ملامح الفكر الاجتماعي في الديانة المسيحية

حسني إبراهيم عبد العظيم
drhosni2512011@yahoo.co

2016 / 10 / 11

ملامح الفكر الاجتماعي في الديانة المسيحية

مقدمة:

اعتاد بعض مؤرخي الفكر الاجتماعي والسياسي في الغرب على ترديد مقولة مفادها أن المسيحية كعقيدة دينية , والكنيسة كتنظيم روحي, لم يقدما شيئاً جديداً للفكر الاجتماعي أكثر مما قدمته الحضارتان اليونانية والرومانية, وذلك باعتبار أن المسيحية كعقيدة تسعى إلى تحقيق المثل الأخلاقية لخلاص الإنسان, ولم تُعن في أصولها اللاهوتية بدراسة القضايا الاجتماعية والسياسية, كما فعل المفكرون في روما واليونان.

والواقع أن تلك المقولة تحتاج إلى مراجعة, وذلك لأن الديانة المسيحية نشأت في وسط اجتماعي وتاريخي معين, حيث أنها انتشرت بين الأفراد والجماعات الاجتماعية المختلفة, وبالتالي فإن هناك العديد من العوامل الاجتماعية والثقافية التي أدت إلى انتشارها من جهة, وهناك العديد من الآثار والنتائج التي ترتبت عليها من جهة أخري, فلقد ساهمت في تغيير الكثير من القيم والمعتقدات والأفكار, وكل ذلك من شأنه أن يخلق بناءً فكريا متراكماً.

كما أن ظهور المسيحية في ذاته كان عاملاً مؤثرا في ظهور عدد من المفكرين والفلاسفة واللاهوتيين الذين روجوا لمبادئها وعقائدها الجديدة, فظهرت رؤى وأفكار متنوعة ونظريات جديدة عن الإله وصفاته, وعن الإنسان ومصيره, وعن الحياة والنظم الدينية والقيم الأخلاقية التي كان يدعو إليها الدين الجديد.

وفي هذا السياق نتناول ملامح الفكر الاجتماعي في الديانة المسيحية من خلال العنصرين التاليين:

ـ الظروف الفكرية والاجتماعية التي صاحبت ظهور المسيحية.
ـ الفكر الاجتماعي لدي بعض رجال وفلاسفة الدين المسيحي.

أولا: ـ الظروف الفكرية والاجتماعية التي صاحبت ظهور المسيحية.

ظهرت المسيحية في ظل مجموعة من الظروف الاجتماعية والفكرية التي كانت سائدة في ذلك الوقت, وكانت هذه الظروف بمثابة العوامل التي أدت إلى نشأة المسيحية وتطورها, ويمكن حصر هذه العوامل في عاملين أساسيين كما يلي:

1ـ الجمود الذي أصاب الديانة اليهودية:

شهدت اليهودية حالة من الجمود والتحجر من مظاهرها تحولها إلي ديانة قومية مغلقة قاصرة علي مجموعة معينة من البشر, وهم بني إسرائيل, وقد تم تدعيم هذه الفكرة بمعتقدات توراتية تم تحريفها وتبديلها كعقيدة الاختيار الإلهي لبنى إسرائيل, ومن مظاهر هذا الجمود أيضاً تحول اليهودية إلى ديانة مثقلة بالطقوس والشعائر المعقدة التي لا طاقة للإنسان بها, فغرق اليهودي في بحر من الأحكام والتشريعات الكثيرة والمتناقضة, التي دمرت روحانية الدين.

وبالإضافة إلي ذلك لعب العامل المادي دوراً في تدهور اليهودية, حيث عرف عن اليهود اهتمامهم الشديد بأمور الدنيا, وانغماسهم في النواحي المادية, وابتعادهم عن الأمور الروحية والأخلاقية.

ولذلك فقد كان ظهور المسيحية رد فعل قوي تجاه هذه الأوضاع الدينية لدي اليهود, ففي مقابل قومية الدين اليهودي, جاءت المسيحية بفكرة عالمية الدين, وفي مقابل الجمود الديني والتشريعي اليهودي, أتت المسيحية في البداية بفكرة التخفيف من الشرائع والأحكام, وتخليص الدين من التكاليف المرهقة, والدعوة إلى روحانية الشعائر, وفي مقابل مادية اليهود ودنيويتهم, ركزت المسيحية علي الجوانب الروحية, وإن كانت في تطورها اللاحق قد أسرفت في هذا الجانب, حتى تحولت في وقت قصير إلى ديانة رهبانية وزهد وتقشف, وفي مقابل العنصرية اليهودية, جاءت المسيحية بمفاهيم المحبة والتسامح والسلام.

2ـ الفكر الفلسفي اليوناني:

قام الفكر الفلسفي اليوناني على أساس اعتماد العقل وحده كمصدر للمعرفة الإنسانية, بما فيها المعرفة الدينية, وأخذت الفلسفة موقفاً مضاداً للدين, لا يعترف بالوحي الإلهي كمصدر للمعرفة الدينية, كما رفضت الفلسفة فكرة الإلوهية, واستبدلتها بأفكار أخرى ذات طابع عقلي, وأدي ذلك الفكر إلى اهتزاز طرق التفكير الدينية, وأصبح لدي الشعوب استعداد للخروج على عقائدهم وممارستهم الدينية, بل والشك فيها أحياناً, فالفلسفة اليونانية قد سببت أزمة دينية لدى الشعوب التي تأثرت بها, كما أنها لم تستطع سد الفراغ الديني الذي خلفته, ولم تأت بفكر ديني جديد, وبالتالي كانت هناك حاجة لديانة جديدة تشبع حاجات الإنسان الروحية.

ثانيا: الفكر الاجتماعي لدي بعض رجال وفلاسفة الدين المسيحي:

جاءت المسيحية في البداية كحركة تصحيحية لليهودية, تهدف إلى تخليصها من السلبيات التي تسربت إليها, ولم تأخذ دعوة عيسي عليه السلام اتجاهاً مغايراً, إلا عندما رفض اليهود دعوته, حيث رفضوا أن يكون هو المسيح المخلص الذي وردت عنه نبؤات العهد القديم.

وقد حدث تغير جوهري في المسيحية بعد وفاة عيسي عليه السلام حيث بدأ في التطور فكر مسيحي جديد, يدور حول شخصية السيد المسيح عليه السلام, وطبيعة الأعمال التي وقعت له في ولادته, ومماته , ورفعه، حيث عجز العقل المسيحي الأول عن فهم هذه الأعمال داخل إطار المعجزات الإلهية , بل فهمها من خلال ربطها بطبيعة السيد المسيح, فاعتقدت فرقة بإلوهيته, واعتقدت فرقة أخرى باتحاد العنصر البشري والإلهي في شخصيته (اتحاد الناسوت باللاهوت) , بينما آمنت طائفة أخرى بإنسانيته مع الاعتراف له بالنبوة.

وقد ظهر العديد من المفكرين المسيحيين الذين قدموا بعض الأفكار الاجتماعية, وكانت في معظمها مصطبغة بالصبغة الدينية, ومرتبطة بالعقائد التي تطورت عقب وفاة السيد المسيح عليه السلام, وسوف نعرض آراء ثلاثة من رجال الكنيسة المسيحية, يمثلون ثلاث مراحل تاريخية مختلفة, مرحلة ظهور المسيحية وتطورها في القرن الأول الميلادي (يمثلها القديس بولس) ومرحلة انهيار الحضارة الرومانية خلال القرن الخامس الميلادي (يمثلها القديس أو غسطين) ومرحلة ما بعد ظهور الاسلام, وتأثر رجال الدين المسيحي بها ( ويمثلها توما الأكويني الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي).

1ـ القديس بولس:

ولد القديس بولس (15 ـ 60م) في مدينة ترسوس Tarsus في آسيا الصغرى لأسرة يهودية, وكان اسمه (شاول) وتعلم علي يد المعلمين اليهود في بيت المقدس, وكانت كل مفاهيمه الدينية مفاهيم يهودية في أصولها, مثل مفاهيم الخطيئة, والمسيح المنتظر, والمملكة القادمة التي سيعلنها.

وبالإضافة إلي ذلك فقد تأثر بولس بالأفكار الدينية في البيئة الهيلنستية التي عاصرها (الأفكار الهيلنيستية هي مزيج من الأفكار اليونانية والرومانية والشرقية الآتية من الحضارات القديمة في مصر وفارس والعراق وغيرها) فقد انتشرت في عصره مجموعة من العقائد السرية التي وعدت المعتقدين فيها بخلود شخصي من خلال تمثل صوفي مع إله مخلص مات وانتصر علي الموت بأن بعث في حياة إلهية متجددة, وهذا التماثل يتم من خلال بعض المراسم أو الشعائر.

وقد اهتم بولس بالدعوة إلى الديانة الجديدة, وقد قام في سبيل ذلك بعدد من الرحلات في الإمبراطورية الرومانية لنشر العقيدة الجديدة, فزار آسيا الصغرى وقبرص واليونان , حيث أسس عدداً من الكنائس وكتب في العقد السادس من القرن الأول مجموعة من الرسائل وجهها إلى الكنائس الموجودة في الأقاليم الرومانية, وضع فيها تفسيره للمعتقد المسيحي في إطار خلفيته اليهودية والهيلنستية , فظهرت لديه أفكار الصلب والخلاص والقيامة وغيرها.

ويري بعض المؤرخين الغربيين - مايكل هارت على سبيل المثال - أن تأثير بولس في إرساء عقائد المسيحية ونشرها لا يقل عن تأثير السيد المسيح ذاته ذلك أنه لعب الدور الأكبر في نشر العقائد المسيحية في أغلب الأقاليم التابعة للدولة الرومانية, وقد أثار ذلك سخط القادة الرومان, فقبض عليه وأرسل إلى روما لمحاكمته, ولا يعرف التاريخ عنه شيئاً بعد وصوله إلي روما.

وقد قام بولس بمحاولة تفسير بعض مقولات السيد المسيح عليه السلام, ومن أهم المقولات التي قام بتفسيرها, وكان لها تأثير كبير علي الفكر الاجتماعي والسياسي بعد ذلك, العبارة التي قالها السيد المسيح " أعطوا ما لقيصر لقيصر, وما لله لله" يقول بولس في إحدى رسائله مفسراً هذه العبارة:

" لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة, لأنه ليس سلطان إلا من الله , والسلاطين الكائنة هي مرتبة من عند الله, حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله, والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة".

يكشف التفسير السابق أن بولس يحث على طاعة السلطان, والسلطان هو الحاكم السياسي, و الشئ الجديد في هذا التفسير أن طاعة الحاكم واجبه لأنها طاعة "لترتيب الله" فطاعة الحاكم مرتبطة بطاعة الله , ومعارضته تعني معارضة إرادة الله.

ولقد كرست هذه المقولة نظرية الحق الإلهي للملوك فيما بعد, التي كانت سبباً للطغيان والاستبداد الذي مارسه الحكام في أوربا طيلة القرون الوسطي وأسهمت في تراجع مقولة شيشيرون عن الشعب كمصدر للسلطات, أى أن الحاكم يستمد سلطته وشرعيته من الشعب مباشرة, دون تفويض إلهي.

يتضح مما سبق أن بولس الرسول قد صاغ العديد من العقائد المسيحية متأثراً بخلفيته الدينية والفلسفية السابقة, كما تأثرت تفسيراته الدينية ببعض الظروف السياسية والاجتماعية السائدة في عصره.

2ـ القديس أوجسطين:

نشأ أوجسطين (354 _ 430 .م) في بيئة إفريقية, حيث ولد في مدينة "لما غشت" في شمال أفريقيا, وقد كان مرهف الحس, قوي العاطفة, شديد التأثر, رحل إلي ميلانو, حيث درس اللاهوت ورسم أستفاً في إحدى كنائسها, وقد عاصر تفكك الإمبراطورية الرومانية, وعاصر ظهور المذاهب المسيحية نتيجة الاختلاف حول طبيعة السيد المسيح عليه السلام, كما عايش الصراع بين الوثنيين والمسيحيين, وقام بالدفاع عن المعتقدات المسيحية, ولم يعتمد في دفاعه علي إيمانه فقط, بل إلي ثقافته الواسعة في التاريخ والفلسفة وغيرهما.

ترك أو جسطين أثراً علمياً مهماً, تضمن أفكاره عن الوجود الإنساني وعلاقة الإنسان بمملكة السماء وهو كتاب "مدينة الله" the city of God جمع فيه بين التعاليم المسيحية والفلسفة اليونانية, وخاصة فكرة المدينة الفاضلة لدي أفلاطون, حيث نادى بالملكية الجمعية, فالثروة ملك لله, قد منحها للناس جميعاً, فإذا استولي عليها الأغنياء وجب عليهم مساعدة الفقراء, كما كان يري أن الأحرار والعبيد أخوة في الإنسانية, وبرغم عدم تساويهم في الأرض,فإنهم متساوون عند الله, لأن الله لا يفرق بين عباده إلا علي أساس الإيمان.

وقد أخذ أوجسطين بفكرة أباء الكنيسة عن الحياة الأولى للإنسان, وهي حياته في الجنة قبل نزوله إلي الأرض, حيث كثرت شروره وآثامه, وأصبح من الضروري أن ينشئ له مجتمعاً وحكومة, والحكومة أو الدولة هي نظام إلهي لمنع الشر والخطيئة, وأن حكامهاهم ممثلو الإله علي الأرض يستمدون سلطانهم منه .

وتفصيلاً للفكرة السابقة, يري أوغسطين أن التاريخ الإنساني ينقسم إلي ست مراحل متتابعة, ترمز لأيام الخلق الستة, فالله ـ حسب رواية التوراة ـ خلق العالم في ستة أيام, ثم ارتاح في اليوم السابع, أما المراحل الستة التى حددها أوغسطين فهي تمتد من نزول آدم عليه السلام من الجنة حتى يوم القيامة, وذلك علي النحو التالي:

1ـ من نزول آدم حتى عصر نوح.
2ـ من عصر نوح حتى إبراهيم
3ـ من عصر إبراهيم حتى داوود.
4ـ من عصر داوود حتى الأسر البابلي.
5ـ من الأسر البابلي حتى ميلاد المسيح.
6ـ من ميلاد السيد المسيح حتى يوم القيامة
ويري أوجسطين أن هناك عصر سابع يلي المراحل السابقة يرتاح خلاله الخلق في رحاب الله.

ويؤكد أوجسطين متأثراً برجال الدين السابقين وخاصة بولس ـ أن إرادة الله هي التي تحكم الحوادث, وليست إرادة الإنسان وهو بذلك ينفي فكرة السببية العلمية أو الحتمية, فحسب قوله " شئون التاريخ الأرضي يتولاها الله كما يشاء, والممالك البشرية (الدول) تقوم بفضل العناية الإلهية فهي لم توجد اعتباطاً, ولا بحكم الضرورة الاجتماعية , وإنما هي نتاج ترتيب إلهي"

وفي كتاب مدينة الله (أو مدينة السماء كما كان يسميها أحيانا) يقارن أوجسطين بين نمطين للمدينة : النمط الأول هو المدينة الأرضية التى يعيش فيها الإنسان حسب الجسد, والغرائز الشهوانية, فهي تقوم علي حب الذات, وعلاقات السلطة والقوة والخضوع , وكثيراً ما تنقسم المدينة بفعل الحروب والنزعات, والمدينة الأرضية (أو مدينة الشيطان كما يسميها البعض) ليست خالدة , وإنما هي إلي زوال.

أما النمط الثاني فهي مدينة الله, وهي للذين يعيشون وفق إرادة الله, وتقوم علي محبته, وفيها يخدم الأمراء رعاياهم في رحاب المحبة, فالرعية مطيعة للأمراء, في حين يشغل الأمراء عقولهم بالتفكير في أمر الجميع, ويعيش في هذه المدينة مواطنين من جميع الأمم , وتجمع مجتمعاً من جميع اللغات, ويكون الأحرار والعبيد متساويين في الحقوق والواجبات, وينعدم التفاوت بين سكان المدينة, وسوف يكون السلام والأخلاق الفاضلة هما رمز مدينة الله.

3ـ توما الأكويني:

عاش توما الأكويني (1225 ـ 1274) في أواخر القرون الوسطي, وقد ولد في مدينة "أكوينو" الإيطالية لأسرة ارستقراطية شغلت العديد من المناصب السياسية, درس في عدة جامعات أوربية, منها نابولي, وكولونيا في إيطاليا, وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون عام 1257.

تنقسم مؤلفات الأكويني إلي نوعين من المؤلفات , الأولي أطلق عليها الخلاصات أو الملخصات وتتناول الدفاع عن المسيحية, وشرح عقائدها، الثانية تتناول شروحاً لأعمال أرسطو.

وقد عاصر الأكويني الحضارة الإسلامية في أوج ازدهارها, وتأثر بها بشدة, خاصة فلسفة كل من ابن سينا وابن رشد التى اتسمت بالطابع العقلي, ويمكن القول إن توما الأكويني أول من ادخل الفلسفة العقلية إلى التراث الكاثوليكي بتأثير الفلسفة الإسلامية وخاصة لدي ابن سينا وابن رشد, فلولا جهودهما لما قدر له أن يطلع علي الفكر اليوناني, غير أنه مالبث أن هاجم الإسلام هجوماً سافراً بعد ذلك, وهاجم النزعة الفلسفية الرشدية التي انتشرت في أوربا.

ولقد تأثر الأكويني تأثراً كبيراً بأرسطو, بحيث يمكن اعتباره تلميذا مخلصاً له , فاستخدم منطقة في الدفاع عن المسيحية, وقد حاول التوفيق بين الفلسفة والدين, وخاصة التوفيق بين آراء أرسطو والعقائد المسيحية, فوضع بعض القواعد التوفيقية بين الفلسفة والدين لاقت ترحيباً كبيراً من رجال الدين في ذلك الوقت, ومن هذه القواعد:

1ـ كل ما جاء في الكتاب المقدس وأقوال رجال الكنيسة حق.
2ـ كل ما قاله أرسطو مما لا يتناقص ذلك حق.
3ـ كل ما أفضي إليه العلم مما لا يتناقص مع الكتاب المقدس وكلام أرسطو فهو حق.

ولقد اتضح تأثره بأرسطو في تحليله لنشأة المجتمع والدولة, فاعتبر أن الاجتماع الانساني ضروري, يقوم علي الارادة الحرة للأفراد, فالمجتمع هو عدد من الأفراد يعيشون منتظمين خاضعين لمجموعة من القوانين العادلة ويسعون نحو هدف واحد وغايات مشتركة, والمجتمع بهذه الصفة لابد له من قوة مدبرة تدفعه نحو تحقيق أهدافه هذه القوة هي الدولة, فوظيفتها بالنسبة للمجتمع كوظيفة القلب في جسم الإنسان.

فالدولة كائن طبيعي ظهرت نتيجة الحاجة إليها , وهدفها هو تحقيق الخير العام, وأداتها في ذلك هي القانون, ونلاحظ هنا أن الأكوني يختلف مع الحقيقة الدينية المسيحية التى ترى أن حياة الإنسان علي الأرض هي نتيجة للخطيئة التى ارتكبها آدم في الجنة فهو يرفض هذا المنطق أساساً, ذلك أن الحياة علي الأرض نتيجة تطور طبيعي اقتضي بالضرورة ظهور الدولة وهيئتها الحاكمة, وأن الهدف من ذلك هو تحقيق الخير العام, وليس فكرة الخلاص, إذ أن الدولة هي أداة خلاص الإنسان علي الأرض وليست الكنيسة.

وقد ترتب علي ذلك رفض الأكويني لفكرة الحق الإلهي للملوك, فالسلطة ظاهرة طبيعية من اختصاص العقل البشري , قبل أن تكون من اختصاص علم اللاهوت وبالتالي فهي تنبع من حق بشري, فإذا وجد شخص ما في موقع السلطة, فليس ذلك بمقتضي اختيار أو تعيين مباشر وشخص من الله, ولكنه بمقتضي اختيار إنساني بحث, وإذا كان الأكويني قد تأثر في كثير من فكرة السياسي بأرسطو, فإن فكرة حق الشعب في اختيار الحاكم ومراقبته وعزله إذا أساء هي فكرة إسلامية تأثر بها الأكوني, كما يوضح ذلك (كرين برنتن) في كتابه أفكار ورجال.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن