علم النفس الاجتماعي وسيكولوجية الجماهير - ج 1

وليد يوسف عطو

2017 / 3 / 11

قام الباحث والمترجم هاشم صالح بترجمة وتقديم كتاب العالم الفرنسي غوستاف لوبون المتخصص في علم النفس الاجتماعي ,المعنون ( سيكولوجية الجماهير).
يؤكد هاشم صالح ان علم التحليل النفسي الذي اسسه فرويد يستند الى دراسة الذات الفردية وليس الذات الجماعية . ولكن علم النفس الاجتماعي يستخدم نفس مصطلحات علم النفس , وهو يهتم بدراسة سلوك المجموعات, او الكتل البشرية ,في المجتمع .

يقول هاشم صالح ان علم النفس الفردي يكمله علم النفس الاجتماعي او الجماعي .ان علم النفس المطبق على الجماهير يختلف من حيث المنهج والنتائج عن علم النفس الفردي .واستنادا الى علم النفس الاجتماعي يقوم العلماء المختصون بدراسة سيكولوجية الجماهير وكيفية التاثير عليها وترويضها وفق الايحاء الذي تتم ممارسته من قبل قادة الاحزاب والحكومات , ومن على المنابر الدينية , كالمساجد الاسلامية , ومن خلال الفضائيات وشاشات شبكات التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية .حيث يتم توجيه الكتل البشرية عن طريق الايحاء بما يشبه التنويم المغناطيسي للفرد والقائمة على الايحاء على الجماهير بصورة جماعية باستخدام الشعارات والعاطفة والخطابات وكاريزما القائد والزعيم .

هنالك اختلاف بين علم النفس الاجتماعي وعلم النفس الجماعي , وبالتالي يمكن اعتبار علم النفس الجماعي فرعا من علم النفس الاجتماعي , يدرس العلاقة بين الفرد والمجتمع .ثم عمليات دمج الانسان في المجتمع , او تحويله الى فاعل اجتماعي .

اما علم النفس الجماعي فيهتم بعلاقة الجماهير ككتلة بشرية بالاقتصاد والدعاية والاعلان والايديولوجيات من سياسية وحزبية ودينية . ثم الاضطرابات الجماهيرية والعمالية والطلابية .هذه الظواهر تندرج تحت اطار علم النفس الجماعي ,او علم نفسية الجماهير .
نشا علم النفس الجماعي في القرن التاسع عشر على يد باحثين ايطاليين قبل ان يتبلور بشكل علمي على يدالعالم الفرنسي غوستاف لوبون .وقد اهتم علم النفس الجماعي بالكاريزما والجاذبية الساحرة التي مارسها بعض الزعماء والقادة او الدكتاتوريين على الجماهير وامم الارض امثال هتلر , موسوليني , ستالين , غاندي, جمال عبد الناصر , صدام حسين .

لقد كتب فرويد في نهاية حياته ابحاثا حول علم النفس الجماعي . وتم اهمال ابحاثه من قبل من جاء بعده .ذلك لانها كانت تغيضهم لانها تتسم بالعلمية وبالجدية معا .لقد شهد فرويدالحرب العالمية الاولى وتصاعد الحملات ضد السامية في اوربا الغربية , واضطرته الاحداث الى الهجرة الى انكلترا .لذا قام بطرح بعض التساؤلات عن ظاهرة الكتل والحشود الجماهيرية الكبيرة وهياجها .

لقد كانت جماهير النازية والفاشية في تلك الايام في طور التحضير لصعودها . ومن اهم كتبه في هذا المجال ( علم النفس الجماعي وتحليل الانا )و ( مستقبل وهم ) . يبين فرويد اوجه التشابه بين الطقوس الشعائرية وهيجان الجماهير , ومدى الاهمية والضخامة التي تتخذها اوهام الفكر السحري , او العقائد اللاعقلانية .

يختلف مفهوم فرويد في استخدامه للعقل اللاواعي عن مفهوم عالم الباراسايكولوجي يونج وعن العالم غوستاف لوبون .ان فرويد يرفض فكرة اللاوعي الجماعي والتي يستخدمها يونج وغوستاف لوبون .يطبق فرويد المفاهيم والاليات ذاتها لدراسة اللاوعي الفردي في دراسته الى اللاوعي الجماعي . وهكذا يستخدم فرويد مصطلح الليبيدو , اي الطاقة الشبقية الحيوية التي تتمثل فيها غريزة الحياة , في جميع ابحاثه وكذلك الغرائز الجنسية والعدوانية ومفهوم الانا والانا العليا ..

يرى عالم النفس التاريخي الفرنسي (روبير ماندورا ) ان النفسية الجماعية لفئة ما ليست هي مجموع النفسيات الفردية لاعضائها . وهذا يشبه قول غوستاف لوبون عن اختلاف الفرد المعزول عن الكتلة البشرية .فمتى اندمج الفرد في القطيع تغير وانصهر , وبالتالي فان مناهج التحليل النفسي الخاصة بالافراد لايمكن تطبيقها على الكتل البشرية الا في حدود ضيقة جدا .

ان تركيز غوستاف لوبون على العرق وانه العامل الحاسم في تحديد سلوك الشعوب والافراد , قم تم اثبات بطلانه لاحقا من الناحية العلمية .ولكن بعد ان تعلمنت اوربا في العصر الحديث حلت الايدولوجيات السياسية محل الايديولوجيات الدينية في القيام بمهمة تعبئة الجماهير والتاثير عليها . وهكذا اصبحت الاحزاب السياسية والنقابات العمالية تقوم بتعبئة الجماهير وتحشيدها نحو مطالبها وانزالها الى الشارع .

يقول الباحث ب . اديلمان ( لقد حلت السياسة محل الدين , ولكنها استعارت منه نفس الخصائص النفسية , بمعنى اخر ,اصبحت السياسة دينا معلمنا ).وكما في الدين اصبح البشر عبيدا لتصوراتهم الخاصة بالذات .لكننا شهدنا في العقود الاخيرة صعود حاد للايديولوجيات الدينية في الشرق الاوسط والبلاد العربية بفضل العولمة وتقنياتها ونظم الاعلان فيها .

عن طريق شاشات الحواسيب والهواتف الذكية والفضائيات عبر الاقمار الصناعية, وتم زيادة الدمج بين السياسة والدين . هذه الظاهرة تمت تسميتها بظاهرة الجماهير السياسية المؤطرة .بالاضافة الى غوستاف لوبون وفرويد ظهر علماء اخرون امثال عالم الاجتماع الفرنسي جان بودريار ثم بول اديلمان وسيرج موسكو فتشي . حيث طرحوا تساؤلات عن صعود الجماهير , اي الكتل البشرية الكبيرة على مسرح التاريخ المعاصر امثال هتلر , موسوليني , ستالين , ماوتسي تونج , غاندي .

السؤال الذي طرحه علم النفس الجماعي هو التالي :
( كيف امكن لهؤلاء القادة ان يجيشوا الجماهير بمثل هذا الحجم ؟).هذه الابحاث تهدف الى غايات متعددة منها كيفية السيطرة على الجماهير واخضاعها , بالاضافة الى دراسة الشروط الممكنة لانبثاق ظاهرة الجماهير ( القطيع)في هذا البلد او ذاك والتي تؤدي الى توليد اشكال من الحكم الديمقراطي او الدكتاتوري .

الخاتمة :

باعتقادي ان السيطرة على الجماهير يكمن في فهم علم النفس ومنها التنويم المغناطيسي . حيث يتم التاثير على الجماهير واخضاعها عن طريق الايحاء بواسطة وسائل الاعلام والاعلان من خلال شاشات الحواسيب والهواتف الذكية وقناة اليوتيوب بالاضافة الى استخدام منابر المساجد من خلال تكرار الخطب الدينية وتكرار الايحاء . فالايحاء هو جوهر التنويم المغناطيسي لفصل الوعي عن العقل واطلاق العنان الى اللاوعي الباطني . لذا فان تكرار الخطاب السياسي والديني والايديولوجي يعمل على تريخها في لاوعي الجماهير ويخلق منها نسقا واحدا بعد استلاب وعيها على طريقة التنويم المغناطيسي .

يتبع ..

مقالات ذات صلة :

مقالتنا ( المثقف الايديولوجي : فصام فكري ونفسي ) والمنشور على الرابط التالي :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=550623



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن