(البستاني ذهب مع الريح)

وديع العبيدي
wdobd14@yahoo.com

2016 / 11 / 10

(البستاني ذهب مع الريح)

وكان لأيوب المدياني حقل كرم
اقتنى امرأة، فاقتنت امرأته أولادا
استورثوه وهو قائم فيهم
وأرسلوه الى دار العجزة كي يرتاح.

في حجرة المشفى ذات الخمسين نجمة
كتب أيوب ملحمته الشهيرة
بعدما اكتشف خديعة الياهو
أنا لا أقول ان جلجامش انهزم أيضا.

"الانسان مولود المرأة
قصير العمر ومفعم بالشقاء
يتفتح كالزهر ثم ينتثر ويتوارى،
كالشيح، فلا يبقى منه أثر."/ (أيوب 14: 1، 2)

أنا قد أكون أليفاز التيماني
أو أكون بلدد الشوحي
وقد أكون صوفر النعماتي
لكني لست أليهو بن برخئيل البوزي.

لا لست أيوب، أنا البستاني
حارس الزهور البرية
وقائد الطيور إلى وكناتها
لا أدخل معركة، ولا أنهزم.

ما أوهنت عيني أرملة
لم أمنع خبزتي عن يتيم
ولم أحرم حقويه من جزة غنمي
رعيته كأب، وهديته من رحم أمه.

يوم كنت في ريعان قوتي
وأولادي ما زالوا حولي
كنت أغسل خطواتي باللبن
والصخر يفيض أنهارا من زيت.

حين أخرج الى بوابة المدينة
يتوارى الشبان، والشيوخ يقفون احتراما
يمتنع العظماء عن الكلام
ويتلاشى صوت النبلاء.

الأذن تطوبني، والعين تثني عليّ
كنت عينا للأعمى، وقدما للأعرج
أتقصى دعوى من لم اعرفه
وأجعل قلب الأرملة يتهلل فرحا.

قلت: ستتكاثر أيامي كحبات الرمل
وتمتد أصولي الى أطراف المياه
الطلّ يبيت على أغصاني
ومجدي يتجدد دائما.

أما الآن فقد هزأ بي من هو أصغر مني
آباؤهم ينبشون الخربة المهجورة
يقيمون في كهوف الوديان الجافة
يلتقطون الملاح بين العلّيق.

صرت موضع سخرية، ومثل تندّر
ارتخى وتر قوسي، وانقلب ضدي الأدنون
تطايرت هيبتي كورقة أمام الريح
ومضى رغدي كالسحاب.

أهناك من لم يشبع من طعام أيوب؟
ألم أفتح أبوابي لعابري السبيل؟
هل اعتصمت في بيتي، رهبة من الجماهير؟
ليت خصمي يكتب شكواه ضدي، فأجعلها تاجا لي!.

حين ترقبت الخير، أقبل الشرّ
حين توقعت النور، أقبل الظلام
صرت أخا لابن آوى، ورفيقا للنعام
قيثارتي للنوح، ومزماري للنادبين.

صرت لي عدوا قاسيا
وبقدرة ذراعك تضطهدني
أركبتني على الريح
تذيبني في زئير العاصفة!.

لابدّ، ثمة منجما للفضة
وبوتقة لتمحيص الذهب
لقد وضع الانسان حدا للظلمة،
ونقب عن المعدن في الظلمات السحيقة.

في تربة الأرض رحم للحياة
وفي صخرها ياقوت أزرق
في سواقيها يتلامع الذهب
وفي قيعانها كل ثمين.

أين توجد الحكمة؟
وأين مقرّ الفطنة؟
توقير الذات هو الحكمة،
والفطنة هي تفادي الشرّ!.

البلية لا تخرج من التراب
والمشقات لا تنبت من الأرض
ولكن من الترب يولد آخرون
ويتعاقبون من غير حكمة.

ليت أقوالي تسجل في كتاب
يا ليتها تنقش على الحديد
وبرصاص على صخر
الى الأبد.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* النص يقوم على تناصات واستعارات – بتصرف- من سفر ايوب في كتاب التناخ العبراني.
* (ذهب مع الريح) رواية الكاتبة مرغريت ميتشيل.
لندن في الرابع من نوفمبر 2016



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن