دراسة متواضعة من تاريخ الحركة الشيوعية في العراق وآفاق تطورها ..بدايات ظهور الطبقة العاملة في العراق ..الجزء الثاني

عبد الحسن حسين يوسف

2017 / 1 / 29

دراسة متواضعة من تاريخ الحركة الشيوعية في العراق وآفاق تطورها
بدايات ظهور الطبقة العاملة في العراق
الجزء الثاني





يعتمد ظهور الطبقة البرجوازية ونظيرتها الطبقة العاملة في أي مكان الى عوامل مختلفة ولكن هناك طريقين رئيسيين في هذا المجال هما الطريق الداخلي وانتقال الصناعات الحرفية (المانفكتورة)الى مرحلة اعلى بفعل متطلبات السوق الداخلية وتوسع التجارة وهذا ما حدث لاوربا وامريكا وعامل آخر هو التطور من الخارج وهو عن طريق استعمار بعض البلدان من قبل بلدان اكثر تقدما في المجل الصناعي الامر الذي فرض عليها ان يكون تطورها الاقتصادي تطور كولنيالي (تبعي ) وان يكون ظهور الطبقة العاملة فيها مرتبط بحاجة السوق الاستعمارية وتثبيت مصالحها في تلك الدولة المستعمرة والعراق من الدول التي كان التطور الرأسمالي ونشأة الطبقة العاملة فيها مرتبط بالعامل الخارجي .

لقد اكتشف الاوربيون اهمية العراق او منطقة (ما بين النهرين) مع بدايات ظهور الراسمالية الاوربية وحاجاتها الى طرق امدادات وركائز عسكرية لحماية هذه الطرق التي تريطها بالهند التي كانت (( منجم ))للتوابل الغالية الثمن في ذلك الوقت والتي جعلت من اهلها المعدمون جنودا لحماية مصالح بريطانيا في كل بقاع العالم (ستكون بغداد بمو قعها الفريد مركزا عظيمأ للتجارة البريطانية والغربية وباقل رعاية واهتمام وكل ما يعزز لتوسيع شبكة توزيع هذه التجارة وزيادة حجمها بدرجة عاليه هو ادخال قوة البخار ... من تقرير سكة حديد وادي الفرات البريطانية 1857) وكان التجار الانكليز من اوائل من دخل العراق ووصلوا حتى الموصل في محاولة اكتشاف اهمية المنطقة وكانت الدولة العثمانية لا تريد أي تطور في كل مستعمراتها التي كانت تغطيها بغطاء ديني محاولة منها لكبح جماح أي حركة تحرر تظهر فيها بحجة انها منافية للاسلام الذي لا يؤمن باي حدود بين المسلمين ولكن حكم المماليك والاستقلال النسبي عن الدولة العثمانية جعل هؤلاء الولاة المماليك يحاولون السير في بناء اقتصاد عراقي متطورشبيه بالتطور الاوربي كما اسلفنا..
لقد سبقت بريطانيا فرنسا التي احتلت مصر باقامة علاقة دبلوماسية مع حكومة المماليك في بغداد من اجل ايقاف أي عملية تطور راسمالي من الداخل حتى ان احتلال العراق من قبل القوات البريطانية كان متسرعا ولذلك كانت خسائرهم العسكرية في العراق كبيرة قياسا بالدول الاخرى وان مدينة الكوت قد تحولت الى مقبرة كبيره لجنود الامبراطورية البريطانية ولكن هدفهم هو ان يسبقوا فرنسا في هذه العملية واستطاعت تأمين جزء مهم من طريق الوصول الى مستعمرتها الكبرى ( الهند ) وكان هدف بريطانيا هو الحاق العراق بمستعمرتها الهند وحتى اسكان الكثير من الهنود في مناطق البصرة والمناطق المحاذية لها لتغيير الطبيعة السكانية لهذه المنطقة ولكن ثورة 1920 العراقية رغم تعثرها استطاعت ان توقف هذا المخطط وان تضع الحجر الاساس للدولة العراقية الحديثة والذي فرض على بريطانيا دمج الولايات العراقية الثلاث البصرة وبغداد والموصل حتى تستطيع فرض نفوذها على المنطقة..
استطاع البريطانيون في تغلغلهم هذا الذي سبق احتلالهم المباشر للعراق اثناء الحرب العالمية الاولى خلق كثير من الفرص التصديرية لهم من العراق للمنتجات الخام الموجودة فيه وكان تصدير التمور والشعير والصوف على راس هذه المواد المطلوبة والتي كانت تتعفن سابقا في اماكنها لعدم وجود وسائط نقل لنقلها الى اماكن استهلاكها وحتى تستطيع بريطانيا تصدير هذه المنتجات بطريقة سليمة انشات لهذا الغرض معامل متطوره مثل مكابس للصوف ومعامل لكبس التمور وتنافست لانشاء طرق برية ونهرية لاستخدامها في عملية نقل سريعة تحافظ على المنتجات من التلف واستطاعت المانيا ايضا وذلك لعلاقاتها القوية مع الدولة العثمانية الحصول على امتياز مد سكة حديد من البصرة الى بغداد ومقررة ان تصل هذا الخط الى اوربا سميت في وقتها (سكة حديد بغداد برلين ) ولكن الحرب العالمية الاولى التي اندلعت قي سنة 1914 حالت دون اتمام المشروع الذي انجز منه 74 ميلا بين بغداد وسامراء وتم تسيير كثير من السفن النهرية لايصال المواد الانشائية الى اماكن العمل وقد ظهرت نتيجة لهذه الاعمال بواكير وجود طبقة عاملة عراقية كان العثمانيون قد بدئوا مراحلها الاولى و استطاع الاوربيون وضع الخطوط التالية لتطويرها باسس علمية لان بوادر وجود رأسمال وطني لبناء معامل او شركات نقل او غيرها غير موجوده لضعف هذا الرأسمال وقد حطم دخول البضائع الغربية كل بوادر انتقال الصناعات الحرفية (المانفكتورة ) الى مرحلة اعلى وانشاء مصانع متطوره بل العكس ادى تحطم الاعمال الحرفية الى زيادة البطالة واعتماد العراق على البضائع المستوردة الرخيصة نسبيا والتي لا تستطيع الصناعة الحرفية العراقية مجاراتها و لهذا السبب اختفى خمسون الف حرفي في بغداد وحدها بسبب عدم قدرتهم الصمود واعلان افلاسهم وكان اهم هذه الحرف التي تكاد تكون قد اندثرت هي الصناعات النحاسية والحديدية والنسيج اليدوي (الحياكة ) ..
وقد شمل التخريب الاقتصادي من خلال التغلغل الاوربي ليس الصناعات الحرفية فقط بل ان هناك صناعة اهلية كبيرة نسبيا وبنوعية راقية لم تستطع الصمود ايضا لان راسمالها ليس من القوة ليتمكن من الاستمرار في منافسة الراسمال الغربي فمثلا في كردستان هناك صناعات اسلحة في منطقة راوندوز وصلت امكانية تصنيعها الى حدود صناعة مدافع ضخمة وبنادق متطورة لم تستطع المنافسة مع هذا التغلغل وانتقل اغلب هؤلاء الصناع المهرة اما الى البطالة المباشرة او الى اعمال اخرى ليس لها علاقة باعمالهم الفنية السابقة مما جعلهم ناقمين اكثر من غيرهم على هذا التغلغل الاستعماري الذي افقدهم مهنهم الفنية السابقة ورغم ان عددهم قليل نسبة الى سكان العراق الذي لم يتجاوز 5% الا ان نوعيتهم واحتكاكهم مع الالة اوجد لديهم نوع من التفكير السلبي اكثر من الاخرين وكانت نقمتهم على التغلغل الراسمالي ليس لاسباب تحررية ولكن لانهم يحاولون حتى بعد انتقالهم الى عمال اخرى هو ايقاف هذا التغلغل من اجل العودة الى الانتاج الحرفي وهذا النوع من الرفض اسماه ماركس في البيان الشيوعي ب(الاشتراكية الرجعية ) أي محاولة ارجاع الانتاج الى ما بعد الانتاج الراسمالي الذي اصبح غير ممكن التحقيق ..
هناك من الاسباب المهمة التي اخرت نمو ونضوج الطبقة العاملة العراقية هي استخدام السجناء في اعمال كثيرة وبدون اجر تقريبا مثل انشاء السدود ومعامل الطابوق وغيرها من المهن المتعبة الاخرى الى حد ان احد مدراء السجون كان فرحا لان اعداد السجناء بازدياد لانهم سوف يعمرون الارض بالمجان ..
كانت القوانين الاستعمارية التي تنظم العمل مجحفة جدا الى الحد الذي وصل ان العامل لو مرض بسبب اهماله لنفسه لا تصرف له اجور عمل وان اعطيت له اجازه فهي اجازة غير مدفوعة الاجر وهذا يعني ان رب العمل الذي هو اجنبي في اكثر الاحوال والطبيب الذي يشخص المرض ايضا اجنبي فان العامل نادرا ما يعطى اجازة مرضية مدفوعة الثمن وان طرده من العمل لا يعني ان هناك من يطالب بحقه ...
كانت السياسة الاستعمارية تحاول جاهدة التقليل من العمال العراقيين المهرة حتى تستطيع استيراد عمال مهرة من خارج العراق من اجل السيطرة عليهم ويكون ولائهم للانكليز اكثر من العراقيين اهل الارض ولهذا ان المشاريع النفطية كانت نسبة العراقيين فيها لا يتجاوزال 12 % ونسبة العمال الاجانب في السكك هو 20 % ونسبتهم في الموانئ 40 % رغم ان العراق يزخر بالعاطلين عن العمل وقد وصل الامر بالسلطات الانكليزية وحكومات الانتداب انها لا تجعل العامل يستمر في عمله اكثر من خمسة اعوام و استبداله بعامل عراقي جديد او بعامل اجنبي حتى لا يتجذر وعيه الطبقي وتزداد خبرته ويطالب بمطالب لا تريد الدولة مطالبته بها ونتيجة لذلك لم يحاول العمال قطع صلتهم بالريف والعشيرة لانها بالنسبة لهم ملاذ هم الاخير ولا يعملون من اجل بلورة وعيهم الطبقي العمالي لان عيونهم شاخصة للريف الذي لم يقطعوا الصلة به عدى العمال الذين انتقلوا الى الطبقة العاملة من الورش والصناعات الحرفية بعد خرابها بفعل الغزو البضائعي الراسمالي الاجنبي التي يعتبرون ارتباطهم بالعمل والالة ارتباط مصيري وهم لهذا السبب لا يرتبطون باي جذور ريفية تجعلهم يتراجعون عن مطالبهم العمالية ولكن تراودهم دائما احلام عودتهم الى ورشهم واعمالهم الحرفية ويحلمون بالعودة الى العمل الحرفي الذي انتهى دوره واصبح في حكم الماضي ..
نتيجة لكل تلك الاسباب والظلم المستمر للعمال وتدني اجورهم والفصل الكيفي والعمل الشاق وعدم تحديد ساعات العمل ظهرت اولى بوادر الوعي في صفوف العمال وهو وعي جنيني لم يرتقي الى مستوى الوعي الطبقي بل محاولة لمخاطبة الملك والحكومة وانتظار العطف الابوي منها لاعطائهم حقوقهم وحاول قسم من العمال الواعين ومن الذين يعملون باعمال لها علاقة مباشرة بالالة ان يوجدوا نوع من العمل النقابي لهم وقدم ( محمد صالح القزاز ومحي الدين محمد ) في بداية الامر طلبا لفتح نادي باسم نادي العمال الا ان وزير الداخلية العراقي رفض الطلب وعوقب الاثنين بنقل احدهم الى مكان عمل آخر والثاني تم ايقاف علاوته السنوية

(يتبع في الجزء الثالث )





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن