نموذج للقراءة التفكيكية في تفسير النصوص الدينية ح3

عباس علي العلي
fail959@hotmail.com

2016 / 12 / 12

• الفرق بين المخلقة وغير المخلقة ليست فقط من الناحية التكوينية بل أيضا خطاب للعقل الإنساني عندما تذكر كصورة وتذكرة كنظرية، الأمر بمجمله حتى لا نكون متطرفين عن مسار وفهم العلم أن هذه الطريقة التطورية التحويلية في نشأت الحمل ومراحل تكوينه وفصاله ليست قائمة حصرا على الجنس البشري، فهي صورة ألية تشارك فيها كل المجموعة الحيوانية التي تتكاثر بواسطة الحمل، الإضافة التي قدمها النص تتعلق بنقطتين ربما سيكون بحثهما محل أختلاف، النقطة الأولى ما ورد منها في قضية في ورود كلمة (نبين لكم) فالبيان هنا خاص لعام أم عام لخاص.
• الفرق الأول لنبين وهذا خطاب لكم لا يتعلق بالخلق وإنما واجب الرب أن يشرح للناس كيفية الخلق حتى يتدبروا أمرهم علميا بعد ذلك، ومن هذه النقطة عليهم أن ينطلقوا للبحث عن الكيفيات والكونيات، إذا هي دعوة عامة لموضوع خاص يتعلق فقط بتحريك الوعي العلمي وتوجيهه لقضية علمية بحتة لا غبار عليها، النقطة الثانية وهي الخاص الموجه لعام أننا كخالق نعلمكم وطبعا هذا كلام الرب أننا نعلم أدق التفاصيل لأننا من لا يعلم غيرنا كيف النشوء في وقت لم يكن العلم متاح ول التشريح العلمي المتطور موجود، فمن يعترض على هذا الشرح أن يقدم الدليل العلمي المقابل.
• في كلا القضيتين هناك تنبيه وكناية خفية تتعلق بموضوع ذاتي بعد أن أشرنا إلى القضية الموضوعية، هذا الجانب إننا نحن قدرة الله نبين لكم ما لم يكن من أمركم بمتاح، فلولا وجود التدخل الرباني في قضية التبين هنا قد لا نجد هناك قانون عام يثبت ما هو الكائن القادم، فمن خلق الخارطة الجينية وقوانينها والإمشاج أيضا قادر على ضبطها بصورة محكمة حتى يتم بيان شيئية المولود القادم دون أضطراب، فلنبين لكم هنا بمعنى أننا وضعنا بعد الخلق قوانين التكاثر وأليات العمل ومناهج التكوين بموجب قضية أهمها حفظ النوع وضبطه على نمطية محكمة.
• القضية الأخرى مسئولية هذا البيان، فبعد أن وضع الرب القوانين الحاكمة والآليات الدقيقة والمنهج المنظم لم يترك الأمر ليكون خاضعا لمجهول، بل هو مراقب وربما ملاحق بالضبط والدليل ورود كلمة بيانية أخرى ذات محورية مهمة في البحث وهي (نقر في الأرحام)، هذا التقرير يشير يشكل حاسم وقوي وأكيد أن عملية البيان الأولى لا تنتهي فقط عند ما أشرنا له، بل أيضا تشير إلى هدف الإقرار وهو ما يشاء الله من أمر، المعروف علميا في كل قوانين الوراثة والطب والبيولوجيا إن الأختلافات التي تنشأ في المجموعة الحيوانية وحتى النباتية لا تتعدى الأختلافات البسيطة في النوع الواحد بحدود ما تسمح به تطورات وأختلالات هذه القوانين، فمثلا عندما تشاهد قطيعا كبيرا من حيوان ما قد لا تجد من الأختلافات الواضحة ما يمكن أن يشعرك بوجود عوائل وسلالات وتنوعات حتى داخل السلالة الواحدة إلا ما هو ميسر وبسيط.

• لكن عندما ندخل عالم الإنسان والذي هو وفق قوانين الوراثة والعلم الطبيعي والبيولوجي مولودين من عنصر واحد يشتركان في عوامل وراثية متشابهة نجد أن الأختلافات تفوق حتى قدرة العلم على تتبع حركة الجينات المخلقة وخارطة الجينات في الجنس البشري، هذا يدل على نقطتين مهمتين، هو أما أن الجنس البشري لا يعود إلى أصل واحد وهو الذي يقدمه النص على أنه آدم الزوج والزوجة، وبالتالي كلما نجده هو تفرعات ونتائج قانون مندل للوراثة لكون هناك عدة مصادر تحمل صفات مختلفة، والنقطة الثانية إذا سلمنا بأن الأصل واحد فالتنوع هذا مقصود ومجعول لأهداف خاصة لا تخلو من تدخل خارجي في أنتخاب الصفات والعلائق الوراثية بحسب إشاءة القوة الخارجية.

• والدليل طبعا حسب رؤية النص دون أن نتدخل في مساراته أمام ما يثبت أو ينفي النظرية العلمية أن (الاقٌرار في الأرحام) بالنموذج الخارج مرتبط بإرادة الخالق وحده، وحصر هذا الدليل بقوله ما نشاء، أيضا علينا أن ننتبه إلى كلمة الإقرار وزمانها ومكانها، فالعملية ليست فقط فرض إرادة دون تحديد، فالزمان هو تحديدا بعد مرحلة المضغة وليس قبلها، وهذا ما يعزز دليلنا أن الفصال والتفصيل الواردة في الآيات المشابهة والساندة والدالة التي تتحدث عن الحمل والفصال، إنما تقد مرحلة التخليق اللاحقة لمرحلة المضغة هذا من ناحية التوقيت، أما من ناحية المكان فبالتأكيد لا فصال ولا إشاءة خارج الرحم وأثناء فترة الفصال.

• وجود عامل الزمن اللاحق والمحدد لنهاية عملية الحمل والفصال (التصوير) هذه أيضا محكومة بأجل مسمى غير قابل للتمديد أو التقصير فهي كما حددتها النصوص مجملة بين الستة أشهر كحد أدنى وبين التسعة أشهر كحد أعلى وبموجب تفصيل لاحق في الكثير من الآيات منها حمله وفصاله في ثلاثون شهرا، وهذه تتضمن المراحل الثلاث، الحمل والفصال والرضاعة حتى يبلغ أشده، والأشد هو الفطام حينما يكون الطفل قادرا على الأنفصال عن الأم بالتغذية.

• وأخر ما في سلسلة الــ (ثم) وقبل النهاية هي خروج الطفل ولا بد لنا أن نفهم كلمة خروج التي وردت بصيغة (نخرجكم)، ولم يقل يخرج أو تخرجون بل حصرها بذات المتكلم الخالق، نخرجكم أي أننا من يملك حق إخراج الجنين من بطن الأم ليكون طفلا، أيضا هذا الأمر متعلق بقوانين محكمة وأليات منضبطة دون أختلاف، فعملية الإخراج مرتبطا زمانيا بالإشاءة الخالقة ومكانيا بقدرة الرحم على تنبيه أجهزة الجسم على العمل الذاتي ليخرج هذا الجنين بالصيغة والشكل والكيفية التي تحافظ أولا على سلامته البدنية دون أن يتعرض لا هو ولا الأم إلى الأذى الجسدي والنفسي، وثانيا ألية الإخراج ونظامها المتبع الذي فيه قدرة على تنفيذ العملية دون أن يرتكب الجسم أخطاء أو أضطراب ألي.

• وأخيرا نصل إلى التحول الأخير حين تضع الأم وليدها الذي هو طفل بمعنى أنه كائن غير مستقل ومعتاش أو سيعتاش على وجودها الخارجي بعد أن كان كائنا طفيليا داخل الرحم، السؤال هنا إذا كان الوليد الجديد متطفلا على الأم في هذه المرحلة وقبلها في الرحم، لماذا سمي جنينا هناك وطفلا هنا، الجواب في داخل الرحم كان جزأ من كيان الأم وملحق بأجهزتها تكوينا وتركيبا، أما بعد الوضع فهو كائن أخر مستقل ولكنه متطفل بالواقع، لذا لا يمكن أن نصفه وهو بطن الأم بالطفل ولا هو خارج الرحم بالجنين.

• أنتهاء مرحلة التطفل البيولوجي الطبيعي تنتهي في بلوغ مرحلة (الأَشُدَّ) وهي كما بينا مرحلة الفطام والأستقلال عن الأم في أكتمال القدرة على العيش منفردا عنها، لذلك سميت أشد أي أخر ما يمكن من له أن يكون متطفلا وقد تحول إلى الإشتداد الطبيعي في قوة الأعتماد على النفس، هنا لا يمكن أن نطلق على الإنسان في هذه المرحلة كلمة طفل بل صبي أو غلام أو أي تسمية أخرى وإن أجاز الأستخدام اللغوي العامي ذلك، فالطفل تعريفا في نصوص القرآن الكريم هو الوليد من ساعة الإخراج والوضع وأنتهاء بالفطام ونتذكر قول الشاعر العربي القديم ( إذا بلغ الفطام لنا صبيا) فمجرد الأنتقال من الرضاعة للفطام هو أنتقال الإنسان من الطفولة إلى مرحلة الصبيان تفريقا وتحديدا.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن