قراءة أولية في بيان وتوصيات مؤتمر (من هم أهل السنة والجماعة ؟) المنعقد في الشيشان .

جبران صالح علي حرمل
harmal.jubran@yahoo.com

2016 / 9 / 11


ما كنت أكتب عنه لولا اتصال وحوار لطيف دار بيني وبين صديق عزيز، شدني للكتابة عنه ، فوجدت نفسي مشدود كما يشد الخياط خيط الإبرة ، ليرتق ما أمامه من عمل ويعيد إصلاحه من جديد ، فقد شدني هذا الحدث والمتمثل في المؤتمر الإسلامي الذي عُقد في العاصمة الشيشانية (جروزني) لمدة ثلاثة أيام خلال الفترة من 25 – 27 أغسطس 2016م ، شدني ما أثارة من طرح ومعالجة مفاهيمية لبعض المفاهيم وتحديداً مفهوم ((أهل السنة والجماعة)) في الوقت الذي تشن فيه الطائرات السعودية أو ما يسمي بالتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية حربها على جارها واخيها واصول العرب والعروبة اليمن ، وفي الوقت الذي أصبحت فيه الأوطان والشعوب العربية والإسلامية تئن وتتوجع بدرجات متفاوتة في الوجع والألم ، وفي الوقت الذي فيه تبدلت المفاهيم والمصطلحات فصار (الصديق) هو العدو ، و(العدو) الحقيقي هو الصديق . وفي الوقت الذي فيه شعوب الامة العربية والإسلامية تتصارع ، البعض في السر، والبعض في العلن مع بعضهم البعض بعد ان عاشوا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة في سلام وحب ، رغم قل المؤنة والزاد يؤثر بعضهم الآخر على نفسه ، ودون ان يسأل أحدهم الآخر ويسأل الجار جاره عن مذهبه ومعتقدة ، بل كان ولوقت قريب وفي بعض الأوطان السؤال حتى عن الانتماء السياسي أو التعامل والتصنيف على ضوئه (عيب) ، على خلاف ما هو حاصل اليوم تفشي مشاعر البغض والحقد ، واشتعال النعرات الطائفية ومشاعر الكراهية بين أبناء الوطن الواحد .
فهذا الحدث جاء والحال كما قلت ، وقللت من الوصف ، وقام برعاية الرئيس الشيشاني (رمضان قاديروف) تحت عنوان ((من هم أهل السنة والجماعة)) ، وقد شارك في المؤتمر أكثر من (200) عالم ومفت وشخصية من مختلف الدول العربية والإسلامية ، من ضمنهم وفد مصري رفيع المستوى برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ، وشوقي علام مفتي الديار المصرية ، وأسامة الأزهري مستشار الرئيس عبد الفتاح السيسي ووكيل اللجنة الدينية بالبرلمان . ومن اليمن الداعية الحبيب على الجفري ، ومن السعودية الشريف حاتم بن عارف العوني ، ومن سوريا عبد الفتاح البزم مفتي دمشق وغيرهم .
وقد اصدر هذا المؤتمر (المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين بالشيشان)، والذي أفتتحه شيخ الأزهر أحمد الطيب عدد من النتائج والتوصيات ، من أبرزها :
- أن أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علما وأخلاقا وتزكية على طريقة سيد الطائفة الإمام الجنيد ومن سار على نهجه من أئمة الهدى.
- للقرآن الكريم حرم يحيطه من العلوم الخادمة له، المساعدة على استنباط معانيه، وإدراك مقاصده وتحويل آياته إلى حياة وحضارة وآدابا وفنون وأخلاق ورحمة وراحة وإيمان وعمران وإشاعة السلم والأمان في العالم حتى ترى الشعوب والثقافات والحضارات المختلفة عيانا أن هذا الدين رحمة للعلمين وسعادة في الدنيا والآخرة.
وأهم ما فيه هي الفقرة التي حددت فيها من هم أهل السنة والجماعة حيث ذكرت بإن أهل السنة والجماعة هم أتباع الفرق التالية : (المحدثين والصوفية والأشاعرة والماتريدية) حيث تم استثنى منها السلفية والوهابية وجماعة الإخوان المسلمين والتي اعتبروها فرقاً جديدة على السنة وغير مرغوب بها .
بمعنى آخر حصر المؤتمر مفهوم أهل السنة في الأشاعرة والماتريدية والصوفية ، واستثنى السلفية وأهل الحديث والوهابية والإخوان المسلمين من دائرة أهل السنة والجماعة .
وبمعنى ثالث :
أهل السُّنَّة ثلاث فِرَق: الأثريَّة وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي .
ردود الأفعال والمواقف الأولية :
أثار المؤتمر المذكور، وما ذهب إليه جدلاً كبيراً على مستوى النخب الدينية والجمهور العام ، ووجهة له انتقادات شديدة ، وهنا سنشير إلى بعض ردود الأفعال والمواقف الأولية نحوه :
وجهة المملكة العربية السعودية انتقادات حادة للمؤتمر المذكور محتجة على استثناء السلفية من قائمة المشمولين ، بمعنى آخر نتائج هذا المؤتمر تمس السعودية وتخرج المذهب المتبوع فيها من مفهوم أهل السنة والجماعة . وبالتالي فالمؤتمر المذكور هو مؤتمر سياسي يليس عباءة الدين . ولذا فقد حذرت هيئة كبار العلماء في السعودية من خطر ما اسمتهم ووصفتهم بانهم " الذين لا يريدون لهذه الأمة خيراً، ويراهنون على تحويل أزماتنا إلى صراعات، وفتن سياسية، ومذهبية، وحزبية، وطائفية" .
بشكل عام ذهب البعض – وبالذات السلفيين الوهابيين - بإن مؤتمر الشيشان العالمي تم بإشراف استخباراتي روسي إيراني لإخراج المملكة من أهل السنة والجماعة ، واعتبروه مؤامرة روسية عليهم. هذا وقد ذهب البعض بإنه وبمشاركة الأزهر في المؤتمر المذكور فقد اساء للإسلام والخليج.
وفي مصر اصدر المركز الإعلامي بالأزهر بياناً نفى فيه أن يكون شيخها الدكتور احمد الطيب قصر مفهوم أهل السنة ، على الفرق التي نص عليها المؤتمر ، موضحاً في نفس الوقت بإن مفهوم (اهل السنة والجماعة) هو مفهوم يطلق على الأشاعرة ، والماتريدية ، وأهل الحديث الذين هم السلفيين .
كما اعتبر الدكتور ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية بمصر ، إن المؤتمر المذكور ، بما ذهب إليه من طرح ومخرجات فإنه بعمله هذا يحاول سرقة لقب (( أهل السنة والجماعة)) من أهله ، وإقصاء الاتجاه السلفي بكل أطيافه .
وبدوره وصف رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي ، المؤتمر المذكور في بيان له نشره في موقعه على الشبكة العالمية للمعلومات بتاريخ 1/9/2016م بإنه ((مؤتمر ضرار)) ، مستغرباً من نفي البيان الختامي صفة أهل السنة عن أهل الحديث والسلفيين . وعبر عن انزعاجه من أهداف المؤتمر وعنوانه في بيان له قائلاً: " قد أزعجني هذا المؤتمر (الذي حمل عنوان من هم أهل السنة والجماعة؟) بأهدافه وعنوانه، وطبيعة المدعوين إليه والمشاركين فيه، كما أزعج كل مخلص غيور من علماء الإسلام وأمته، فرأيت أنّ أصدق ما يوصف به أنه مؤتمر ضرار"، مؤكداً أن المؤتمرين "ما تعاونوا على بر أو تقوى، كالذين اتخذوا مسجداً ضراراً، وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين". وفي نفس الوقت أشار بإن مفهوم اهل السنة والجماعة هم كل أمة الإسلام قائلاً : " إن أمة الإسلام -وهم أهل السنة- هم كل من يؤمن بالله، وكتابه، ورسوله، ومن لا يقر ببدعة تكفيرية، ولا يخرج عن القرآن الكريم، وعن السنة الصحيحة، وهم كل المسلمين إلا فئات قليلة صدت عن سبيل الله " . ومن ناحية أخرى اعتبر القرضاوي أن المشاركين في المؤتمر هم "علماء السلطان ، و شيوخ العار" .
القراءة الذاتية لمؤتمر من هم أهل السنة والجماعة المنعقد في الشيشان :
وبعد هذه الجولة السريعة عن المؤتمر وما ذهب إليه من طرح ، وردود الأفعال الأولية نحوه ، يمكن تقديم قراءتين ذاتيتين للمؤتمر المذكور .
القراءة الأولى :
لاشك بإن الوضع الحالي الذي تعيشه وتمر به المجتمعات العربية والإسلامية ، وطننا العربي بشكله المجزأ أوطاناً وأقطارا وبرمته من المحيط إلى الخليج ... ووطننا الإسلامي الأكبر من المحيط الهادي (شرقاً) حيث جزر اندونيسيا المسلمة إلى المغرب والسنغال على شاطئ الأطلسي (غرباً) ومن روسيا الآسيوية (شمالاً) إلى أواسط أفريقيا (جنوباً) . يعيش في حالة من الفوضى والانفلات الأمني وتفرق النسيج المجتمعي ، يعيش في حالة من تخبط وتقهقر في شتى الجوانب ، وضع نشاز يفتح مجالاً واسعاً من التساؤلات والاستفسارات التي يحاول الجميع البحث لها عن إجابات وطرح تفسيرات لما يحدث!!.
بجملة أخرى ، حال ووضع بأمس الحاجة إلى التصحيح ، بل إلى ثورة تصحيحية في شتى الجوانب ، وفي القلب منها ضبط المفاهيم خاصة تلك المصطلحات التي تختص بالحياة اليومية وتنوعها وترافق الإنسان المسلم في شتى أمور حياته وتلاحقه في مقيمه وترحاله ، خاصة في ظل تضارب الأقوال والأفعال ، والتهم التي تلاحق الإنسان المسلم والإسلام بشكل عام ، بالذات في ظل ظهور تصرفات وسلوكيات لا تمت للإسلام بصلة من فئات وجماعات – بل ودول - تدعي بأنها إسلامية ، وبأنها الفرقة والطائفة التي تتمثل الإسلام وتمثله، وتتبناه منهجاً ونظاماً لحياتها، وتتقدم به إلى العالم رسالة هداية وإنقاذ ، في حين أفعالها بعيدة كل البعد عن تعاليم ومنهج الإسلام . وبالتالي :
فإن ضبط هذا المفاهيم بما فيه مفهوم (أهل السنة والجماعة) ، خاصةٍ في ظل ابتعاد وتقاعس وتقصير المسلمين عن تعاليمه، فهو حجه على منتسبيه المسلمين وليس العكس (الإسلام حجه على المسلمين، وليس المسلمون حجه على الإسلام) . وتقديم تعريف لهم ، أمر يساعد على كشف وإزالة الضبابية المخيمة على العقول والأذهان في معرفة الفرق والجماعات الإسلامية . ولذا كان من الطبيعي أزاء أنتشار ظاهرة الفرق والجماعات الإسلامية ومن يدعون الانتساب إلى الإسلام وفي ظل تضارب الأفعال حول الكثير من المسائل ، ان يثور سؤال مهم مفاده : من هم أهل السنة والجماعة ؟ خاصة وان الإسلام لا ينعكس في الكلام واللغة بل في الأعمال .
القراءة الثانية :
لاشك بإن الوضع الحالي الذي تعيشه وتمر به المجتمعات العربية والإسلامية، وخاصة منذ الاحداث التي شهدتها المنطقة العربية منذ أواخر عام 2010م وبداية عام 2011م والتي سميت بثورات الربيع العربي ، يشهد واقع مؤلم ، وأحداث مؤسفة ، أحدثت ( في شقها السلبي) شرخ في المنطقة العربية لم يلتئم حتى الساعة ، واهدرت كل مقومات الدولة ، كما لم يقتصر تأثيرها على المستوي الرسمي بين الدول والحكومات في توسيع الهوة ، بل أحدثت شرخ بداخل كل دولة وامتد تأثيرها وأقولها دون تجاوزي للواقع إلى داخل كل بيت ، حيث حدثت انقسامات ((مع)) و((ضد)) ، أطراف هذه المعادلة فريق مع (س) ، وآخر مع (ص) ، وثالث مع (و) ، ورابع تائه في هذا التشتت والتفرق والتمزق تارة مع طرف وتاره مع آخر ، وفريق واقف يراقب لاحول له ولاقوه هذا الوقع المزري تشتت الشمل والكلمة ، وهذا التنازع البغيض ، ويذرف ألماً ودماً ودمعاً لما يحدث ويشاهد ، بل ويكتوي بناره .
وأشد ألماً في ظل هذا الحال والواقع المؤسف ، انقسام علماء الدين (إلا القليل) بين اطرف هذه المعادلة ، وذهب كل فريق يجتز من الكتاب والسنة ما يؤيد الطرف الذي يقف معه ، فهذه طامة كبرى تكشف للجميع بإن علماء الدين
ومنتسبي الإسلام تقاعسوا عن تعاليم الإسلام وقول الحق أينما ومع من كان وحيثما وجد، رغم ترديدها لهم من المنابر والفتوي الدينية . بل أقولها – ويا للأسف – بإنه وبانقسامهم زاد انقسام الشعوب انقساما ، وبتباعدهم وتفرقهم زادت الامة تشتتا وتفرقاً، واعيد تأسفي وحسرتي بذهاب كل جهة تتهم الجهة الأخرى بانها الفرقة الناجية وصاحبة الحق ، وما عداها ما رقه تتخذ من الدين ستاراً لها لتمزيق صف الشعب وصف الأمة ، كل طرف يتهم الآخر والنتيجة واحدة تمزيق صف العالم العربي والإسلامي .
وبالتالي فإنه وفي ظل هذا الواقع الذي يبكي القلب دماً ، العالم العربي والإسلامي أكثر عطشاً من الظامئ للماء ، وأكثر حاجة من الغريق لحبل النجاة ، لردم كل هذه الفجوات ، واخماد كل هذه التوترات والدعوات التي تنفخ بالطائفية ، ووقف المواجهات العسكرية ورصاص الموت ، رصاص المدافع والرشاشات والصواريخ ... الخ ، التي تنهمر كزخات المطر على أجساد أبناء العرب والمسلمين .
وبحاجة إلى الدعوة إلى التئام الجرح، و إشاعة ثقافة التسامح والتعايش، ووحدة الصف ، والتراحم ، ونبذ العنصرية والتعصب بشتى أشكاله وألونه ، وفي مقدمته التعصب الديني ، وتسخير شتي وسائل الإعلام والمنابر العامة لتحقيق هذه الغاية .
بجملة قصيرة وموجزة الزمان والمكان ليس بحاجة لمثل هذا المؤتمر، مؤتمر ((من هم أهل السنة والجماعة)) . بل هي أحوج ما تكون إلى من يلملم شتاتها، لا تفريقها إلى مذاهب وجماعات .
أخيراً ، يبقى القول بإن كل قراءة لها ناسها وجمهورها ومبرراتها ، والكلمة الفصل صعبه الاتخاذ في مثل هذا الوضع ، وتحتاج إلى علم ودراية واستقلالية وعدم الخوف من احد سوى من مالك الملك العليم العلام .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن