العهد القديم والعهد الجديد، اللذين بهما نتسلح ضد مكائد إبليس (أف 6: 11)، لذا قال الرب "يكفي" حتى نفهم أن التعلم الوارد في العهدين ليس فيهما نقص.
القديس أمبروسيوس
هذا ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن هذين السيفين لم يكونا سوى سكينين كبيرين كانا مع بطرس ويوحنا، اُستخدمتا في إعداد الفصح (إن كان قد قُدم يوم خميس العهد).
ثالثًا: يلاحظ أن السيد المسيح يحدث التلاميذ عن الجهاد الروحي حالًا بعد مناقشتهم بخصوص أحاديثهم عمن يحتل المركز الأول، وكأنه يريد أن يوجههم إلى الجهاد عوض الانشغال بالكرامات الزمنية. كأنه يقول لهم أنه ليس وقت لطلب المجد، وإنما للصراع ضد عدو الخير، والجهاد لحساب الملكوت، وكما يقول القديس يوحنا كاسيان إننا الآن في وادي الدموع الذي يعبر بنا إلى الأمجاد الأبدية.
بينما كانوا يتشاحنون فيما بينهم من يكون الأكبر، قال لهم: أنه ليس وقت الكرامات إنما هو وقت الخطر والذبح. انظروا، أنا سيدكم أُقاد للموت البشع، مُحتقرًا من العصاة!
الأب ثيؤفلاكتيوس
رابعًا: إذ حلّ وقت آلامه وصلبه، تحدث عن السيف لكي يهيئ أذهانهم لما سيحل به من أتعاب، فلا تكون مفاجئة لهم.
خامسًا: بلا شك وجود سيفين في أيدي أثنى عشر صيادًا لا يساويان شيئًا أمام جماهير اليهود وجنود الرومان القادمين للقبض عليه، خاصة إن كان السيفان مجرد سكينتين، حتى إن كانا سيفين حقيقيين فإن هؤلاء الصيادين بلا خبرة في استخدام السيوف، لهذا يرى البعض أن كلمة السيد المسيح "يكفي" إنما ترجمة للكلمة العبرية "دَييّر" التي كان معلمو اليهود يستخدمونها ليسكتوا بها جهالة بعض تلاميذهم. وكأن السيد المسيح أراد أن يسكت تلاميذه الذين انصرفت أفكارهم إلى السيف المادي لا سيف الروح.


تفسير أصحاح 22 من إنجيل لوقا للأستاذة بولين تودري

تحذير عام (22: 35-38) وبعد التحذير الخاص لبطرس، قدم الرب تحذيرًا عامًا لكل التلاميذ، وكأنه يريد أن يقول لهم اهتموا بالجهاد بدلًا من الانشغال بالكرامات الزمنية. فقد سبق حينما أرسلهم للتبشير في مسافات قريبة من وطنهم أن أوصاهم بأن لا يحملوا شيئًا معهم (لو9: 3) لأنه هو سيعولهم. أما الآن وهو ذاهب عنهم ليقدم ذاته، ويُحسب مع الآثمة حسب النبوة (اش53: 13)، فلابد أن يتسلحوا -وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في صفحات قاموس وتفاسير الكتاب المقدس الأخرى- ولكن التلاميذ ظنوا أنه يكلمهم عن سيوف حقيقة، فقالوا أن معهم سيفان، ربما كانوا يستخدمونها في إعداد الفصح، أو كانوا يحملونها ليدافعوا عن أنفسهم كعادة الجليليين لأن البلاد ساعتها كانت كثيرة الوحوش واللصوص.
أما الرب فربما قصد بالسيفين الإيمان والجهاد الروحي الذي يجب أن يتسلح بهم الكل إلى أن يجئ، وبالذات لأنه لن يكون معكم بعد الآن. وربما قصد بهم كلمة الله في العهدين القديم والجديد اللازمان للتسلح ضد مكائد إبليس في هذا العالم (أف6: 11).

شرح الكتاب المقدس - العهد الجديد - القس أنطونيوس فكري
لوقا 22 -

الآيات (35-38): "ثم قال لهم حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية هل أعوزكم شيء فقالوا لا. فقال لهم لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزود كذلك ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفًا. لأني أقول لكم أنه ينبغي أن يتم في أيضًا هذا المكتوب وأحصي مع آثمة لأن ما هو من جهتي له انقضاء. فقالوا يا رب هوذا هنا سيفان فقال لهم يكفي."
حين كان المسيح معهم طيلة مدة خدمته كان يعزيهم ولم يدعهم معوزين لأي شيء. ولكن ستأتي ساعة حين يفارقهم، عليهم فيها أن يواجهوا بعض الشدائد وعليهم أن يتعلموا كيف يواجهونها. هنا السيد أشبه بمدرب السباحة الذي يضع يديه تحت جسم من يدربهم وهم في المياه فيشعروا بثقة وراحة، ثم يسحب يديه قليلًا قليلًا فيجاهدوا ويتعلموا، وسيصيرون كمن في عوز، لكي ينعموا بخبرات جديدة. ولكن في (مت20:28) قال لهم ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. وكأن المسيح هنا يريد أن يقول حين تأتي أيام الضيق وهي ستأتي تذكروا أنني حينما كنت معكم لم يعوزكم شيء، وأنا مازلت معكم، ولكن ربما تنقضي فترة حتى أتدخل لرفع الضيق. ويقول الأنبا أنطونيوس أن الله غالبًا ما يعطي للتائبين في بداية توبتهم تعزيات كثيرة ليرفعهم ويسندهم لكنه يسمح فينزع هذه التعزيات إلى حين لكي يجاهدوا وسط الآلام فيتزكون وينالون أعظم من الأولى.
الكيس والمزود= أي سيكونوا في احتياج لتدبير أمورهم، وستمر عليهم ضيقات يحتاجون فيها للزاد الروحي والاستعداد الروحي. وهذا يحتاج للجهاد المستمر بصلوات وأصوام بينما كان المسيح فترة وجوده معهم على الأرض هو الذي يسندهم.
السيف= هو كلمة الله (عب12:4) التي نتسلح بها ضد مكائد إبليس (أف11:6) والآلام التي يسمح بها المسيح لتلاميذه بها يشتركون في صليبه وبالتالي في مجده. الكيس والمزود والسيف تفهم بمعانيها الروحية وليست المادية، للامتلاء الروحي حتى يستطيعوا الحرب ضد إبليس.
هوذا هنا سيفان= غالبًا هما سكينتان كبيرتان يستخدمان لذبح خروف الفصح.
يكفي= هي ترجمة للكلمة العبرية (دَيّير) التي كان معلمو اليهود يستخدمونها ليسكتوا بها جهالة بعض تلاميذهم. وكأن السيد المسيح أراد أن يسكت تلاميذه الذين إنصرفت أفكارهم إلى السيف المادي لا سيف الروح. ولا تعني يكفي بالمعنى المباشر فماذا يعمل سيفان في مقابل جماهير اليهود وجنود الرومان الآتين للقبض عليه. بل حينما استخدم بطرس سكينًا منهم وقطع أذن عبد رئيس الكهنة شفاه المسيح بمعجزة وقال "لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون" (مت51:26-52).
(آية 35): ما هو من جهتي له انقضاء= أي سوف لا أبقى في وسطكم بعد، فسأتمم الفداء وأصعد للسماء.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن