الاساطير و حقيقة الزمن

يوسف شوقي مجدي
Magdyjoe@yahoo.com

2016 / 10 / 22

من صفات العقلانية انها مُفرقة او مصنفة ، اي انها تميل الي تفكيك الموضوعات و القضايا و بالتالي يمكنها ان تصنع ثنائيات عديدة مثل :ثنائية الخير و الشر و ثنائية العدل و الظلم..الخ ، و بنفس الطريقة تُطبَق العقلانية علي موضوع الزمن ، فتفككه الي لحظات و تصنع ثنائية اخري هامة و هي ثنائية الماضي و الحاضر ، و لكن الكثير من تلك الثنائيات وهميا الي حد كبير ، فلو اخذنا مثلا مسألة الخير و الشر ، سنجد ان الامر سيختلط علينا كثيرا ، فمثلا :لو اعلنا ان "القتل امر شرير"كقانون عام ، سنقع في مشكلة ان القتل لازم في احيان كثيرة ، و بذلك ستسقط شرعية المقولة السابقة كقانون عام و سيختلط الخير بالشر و في الحقيقة هما لا يمتزجان لانهما في الاصل واحد اي انتسابهم الي "الفعل البشري "، و ربما وقعنا في كل ذلك ، لاننا قد طبقنا العقلانية علي موضوعات ليست مفروضا علي العقلانية حلها او تفسيرها،و بذلك قضية الماضي و الحاضر و ما تفرضها من مشكلات مثل الاساطير و الاديان و التقاليد ، لا يجب التعامل معها باسلوب عقلاني تصنيفي يتبعه ذم الماضي و محاولة التخلص منه و التمسك بالحاضر او العكس.
يجب الان ان نفكر بطريقة اخري غير تصنيفية ، فالماضي و الحاضر لا وجود حقيقي لهما و لكن الزمن عبارة عن تيار واحد ، كنهر مندفع ، و عندما اعلن ذلك الفيلسوف هنري برجسون ، اتفقت افكاره من نتائج العلم ، اقصد نظرية النسبية الخاصة لاينشتاين و لكننا لن نتكلم عن موضوع علمي و لكننا سنتطبق نظرة برجسون عن الزمن علي قضايا مثل :الاساطير و الاديان.
من الاشياء التي جعلتني اتقاعس عن كتابة المقال ان البعض سيظن اني اروج للخرافات بصورة ما ، لكني اريد ان انوه اني ضد استغلال اصحاب الخرافات للناس ، فساتناول الموضوع مجردا من الافعال البشرية او اي علاقات مادية.
لنأخذ مثالا كالكنيسة الاورثوذكسية في مصر و لاهوتها الشعبي من شفاعة القديسيين و التبرك بالصور و اعلاء من قيمة العذراء (و هذا لا يتعلق بالمسيحيين فقط) و تقاليد مثل زيارة الموتي..الخ ، و انا لن افصل هنا بين التقاليد الشعبية و الدينية ، لاننا سنجدهم يتقاطعون مع بعضهم في نقاط كثيرة.
لماذا نذم هذا اللاهوت الشعبي ؟!.. البعض ممكن يقول ان السبب هو استغلال عدد كبير من رجال الدين لهذا اللاهوت في تحقيق مكاسب شخصية ، و لكننا قلنا اننا لن نتحدث عن اي افعال بشرية ، فلماذا اذا نذمه في ذاته ؟!..هل لانه يُعتبر ماضيا قد انقضي ؟!.. و هنا يوجد لدينا اعتراضين ، الاول ان اعتبار تلك الافكار تنتسب الي ما يُسمونه ماضيا ،لهو خطأ لان تلك الافكار تلقي رواجا واسعا بين الناس في مصر في وقتنا الحالي ، ثانيا: ان الماضي و الحاضر شيئا واحدا ليس فقط بطريقة علمية و لكن في العقائد و التقاليد و الشخصيات الاسطورية ، و الاعتراض الاخير يحتاج الي توضيح ، فيمكن ان يقول القارئ ان اكبر عائق لهذا الكلام هو "التغير" من حيث وجهتي النظر ، التراثية و الرياضية ، فلو تناولنا الاولي ، سيكون العائق امامنا واضحا و هو وجود مثلا شخصية اسطورية او تقليد معين في عصر ما و انعدامه في عصر اخر ،مثل الالهة ازيس و عبادتها ، و لكننا نري ان ذلك يعد دليلا علي وحدة الزمن ، فما يسمي ماضيا يستمر ولكنه يكتسب صورة اخري فالالهة ازيس توجد الان معنا و لكن في هيئة العذراء مريم ، و توجد تقاليد لم تكتسب صورة جديدة لانها لم تتغير من الاساس مثل زيارة الموتي. اما لو جئنا الي المعني الرياضي للتغير ، و لنأخذ مثلا تغير المسافة التي تقطعها حركة ما ، سنجد ان المسافة الجديدة التي يقطعها جسم متحرك تضاف ضمنيا الي المسافة الاصلية ولا تنفصل عنها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن