ما لا يجب ان ينساه مشروع التحالف الوطني للتسوية السياسية في العراق

فالح الحمراني
sanin777@hotmail.com

2016 / 11 / 5



ترددت في وسائل الاعلام مؤخرا تسريبات عن ان التحالف الوطني الذي يضم بصفوفه التيارات والاحزاب الشيعية ينوي طرح مبادرة وطنية للتسوية السياسية بل وتاريخية، ترمي الى تعزيز الوفاق الوطني ورص صفوف الشعب العراقي من اجل استعادة الوطن ووحدة شعبه وتلافي الانقسامات والانشقاقات القومية والدينية والمذهبية المميتة، وطمأنات كافة مكونات المجتمع العراقي لاسيما الاكبرالاكثر تضررا وشكوكا ابناء المذهب السني عربا وكردا.
و بالمناسبة لايمكن الا الترحيب والثناء على جهود قوة سياسية نافذة كالتحالف الوطني بالبحث عن سبل الوفاق الوطني وتلاحم المجتمع العراقي،من دون شك انها خطوة ارتقائية في الوعي السياسي لتيارات التحالف، ولابد انها كانت مخاض جدل ونقاش عسير، وربما ادراك ان دور المكون السياسي الشيعي سينحسر اذا لم تعيد مكوناته النظر في ممارساته وتوجهاتها وتتغلب على اغراءات السلطة والنفوذ والمال الحرام، وبالتالي ضرورة ايجاد حلول وسط بين كافة التيارات والاحزاب المنضوية فيه والمكونات الاجتماعية والسياسية الاخرى. وطبعا لايمكن الشك في وطنية مكونات التحالف الوطني واصرارها على تأمين حقوق المواطن بغض النظر عن الانتماء الديني او القومي، واستيعابها دروس تاريخ العراق المعاصر الذي برهن على ان استفراد اية قوة ( دينية ومذهبية وقومية) بالسلطة طريق محفوف بالمخاطر القاتلة للجميع، يؤدي الى الاحتراب والاقتتال، ونتيجة ذلك هو المشهد الذي نراه اليوم في عراقنا الجريح، وان من الناجع اليوم البحث عن قاسم مشترك، يوفر العدالة ويؤمن حقوق المواطنين ويعتمد على قوانين دقيقة وواضحة بهذا الشأن.
ومن المفترض ان تأخذ اية مبادرة التحالف الوطني للتغلب على المصاعب والاوضاع الخطيرة التي يتعرضها بلدنا بنظر الإعتبار، دروس وخبرة تاريخنا الوطني مجملا، والأهم من كل ذلك الفترة منذ 2003. وكل مراقب موضوعي وحتى المواطن العادي الذي شارك في التظاهرات والاجتماعات الاحتجاجية، سوف يؤكد لنا انها كانت تجربة فاشلة بامتياز. بكل جوانبها. لأنها لم تحقق الحد الأدنى من الأهداف التي كان يتطلع لها المجتمع العراقي وقواه في استحقاقات مرحلة ما بعد الديكتاتورية البغيضة. فقد إستمر انقسام المجتمع العراقي ولم تُستغل ثروات البلد لمصلحة المواطن. وإنهار الإقتصاد. وإستمر اعتماده على واردات النفط وسُحقت الزراعة والمرافق الاخرى للاقتصاد. واُستثمر الدين، بل المذهب لتظليل الجماهير، وجرى التركيز على المراسم الدينية الشكلية. واستمر تقسيم المناصب بين الكتل المسيطرة على السلطة، من دون مراعاة النوعية المهنية والمستوى الحرفي للموظف، والتي اطلق عليها سياسة "المحاصصة"، بما في ذلك تم في اطارها توظيف من لا كفائة لديهم، في الاجهزة الوطنية والامنية الحساسة لصيانة الدولة، كوزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية ( بينهم افراد فعلا جهلة واميين يمثلون العراق في بلد متطورة، من مهن ليس لها علاقة ابدا بالدبلوماسية مثلا: " حلاق طبيب بيطري متصوف ...الخ ) والأمن والاقتصاد.
يجب ان نعي وندرك بعمق ومسؤولية كل ذلك. والمهم الآن هو الخيار الآتي : هو الانتقال الى بناء دولة اسمها العراق؟، ام التراجع عن ذلك؟. وإحالة امورنا الى الباحثين عن المال والإثراء الحرام والتسلط واستغباء الناس البسطاء. لنحسم الامر جديا : هل نخطط فعلا لبناء كيان دولة ؟ ام كانتونات شيعية وسنية ويزيديه... الخ؟. من هنا فعلا تتحدد البرامج المقبلة، وبغض على من سيطرحها. نحن بحاجة الى مشروع وطني عام، تنهض في وضعه اولا الفعاليات الدينية كافة من دون الانتقاص من اقلية. والبدء بالمصالحة التاريخية بين السنة والشيعة وتناسي الخلافات التي كانت سبب الانقسامات ( لقد فات اوانها)، وثانيا مشاركة كافة الاحزاب والتيارات السياسية، والاستئناس براي الشارع العراقي، في المدن والارياف بدون شعار مذهبي/ ديني. ان استئثار مكون واحد حتى ولو انه يشكل نسبة اعلى بين السكان لن يؤدي الى السلام الوطني والاجتماعي ابدا، لان لدى كافة المكونات مصالحها ومشاعرها وادوارها في البناء الوطني.
ان ما ينبغي ان لاينساه اي مشروع للاتفاق الوطني في العراق هو حتمية عزل الدين عن السياسة. لقد اثبت تاريخ العالم ان البشرية شوهت مفهوم الدين، لذلك فانه تحول الى عامل للانقسام والانشقاق والاحتراف( ليكن الايمان والدين مسألة شخصية، الانسان مسؤول وحدة بنفسه امام ربه وليس من يشفع له. وليقنعه الاكثر ايمانا بضرورة الايمان من دون اجبار" لا اجبار في الدين"). والمجتمع العراقي ادرك بجلاء، وبرهن باحتجاجته ان هناك من "سرق" الدين لسرقة المجتمع وباسمه الحصول على الامتيازات والنفوذ والسلطة، وعلى حساب المواطن المحروم من مكاسب عوائد النفط، ولم يحصل على اجور توفر له حياة كريمة ولا خدمات طبية او تعليمية او بناء سكن...
ان التاريخ يعلمنا ان الانتقال نحو وضع اجتماعي نوعي جديد لايتم من خلال ما يسموه ابناء دول الخليج العربية " ببوس اللحى" بل من خلال التغيرات الاجتماعية والاقتصادية العميقة وبالارتقاء الى علاقات جديدة والمرور بمرحلة الثورة الصناعية والتكنلوجية والانتماء لعصرنا الجديد واستخدام منجزاته، وليتشكل المجتمع ليس على اساس عشائري كما هو عليه الان، وانما على اساس الشرائح والطبقات والفئات الاجتماعية صاحبة المصلحة من دون الانتماء الطائفي الضيق جدا الذي لم يعد يلائم العصر، وان الحلول والافاق الواعدة لن تنفتح من خلال اتفاقات النخب الدينية / المذهبية ( شيعية وسنية...الخ)، بل على الارض بين الجماهير العريضة الذين يتم في عادة تغييبهم، وعلى اساس الاصلاحات التي تسفر عن تحسين نوعي لحياة المواطنين.
ان ذلك يتطلب ايضا منع تشكيل احزاب على اساس ديني/ مذهبي، ويجب ان تقوم الاحزاب على اساس وطني عام. لان ابقاء الاحزاب على اساس ديني / مذهبي بالعراق حصرا، سيتيح الفرصة للساسة الذين يقامرون على الورقة الشيعية بالفوز بها ابدا لكون ان المكون الشيعي ( الذي نجح الساسة بتظليله) يشكل الاغلبية وهذا ما سيهمش للابد المكونات الاخرى ويجعلها تحس بالغبن. يجب العودة الى الدولة العلمانية ( اللادينية) التي تحترم كافة الاديان والمعتقدات والمذاهب والقوميات. علما ان القراءة السطحية لتاريخ العراق تؤكد ذلك، وان وعي هذه الحقيقة يمكن ان تكون الجسر نحو بناء عراق مزدهر يحل فيه السلام والامن وتؤمن حقوق مواطنيه كافة. فهل من يسمعّ!
• كاتب من العراق مقيم بموسكو



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن