محمية للطيور

ماري مارديني
marimardini@hotmail.se

2016 / 4 / 29

في نزهة اتخذتها اليوم للتمتع بجمال الطبيعة و هدوئها، و بعيدا عن المدينة و الروتين اليومي،و لغسل اذناي بصمت و الطبيعة و سكونها، مشيت في سهل يكسوه العشب،و تخترقه المياه ببحيراتها المتناثرة بتلك المنطقة ، كانت مجموعات من الطيور تتوزع على المياه، وبعضها تعلو في الهواء، و ترتاح بعضها على العشب، تلك الطيور حرة فهي تعيش بعالمها ذلك بعيدا عن بقية المخلوقات، بعيدا عن الضوضاء، و المصانع، و الناس . تلك كانت منطقة اشبه بمحمية للطيور المختلفة لتعيش بسلام و امان ، و قد اعتادت بعض الطيور الاخرى ان تتخذ من تلك المنطقة مكان استراحة لها اثناء سفرها و تنقلها بين الفصول . صوت الطيور وحده كان يخترق ذلك الصمت بين الحين و الاخرليشكل موسيقى مسالمة و آمنة في المكان ، صوت الطيور كان متناغما مع اصوات بعضها البعض و مع المكان و طبيعته . فلا ضوضاء، و لا اصوات اخرى، و اذا مر انسان بين الوقت و الاخر فيمر بصمت و هدوء كي لا يزعج تلك الطيور، و كي لا تترك دعساته على الارض ما يؤذي ترتيب المكان،سواء التراب او العشب. امتدت بين البحيرات ممرات انيقة و سلسة المسار ، تنتهي الى نهر و ميناء صغير لقوارب النزهات النهرية الصيفية.
لتلك المنطقة بطبيعتها و طيورها و فكرتها احترامها الذي تستحقه، و اثرها الذي تعكسه على الناظر او المار بها.واحترام للتحضر الانساني بترك الطيور على راحتها مع الحذر من ازعاجها ، و الحذر من تشويه مكانها و سكونه. و تقدير فكر و احساس و انسانية شعب يخاف على الطيور من ان يعكر صفو و سكون محيطها ، و يسعى لتوفير مكان مناسب لها و للمهتمين بها، و المحبين للحفاظ على بقائها.

اثناء جولتي في المنطقة مر بذهني سؤال هو: ماذا لو كان الناس بالعالم كله بهذا الفكر و الاحساس و الذوق، نحو المخلوقات الجميلة هذه، و كانوا بهذا السعي لتأمين بيئة نظيفة و مناسبة لتلك الطيور و تركهم بهذا الهدوء و السكون و الحماية. فلا صياد، و لا قناص، و لا من يرمي بقايا سكائر او ورق بالمكان. سؤال عابر، محوته فورا من ذهني! لانه لو كان كل الناس بكل العالم بهذا الفكر، و الروح، و الاحساس ،و الانسانية بحماية الطير و تهيئة المكان الملائم له المشابه لهذه المحمية، لما ظهرت الفوضى و النزاع بين الناس. ليس كل الناس في العالم يتمتعون بالتربية البيئية و الانسانية، و لا بالعقلانية ، و لا بهذا الامان الذي تتمتع به هذه الطيور. فهناك من الناس من عاشوا في بيئة اجتماعية لم تربي بهم ثقافة المحافظة على البيئة لان بيئتهم التي تربوا بها لم تشعرهم بالامان نفسيا او اجتماعيا اصلا لكي تنمي بهم الاهتمام بالبيئة و لو بأبسط مبادئها، و هذا ما يعكسوه على البيئة و على الغير المحيط بهم، و يتضح ذلك بتعاملهم سواء مع الغير او مع البيئة . ان التعامل مع البيئة المحيطة و مواردها هو ثقافة و تربية تعود الى مهارات و رقي و قدرة انسانية و مجتمع ايجابي واعي، اما الاساءة للبيئة و عدم استخدام مواردها ايجابيا فهو نتاج ضعف بالفكر، و غياب العقلانية و الثقافة ،و هو جهل و عدم احساس بالمسؤولية .
الامر ينطبق على البيئة بشكل عام و ليس فقط على الاهتمام بالطيور و حمايتها ، فتربية الانسان على القيم و المعارف و المهارات اللازمة التي تجعله يحافظ على البيئة، وعلى تقدير اهميتها ، و تطوير مواردها ،هي حضارة ، و علم، و تساعد على تحسين نوعية البيئة ،و الحفاظ عليها بما ينعكس ايجابيا على الانسان. و تختلف درجات التربية البيئية و انواعها و جديتها بين الشعوب، فالفرق بين الشعوب يعود لنوع و عمق ثقافة المجتمع، و اسلوب التربية الاسري و المدرسي و الاعلامي و العام، وكذلك الانتباه لاهمية التربية البيئية بالتطبيق و العمل و القدوة للاخرين. اما الجهل ،و زيادة اعداد السكان بشكل غير مدروس او غير منظم فهو جزء من اسباب الاساءة للبيئة . و ان اسوأ اسباب الاساءة و تلوث البيئة هو الحروب و اسلحتها .. بالاضافة الى انها تخلف و جهل و بُعد عن العقل و الانسانية. فجزء من العالم لو انهم على مستوى ان يفكروا بحماية الطير و حريته، لما ضايق بعضهم بعضا، و لا تسلط بعضهم على بعض. و لما اساء بعضهم للبيئة، و الاماكن ،و الطبيعة، فما احوجهم للثقافة ... فكم هي الطيور ارقى من بعض انماط البشر..فإذا كانت الطيور المختلفة الانواع، و الاحجام، و الالوان، و الاعمار و التي هي ابسط انواع المخلوقات ، قد تعودت ان تعيش معا بمكان واحد بسلام، حبث لكل نوع من تلك الطيور مجاله الذي يحترمه ، و يتعامل مع مجالات غيره بإحترام و امان ، فما مشكلة الانسان مع الانسان، او مع نفسه ربما !؟ لدرجة ان الانسان صار بحاجة الى محميات تحميه من جهل غيره من الناس الجهلة و المتعطشين لاذى غيرهم و اذى البيئة و ما يتبعه من تلوث بها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن