صراع داخل أميركا بين الديمقراطية التقدمية والرجعية الرأسمالية وبراميل البارود جاهزة يا سيادة الرئيس ترامب الأحمق

نبيل بكاني
bakani1@hotmail.fr

2017 / 2 / 10

لعل أهم عقدة تعاني منها أميركا، أنها بلد بلا تاريخ، وهذا معروف في جميع كتب التاريخ. ولعل أكثر من يعاني هذه العقدة هي "الرجعية" الرأسمالية السياسية. ولعل كذلك، أبرز تجليات هذه العقدة نجدها شاخصة في مدينة الصناعة السينمائية هوليود التي "أبدعت" و"أتحفت" في صناعة تاريخ التفوق والبطولات الأميركية التي اختزلتها بدء في صورة "رعاة البقر" وكيف حولت السينما الأميركية أو تلك الممولة من هذه الرجعية الرأسمالية، راعي البقر من شخصية لم يكن لها دور يثير الاهتمام، إلى رمز للغزو الحضاري، وأظهرت في المقابل شعب "الهنود الحمر" كقوم هَمج جُهّل علما أن لقبائلهم مباديء وعقائد اجتماعية وتراث في منتهى الإنسانية، وكنوع من أنواع التضليل (بروباغاندا) ولكي تزور انهزامها في إخضاع هذا الشعب خلال فترة من الفترات لثقافتها، جعلت من راعي البقر في السينما وجها من أوجه تفوق الرجل الأبيض والتقدم الأميركي، ذلك الذي خُلق من أجل إخراج القبائل والسكان الأصليين من براثين التخلف إلى المدنية والحضارة في أسخف كذبة عرفتها السينما منذ نشأتها. ليتجلى بعد ذلك التفوق الأميركي من داخل نفس المدينة (هوليود)، وبأفلام تمولها الدولة أو البنتاغون حسب معطيات رسمية، كان الهدف من ورائها تحريف الوقائع التاريخية؛ فكلما خرجت أميركا من هزيمة على أرض الواقع، كانت تحولها نصرا في عالم السينما. وإذا كان تاريخ الدول يدرس في جميع البلدان في الجامعات، فانه في أميركا وحدها يصنع في هوليود ويدرس في دور السينما.

بلد بلا تاريخ، نعم، وشعب له قيم ومبادئ، هذا أمر صحيح وقد أثبته الشعب الأميركي بوعيه وعلو ثقافته في محطات عديدة، ولا أعتقد أن ثمة جدال موضوعي أو منطقي حول هذه النقطة. وعقدة البلد الذي ليس له تاريخ، لا تشكل بحد ذاتها مشكلة لعموم الأميركيين، بقدر ما تشكله للرجعية الرأسمالية، وهذا يبرز بجلاء كلما صعدت هذه الأخيرة إلى الحكم في هذا البلد الذي يتمتع بأقوى النظم الديمقراطية في العالم مثلما يمتلك أهم قوتين عسكرية واقتصادية في الكون.

عقدة التفوق أو عقدة التاريخ، مثلما ظهرت لدى أسلافه، تظهر اليوم وبشكل أقوى وأخطر لدى الجمهوري دونالد ترامب، هذا الذي أحرز فوزه في الانتخابات بوعود حامت جلها حول استرجاع "أمجاد الماضي" وعظمة أميركا وحلب بعض دول الخليج العربي. ترامب الذي فشل في هيولود ممثلا سينمائيا، يتذكر جيدا حكاية "رعاة البقر" الشجعان وهو اليوم يحلم بجعل أميركا راعية للعالم من جديد. إدارة ترامب اليوم أشبه، إلى حد كبير بـ"المرتزقة" التي تحترف تقديم خدماتها العسكرية بمقابل مادي يتحدد قدره بحسب نوع وحجم الخدمة المقدمة. هذه الإدارة/ المرتزقة كانت واضحة منذ البداية وقد اشترطت على لسان رئيسها أن الخدمات التي كانت في السابق تقدم لحكام البترول شبه مجانا، أنه، يتعين عليهم اليوم الدفع لتاجر واشنطن الجديد مسبقا لقاء تلك الخدمات العسكرية والاستخباراتية وهي التي اعتادت شراء كل ما يباع بواسطة المال، من صمت دولي على تجاوزاتها في حق مواطنيها أو في حق بلدان أخرى، مثلما اعتادت شراء أقلام كُتاب وصحف كبرى وضمائر بريع البترول والغاز.

دونالد ترامب تتراجع شعبيته بشكل واضح ولأول مرة في تاريخ الرؤساء الأمريكان خلال الأسبوع الأول من استلامه رسميا مهامه، وتقول التقارير الصحفية الأميركية أن شعبية ترامب هي الأسوأ في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة فاستطلاع رأي أجرته الواشنطن بوست بالتعاون من شبكة "اي بي سي" الإعلامية يشير إلى أن نسبة شعبية ترامب هي الأدنى في تاريخ تنصيب رؤساء الولايات المتحدة بنسبة 40 بالمئة فقط مقابل 79 بالمئة لأوباما عند دخوله البيت الأبيض في 2009 وأن 54 بالمئة من الأميركيين لديهم صورة سلبية عن ترامب. إلى ذلك، تأسست حركة تستمد شعبيتها من 600 ألف توقيع تطالب بعزل الرئيس الذي تقول انه لم يفصل تماما بين إمبراطوريته الاقتصادية ومنصب الرئاسة. وتقول الحركة أيضا، إن بداية العزل تتم أولا بتقدم عضو واحد داخل مجلس النواب بمشروع قانون لبدء تحقيق حول إمكانية العزل إذا تبث ارتكابه ما يخالف القانون أو إحدى الجرائم المشار إليها، ليمرر إلى مجلس الشيوخ شريطة حصوله على الأغلبية. البعض يقول أن الجمهوريين لن يسمحوا بمرور القانون، لكن خبراء أمريكيون يؤكدون أن الحزب الجمهوري إذا رأى أن ترامب سيخسر الانتخابات بعد أربع سنوات، فان العزل سيتم.

ولأجل استرجاع شعبيته، فان الإدارة الجديدة وبدعم من الرأسمالية التي ينتمي لها اجتماعيا ترامب ووجوه بارزة من مستشاريه ووزرائه، كما تنتمي لها فكريا فلسفة الحزب الحاكم، لن تتأخر في دعم سياسته الخارجية بشكل خاص. ولاسترجاع تلك الشعبية فهنالك باب واحد عليه دفعه وهو اختلاق الحرب، إما مع قوة كبيرة مباشرة أو مع "وكلائها" كتصدير للأزمة الداخلية التي يعكسها حجم الاحتجاجات المتصاعدة في الشارع منذ الأسبوع الأول من استلامه رسميا مهامه وحتى قبل توليه الرئاسة، أو التمرد الأخير على قراره حول الهجرة من طرف وزيرة العدل المقالة قبل أن ينظم لها قضاة بارزون منهم القاضي الشجاع الذي حكم ضد قرار الحد من الهجرة ومدعي عام واشنطن الذي حرك أولى الدعوات ضد القرار المعني.

قرار الحرب ليس بالأمر السهل ويحتاج لموافقة الكونغرس، لكن ما يرى فيه ترامب تمردا ضد قراراته في سياق موجة الاحتجاج المناهضة له، ولا يجد له تفسيرا آخر غير ذلك الوصف أو الفهم، قد يدفع ذلك بالتعجيل في الترتيب لاتخاذ قرار أكثر حماقة من رئيس أحمق لاختلاق أزمة خارجية لا يكون لها مخرج سوى إعلان الحرب وقد يسرع في ذلك تلك التصريحات الخرقاء والاستفزازية في حق دول أخرى، والتي بمقدورها صب المزيد من الزيت على النار والدفع بالتصعيد إلى السقف. ولعل ما جرى بين ترامب ورئيس وزراء أستراليا يضعنا في الصورة التي يمكن أن تكون عليها السياسة الخارجية التي قد أن تنبري عنها دبلوماسية لا تقيم للعقل والتقاليد والأعراف السياسية وزنا بقدر ما تقيمه لتحقيق مصالح الحزب الجمهوري الذي كانت له على مر الأيام غزوات عديدة، ولعل أيضا التصرف المشين الذي بدر عن مرشح ترامب للسفارة الأميركية في الاتحاد الأوروبي، تيد مالوك، يعطينا فكرة عن الاتجاه العام للخارجية الجديدة، وقد هدد هذا الأخير بـ"ترويض" الاتحاد، قائلا بالحرف "كنت أعمل في السابق بمنصب دبلوماسي، وساعدت على سقوط الاتحاد السوفيتي، وبترشيحي هذا ربما يكون هناك اتحاد آخر يحتاج قليلا إلى الترويض".

لقد استهلك أسلافه جميع براميل البارود في فيتنام وأفغانستان سواء في عهد السوفييت أو في عهد الطالبان، ثم العراق، ولم يتبقى هناك سوى إيران واليمن، وهما تشكلان برميل بارود جيد وناضج لتفجير حرب قد يتجاوز مداها المنطقة بما فيها صحراء البترول والغاز، لكنها على أية حال لن تصل أبدا أرض الولايات المتحدة والتي استفادت تاريخيا من الحروب التي شاركت فيها أو التي افتعلتها وكانت هي الرابح الأول والأكبر بعد الحرب، مثلما استفادت دائما من موقفها الجغرافي في اختلاق الصراعات والنأي بالنفس عنها ثم بعد ذلك الاستفادة من ريعها، ستستفيد أكيد أميركا الرأسمالية، لكن ذلك، وبكل تأكيد سيكون على حساب المواطن الأميركي.

إذا كان قرار افتعال الحرب عند باقي الدول قرارا مصيريا، فان أميركا التي اعتادت تجارة الحروب، هو عندها تجارة مدرة للأرباح وعندما يكون على رأس الدولة رئيس اجتمعت فيه خصلتا الحمق وشطارة التاجر فان قرار الحرب يصير الأسهل على الإطلاق، حتى وان كانت البلاد المقصودة بتلك الحرب تملك صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية لمسافة لا تقل عن ستة آلاف كيلومتر، فدعم الرأسماليين من داخل الإدارة أو من داخل الحزب أو حتى من خارجه أو من داخل جماعات الضغط، للقرار سيمنح، إن حدث، المزيد من الثقة والجرأة لترامب لافتعال تلك الحرب التي ستجني منها مجموعته الاقتصادية التي يقول مناوئوه أنه يرفض فصلها عن إدارة الحكم، والمجموعات الاقتصادية الأخرى المملوكة لشركائه داخل الحزب الجمهوري أو خارجه، الكثير من الأرباح من صفقات السلاح والتأمين العسكري وبواخر الشحن ومأونة الجنود، فضلا عن تصريف أزمة سياسية داخلية وإقليمية يزداد خناقها على دائرة الرئيس يوما بعد يوم وتهدد بقائه في البيت الأبيض وقد تعجل بطره، كما ستجبر الحزب على اتخاذ قرار آخر وهو السماح بعزل ترامب ما سيكون له تأثير سياسي جد سلبي على الحزب، لذلك فالحرب وان كان فيها ذمار لشعوب أخرى وضحايا في صفوف الجيش الأميركي فسيكون فيها مكسب سياسي واقتصادي للجمهوريين، بكل تأكيد.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن