مخاض العملية السياسية

ضياء رحيم محسن
almohseendiha@yahoo.com

2017 / 2 / 13

تشكلت العملية السياسية بعد مخاض عسير، بين أن تكون دولة تحت الإنتداب الأمريكي، وبين أن تكون حكومة تمشية أمور كما هو حاصل اليوم، فالحكومة اليوم كما الماء (لا لون ولا طعم ولا رائحة)، وقد يعترض بعض القراء على هذا التشبيه، وأنا لا أعترض على ذلك فهذه هي الديمقراطية؛ فليست جميع الأفكار تلتقي عند محطة واحدة.
أسقط الأمريكان نظام صدام بقوة السلاح، ومن وراءهم أكثر من 33 دولة، خسروا من أجل تحقيق هذا الهدف مليارات الدولارات، لكن لماذا هذا البذخ لإسقاط نظام متهالك ولا يستطيع أن يؤذي الآخرين؟
للإجابة عن هذا السؤال، لابد من العودة الى الوراء قليلا، عندما سمحت الولايات المتحدة بسقوط شاه إيران، ومجيء الإسلاميين الى سدة الحكم فيها، مع وجود الفارق بين التجربتين، ذلك لأن الأولى ومنذ بداياتها جعلت الولايات المتحدة عدوها الأولى، وهو ما تنبهت له الأخيرة في تجربتها مع العراق، فكانت هي المتصدر لكل شيء، لدرجة انها نقلت مليارات من الدولارات لضخها في الاقتصاد العراقي، بعد سقوط النظام في محاولة لإنعاش هذا الاقتصاد، وعدم تركه لقمة سائغة بيد الإسلاميين، كما حصل في إيران.
بضغط من المرجعية الدينية، تم سن دستور للعراق، وطرح للإستفتاء العام ووافق عليه أغلبية العراقيين، وجرت انتخابات في عام 2005 لإنتخاب أول مجلس نواب بعد سقوط نظام صدام، وبغض النظر عما يقال عن وجود فقرات تحتاج الى إعادة صياغة، فإن المركب سار وبرعاية أمريكية (بالخفاء)، وهو أمر لا ينكره السياسيون العراقيون، بحيث أنهم في كل مشكلة تحصل بينهم، تجدهم يقفون أمام باب السفير الأمريكي، للتوسط في حل هذه المشكلة.
مشكلتنا الوحيدة هو أننا أخذنا نقلد الآخرين، ليس في طريقة لبسهم ومأكلهم فقط، بل حتى في السياسة، وننسى بأن التقليد قد لا ينفع في مكان أخر، كما يحصل في العراق عندما ننقل تجارب الآخرين، ونحاول إسقاطها على المجتمع العراقي، متناسين بأن الحالة النفسية للفرد العراقي تختلف عن الفرد في غيره من المجتمعات، فنحن مجتمع محافظ يرتبط بالعائلة والعشيرة، ويحافظ على الأخلاق، وهذه أغلبها لا تراها في كثير من المجتمعات، ومع هذا يحاول السياسيين تطبيق تجارب الآخرين علينا.
اليوم وبعد مرور ما يقرب من خمسة عشرة عاما، يحاول الأمريكان، إعادة حزب البعث الى الواجهة، وهم من غيبه عنها، بحجة أن حزب البعث وأغلب قياداته من المناطق الغربية هم مهمشين في الحكومة، متناسين أن نسبة تمثيل المناطق الغربية تزيد على 20%، ولو قمنا بجردة كاملة للمناصب التي يتواجدون فيها لكانت أعلى من هذه النسبة بكثير، ومع هذا فإن هناك خلطا بين مصطلح حزب البعث والسُنة، وكان البعث اقتصر على السُنة، حيث نجد أن كثير من القيادات البعثية هي شيعية.
ما يُقال عن التهميش والمظلومية، ما هي إلا محاولات عفا عليها الزمن، ذلك لأن من يحاول الترويج لهاتين المفردتين هم من القيادات السُنية التي تخلت عن الناخب عندما سيطر تنظيم داعش الإرهابي على ثلاث محافظات (نينوى وصلاح الدين والأنبار) بحيث أصبحنا نشاهد هذه القيادات من خلال الفضائيات، وهي تتحدث من عواصم الأردن والإمارات وقطر، بالإضافة الى إقامتها في إقليم كوردستان، تاركة المواطن في هذه المحافظات يعاني الأمرين، الأولى قلة المواد الغذائية وشظف العيش، والثاني القهر الذي تعانيه من جراء تصرفات عناصر التنظيم الإرهابية، ومع هذا فإن العراقيين تناخوا لنصرة إخوانهم في هذه المحافظات وخلصوهم من بين براثن هذا التنظيم الإرهابي.
أسقط هذا الفعل من قبل أبناء المحافظات الجنوبية، ورقة التوت التي كانوا يتخفون وراءها هؤلاء السياسيين، وباتت تصريحاتهم لا تصل الى أبعد من مسافة الغرف التي يتحدثون بها، بعد أن انكشف المستور بالنسبة للمواطن، ما جعل السياسيين يعيشون في دوامة، خاصة مع قرب الانتخابات النيابية، فعادوا الى النغمة المشروخة وبدأ الحديث عن التهميش والمظلومية، والمحاكمات التي جرت لبعض القيادات بسبب دورهم في تغذية الإرهاب، وحتى مشاركتهم في تصفية شخصيات سُنية، وكل هذا يجري بعلم السفارة الأمريكية في بغداد، والتي تحاول الترويج لمؤتمر للمعارضين للعملية السياسية، ويتناسى الأمريكان والسفير الأمريكي، أن المعارضة يمكن أن تُسمع صوتها من خلال القنوات الطبيعية، وليس عن طريق المؤتمرات التي تنظمها وزارة الخارجية الأمريكية وال (سي آي أيه)، بالتالي يجب أن لا ينس من يحضر هكذا مؤتمرات، كيف تحدثوا سابقا عن الحاضرين في مؤتمرات لندن والسعودية ومصيف صلاح الدين، التي كانت تقام برعاية الخارجية الأمريكية وال (سي آي أيه).
مشاريع التسوية السياسية هي الأخرى لا تختلف عن سابقاتها بشيء، سوى تكريس المحاصصة الطائفية، التي لم يعد يهتم المواطن بها كثيرا، بعد أن تكشفت له الحقيقة المرة، وهي أن يتباكى على السُنة والشيعة، هم نفس الأشخاص الذين يجلسون على الموائد ليلا ليتسامروا ويضحكوا على الشعب المبتلي بهؤلاء.
إقتصاد لا يكاد ينهض بنفسه، بسبب عدم وجود الخطط الناجعة، التي يمكن من خلالها النهوض بالصناعات الوطنية، والمعامل المتوقفة عن العمل، كل شيء يتم إستيراده من خارج الحدود، الفواكه والخضر والأدوات الكهربائية وكل شيء، ومن مناشئ رديئة، وتنسى وزارة التخطيط، بأن العراق كان يصنع كثير من هذه المواد التي تستورد اليوم.
البنك المركزي ووزارة المالية لا يبدو أنهما يعلمان بسوء فعلهما، عندما سمحا بإخراج العملة الصعبة بواسطة أوراق مزورة، بحجة إستيراد بضائع للعراق بمبالغ خيالية، لا تكاد تلامس جزءا يسيرا مما هو مستورد فعلا، ويتناسى القائمون على البنك المركزي ووزارة المالية، شيء اسمه الإعتمادات المستندية، والتي يمكن من خلالها الحد من تهريب الدولار الى خارج العراق، والقضاء على عملية غسيل الأموال الجارية بتسارع في العراق.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن