النور تحتفي بشاعر الأشجار د . سعد ياسين يوسف

علي الزاغيني
ali_aa310@yahoo.com

2017 / 1 / 28

النور تحتفي بشاعر الأشجار د . سعد ياسين يوسف
علي الزاغيني
احتفت مؤسسة النور بالمنجز الإبداعي الشعري لشاعر الأشجار الدكتور سعد ياسين يوسف في أصبوحة أقامتها تكريما للشاعر في قاعة علي الوردي في البيت الثقافي البغدادي في شارع المتنبي ببغداد بحضور نخبة من أساتذة الجامعات والأدباء .
واستعرضت الدكتورة الشاعرة ليلى الخفاجي التي أدارت الجلسة محطات مهمة من سيرة حياة الشاعر الإبداعية ومحطات تألقه عراقيا وعربيا ودوليا مشيرة إلى الجوائز التي حصل عليها في مشاركاته داخل العراق وخارجه وإصدارته الشعرية التي اتخذت من رمز الشجرة مضمونا دلاليا معبرا لها ، قرأ بعدها الشاعر عددا من قصائده التي ضمها أصداره الشعري الأخير الأشجار لا تغادر أعشاشها .
وقدم الأستاذ الدكتور علي حداد دراسته النقدية التي أكد فيها ان الشاعر الدكتور سعد ياسين يوسف نجح في استلهام ثيمة الشجر وأنسنته عبر قصائده ليمنحها أفقا تأويليا ورمزيا ثرياً وواسعا ًامتد لينهل حتى من الرموز التراثية .
وقال : إن الشاعر وهو يمد جغرافية شجرته ليتسع وطناً قيض له أن يكون (شجراً ) مثمراً ، ولكنه متعاور بالأسى والشجون ، وبمكابدات إنسانه الذي انتمى إليه وتجذر وجوده فيه ، حيث هي ـ أعني الأشجار ـ ترسم لمعادل موضوعي يستدرجه الشاعر من معجميته وباذخ مدلولاته ، ليؤشر دعوى التمسك بالمكان ، والانتماء القيمي المتعالي إليه.
وأضاف في دراسته إن الشاعر يبدع بمواضعات الدلالة القارة في المفردات المنتمية إلى قاموسه (الشجري) ، ويؤطرها في فضاء من التشكل المفارق . فالأشجار وهي تترسخ حضوراً في المكان (لاتغادر) امتدادها الصاعد في الفضاء ، كما امتدادها الذاهب عميقاً في الأرض ، لتستحيل ـ عبر حد نتلقاه من التأويل ـ مراسم انتماء نبيل ، عند أولئك الذين تيمموا بتراب المكان/ الوطن ، فاحتضنهم مسمى ، واحتووه قيماً ومشاعر وأحاسيس لاينتهي بوحها في الوعي والضمير ، والتشخص الشعوري المتواتر فيضه . ليبقى وجداً مستعراً في ذواتهم التي تلوذ به بعاطفة الولادة الأولى كما (الأعشاش) التي لاغنى للطير عنها ، مهما أدعت أجنحته الطيران بعيداً عنها وقد تبدت (الأشجار) أفقاً ترميزياً لا حد لامساك الشاعر بمداليل كشوفاته ـ تلك التي جعلها متسعة كل شيء ـ دلالة وتمثلاً ـ فكان من تجلياته ذلك الإلحاف على تداول المفردة في عنونة كثير من نصوصه .

وخلال تناولة لمجموعة الأشجار لاتغادر أعشاشها قال الأستاذ الدكتور علي حداد :
تكاشفنا هذا المجموعة الشعرية ـ التي بدت نصوصها أطول نسبياً من سابقاتها وأكثر تداعياً وانهماراً متواتراً للصورـ بمحددات وجهة تعبيرية أكثر تركيزاً في إدلالها الملامس لنضح المفردات وأنساق كشفها التعبيري ، فالشاعرـ مثلاً ـ لم يكتف بتبني (الأشجار) منطلق توثيق دلالي تتفشى مفردته في نصوصه، بل ذهب لمعاينة جزئيات ذلك التكوين الطبيعي الباذخ ، فأثث القصيدة بمفردات من العائلة الشجرية ومعجمها الخاص كالزهر والورق ، الغصن الذي نال ترداداً لافت الحضور في عنوانات بعض النصوص : ( لَوعةُ الغصنِ غُصنُ الرَّغيفِ ، ما تَبقَّى من الغُصن، غُصنُ الرحيلِ) ، مثلما كرره في الطيات النصية كذلك . وكأن (الغصن) الذي لا يمكن له إلا أن ينتمي لشجرته هو الذات المفردة للشاعر أو لسواه التي تفرعت من شجر وجودنا الجمعي المبتلى.
بعدها تحدث الناقد سعد محمد مهدي غلام محللا المداليل الأبداعية لعنوان مجموعة الشاعر الأخيرة الأشجار لاتغادر أعشاشها وأصفا أياه بانه شكل بحد ذاته عتبة رائعة للدخول الى مضامين قصائد المجموعة .
وأكد ان الشاعر سعد ياسين يوسف كان موفقا جدا في اختياره للعنوان بقصدية العارف الرائي الذي يدرك ثقل المفردة الشعرية وبناء مداليها السيكولوجية والثقافية وتشكلاتها الصورية ليرتقي بذلك الى مصاف كبار الشعراء الذين يتقنون كتابة القصيدة الحديثة .
وأستذكر الناقد غلام الدراسة النقدية التي كتبها البرفسور عبد الرضا عليّ عن مجموعة الشاعر الدكتور سعد ياسين يوسف في وقت سابق مثنيا على تأكيد عليّ بأن المجموعة تناولت المسكوت عنه في الواقع العراقي وقال ان ذلك بحد ذاته شهادة رائعة من مبدع كبير كالناقد أ. د .عبد الرضا عليّ تحسب لصالح الشاعر سعد ياسين يوسف ومنجزه الإبداعي الذي لفت انتباه كبار النقاد والباحثين لأصالته ...
وأختتم غلام رؤيته النقدية بأن الشاعر سعد ياسين يوسف مثل بشكل حقيقي أنموذج قصيدة النثر بكل تشكلاتها ومضامينها الحديثة .

وقدم الأستاذ الدكتور خضير درويش أستاذ النقد الأدبي في جامعة كربلاء دراستة النقدية التي تناول فيها المجموعة الأخيرة للشاعر سعد ياسين يوسف الأشجار لا تغادر أعشاشها قال فيها :
مما عرفت عن الشاعر الدكتور سعد ياسين يوسف أن هناك من الدارسين من أسماه بشاعر الأشجار، ولقد لفتت انتباهي هذه التسمية ، ولم يسعفني الوقت للإطلاع على إصدارات الشاعر السابقة لتحري مرد تلك التسمية ، ولكني في حدود هذه المجموعة الشعرية أرى أن التسمية كانت في محلها المناسب ، فهذه المجموعة بدءاً من عنوانها وانتهاءً بعنوانات قصائدها كانت مصاديق لتلك التسمية ، إذ شكل اللفظ أشجار أغلب عنوانات المجموعة.
وبنظرة إحصائية وجدتُ إنَّ نصوص المجموعة لا تخلو من هذا اللفظ أو ما يحملُ دلالتهُ.
وفي مقاربة سيميائية للعنوان ( الأشجار لا تغادر أعشاشها ) بوصفه (نصاً عتباتياً موازياً ) أستطيع القول: إن الشاعر بانتقائه لهذا العنوان الذي هو في الأصل عنوانٌ لواحدٍ من نصوص المجموعة استطاع أن يجعل هذه العنوان مشيراً سيميائياً يشي بدلالات نصوص مجموعته كلها.
وفي تحليلنا للعنوان بمستوياته المختلفة ابتداءً بالمستوى المكاني نجد من العلامات ما يشير الى الثبات والتجذر ويُستشَفُّ ذلك أولا: من اختيار الشاعر للفظ ( الأشجار) والابتداء به ، فالشجرة ثابتة وثبوتها متأتٍ من تغلغل جذورها في التربة بعيداً ، ويتجلى الثبات ثانياً في الفعل المضارع المنفي ( لا تغادر) أما على المستوى الزماني ففي هذا الفعل المضارع المنفي ما يشير الى دلالة الثبات في الزمن الحاضر امتداداً الى الزمن الأتي.
وتتأكد صفة الثبات أيضا في المستوى اللغوي في فرعه النحوي ، فقد تشكل العنوان من جملة اسمية والأسماء مثلما هو معروف تحمل دلالات الثبات والاستقرار.
وعلى المستوى الدلالي فانّ ما يلفت النظر في هذا العنوان أنَّ الشاعر شكَّلَهُ على أساس مما يمكن أن نسميه هنا التشكيل الإبدالي اللغوي فقال : (الأشجار لا تغادر أعشاشها).
والإبدال على مستوى التشكيل اللغوي بمستواه اللفظي هنا تأكد من حالة المغادرة بمستواها الإجرائي التي تجسدت بالفعل المضارع المنفي ( لاتغادر) الذي تعلَّق في هذا التشكيل بالأشجار إسنادياً ، ذلك إنَّ الفاعل المقدر إنما هو عائد عليها فجعل الشاعر الأشجارَ الثابتة الراسخة فضلاً عن إنها المكان الأول والأوسع جعلها قابلة للحركة والتغيير من خلال حركية الفعل (تغادر) بمستواه الإجرائي، وأسند حالة الثبات لما هو أحق بالتغيير (الأعشاش ) بوصفه مكانا جديدا فهو مستوطن في مكان سابق لوجوده. ثم إن الأعشاشَ على المستوى السيميائي تشير إلى منشئها وهي الطيور وكأنَّ الشاعر في نهاية الأمر أراد أن يقول إن الأشجار لا تغادرُ طيورَها ، وهذه هي حقيقة الإبدال اللفظي في التشكيل اللغوي.

وأضاف : إن الأشجار على المستوى السيميائي تشي بالثبات والاستقرار المؤسسين على علاقتها بما سواها مما هو قابل للتغيير وعدم الثبات ، فقد تكون الأشجار الأوطان أو الإباء أو الأمهات فهذه جميعها تتسم بصيغة الثبات قياسا بعلاقاتها بمن هو أقرب لها في سلم درجات القرب. هذا أولا أما الأمر الآخر في المشير السيميائي للأشجار هنا فيتمثل في صفة التمسك أوعدم التفريط ، فالأوطان حين يغادرها مواطنوها تبقى متمسكة بهم وتظل أحضانها الملاذ الدافئ لهم ، وكذلك الأمر فيما يخص الآباء أو الأمهات عندما يفارقهم أبناؤهم .
هذه هي قراءتي للعنوان الذي كان الشاعر موفقا في صياغته بهذا النحو، وهو ردي في الوقت نفسه على من تمنى على الشاعر لو أبدل العنوان فقال ( الأعشاش لا تغادر أشجارها ) معللا ذلك بملازمة الأشجار لحالة الثبوت فهي لا تغادر إنما ما يغادر هو الأعشاش بحسب رؤيته .
وأختتم دراسته بالتأكيد على أن الشاعر الدكتور سعد ياسين يوسف كان موفقا في اجتراح رموزه الشعرية كما كان كذلك في تشكيلاته اللغوية على مستويات الإبدال اللفظي وهذا ما أسهم بالارتقاء في تشكيلاته الشعرية على المستوى الفني لنصوصه الشعرية .

كما قدم الروائي والشاعر حسن البحار والدكتور هشام عبد الكريم مداخلات نقدية أثنت على المنجز الإبداعي للشاعر سعد ياسين يوسف ووصفته بأنه منجز ثر ويدعو للفخر والاعتزاز .

وفي ختام الجلسة قدمت مؤسسة النور شهادة تقديرية للشاعر تكريما له ولمنجزه الشعري ولما يقدمه من جهد متميز لإثراء الثقافة والإبداع .
وأعرب الشاعر الدكتور سعد ياسين يوسف في كلمة له خلال تسلمه شهادة النور عن شكره لمؤسسة النور لتعزيز مسيرة الإبداع الثقافي وتفعيله ورعاية المبدعين العراقيين في كل مكان .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن