التواجد التركي في العراق .... كيف نفهمه ؟

داخل حسن جريو
dakhiljerew@gmail.com

2016 / 10 / 15

تشهد العلاقات العراقية التركية حاليا توترا غير مسبوق في تاريخ علاقات البلدين منذ إنتهاء حقبة الإحتلال العثماني للعراق في أعقاب الحرب العالمية الأولى, رافقها تراشقا إعلاميا بين قادة حكومتي البلدين , وذلك على خلفية تواجد القوات التركية في بعشيقة التي دخلتهاهذه القوات قبل نحو عام بدعوى محاربة الإرهاب, دون إشعار الحكومة العراقية, وبدون إستحصال موافقتها كما تقتضي ذلك الأعراف والأصول بين الدول .
تخشى الحكومة العراقية وهذا أمر طبيعي من تواجد هذه القوات على أراضيها, في ضوء الدعاوى التي ما إنفك يرددها بعض كبار المسؤولين الأتراك, بمناسبة أو بدونها , بعائدية محافظة نينوى وبعض المحافظات الشمالية (محافظات دهوك وكركوك وصلاح الدين) التي كانت تشكل ولاية الموصل في زمن العثمانيين, ومناداتهم جهارا نهارا بضرورة ضمها إلى الدولة التركية بعد تحريرها,حيث إنسلخت منها بعد إنهيار الدولة العثمانية في مطلع القرن المنصرم , غير مكترثين لواقع وتاريخ مدينة الموصل الموغلة في عراقيتها منذ فجر التاريخ والذي أكده اهلها في إستفتاء حر أجري عام 1925 بإشراف دولي وبموافقة الحكومة التركية وسلطة الإنتداب البريطاني المكلفة دوليا بالإنتداب على العراق الخارج توا من قبضة السلطة العثمانية المنهارة, بأنها جزءا لا يتجزء من المملكة العراقية الفتية حينذاك , وبذلك إسدل الستار على تلك الأطماع والدعاوى التركية الباطلة التي يسعى بعض أحفادهم الآن إحيائها, متوهمين أنهم قد وجدوا فرصتهم الضالة في ضوء ما يشهده العراق حاليا من فوضى وإضطراب أمني وإحتراب أثني وطائفي كانت لهم فيه اليد العليا .
ولا شك أن لهذا التواجد تداعيات خطيرة على إستقرار العراق ووحدة أراضيه , وربما يتسبب في إشعال فتنة وحرب أهلية على غرار ما سبتته الحكومة التركية وحلفاؤها الخليجيون من حرب أهلية مدمرة في سورية مستعرة منذ أكثر من خمس سنوات وما زال سعيرها مستمرا حتى يومنا هذا دون ان تلوح في الأفق بارقة أمل بحلها قريبا .
ولا يعقل أن يأتي هذا التواجد التركي من فراغ ,إذ لابد أن تكون له أولياته وأدواته ودوافعه. ولعل أول دوافعه رغبة الحكومة التركية بإيجاد موطئ قدم لها في العراق الذي يشهد حاليا تشرذما عرقيا ودينيا وطائفيا, لتأمين المصالح التركية في بلد مجاور , وربما إستعادة ولاية الموصل التي خسرتها في ظروف أملتها عليها ظروف إنهيار الدولة العثمانية خلافا لرغبتها , وهي ترى أن الفرصة قد تكون سانحة الآن للعثمانيين الجدد لتحقيق ما عجز عن تحقيقه أجدادهم العثمانيين في أعقاب إنحسار نفوذهم في العراق , لاسيما أن أدوات هذا التواجد باتت ميسرة بإعتقادها , متمثلة بقوى سياسية عراقية ترى أن لها مصلحة في التواجد التركي بدعوى التوازن مع ما تراه من تواجد إيراني داعم لقوى سياسية عراقية أخرى من منطلق طائفي ترى فيه تهديدا لوجودها ويحد كثيرا من نفوذها, وهي بذلك ترحب بهذا التواجد بالسر والعلن ,برغم مشاركتها في العملية السياسية وتبؤ بعض قادتها مناصب حكومية رفيعة, ولا يغيير شجبها اللفظي لهذا التواجد عبر بعض وسائل الإعلام للإستهالك المحلي, ويحضى هذا التواجد بتأييد قوى من دول مجلس التعاون الخليجي , وبخاصة السعودية وقطر والإمارات من المنطلقات الطائفية ذاتها.
كما ترى حكومة إقليم كردستان أن هذا التواجد سيسهل لها ضم بعض مدن وقصبات نينوى بدعوى عائديتها للإقليم, بعد أن تكون الفوضى قد عمت محافظة نينوى في أعقاب التحرير, فلا عجب والحالة هذه أن يدعي القادة الأتراك أن تواجد قواتهم قد جاء بناءا على دعوة حكومة إقليم كردستان ومحافظ نينوى السابق الذي يقود حاليا قوات عسكرية تحت أمرة القوات التركية , ولا تخضع هذه القوات لأمرة القوات المسلحة العراقية .
والأهم من كل ذلك ربما التنسيق الخفي بين الإدارة الأمريكية والحكومة التركية بإعطائها الضوء الأخضر بالتدخل في الشأن العراقي بفرض وجودها في أراضيه ودعمها لبعض الجهات السياسية بهدف فرض واقع جديد على الأرض يذعن له الجميع بتجرع سم تفتيت العراق وتقسبمه إن لم يكن تقسيما نهائيا , ففي الأقل تقسيمه إلى أقاليم نادوا بها منذ غزو العراق وإحتلاله عام 2003. وإلاّ كيف يعقل أن تتجرأ القوات التركية دخول الأراضي العراقية الخاضعة للحماية الأمريكية بموجب إتفاقية الإطار الأمني الموقعة بين حكومتي البلدين التي تعهدت بموجبها الحكومة الأمريكية حماية العراق أرضا وسماءا ومياه من أي إعتداء خارجي دون أن تحرك ساكنا , وتكتفي بالطلب من المعتدي التركي والضحية العراقي , التحاور لحل هذا الإشكال كما تصفه , حتى أنها لم تلزم الجانب التركي في الأقل بألإنضمام لقوات التحالف الدولي الذي تقوده حفظا لماء وجه الحكومة العراقية ومنعا لإحراجها أمام شعبها, بل تركت للقوات التركية حرية التصرف كما ترغب وكيفما تشاء , وهو أمر مثير للريبة والشك إن إفترضنا حسن النوايا, ما لم يكن هناك تقاسم أدوار فيما بينهما.
وثمة أمر آخر يثير التساؤل هنا ,هذا الصمت الروسي إزاء هذا التواجد بعد الغزل الروسي التركي , خلافا لما كان عليه الحال عندما شجبت روسيا هذا التواجد وعدته إحتلالا وخرقا لسيادة العراق , مطالبة الحكومة التركية بسحب قواتها من الأراضي العراقية في أعقاب قيام تركيا بإسقاط طائرة روسية قيل أنها إخترقت الحدود التركية .
وكعادة المحتلين في كل زمان ومكان يبررون عدوانهم بإحتلال أراضي الغير بأنهم محررين لا فاتحين , والأدلة والشواخص على ذلك كثيرة , فعندما دخل الجنرال مود بجيوشه بغداد عام 1917 , أعلن زورا وبهتانا أنهم جاؤوا محررين لا فاتحين ,بينما هم جاؤوا مستعمرين لنهب خيرات العراق وثرواته وقهر شعبه قرابة أربعين عاما. وكذا الحال عندما أعلنت الإدارة الأمريكية عند غزوها وإحتلالها العراق عام 2003, بأن جيوشهم ومن تحالف معهم من عرب الجنسية من دول الخليج ومصر وغيرها , إنما جاءت لتحرير العراق من نظامه السياسي الذي تعارضت مصالحهم مع مصالحه, ليعلنوا فور سيطرتهم على شؤون البلاد والعباد بأنهم جاؤوا محتلين لا محررين خلافا لما روج له أتباعهم ومناصريهم ممن باعوا بلادهم للأجنبي بثمن بخس, فكانت النتيجة أنهم قد دمروا العراق وجعلوا أعزة أهله أذلة مشردين في مشارق الأرض ومغاربها والحديث هنا يطول.
ولم تجد القوات الغازية , أية قوات غازية صعوبة كبيرة بشراء ذمم البعض بالمال السحت الحرام ممن يرتضوا لأنفسهم أن يكونوا مطايا للأجنبي المحتل , وإلحاق الأذى بشعوبهم وبلدانهم . لذا يحدونا الأمل أن تتضافر جهود العراقيين الخيريين من جميع القوميات والأديان والطوائف لوأد مخططات الفتنة لتقسيم العراق بدعوى حماية الأقليات وتحقيق التوازن بين مكونات الشعب العراقي , وكأنهم أحرص على العراقيين من أنفسهم , متخذين من قضية الموصل المبتلاة بحكم العصابات التكفيرية مدخلا لمشاريعهم التقسيمية وبوابة لنهب ثروات العراق والتلاعب بمقدراته.
واخيرا نقول أين كان هؤلاء المحررين الذين يملؤون الدنيا الآن صخبا وضجيجا عندما إحتل الدواعش مدينة الموصل وثلث الأراضي العراقية , والذي ما كان له أن يتم لولا التسهيلات اللوجستية الكبيرة التي قدمت لهم , حيث فتحت لهم الحدود لدخول الأراضي العراقية , بعد أن وفرت لهم قبل ذلك ملاذات آمنة لتجمعاتهم, وأمدتهم دول أخرى بالمال والسلاح مشفوعة بدعاوى الحقد الطائفي وإثارة كل أشكال الحقد والكراهية , مسخرة آلة إعلامها الضخمة لهذا الغرض.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن