ناتج الديمقراطية ومستقبلها في العراق

سعد العبيدي
salobiady@yahoo.com

2016 / 9 / 17

نشأت الديمقراطية كنظام حكم وتطورت في غالبية دول العالم، ومع كل هذا التطور كانت مخرجاتها ليست متساوية بل وليست متقاربة بين هذا المجتمع وذاك، فناتج الديمقراطية الفرنسية أو البريطانية مثلاً على البلاد بشكل عام يسهل عدّهُ قدراً من القوة والاستقرار هو بحسابات اليوم أكثر من مقبول، والناتج على مواطنهما بوجه خاص قدر من الرضا والرفاه كذلك يفوق المقبول على وفق مقاييس المقارنة مع الغير. وهذا ناتج مختلف عن الناتج المتحصل من تطبيقاتها في العراق الذي عاني عقودا من الديكتاتورية وتمتى أهله الديمقراطية حتى سكتوا عن الأدوات التي جاءت بها، وبمحصلة تطبيقاتها أضحت البلاد ضعيفة، ومواطنها محبط، غير راض عن حاله، فقير غير مرفه، يعاني انواع متعددة من الاضطرابات النفسية... حقيقة إذا ما اريد مناقشة الأسباب التي أسهمت في حصولها أي التغيير الحاصل في النتائج على الرغم من عدم الاختلاف بالمفاهيم الخاصة بالديمقراطية كطريقة حكم نظريا على أقل تقدير، وفي حالتها لابد من التفتيش في وسائل الضبط الاجتماعي للسلوك البشري الذي يحمل في داخله ميول واتجاهات وغرائز تدفع البعض الى التطرف والاختلاف عن الوسط والعمل الى الذات الخاصة والعداء والتمييز وغيرها مفردات اذا ما شاعت في مجتمع من المجتمعات تخل في النتائج المتأتية من تطبيقات الديمقراطية، وهنا يمكن القول أن الدول الديمقراطية التي نضجت في ربوعها التجربة الديمقراطية نسبياً أدركت حقيقة أن ضبط السلوك البشري وبما يتلاءم وتطبيقات الديمقراطية هو مفتاح الحل في التحكم بالنتائج، لذا اتجهت عدة اتجاهات بينها توظيف المزيد من الاستثمار المالي في عقول الناس لتزيد من قدرتهم على الادراك الصائب للعيش والتمتع بالحياة، فبالأمس على سبيل المثال خصصت ايطاليا الدولة غير الغنية خمسمائة مليون يورو لتشجيع القراءة والموسيقى ومشاهدة الافلام السينمائية، وهي تعي جيداً ان العائد من هذا التخصيص مشاعر وطنية قوية، وتبديد لمستويات العداء، واعتراف بالمساواة في النظرة الى الانسان وتقيد بالضوابط والقيم السائدة وغيرها أمور تجعل المواطن راضيا عن نفسه وعن البلد الذي يعيشه ويقبل الديمقراطية له ولغيره. وبينها أيضا تشريع القوانين الضابطة للسلوك وحسن تطبيقها، فحالات الانفلات التي حصلت في أمريكا مثلا ومثلها قبل سنين في بريطانيا ودول أخرى، استغلها أولئك البعض من الناس قليلي الوعي وغير المنضبطين، والعدائيين واتجهوا الى السرقة "الفرهود" والتحطيم والانتقام، لكن القوانين السارية في هذه الدول صارمة، لا تسمح ولا تتهاون والسلطة القضائية المعنية بها حازمة في تطبيقها والسلطة التنفيذية فاعلة في التنفيذ، فبقيت الملفات مفتوحة والمتابعات موجودة والصور منتشرة الى أن طبقت القوانين التي تحاسب هذا السلوك الذي يعد شاذ عن المألوف، وَتشكَلَ في المحصلة سلوك استهجان للفعل الشاذ وردع نفسي لتقليل احتمالات تكراره.
ان هذين التوجهين وهناك أخرى غيرها لا يسمح الوقت في ذكرها لو قارناها بما يجري عندنا في العراق نجد العكس تماماً، فالاستثمار حتى الآن قائم على قدم وساق في مجال التجهيل وتقليل القدرة لدى المواطن على ادراك الصحيح ودفعه باتجاه بعض أنواع السلوك الطقوسي الذي يعزز فعل الاختلاف والمخالفة وعدم الالتزام ويفتح في عقله مسارب العداء على الاخرين بدعوى الاختلاف، واكثار الحرام على حساب الحلال الذي يقيد من قدرة الانسان على التفاعل وقبول الاختلاف. ونجد ضعفا في تشريع القوانين التي تلائم الديمقراطية، فالأحزام خير مثال غالبها قائم على الانحياز والدعاوى الدينية الاثنية ومساعي الفرض الايديولوجي، وهذه لا تنفع في الديمقراطية. كما ان السلوك القائم في الشارع غير مقيد قيمياً بأية قوانين، تتهم من تشاء وتلفق على من تشاء وتذم أقوام وتنتقد مذاهب وهي اذا ما جاءت منسجمة مع المزاج الشعبي المنحاز في الأصل فلا لوم عليها ولا قوانين تحاسب على حصولها ولا قضاء يتابعها ولا شرطة تنفذ ما مطلوب منها. وهي أنواع من السلوك لا يمكن أن تؤسس مجتمعاً ديمقراطياً. بل وعلى العكس ستبقي العراق متأرجحا أو أعرجاً لا يمكن عده ديمقراطياً ولا تمكنه من العودة الى الديكتاتورية مثل انسان خنثى، لا يعد امرأة ولا يحسب رجلاً، وعذابه على النفس أقسى أنواع العذاب.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن