حاجة البشرية للدين الجديد

راندا شوقى الحمامصى
randa9992001@gmail.com

2016 / 12 / 17

إن الاضطراب الذى يهز البشرية الآن لم يسبق له مثيل، وكثيراً ما ينتج عنه دمار كبير، والمخاطر التى لم يعرف لها التاريخ شبيهاً تحدق ببشرية تائهة غافلة حيرى من كل صوب. إن أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه قادة العالم فى هذا المنعطف هو أن يسمحوا للأزمات بأن تلقى بظلال الشك على النتائج الحتمية لما يجرى الآن. عالم يمضى وآخر جديد يناضل من أجل أن يولد. إن المؤسسات و العادات والأفكار التى تراكمت عبر القرون تمر الآن باختبارات ضرورية بل ولا مفر منها لتقدم البشرية. والمطلوب الآن من شعوب العالم هو قدر من الإيمان والعزيمة تتلاءم مع الطاقات الهائلة التى وهبها خالق كل الأشياء للجنس البشرى فى موسم الربيع الروحانى .
في بداية الكلام يجب ان نتحدث عن مدى الدمار والخراب الذي اورده الانسان على نفسه في هذه الفترة من التاريخ. في هذا القرن وصل قتل البشر الى درجة يفوق الاحصاء، وكذلك ما حصل من تفكك أسس النظم الاجتماعية، وسلب شرف الإنسان حتى الاعتداء على الموازين الاخلاقية وخيانة للحياة الفكرية والمعنوية للانسان واستسلامهم للشعارات غير الصحيحة والخاوية، واختراع الاسلحة المهيبة التي تدمر البشرية، انهزام الملل واصابة الناس بالفقر والفاقة، تلوث البيئة والكرة الارضية، ليس هذا الا قائمة من الفجائع المحيرة التي لم يتصورها البشر حتى في احلك العصور الماضية .
في هذا الزمان أحاط العالم طوفان عظيم ، قوته لم يسبق لها مثيل، ومسيرته غيرمعلومه، تأثيراته اللحظية محيره ونتائجه النهائية في غاية العظمة والجلال ، وتتزايد سرعة قوته المحركة بصورة لا ترحم وتزداد شدة قوته التطهيرية يوما بعد يوم. أسر العالم في قبضة قدرته المخربة وابتلى بمظاهر قهاريته التي لا تقاوم. لا يعرف منشأه ولا مبدأه ولا يعرف اهميته ولا خبر له عن نتائجه. لهذا بقى العالم حيرانا ومتأوها ومتشردا ناظرا الى صرصر القهر الالهي هذا ، كيف انه وصل الى ابعد وأعمر نقطه في الكرة الارضية وزلزل بنيانه واختل توازنه .
ولا تقل علامات التدهور الأخلاقي ظهورا وأهمية كما هو واضح من أدلة انحطاط النظم الدينية،ويمكن أن يقال عن الانحطاط الذي أصاب النظم الإسلامية أنه كان له رد فعل في حياة وأخلاق أفراده،وحينما أجلنا البصر،ومهما يكن من أمر هذه النظرة العاجلة إلي أعمال وأقوال الجيل الحاضر،فلن يفوتنا مواجهة دلائل الانحطاط الأخلاقي الذي يتمثل أمامنا في الحياة الفردية للرجال والنساء ولا أقل عنها في حياتهم الاجتماعية، ولا يبقي شك في أن انحطاط الدين كقوة اجتماعية، وما يتبع ذلك من تدهور نظمه التي هي اٍحدى مظاهره الخارجية كان السبب في تفشي هذه الشرور الخطيرة والمفاسد الشديدة، وأنه هو المسئول الأول عنها .
أن بعث العداء الديني والبغضاء الجنسية والغطرسة الوطنية ، والعلامات المتزايدة عن الاستئثار بالنفس ، والشر والخوف والفسق ، وانتشار الفزع والفوضى والخمور والجرائم،والمخدرات والتعاطى بأنواعها، والتعطش والانهماك في الشئون الدنيوية والبذخ والملاهي،وضعف الكيان العائلي ، والتراخي في الإشراف الأبوي، والتفاني في الملذات، وفقدان الاعتداد بالمسئولية الزوجية، وما ترتب عليه من الطلاق، وفساد الغناء والموسيقي، وعدوي وفساد المطبوعات وشرور الصحافة، وامتداد نفوذ دعاة الانحطاط الذين يروجون زواج الاختيار ( المتعة )، والزواج العرفى-المسيار-الويك إند-زواج الشواذ وعلى أرض الأزهر الشريف!!!!!- ودخل على الإسلام أنواع ومسميات كثيرة للزواج ليس للإسلام منها. ثم الخلع-الهروب من مذهب إلى آخر كما فى المسيحية من أجل الحصول على الطلاق-وهروب المسيحيين إلى الإسلام للحصول على الطلاق ثم العودة للمسيحية.
والذين ينادون بفلسفة العراء ويعتبرون الحشمة والوقار خرافة فكرية ، والذين يرفضون مبدأ النسل كغاية مقدسة أساسية للزواج ، والذين يعتبرون الدين مخدراً للعالم،والذين إذا أطلقت أيديهم في العمل يرجعون بالإنسانية إلي عصور الهمجية والاضطراب فالانقراض التام , كل هذا يبدو خاصيات بارزة لإنسانية متدهورة، إنسانية أما أن تولد من جديد أو تهلك وتنعدم. أن البشر في حرقة وأنين يحن للاتحاد والسلام والحب وأن يعود إلى أصله الروحانى فأن الإنسان هو خلق روحانى وجارفه الحنين لكى يعود إلى ماخلق له .
فهل لا يزال ضروريا لإنسانية معذبة كما هو حالها اليوم،أن تتجرع كأسا من العذاب أشد وأمرّ قبل أن يصيرّها لافتتاح عهد جديد منور فريد في تاريخ العالم حلول مصيبة دهماء تصيب مصالح البشر لا تعيد فحسب بل تفوق مأساة انهيار صرح المدنية الرومانية في القرون الأولي للعهد المسيحي ، وهل لا مفر من توالي التوتر الذي يهز بعنف أركان البشرية قبل أن يستوي الله علي قلوب الجماهير وأفئدتهم ،وقبل أن يعترف العالم بسلطانه الذي لا نزاع فيه . قد انتهت مرحلة الطفولة التي كان علي الجنس البشري أن يجتازها . والإنسانية اليوم تسير في جو الاضطرابات المقترنة بأشد مرحلة مشوّشة في سفر التطور وهي مرحلة التهور والحكمة والنضوج الذي هو من خصائص الرجولة ، عند ذلك يصل الجنس البشري إلي مقام النضوج الذي يمكنه من الحصول علي القوة والاستعدادات التي عليها يتوقف تطوره النهائي .
فهل العالم بحاجة إلى دين جديد؟
إلي متي تستمر الإنسانية في غفلتها،و إلي متي هذا الظلم والطغيان، وإلى متى هذا الجور والعدوان ، إلي متي يسود الهرج والمرج بيننا ،وإلي متي يغّبر الاختلاف وجه الإنسانية ؟ أن أرياح القنوط ويا للأسف تهب من كل جانب والمنازعات الموجبة للانقسام والمحيطة بالجنس البشري تزداد يوما بعد يوم.فهل لنا من مأمن إلا هو!!!!!! لا، فهو مجير المضطرين ، وسميع دعاء الملهوفين، أدركنا بفضلك يا أرحم الراحمين.
أن توحيد الجنس البشري كان الهدف الذي تقترب إليه الهيئة الاجتماعية. ولقد نجحت التجربة واستقرت في تحقيق الوحدة في العائلة وفي القبيلة، وفي الولاية وفي الوطن وصارت الوحدة العالمية غاية تناضل من أجلها إنسانية معذبة. فبناء الوطن بلغ نهايته ، والفوضى الكامنة في الأداة الحكومية وصلت أقصاها،وصار لزاما علي عالم يسير في طريق البلوغ أن يطرح عنه هذه المظاهر.
أن العالم يشبّه بجسم الإنسان وحقيقة ليس هنالك تشبيه آخر فى عالم الإبداع يضاهيه و مضمون هذا التشبيه هو: لا يتكون المجتمع الإنسانى من مجرد مجموعات من الخلايا المختلفة بل من أفراد رفقاء متزاملين أوتى كل منهم العقل والإرادة. إن طريقة عمل الطبيعة البيولوجية للإنسان توضح مبادئ الوجود الأساسية وأهمها الوحدة فى التنوع فرغم المفارقة الظاهرية إلا أن كمال وتعقيد مكونات الجسم البشرى وتناسق أداء وتكامل خلاياه هو الذى يؤدى إلى تحقيق التمييز بين القدرات الخاصة بكل من تلك العناصر المؤتلفة. لا تعيش الخلية بمعزل عن الجسم فهى تشارك فى فعالياته وتستمد بقاءها من بقائه. والسعادة الجسمانية التى تحدث بهذه الكيفية تحقق الهدف المنشود من ورائها بالتمكين من التعبير عن الشعور والإدراك الإنسانى. أى بمعنى آخر إن الهدف والغرض من التنمية البيولوجية أسمى من مجرد وجود وبقاء الجسم وأجزائه.
فهل نحن بحاجة إلى دين وتشريع جديد
فلا يمكن الوصول إلى راحة البشر وسلامه واطمئنانه إلا بتأسيس وحدته تأسيساً متيناً.. بما أن جسم الإنسان وحدة واحدة لا تتجزأ فإن كل فرد أمانة فى عنق المجتمع.
حتى الآن وفيما يختص بالحياة الأرضية فإن العديد من الإنجازات العظيمة للدين كانت ومازالت ذات طابع أخلاقى،إذ عن طريق التعاليم الدينية وبواسطة تلك الأرواح التى استضاءت من فيض نور هذه التعاليم من أمثلة فإن جموعً غفيرة من الناس فى كل العصور والبلدان استطاعت أن تنمى موهبة وملكة المحبة. فقد استطاعوا أن يكبحوا جماح النفس والشهوات البهيمية ويقوموا بتضحيات عظيمة من أجل الصالح العام، وممارسو العفو والغفران والكرم والحنان والثقة والاطمئنان واستخدام الثروة والموارد بطرق تخدم الارتقاء بالحضارة والمدنية. ولقد أنشـأ نظام المؤسسات لتحويل هذا الرقى الأخلاقى إلى قواعد وأسس اجتماعية على نطاق واسع. بالرغم من غشاوة التراكمات العقائدية وانشغالها بالصراعات الطائفية إلا أن الباعث والدوافع الروحانية القوية التى حركتها تلك النفوس السامية التى لا نظير ولا مثيل لها أمثال كرشنا، وموسى، وبوذا،و زرا دشت، و المسيح، ومحمد، كانت المؤثر والعامل الرئيسى فى صقل وتمدن الطبيعة البشرية.
فهل العالم بحاجة إلى رسالة سماوية جديدة
حينئذ يكمن التحدى فى تمكين وتقوية ساعد البشرية عبر زيادة كبيرة فى وسائل الحصول على المعرفة. والسبيل إلى تحقيق هذه الغاية يجب أن ينبنى على حوار متواصل ومكثف بين العلم والدين. ومن البديهى الآن أن فى كل المجالات وعلى كل مستويات الأنشطة الإنسانية يجب للأفكار الثاقبة والمهارات الحاذقة الناتجة عن الإنجاز العلمى أن تأخذ فى الاعتبار القوى المستمدة من الالتزام الروحى والقواعد الأخلاقية لتأمين التطبيق الملائم لها. فالناس فى حاجة - مثلاً - لأن يتعلموا كيف يفرقوا بين الحقائق والأوهام. بل فى واقع الأمر كيف يميزوا بين النظر للأمور من زاوية وميول واعتبارات شخصية وبين الحقائق الموضوعية المنزهة عن الغاية والهوى. إن مدى إمكانية مشاركة الأفراد والمؤسسات ذات الإعداد المتين فى تقدم البشرية سيتحدد بتعلقهم بالحق والصدق وتجردهم من البواعث الذاتية والأهواء والمصالح الشخصية. والمواهب الأخرى التى يجب أن ينميها العلم فى كل الناس هى التفكير من منطلق السياق العام بما فيها السياق التاريخى. عموماً إذا كان للتقدم الفكرى أن يساهم فى نهاية الأمر فى تطوير التنمية يجب لمراميه ألا تظللها غمائم التعصب العرقى أو الثقافى أو الجنسى أو الانتماء الطائفى. وبالمثل فإن التدريب والترويض الذى يُمَكِّنُ سكان الأرض من المشاركة فى استخراج الثروة سيطور من مرامى وأهداف التنمية إلى حد معين إلا إذا ما استضاءت بواعثها ودوافعها بأنوار المفهوم الروحانى بأن خدمة البشرية هى الهدف السامى فى حياة الفرد والمنظمات الاجتماعية.
فهل نحن فى أمسَ الحاجة إلى دين جديد؟
فنجد من كل ما تقدم أن الدين هو السبب الأوحد لنظم العالم وإتحاد الإمم ولكن أى دين اليوم نستطيع تطبيق تشريعته ليكون نظم العالم وسبب إتحاد الأمم؟ هل الشريعة المسيحية؟ أم الشريعة الإسلامية ، والتى يحارب لها العالم الإسلامى من أجل تطبيقها.
كل رسالة سماوية تكتنز في شرعتها خصائص إلهية مميزة في تعاليم روحانية خالدة من جهة، وخصائص مظهره مميزة بتعاليم إنسانية واجتماعية تختلف من عصر لآخرمن جهة أخرى. فمجيء الظهور الالهي الجديد يطلق في هيكل البشرية قوى روحية تهبه إمكانات وقدرات جديدة وتمكّنه من إحراز مرتبة أعلى من التطور الروحي والمادي مثلما تهب أشعة الشمس الطبيعة في الربيع حياة جديدة.
ألا نحن بحاجة إلى شرع جديد؟
هل نستطيع اليوم تطبيق الشريعة الإسلامية ؟هل نستطيع قطع يد السارق؟ فإن حاولنا تطبيق هذا سوف نقطع النسبة الكبرى من الأيادى.-وهل لو طبقنا حكم الزنا ألا وهو الرجم سوف نرجم العالم بأجمعه.وباقى التشريع أيضاً-ماذا نحن فاعلين وكيف تستقيم بنا الحياة يا أهل العالم –ماذا نحن فاعلين.فليجتمع المثقفين ذوى الفكر المتحضر ولن أقول العلماء فى المسيحية والإسلام لأننا لن نتقدم بهما بل سوف يزداد الأمر سوءاً. وكما جاء فى الحديث الشريف:
"سيأتى على أمتى يوم لايبقى فيه من الإسلام إلا إسمه ومن القرآن إلا رسمه...علماء ذلك الزمان أشر علماء فى الأرض منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود."
"أن جوهر الإيمان يموت فى كل بلد على شأن لايعيده إلا دوائه الناجع.أن صدأ الإلحاد ينخر فى عظام البشر هل لغير أكسير أمره أن ينظفه ويحييه".

هل يتركنا العلى القدير بلا قانون يحكم بيننا وينظم حياتنا؟

وهل أن الله تعالى سيتركنا هكذا.فلنرجع إليه وندعوه لكى ينير لنا الطريق،لأنه لابد من حل ،فهل سيرسل لنا با لمنقذ وهو دين جديد أم ماهو مصير البشرية؟
كما أنه ليس فى إمكان أى شاهد منصف أن ينتقص من الأثر البالغ للدين فى المظاهر الحضارية الحيوية، يضاف إلى ذلك، أن الأثر المباشر للدين فى مجالات التشريع والأخلاق قد برهن تباعاً على أنه عاملٌ لايمكن الإستغناء عنه فى إقرار النظام فى المجتمع الإنسانى.
أن قانونه هو الصراط المستقيم
فإن الدين هو السبب الأعظم لنظم العالم واطمئنان من فى الإمكان.وأن بأُفول شمس الدين يتطرق الهرج والمرج ويمتنع نير العدل والإنصاف عن الإشراق وشمس الأمن والإطمئنان عن الأنوار.
ونتيجه للبعد عن الدين تنحرف الطبيعة الإنسانية، وينحط السلوك الإنسانى، وتفسد النظم الإنسانية وتنهار، ويظهر كل ذلك على أبشع صورة وأكثر مدعاة للإشمئزاز. فى مثل هذه الأحوال ينحط الخلق الإنسانى،وتتزعزع الشقة، ويتراخى الإنتظام، ويخرس الضمير، ويغيب الخجل والحياء، وتندثر الحشمة والأدب، وتعوج مفاهيم الواجب والتكاتف والوفاء والإخلاص، وتخمد تدريجياً مشاعر الأمل والرجاء، والفرح والسرور، والأمن والسلام.
فلنرى ولنشهد أن الإنسانية قد وصلت إلى هذا المنعطف من الصراع الذى أصابها بحالة من الشلل، فإنه بات لزاماً عليها أن تثوب إلى رشدها، وتنظر إلى إهمالها،وتفكر فى أمر تلك الأصوات الغاوية التى أصغت إليها ، لكى تكتشف مصدر البلبلة واختلاف المفاهيم التى تروج بإسم الدين، فأولئك الذين تمسكوا لمآرب شخصية تمسكاً أعمى بحرفية ماعندهم من آراء خاصة متزمََتة، وفرضوا على أتباعهم تفسيرات خاطئة متناقضة لأقوال أنبياء الله ورسله-إن أُلئك يتحملون ثقل مسئولية خلق هذه البلبلة التى إزدادت حدة وتعقيداً بما طرأ عليها من حواجز زائفة اختُلقت لتفصل بين الإيمان والعقل، وبين العلم والدين.
وإذا راجعنا بكل تجرد وإنصاف ما قاله حقاً مؤسسو الأديان العظيمة،وتفحصنا الأوساط التى اضطروا إلى تنفيذ أعباء رسالاتهم فيها، فلن نجد هناك شيئاً يمكن أن تستند إليه النزاعات والتعصبات التى خلقت البلبلة والتشويش فى الجامعات الدينية فى العالن الإنسانى وبالتالى فى كافة الشؤون الإنسانية.
فالمبدأ الذى يفرض علينا أن نعامل الآخرين، كما نحب أن يعاملنا الآخرون، مبدأ خُلقى يكرّر بمختلف الصور فى الأديان العظيمة جميعاً، وهو يؤكد لنا صحّة الملاحظة السابقة فى ناحيتين معينتين: الأولى، أنه يلخص إتجاهاً خلقياً يختص بالناحية التى تؤدى إلى إحلال السلام ، ويمتد بأصوله عبر هذه الأديان بغض النظر عن أماكن قيامها أو أوقات ظهورها، والثانية، أنه يشير إلى ناحية آخرى هى ناحية الوحدة والإتحاد التى تمثل الخاصية الجوهرية للأديان، هذه الخاصية التى أخفق البشر فى إدراك حقيقتها نتيجة نظرتهم المشوهة إلى التاريخ.

هل مازلنا مصرون أننا بخير ولن يكون هناك دين جديد بشرع جديد؟
فلو كانت الإنسانية قد أدركت حقيقة أولئك الذين تولوا تربيتها فى عهود طفولتها الجماعية كمنفذين لمسير حضارة واحدة، لجَنت دون شك من الآثارالخَيَرة، التى اجتمعت نتيجة تعاقب تلك الرسالات، محصولاً اكبر من المنافع التى لاتحصى ولا تُعد. ولكن الإنسانية فشلت، ويا للأسف، فى أن تفعل ذلك.
إن عودة ظهور الحمية الدينية المتطرفة فى العديد من الأقطار لا تعدوا أن تكون تشنجات الرمق الأخير. فالماهية الحقيقية لظاهرة العنف والتمزق المتّصلة بهذه الحمية الدينية تشهد على الإفلاس الروحى الذى تمثله هذه الظاهرة. والواقع أن من أغرب الملامح الواضحة وأكثرها مدعاة للأسف فى تفشِّى الحركات الراهنة من حركات التعصب الدينى هى مدى ما تقوم به كل كل واحده منها ليس فقط فى تقويض القيم الروحية التى تسعى إلى تحقيق وحدة الجنس البشرى، بل وتلك الإنجازات الخُلقية الفريدة التى حققها كل دين من هذه الأديان التى تدّعى تلك الحركات أنها قائمة لخدمة مصالحها.

فإن ا لحكماء الحقيقيين قد شبهوا العالم بهيكل إنسان ، فكما أن جسد الإنسان يحتاج إلي قميص هكذا جسد العالم الإنساني يحتاج إلي أن يطرّز قميصه بطراز العدل والحكمة، وأن قميصه هو الوحي الذي أعطي له من لدي الله ، فلا عجب حينئذ أنه نتيجة لعناد الإنسان ، وعندما يطفأ نور الدين في قلوب البشر ، يتطرق الانحطاط المحزن فورا إلي حظ الإنسانية،وبتطرقه تحدث كافة الشرور التي تظهر عن قابليات النفس الغافلة، فضلال الطبيعة البشرية وانحطاط الخلق الإنساني وفساد وانحلال النظم البشرية، كل ذلك يظهر في مثل هذا الظرف بأشد شرور وأعظم ثوران، فالخلق البشري قد فسد، والثقة تزعزعت،وأركان النظام اضطربت، وصوت الضمير الإنساني سكت،وشعور الحياء والخجل اختفي ومبادئ الواجب والمروءة وتبادل المصالح والولاء قد انعدمت،كما ينخفت بالتدريج نور السلام والفرح والرجاء. هذه هي كما ترى هي الحالة التي يتجه إليها الأفراد والنظم علي حد سواء ،فنجد فى هذا العالم أنه لايمكننا أن نجد شخصان متحدان قلباً وقالباً. فعلامات الاختلاف والضغينة ظاهرة في كل مكان مع أن العالم قد خلق للوفاق والاتحاد.
ألم نكن بحاجة إلى كلمة جديدة من خالق الكون لتجديد العالم؟
أن الدين هو الغاية الكبرى لنظم العالم وإتحاد وراحة الأمم ، وأن ماحدث من ضعف فى عماد الدين جعل الجهلاء ذو قوى وجرأهم على ا لظلم ونتيجة لضعف الدين زاد هذا من غفلة الأشرار وغدى الهرج والمرج سمة العصر الذى ينوء تحت مخالب الظلم والجهل .
فالدين هو النور اللائح والعروة الوثقى لحفظ أهل العالم ومصالحه-لأن مخافة الله تجعل الإنسان يتمسك بكل الخير ويعرض عن كل شر، فإذا إختفى سراج الدين يسود الهرج والمرج، ويتوقف إشراق العدل والإنصاف والطأنينة والسلام.
ولقد جاءت المظاهر الالهية من اجل تربية البشر ليولدوا ولادة ثانيه لينالوا معرفة الله وليطلعوا على الملكوت الالهي وليطلعوا على الحقائق الالهية مثال هذا جزيرة العرب التي كانت في منتهى الظلمات وكانت النفوس الانسانية مظاهر شيطانية وكانت الآفاق محرومة بالكلية عن اشراق النور الرحماني وكانت القوانين والآداب مخلة بسعادة العالم الانساني وكانت الفضائل منسوخة والرذائل مقبولة ومشروعة وما كان هناك خبر عن العالم الالهي وما كان هناك اثر من الفيوضات غير المتناهية وفجأة اشرق النور المحمدي من مطلع الحجاز واشرقت شمس الحقيقة من افق البطحاء فتنورت جزيرة العرب وقام المعلم الالهي بالتعليم وقام المربي الحقيقي على التربية فأفاق النائمون وانتبه عديم الشعور وارتقى النوع الانساني وتدنت الآداب القديمة وانشد العرب انشودة المدنية باللحن الحجازي بصوت عالي ظل يتردد صداه ابدا في آذان البشرية.
أن أهم مايميز الدين-أى دين- هو الإيمان بوجود خالق مدبر للكون فوق عالم الطبيعة، مسيطر على العالم المشهود،إله لا شريك له ولا نظير، وجوده المهيمن عزيز على الوصف، ومستعص على الإدراك، وجود فريد ممتنع على العقل البشرى المحدود، لأن البون الفاصل بين علو الواجد ودنو الموجود مانع للإدراك.
وعبودية الإنسان لخالقه واعتماده عليه تستلزم ذكره وعبادته وتقواه فيجعل الدين مواقيت لها وشروطاً، ومناسك لأدائها، فهى جوهر علاقة العبد بربه، لذا نجد للعبادات فى كل دين أركاناً أساسية يقوم عليها، مثل الصلاة ولكنها تختلف من دين إلى دين، والصوم أيضاً يختلف فى كل دين عن الآخر، وهكذا فى الزكاة والحج، فهذه الأركان مع أنها من الثوابت، ولكن طريقة أدائها تختلف من دين إلى آخر وتغيير أسلوبها من دين إلى دين رغم ثبوتها هو تأكيد لاستقلاله،حيث أن لكل دين أماكنه المقدسة، ومناسباته الخاصة به.
ويشرّع الدين- فضلاً عن العبادات والأوامر والنواهى-أحكاماً للأحوال الشخصية وما يتبعها من روابط ضرورية لبناء الأسرة، التى هى الوحدة الأساسية فى كل المجتمعات، وعلى قدر قوة بنائها وتماسكها يتوقف البناء الإجتماعى للأمة بأسرها.
ومن أسس الدين أن الإنسان مسؤول عن أعماله خيراً كانت أم شراً، ولو أنه قد يلقى بعض الثواب أو العقاب فى الحياة الدنيا، ولكن حسابه الكامل يكون بعد الموت.

أليس هناك أجمل وأعظم من أن نتحد جميعاً ونطلب منه الهداية بقلب طافح بحبه دافق بعشقه
أن المقصد الأساسي للأيمان بالله والإقرار بدينه هو المحافظة علي مصالح الجنس البشري وترويج اتحاده .... هذا هو الصراط المستقيم والأساس الثابت القويم.
فلا يمكن الوصول إلي راحة البشر وسلامه واطمئنانه وأمنه إلا بأن تتأسس وحدته تأسيساً قوياً. لأن نور الإتحاد هو قوة ضوء الشمس التى تنير الكون وهذا أمل البشرية، فهل من تحقيقه؟؟؟ وكيف يتم تحقيقه؟ هل عن طريق دين جديد أم يكون من صنع البشر؟؟؟؟؟؟
فهل هذا سيكون بتأييد الله العلى القدير بنور ودين جديد أم نستطيع نحن البشر أن نقود العالم إلى هذه الوحده بإتحادنا جميعاً؟ ولكن على أى شيئ سيكون إتحادنا لكى نستطيع غلبة أنفسنا ثم غلبة العالم ونشدو السلام العالمى على وجه الأرض؟
لست أدرى –الكثير من نقاط الإستفهام تتغلغلنى وتلفنى وتشدنى إلى أعلى بعد أن يهيأ لى أننى وجدت الملاذ –وإذا بى أسقط إلى الأرض وأستطدم بها بقوة لأننى لم أستطع أن أدرك كيف أن غيرى مازال لم يصل إلى الملاذ ولكى غيرى وانا نتحد من أجل السلام.
ولكننى اُدرك تماماً أن
الله هو القوة القاهرة الغالبة القادرة على حل مشاكل الإنسان والإنسانية، مهما حاول الإنسان أن يجد الحلول فإن الحل الأعظم لله القادر القدير.إذا لآبد من كلمته "دينه-نظمه البديع" لكى تجد الإنسانية ملاذها وأمنها وبقاءها فى سلام وإطمئنان، ونصل إلى الوحدة و إلى السلام العالمى.
إذاً نحن فى أمس الحاجة إلى كلمة واحدة توحدنا، تجمعنا ولن تكون سوى الكلمة الإلهية لهذا العصر أن ملاذنا الكلمة الإلهية -دين جديد، صالح لهذا الزمان بتشريعه وحدوده وأحكامه، فيه الملاذ، فيه السلام ، فيه الأمان، فيه الإطمئنان يوحد كل الأديان فى دين واحد جديد فإن أساس الأديان واحد ومرجع الكل واحد رسالة إلهية تناسب هذا الزمان وصاحب الزمان قد جاء، النبأ العظيم قد دوّى، يوم اللقاء قد آن، وحمل لنا ما يوحدنا، ونحن له رافضون، محاربون، مضطهدون، قاتلون، مكذبون.مُدّعون،معرضون
لقد حان أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع العلى القدير فلنطرح عنا سبحات الجلال ولنتحرى الحقيقة بأنفسنا وسوف نجده أقرب إلينا من حبل الوريد ونحن لا ندرى ونبحث عنه بمنأى عنا حتى أصبحنا بمنأى عن خالقنا.
فيا أهل العالم إتحدوا، توحدوا تحروا الحقيقة الغائبة عنكم وأطرحوا كل ماتعلمتموه وما أخذتموه عن سيبوية وقولوية،فاليوم هو يوم المحو لا النحو.
وسوف نصل جميعاً إلى كلمة إلهية سواء.
فإن ارتفاع علم الله بين جميع الشعوب يعني أن جميع الشعوب والأجناس تجتمع مع بعضها بعضاً في ظل العلم الإلهي، ويصبحون شعباً واحداً وينعدم العداء الديني والمذهبي وتزول البغضاء الجنسية والقومية وترتفع الاختلافات من بين الأمم ويدين كل الناس بدين واحد، ويؤمنون بإيمان واحد، ويندمجون في شكل جنس واحد، ويصبحون أمة واحدة يسكنون وطناً واحد وهو الكرة الأرضية.
وإلي هذا المقام تشير رؤيا اشعيا أعظم أنبياء بني إسرائيل وفيها تنبأ لألفين وخمسمائة سنة خلت بما قدّر للعالم أن يبلغه في مقام بلوغه بقوله :
" فيقضي بين الأمم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل لا ترفع أمة علي أمة سيفاً ولا يتعلمون الحرب فيما بعد ".
فلنكن جميعاً القوم المؤمنون الساجدون لأجل المحبة الإلهية، نكون قوم إذا سكتوا فسكوتهم فكراً فى قدرة الله، وإذا تكلموا كان كلامهم ذكراً فى ذات الله، وإذا نظروا كان نظرهم إلى وجه الله دائماً، وإذا نطقوا كان نطقهم لله وحكمه، قوم رضوا بقضاء الله وبدائه، وسلموا لأمره ونهيه، وانقطعوا بكلهم إليه، وتوكلوا عليه، وفوضوا أمورهم بيديه، وجعلوا همسات قلوبهم مظاهر عدله، وحركات أعينهم مطارح عفوه وحركات أعضائهم مرآة رحمانيته....... جباههم ساجدة لعظمته، وعيونهم ساهرة فى خدمته، ودموعهم سائلة من خشيته، وقلوبهم معلقة بحبه.... وإذا جنبهم الليل لم يناموا عن محبوبم، وحوّلت إليه أبصارهم ومثلت عقوبتهم بين أعينهم، فخاطبوه عن المشاهدة، وكلموه عن الحضور، وفرحوا بقربه، واستراحوا بأنسه، وتلذذوا بذكره،وتنعموا بمناجاته، وإذا اشتغلوا بغيره طرفة عين تابوا واستغفروا وقالوا: إلهى أستغفرك من كل لذة بغير ذكرك ومن كل راحة بغير أنسك، ومن كل سرور بغير قربك، ومن كل شغل بغير طاعتك... .

فلقد تحقق ما وعدنا به الحبيب فى حديثه الكريم:
"فوالله الذى بعثنى بالحق نبياً لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدى المهدى ثم ينزل روح الله خلفه ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب".
فماذا تنتظرون؟!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن