تجديد الخطاب الديني .. الآليات والعوائق

محمد حبش كنو
Mohamedkanou77@gmail.com

2017 / 2 / 2

الدين أفيون الشعوب كما قال ماركس وهذا الكلام يحمل معنيين : الأول أنه مسكن تهرب به الشعوب من واقعها المرير والثاني أنه إدمان لا تستطيع الشعوب تركه أبدا ولأنه إدمان متوغل فمن الأجدر عدم التفكير في إلغائه خاصة في منظومة الشرق الأوسط بل يجب إصلاح الهيكليلة الدينية لتتناسب مع روح العصر وتنتهي حالة الإحتقان والإرهاب والتطرف التي صبغت مجتمعاتنا وأغرقتها في حروب وصراعات لا تنتهي و أكلت أخضرها ويابسها وتركتها قاعا صفصفا تزروها رياح الخيبة والدمار . ولكي نكون عمليين أكثر سنحاول البحث عن آليات هذا الإصلاح وتجديد الخطاب الديني و العوائق التي تعترض ذلك حتى نصل إلى عمق المشكلة ثم إيجاد الحل المناسب لها فيما بعد . بداية يجب أن نعلم أن حركة التنوير الدينية قد بدأت فعليا مع تفكك الإمبراطورية العثمانية و الإصطدام الحضاري مع الثقافة الغربية وكان من أبرز رواد حركة الإصلاح الديني الشيخان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده اللذان وضعا اللبنة الأولى للجدلية العلمية والعقلية التي صبغت تيارات الإصلاح الديني في مصر وأوجدت لها أرضية مناسبة أفرزت الكثير من الشخصيات وأنتجت فكرا لا بأس به استطاع الخروج من عباءة الماضي ولو بشكل جزئي .لعوامل عدة رجع الخطاب الديني التراثي إلى الواجهة وقد يكون من أسبابه المال البترولي وتحكمه في المنظومة الإعلامية وكذلك تماهي بعض الحكام مع الجماعات الإسلامية لمحاربة حركات اليسار كما حدث في مصر أيام السادات أو حتى التماهي الغربي أحيانا خوفا من المد الشيوعي في المنطقة وهذه الأسباب وغيرها مجتمعة أفرزت وجها جديدا للخطاب الديني أكثر تشددا وأكثر رجوعا إلى التراث بكل غثه وسمينه و ما طرأ عليه من الكوارث والفتاوى والإنكسارات .اليوم نجد المنطقة غارقة في شكل جديد بشع من الإرهاب أغرق المنطقة في الفوضى والقتل والدمار وما يهمنا هنا أن هذا الإرهاب يعتمد النص الديني والتراث الفقهي كأهم ركيزة له في تنفيذ مخططاته ونرى الشعوب متأثرة بشكل أو بآخر بهذا الكم من الغثاء الذي طفح على السطح ما يستوجب حركة تنويرية وبرنامج إصلاح ديني جاد ينقذ المنطقة من أتون الجهل الذي مرغت نفسها فيه ولكي نفهم الآليات فإننا نحتاج إلى منظمات تؤمن بالفكرة وتسعى وتدعو لها بدل الحالات الفردية التي نراها هنا وهناك والتي ينتهي بها الحال غالبا إلى الإغتيال أو السجن في أفضل الأحوال كما حدث مع إسلام البحيري في مصر . إن إنشاء منظمة تجمع كل رواد الإصلاح الديني تحت جناحيها وتعمل بشكل منظم سيؤتي أكله بالتأكيد ويجب التركيز على عدة نقاط مهمة في تجديد هذا الخطاب وهيكلية عمل تلك المؤسسة أولها التأكيد أن فكرة العلمانية ليست بعيدة عن الدين وأن الإسلام لم يؤسس شكلا لنظام الحكم بل إن نظام الحكم الإسلامي تم تشكيله اعتمادا على الحضارات الأخرى مثل أنظمة الدواوين والوزارة والعملة والإقتصاد والشرطة التي لم يأت على ذكرها أي نص ديني بل هي من أعمال الدنيا التي قال فيها الرسول أنتم أعلم بأمور دنياكم وهو المبدأ الأول في المنظومة العلمانية . المبدأ الثاني الذي يجب التركيز عليه هو حرية الفكر والعقيدة في الدين استنادا إلى نصوص الدين نفسه وقواعده ونبذ فكرة قتل من يغير دينه ومعتقده حيث أنه متعارض مع القرآن نفسه الذي يقول أفأنت تكره الناس أن يكون مؤمنين ويقول في موضع آخر لكم دينكم ولي دين وأن الإعتماد على نصوص الآحاديث التي رويت عن طريق الآحاد في استحلال دماء الناس غير جائز حيث أن علماء الحديث أنفسهم اتفقو بالإجماع على أن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في الحدود والدماء لأنها تفيد الظن ولا تفيد القطع فكيف نستبيح دماء الناس بحديث من الآحاد يقول من بدل دينه فاقتلوه . ذكرنا ما سبق بشيئ من التفصيل لأنه أهم مبدأ في عملية الإصلاح الديني فمتى ما كنا في مجتمع يبيح حرية الفكر والعقيدة كنا على الطريق الصحيح واستطعنا وضع اللبنة الأولى لعملية إصلاح المجتمع برمته . أما العوائق التي تعترض كل ذلك فهي كثيرة منها توغل المؤسسات الدينية القديمة داخل مجتمعاتنا وتماهي الحكام أحيانا معها لكسب الشارع ومنها استفادة الدكتاتوريات من الإرهاب نفسه الذي جعلوه شماعة للإستمرار في حكمهم بدعوة محاربة الإرهاب ولذلك نجد أن الحاكم الذي يدعو إلى تجديد الخطاب الديني هو نفسه من يلجأ إلى حبس المفكر التنويري وزجه في غياهب السجون .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن