النظام التعليمي بالمغرب.

كريم اعا

2016 / 9 / 23

من الثابت تاريخيا و لا جدال فيه أن الأنظمة التي تتوفر على تعليم فعال تستطيع لوحدها مواكبة التطورات التي تحملها الحضارة البشرية بل و الإسهام فيها بإبداعات أبنائها و بناتها. ولفهم آليات اشتغال أي نظام تربوي لا بد من التوفر على وعي كبير بتاريخه و صيرورته، و هو ما لن يتحقق إلا بتحليل مراحل تطوره للوقوف عند التراكمات الإيجابية و السلبية التي رافقته في سعيه لتحقيق الأهداف التي سطرتها السلطات المسؤولة عنه. هكذا سأعمل على عرض مسيرة النظام التعليمي بالمغرب طيلة أزيد من نصف قرن تشكل مرحلته الحديثة.ثم سأعرض في مبحث ثان لأهم مرتكزات الميثاق الوطني للتربية و التكوين الذي أصبح يمثل مرجعية لكل النقاشات و البرامج التي تستهدف القطاع. و في الأخير سأتناول أهم مجالات التجديد التي حملها ميثاق التربية و التكوين لفهم طبيعة الأوراش المعول عليها للدفع بالقطاع التعليمي إلى الأمام.
1. من المبادئ الأربع إلى ميثاق التربية و التكوين.
يشهد الحقل التعليمي بالمغرب نقاشات عميقة حول مرتكزاته و آفاقه. مرد ذلك إقرار الجميع، بما فيهم الدولة، بعجزه عن مسايرة التطورات المجتمعية و تحديات العولمة الزاحفة. و إذا كان من نافل القول أن مسلسلات الإصلاح التي شهدها تعبير عن تعقيدات هذا القطاع، فإن وضع الإصبع على مكمن الخلل يدفعنا إلى تناول المسألة في بعدها التاريخي مستحضرين الترابط الذي لا انفصام لعراه بين مختلف مكونات هذا الحقل.
و إذا كان الواقع اليومي يثبت مدى عمق الأزمة التعليمية، و يدفع للبحث عن صيغ جريئة لتجاوزها، فإن الابتعاد عن التناول التقنوي الذي يحصر أسباب المشكل في ضغط التنامي الديمغرافي، أو مشكل التمويل و التجهيز، و الاعتمادات المادية... الخ، و استحضار المشكل التعليمي في علاقته بالعوامل الاجتماعية، السياسية المتبعة في مجمل القطاعات الاجتماعية ( ) يفرض ذاته.
انسجاما مع ذلك، سأعمل على العرض الموجز لواقع التعليم إبان مرحلة الاستعمار المباشر، لأنتقل في مطلب آخر للحديث عن النظام التعليمي ما بعد 1956، على أن أخصص المطلب الثالث لتناول السياق العام لإفراز الميثاق الوطني للتربية و التكوين.
أ.الوضع التعليمي إبان مرحلة الاستعمار
بدخول الاستعمار إلى المغرب، وجد أمامه نظاما تعليميا تقليديا يعتمد اللغة العربية في مجمله و يروج لمضامين كان للديني منها نصيب الأسد. و حسب المكي المروني ( ) فإن هذا التعليم كان يتمتع بهيكلة واضحة، بالرغم من غياب نصوص تنظيمية تؤطره. و لعل الوعي المبكر للوطنيين بمخططات الاستعمار دفعهم إلى الدفاع عن التعليم الأصيل وعن اللغة العربية كلغة للتعليم. يقول جورج هادي، أحد منظري الحماية الفرنسية بالمغرب " و هكذا فنحن ملزمون بالفصل بين تعليم خاص بالنخبة الاجتماعية، و تعليم لعموم الشعب: الأول يفتح في وجه أرستقراطية مثقفة في الجملة،... توقفت عن النمو الفكري بسبب تأثير العلوم الوسيطة،...إن التعليم الذي سيقدم لأبناء هذه النخبة الاجتماعية تعليم طبقي يهدف إلى تكوينها تكوينا منظما في ميادين الإدارة و التجارة. و هي الميادين التي اختص بها الأعيان المغاربة، أما النوع الثاني، و هو التعليم الشعبي الخاص بالجماهير الفقيرة و الجاهلة جهلا عميقا، فيتنوع بتنوع الوسط الاقتصادي. في المدن يوجه التعليم نحو المهن اليدوية خاصة منها البناء، و إلى الحرف الخاصة بالفن الأهلي. أما في البادية فيوجه التعليم نحو الفلاحة... و أما في المدن الشاطئية فسيوجه نحو الصيد البحري و الملاحة. أما عن " المواد العامة" التي ستتخلل هذا التعليم التطبيقي فهي اللغة الفرنسية التي بواسطتها سنتمكن من ربط التلاميذ بفرنسا" ( ).
إن هدف الاستعمار كان تعليما نخبويا يهدف خدمة مصالحه و استمرار وجوده بالمغرب. ولعل الإطلاع على تطور عدد المغاربة المتمدرسين من سنة 1938 إلى سنة 1955، يبين بجلاء ضعف المستفيدين من التعليم الثانوي، و الإقصاء الممنهج للفتيات من التعليم إذ لم تتجاوز نسبتهن غداة الاستقلال 10% من المجموع العام للمتمدرسين ( ).
عدد المغاربة المستفيدين من التمدرس بين 1938 و 1955 ( )
السنة
المستوى 1938 1945 1950 1955
الابتدائي:
- العام
- المهني 21900 34900 109700 314800
1300 6500 4800 7500
الثانوي 608 1003 2760 6712

إن هدف فرنسا لم يكن هو تعميم التعليم، و "حمل ثمار الحضارة الإنسانية" إلى الشعوب المستعمرة، بل كان هو تكوين عناصر ذات تكوين متوسط تشكل جسرا للتعامل مع السكان المحليين، و إنتاج متعلمين مغتربين فكريا لا يرون في الاستعمار عدوا بل رحما لا يجب قطع الحبل السري معه. وسوف تكون تركة الاستعمار المباشر ثقيلة، لا من حيث عدد المتمدرسين الذين بقوا خارج المدرسة أو من ناحية النسبة المهولة للأمية. ففي سنة 1955 لم تتعدى نسبة التمدرس لدى الفئة العمرية المتراوحة بين 7 و 11 سنة 18.7%. في حين مثلت عند الفئة العمرية 12-19 سنة حوالي 0.6%. أما فئة 20-24 سنة فكانت 0.5%( ).
إن وضعا بئيسا مثل هذا سينتج لامحالة نسبا مهولة للأمية و سيجبر المغرب على حمل إرث ثقيل بعد رحيل الاستعمار.
السياسة الاستعمارية، سياسة عنصرية و تمييزية فتحت الباب أمام أبناء الأعيان و المتعاونين مع المحتل مؤكدة طابعا طبقيا، كان للوعي به من قبل الوطنيين الأثر الكبير في إطلاق دينامية نضالية عجلت بخروج الجيوش الاستعمارية.
لقد سعى الوطنيون إلى إنشاء مدارس مغربية فتحت أبوابها أمام أبناء الشعب من الفقراء و المهمشين، وسعوا إلى تكريس مكانة اللغة العربية كعامل للثقافة و المعرفة. كما أولوا الاهتمام الكبير بمسألة الأطر المكلفة بالتدريس وعيا منهم بالدور الكبير الذي يؤديه هؤلاء. يمكن اعتبار هذه المدارس الحرة ردا طبيعيا من شعب تعرض للاستعمار و الإهانة، و هي بذلك نواة للمقاومة السياسة و الإيديولوجية. غير أن ضعف إمكانياتها و هيكلتها التنظيمية لم يمكنها من منافسة التعليم الاستعماري المهيكل و المنظم.
إلا أن استقلال البلاد فرض متطلبات جديدة، كان من أهمها بناء صرح أمة مغربية عصرية تتوفر على الاستقلال السياسي و الاقتصادي، و تتمتع بالشخصية القومية. مما فرض على المسؤولين الجدد، صياغة و سائل للتنمية الاقتصادية و السياسة، و بناء الوحدة الاجتماعية و الهوية الثقافية. كما كان من ضرورات الأمور، تحقيق الوحدة اللغوية و الثقافية و إحياء التراث الوطني و التحرر من هيمنة الاستعمار الثقافية، و كان التعليم يبدو للجميع، أنسب وسيلة لتحقيق هاته المطالب التحررية ( ).
ب. النظام التعليمي بالمغرب ما بعد الاستقلال.
شهد النظام التعليمي بعد الاستقلال سلسلة من التطورات التي شملت هياكله و أسسه. و في هذا الصدد كثيرا ما يتم استحضار مبادئ" مذهبية التعليم" المتمثلة في التعميم، التعريب، التوحيد و المغربة، التي جاءت كرد فعل صريح ضد السياسة الاستعمارية في ميدان التعليم.
لقد طرحت هذه المبادئ نفسها كحتمية اجتماعية و كاختيار وطني منذ عهد الحركة الوطنية، و استهدفت تحقيق " مدرسة وطنية" كفيلة، من جهة، بالحفاظ على المقومات الذاتية و الوطنية للمجتمع المغربي، و باختزال الأنماط التعليمية الاستعمارية في نمط تعليمي موحد، ومن جهة ثانية، كفيلة بتحقيق تنمية ثقافية و اجتماعية شاملة ( ).
و للحديث عن صيرورة النظام التعليمي سوف أعتمد على تصنيف المكي المروني الذي يقدم تحليلا للصيرورة التي قطعتها المنظومة التربوية التكوينية حتى قبيل ظهور المشروع الخاص بالميثاق الوطني للتربية و التكوين. فقد ميز المروني بين محطات خمس أساسية، تناولت أولاها مرحلة قبيل الاستقلال، بينما عرضت المراحل الأخرى لما يلي :
1- بناء نظام وطني للتعليم (1956-1963):
يمكن اعتبار هذه الفترة، فترة إرساء لقواعد الدولة المستقلة، و للاقتصاد و للبنيات الاجتماعية الفوقية. و لقد تميزت هذه المرحلة أساسا بثلاث خاصيات، هي :
o بناء جهاز الدولة الوطنية؛
o الصراع حول السلطة؛
o خلق مؤسسات تمثيلية. ( )
و بخصوص مجال التربية و التعليم، فإن المسؤولين وجدوا أنفسهم غداة الاستقلال أمام تحديين رئيسيين :
أ- تعميم التمدرس و الذي أصبح يعتبر حقا من حقوق المواطنين ووسيلة للنمو الاقتصادي و الاجتماعي. الأمر الذي أدى إلى انتهاج سياسة تسعى إلى تعميم التعليم في أسرع وقت ممكن.
ب- إصلاح النظام التعليمي الموروث عن عهد الحماية، مما دفع بالمسؤولين إلى إعداد إصلاحات متتالية، لم تطبق دائما بجزئياتها، و إنما كانت كلها تهدف إلى تحرير النظام التعليمي من الهيمنة الأجنبية ( هياكل و برامج وطنية، مغربة الأطر التعليمية)؛ و تكييفه مع واقع و حاجيات الوطن( التعريب، تكوين الأطر، التعميم). و لقد أدى هذا العمل المزدوج إلى تطور كمي للنظام التعليمي، لا مثيل له، و إلى إرساء بنية مؤسسة تعليمية مهمة ( ).
2-محاولة المراجعة و إعادة الهيكلة (1966-1972):
لقد تميزت هذه الفترة بتغيير في توجه السياسة الاقتصادية و الاجتماعية. كما صاحب هذا التغيير تحول في السياسة التعليمية. هكذا أصبح النظام التعليمي الذي أرسيت أسسه في الفترة السابقة، موضع نقاش وانتقاد حتى من طرف وزارة التربية نفسها، التي كانت تعمل جاهدة على إعداد مشاريع إصلاح جديدة، لجعله يتلاءم بشكل أحسن مع الحاجيات الوطنية. إلا أن هذه المشاريع كانت تقابل في الغالب بالرفض من طرف الرأي العام، مما كان يدفع بالوزارة الوصية على القطاع إلى الاكتفاء بإدخال تعديلات جزئية لا ترقى إلى علاج الأسباب الحقيقية للأزمة التي كان يتخبط فيها النظام التعليمي.
و إذا كانت الإجراءات الوزارية بخصوص التقليص من نمو التمدرس قد أعطت النتائج المرتقبة، فإن الإجراءات المتعلقة بتحسين نوعية التعليم لم تعط النتائج المرجوة.فالتعليم ظل يعاني في مختلف مستوياته، من النقص في التأطير و التجهيزات و البناء، مع استفحال ظاهرة الهدر المدرسي. هذا بالإضافة إلى التراجع الذي حدث في التعليم التقني و المهني رغم حاجة الاقتصاد إلى مثل هذه الأطر التقنية و المهنية المتوسطة.
و أمام تزايد حاجيات النظام التعليمي من المدرسين، تم اللجوء للتوظيف المباشر لأطر ينقصها التكوين و التأهيل؛ الأمر الذي أثر سلبا على مستوى التعليم ( ).
3- الإصلاح المفقود ( 1973-1983):
اتسمت هذه المرحلة بتوسع ملحوظ في نظام التعليم و التكوين؛ حيث كان هذا التوسع سريع الإيقاع داخل التعليم العام بالخصوص خلال فترة المخطط 73-77، لكنه مال إلى بطء في إيقاعه بعد ذلك. و كان المستفيد منه نسبيا هو التعليم العالي. كما عرف التكوين المهني نموا لا بأس به خلال فترة المخطط 78- 80؛ وازدادت وتيرة نموه شيئا ما بعد ذلك.
4 -الإصلاح المرغم (1983-1994):
من أهم مميزات هذه الفترة الأزمة الاقتصادية الخانقة و ما صاحبها من انعكاس سلبي على الوضع الاجتماعي. و تحت ضغط العامل المالي بالأساس تم إدخال عدة إصلاحات على نظام التعليم و التكوين بهدف توسيعه و ترشيد سيره و تحسين فعاليته و جودته. إلا أن هذه الإصلاحات لم تعط كل النتائج المنتظرة منها و لم تسهم بشكل جوهري في حل المشاكل الأساسية التي كان يعاني منها نظام التكوين، كما هو الأمر بالنسبة للعناصر التالية:
- التمدرس؛
- الفعالية الداخلية؛
- لغات التعليم؛
- ملاءمة التكوين لحاجيات الشغل...( )
إن هذه التجربة الإصلاحية للنظام التعليمي بالمغرب اصطدمت، حسب المكي المروني، بضغوط موضوعية و حلول ذاتية جعلتها محدودية الفعالية و الأثر، بل جعلتها في أحيان كثيرة تؤثر سلبا على سير النظام التعليمي برمته. فلكي يتمكن العمل الإصلاحي من بلوغ النتائج المرجوة لا بد من شروط أساسية و التي يمكن تحديدها على النحو التالي:
- مشروع مجتمعي واضح المعالم؛
- منظور موضوعي لموقع نظام التعليم ووظائفه؛
- مقاربة شمولية ومندمجة لمشاكل التعليم؛
- اعتماد المشاركة في الإعداد و الإنجاز؛
- تكوين العاملين المطالبين بتطبيق الإصلاح؛
- توفير الوسائل المادية اللازمة للإصلاح؛
- اعتماد بنية للتتبع و التقييم ( ).
ج. مرحلة الميثاق الوطني للتربية و التكوين
إن السياق الفعلي للميثاق الوطني للتربية و التكوين، هو وضعية التعليم التي يقر الجميع بكونها متأزمة و بحاجة إلى إصلاح شامل يجعلها قادرة على جعل المدرسة تمد الطلاب " ليس فقط بالتعليم الكافي من أجل التنمية الاجتماعية و الخلقية، كما كان في الماضي، و لكن تمدهم أيضا بالمعرفة و التدريب على المهارات النوعية من أجل تهيئهم التهيئة الجيدة لسوق العمل" ( )
إلا أن تزامن الحديث عن الميثاق الوطني للتربية و التكوين و إصدار البنك الدولي سنة 1994 لتقريره حول المغرب، و الذي نالت قضية التعليم حيزا هاما منه، أنتج الكثير من الأسئلة و علامات الاستفهام. و إذا استحضرنا نقط التقاطع الكثيرة بين الإصدارين الاثنين فإننا نتساءل: هل الميثاق ترجمته لتوصيات التقرير المذكور؟ و لماذا انتظر المسؤولون صدور ذات التقرير لنقل قضية التعليم إلى مركز الاهتمام ؟
يقول التقرير المذكور: "على المغرب أن يقوم بعدة إصلاحات مهمة، منها التنمية و إعادة الهيكلة الأساسية لنظامه العلمي و التكويني ليصبح فاعلا في الاقتصاد العالمي، و لبلوغ نمو اقتصادي مستمر و يدمج أغلبية سكانه في مسلسل التنمية (...) إن أولى الأولويات في مجال التربية و التكوين في المغرب هو أن ينهي كل الأطفال، بمن فيهم البنات، على الأقل تعليمهم الابتدائي (...) قبل 2010 يجب أن يكون التمدرس في السلك الأول من التعليم الأساسي معمما (...). إن تعليما عاما جيدا سيفتح الطريق للاندماج مباشرة في سوق العمل أو لتكوين مهني مكمل، ينتهي بدوره إلى عمل محدد، و يمثل أيضا ممرا للوصول إلى التعليم العالي، و يمكن العمال من إمكانية استمرار الحصول على كفاءات جديدة خلال حياتهم العملية(...) كما أن الإسهام في تكاليف التعميم العمومي من طرف الطلبة يجب تشجيعه و يجب أن تكون المنح و المكافآت محدودة في مساعدة الطلبة المحتاجين أو مكافأة الطلبة المتفوقين (...)"
العديد من هذه الصيغ تشكل العمود الفقري لميثاق التربية و التكوين ، و الأهداف التي سطرها مثلت نوعا من خارطة الطريق للمكلفين بصياغة الميثاق. عموما يمكن القول أن التحديات التي تحملها العولمة الليبرالية جعلت جميع الأنظمة المنخرطة في نظام السوق تأخذ مكرهة أو عن طيب خاطر بتوصيات المؤسسات المالية الكبرى.
إن صياغة ميثاق للتربية و التكوين و السعي إلى تبنيه بصيغ تركز على الإجماع و التوافق جزء من توصيات التقرير المذكور. المكتسبات التي اعتبرها المواطن حقا تاريخيا أصبحت موضع مساءلة ( المجانية مثلا ) مما ينبئ بإمكانية ردة فعل تعيد إلى الأذهان حلقات مارس1965.من اللازم إذن إعداد جميع الشروط لإنجاح مشروع إصلاحي آخر تعثر كثيرا و لا يزال يشحذ آليات اشتغاله.
شكلت المواجهة مع السلطات الاستعمارية البوابة لإقرار نظام تعليمي وطني حمل في حينه العديد من الآمال لشرائح واسعة من الشعب و التي ظلت لوقت كثير تنظر إلى التعليم كوسيلة للارتقاء الاجتماعي و ما يعنيه ذلك من مغادرة دائرة البؤس و الحرمان.
و إذا كان مبدأ التعميم واحدا من الشعارات التي لم تفقد بعد راهنيتها فإنه يتطلب عدم اختزاله في نظرة كمية تستحضر الأطفال البالغين سن التمدرس، بل يتطلب توسيعه ليشمل الكبار (نساء ورجالا) حتى يكون بمقدورهم العيش داخل نسيج اجتماعي يضمن لهم الكرامة وظروف العيش السليم. مع التركيز على ربط التعليم بالجودة كمؤشر لنجاعته و نجاحه. أما مبدأ التوحيد الذي كان في حينه يقتصر على تجاوز تعددية أنماط المؤسسات التعليمية و إنشاء مدرسة وطنية موحدة تذوب فيها مختلف أنواع التعليم التي تواجدت في عهد الحماية فإن الدعوة إلى خوصصة التعليم، و دخول التعليم الأجنبي على الخط يجعلنا نتساءل عن مستقبله، خصوصا إذا استحضرنا جوهره المتمثل في توحيد البرامج و المضامين.
العديد من مقتضيات ميثاق التربية و التكوين وضعت الإصبع على بعض مظاهر الأزمة التعليمية ( تدهور جودته مثلا)، لكن تعثر آليات التنفيذ و اتسامها بالتعسف و الارتجال ( )، يضع أكثر من سؤال حول وجود إرادة حقيقية لإقرار إصلاح تعليمي حقيقي، يقطع مع التعاطي الأحادي مع ملف التعليم و يدرجه ضمن رؤية مجتمعية متكاملة، تتوفر للقائمين عليها شروط و إمكانيات بلورتها و تحقيقها.
مقتطف من بحث أجري في سنة 2007



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن