البنية الإقتصادية والاستغلال الثقافي

سفيان وانزة
ouanzasoufiane@gmail.com

2016 / 7 / 4

في حياتنا اليومية نحن كمغاربة نرى سلوكات استهلاكية كثيرة ( معيقة بزاف ) ، كقيم جديدة في المجتمع ، يعني ما بعد السبعينيات من القرن الماضي الجيل الجديد من شباب الطبقات السفلى يستهلك مثل أبناء الطبقات المسيطرة اقتصاديا وسياسيا ، والتي يفصلها عن الطبقات الأخرى وعي مختلف ووضع مالي واقتصادي واجتماعي مثرف ، يعني أنهم يملكون ما لا نملك لكننا نريد أن نستهلك ما يستهلكون هم رغم الظروف المختلفة ( الغراب كيمشي عرج من كيقلد الحمامة ) .
إن قيم الإستهلاك الجديدة هذه تظهر في الأسواق والمعارض والبذخ الجانبي على مستويات اللباس والأكل واقتناء المستجدات في عالم الهواتف النقالة والإلكترونيات والمظاهر الإجتماعية ، والذهاب للمراقص الليلية المخصصة لأصحاب الأموال الطائلة من أبناء الرأسماليين الكبار ، حتى الكلام أصبح بلغة تائهة ما بين فرنسية معطوبة وعربية مشلولة كمؤشر للإنتماء لتلك الطبقة ، ولكن يبقى هذا كذب طبعا ، هنا يمكن طرح سؤالا عريضا : كيف أن الفقير أصبح يستهلك هذه الأشياء التي لا تشكل حاجات طبيعية ضرورية وهو محروم من كل الحقوق الأخرى ( السكن ، العمل ، التمدرس المجاني ، التطبيب ، الاستفادة من تأميم الثروات ) ؟ الجواب موجود نسبيا في الثقافة التسويقية الجديدة والتي يتبعها النظام الرأسمالي الجديد ، حيث يخلق صور رمزية يبيع فيها القيم المتوهمة والتمظهرات الإجتماعية ، وهذا أصبح أهم من قيم المنتوجات الفعلية ، فالرأسماليون وذئابهم المنتشرة في دول العالم الثالث يسيطرون بشكل قانوني على المناجم والبترول وكل منابع الثروة الخام التي يصدرونها بعد التصنيع إلى أصحابها في الأصل ولكن بأثمنة خيالية وباهضة لكي يخلقوا فائضا في قيمة رأس المال الذي يبقى للخدمات الإجتماعية والتصنيعية وما فوق ذلك الفائض يستخدمونه في تقوية الإقتصاد والجانب العسكري ( ليدوا ياكل العصى كيما العراق وسوريا حاليا ) ، نجد مثل هذه الأشياء في المغرب أيضا بالنسبة لبعض المواد الحيوية مثل الفوسفاط والثروة السمكية ، فإسبانيا ودول أروبا الجنوبية وانضمت لهم حتى روسيا الآن مسيطرون على هذه الثروة ، والسياسيين المغاربة موقعين لهم حتى يستفيدوا من رخص الصيد في أعالي البحار بمقابل مادي ، وهذا كله بهدف زيادة فشل الأفارقة الفقراء ويعيشوا مرتاحين على ظهورنا حتى قيام الساعة إن كانت هناك ساعة ، ولكن هذه الإستراتيجية الإستعمارية الجديدة لم تعد تكفيهم أو آليات إقرارها لم تعد كافية ( إعلام رسمي ... ) لهذا فإن الإمبريالية الجديدة بحثت على شكل جديد من أشكال الإستغلال يزيد على أشكال الإستغلال الكلاسيكية المعروفة وهو ما يسمى بالثقافة الإستهلاكية وهنا يحضر مفهوم " أثر الإستعراض " الذي يشكل تفسير سلوكي سيكولوجي نظري للممارسة الإستهلاكية . فالثقافة الإستهلاكية تفترض وجود مسوق ومسوق له ، يعني نظام اقتصادي مرتاح وآخر مشوه ، الأول يستغل الثاني من إخلال إقناعه باستهلاك منتوجاته التصنيعية وثقافته الإستهلاكية المسعورة ، ولكن التقدم هنا ليس بالمعنى العام ولكن تقدم خاص ، فاتقدم عموما يعني : " أن المعارف والكفاء ات تزايدت خلال تطور الحضارة وأن توظيف هذه الكفاء ات في اتجاه السيطرة على الوسط الإنساني والطبيعي أصبح أكثر شمولا " . ولكن التقدم الذي نراه هنا هو توظيف الكفاء ات العلمية والمعرفية ليس للسيطرة على عناصر الطبيعة ولكن على الإنسان ، فهناك فئات اجتماعية تحت راية دولة وطنية تسيطر على دول أخرى وشعوب مفقرة على المستويات كلها بسبب الاستعمار والامبريالية من جهة وبسبب الجمود الداخلي والسياسيين من جهة ثانية ، وتمارس عليها كل أنواع القمع (والحكرة ) المنظمة بتعوان مع حكومات وأنظمة سياسية سلطوية ، وهذا كله تنظمه مؤسسات دولية مدفوعة من مؤخرتها مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والبنك الدولي ، هذا تقدم مشروط بثقافة استهلاكية هي بنفسها أصبحث آلة للاستغلال الذي لا يحس به الإنسان ( الصبع فيه وهو فرحان حيث شرا سامسونع كلاكسي وخا القطرة دالقزدير فوق راسو هانية ، المهم سامسونع ) .
إن هذا الاستهلاك التقدمي يزيد من التخلف الإقتصادي والثقافي ويوسع الفوارق الطبقية ، نحن يهمنا هنا التخلف الفردي ( السيكولوجي ) إذا ما رأيناه من زاوية " الأثر الاستعراضي " لأن الاستهلاك الأعمى مرض نفسي كما يقولون ، وفي مفهوم الاستعراض هذا نجد الجواب على هذا السؤال : لماذا ورغم أننا جد بسطاء وفقراء نشتري هواتف غالية وملابس باهضة وفي المقابل لا نأكل جيدا ولا ندرس جيدا ، ولا نبالي بصحتنا هي الأولى ؟ لماذا هذا العالم الجديد بإشهاراته ومظاهره يجبرنا على صرف مدخولنا الضعيف أصلا لكي نستهلك أشياء ليست من الضروريات ؟ نعم إنه التخلف الذي حددته المنظمات العالمية والذي يحدد بهذه المعايير ( الفقر الأكل الحالة الصحية التعليم مستوى الدخل الفردي ) ، يركزون على الدخل الفردي ، ففي المغرب مثلا دولة فقيرة ينحصر الدخل الفردي فيها ما بين ( 100 و300 دولار ) سنويا ، من ناحية أخرى هذا البارومثر تقليدي ومتخلف أيضا ، أولا لأن دخل الأفراد في الدولة مختلف بسبب الفوارق الإجتماعية ( كاين لي خدام بي 30 درهم في النهار وكاين لي خدام بمليون في النهار ) فالقيمة الوسطى إذن لا تعني أي شيء ولا تعكس الحالة الإجتماعية للناس إذا ما علمنا أن 5 في المائة تقريبا تحكم في الثروة بأكملها ، وهذا المعيار الذي وضعته الأمم المتحدة يوهم الناس بأن التخلف محصور في المستوى الإقتصادي فقط ليضمن الصمت على أسباب التخلف الإقتصادي والتي هي بالأساس دوافع سيكولوجية وثقافية تنتج التخلف المستديم ( ضد دعوى التنمية المستديمة ) على كل المستويات ، الشيء الذي يسميه علماء الإقتصاد جدلية البنية التحتية والفوقية ، الإقتصاد يساهم بشكل كبير ولكن تغير البنية الفوقية قد يعطي نتائج على مستوى البنية التحتية ( التحليل الماركسي ماكيخدمش مع بعض أنظمة الانتاج بحال النمط الآسيوي لي هضر هو نيت عليه ) .
إن تحديد التخلف بمعيار يختزل في الجانب الإقتصادي ناقص شيئا ما ، فتخلف البنيات الثقافية والنفسية للانسان يساهم هو الآخر في تعميق تخلف البنيات الآخرى من اقتصاد ومؤسسات اجتماعية ، على أساس أنه تخلف متبادل وتحكم فيه علاقة جدلية ، والاستهلاك الفردي المشوه للواقع التراتبي للمجتمع في حالة تخلف نفسية يشرحها لنا الأثر الاستعراضي حيث يفترض العالم الاقتصادي الأمريكي " ديزنبيري " أن المنتجات لا تستهلك فقط لأن لها فائدة اقتصادية وخصائص جيدة التي تلبي حاجة المستهلك الطبيعية فقط بل تستهلك لأنها أصبحت تحمل حمولة رمزية تشكل علامة فارقة ومميزة طبقيا وسط المجتمع الواحد وهذا التمييز يظهر لنا في موجات الموضة والماركات التي تخضع لنظام تقييمي يوهم بوجود فوارق بين هذه الماركات ، لأن فلان قد لبسها إذن فهي أحسن من الماركة المحلية الصنع هنا يريدون القول بأن هناك فرق بينك وبين فلان إذا اشتريت هذه الماركة العالمية لأن من يشتري هذه الأخيرة ليس كمن لا يشتريها هكذا يظن الإنسان الخاضع لسيكولوجية مقولة أثر الاستعراض ويستنتج هنا " ديزنبري " أن التراتبية الإجتماعية الموجودة في مجتمعات العالم النامي تمشي الفئات الفقيرة والضعيفة باستهلاكها أكثر من فئة التماسييح ، حيث تبحث عن تعويض النقص من خلال تقمص التفوق الإجتماعي والرخاء ، أي أن المسألة شكل من أشكال التعويض النفسي اللاواعي عن قهر الطبقية ،
إذن لكي يقلل المواطن الضعيف من الشعور بالنقص يذهب لاستهلاك ما يستهلكه أصحاب الريش المنفوخ ، وهذا الحال من الإسهلاك السيكوباتي ( المرضي ) المرتبط بدافعية نفسية لا واعية يشترط مسألتين :
1 : وعي الظاهرة : وهذا قد يحقق بالثقافة المضادة لثقافة المخزن عموما ، لأن ثقافة المخزن وإعلامه وجرائده مسير من الخارج ؛ يعني ثقافات مخططين لها ومضبوطة جيدا لتربينا على المظاهر الخارجية وننسى الأشياء الضرورية ( المسلسلات في التلفزة والإشهار ...)
2 : تخليق السلوك الإستهلاكي وتقنينه بناء على الثقافة الواعية ، يعني أن نكون واعين ومتفهمين لطبيعة مجتمعنا ، أنا فقير ألبس وأتصرف بشخصيتي الحقيقة الفقيرة وأبين للآخرين أنني شخص بسيط لكي يعرف الكل طبيعة هذا المجتمع ، حتى لانقع في سكيزوفرينية أنني فقير وألبس ماركات عالمية جد باهضة ، لأنه عندما تظهر الظروف القاصية يمكن أن ينتشر الوعي بالفقر والحكرة بين الناس ، وهذا يجعل ظروف الإنفجار الإجتماعي واضحة أكثر . . . يتبع



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن