تدمير العراق وتفجير محل العجولي

ناجح شاهين
najehshahin@yahoo.com

2016 / 4 / 14


يوماً ما قبل ربع قرن من الزمن كانت الولايات المتحدة تعد العدة لتدمير العراق ووضع نفطه ومقدراته تحت السيطرة المباشرة. لكن الذرائع لا بد منها من أجل إخراج أية مسرحية تاريخية دموية. وفي هذا الباب نذكر بإنجاز أن الولايات المتحدة أنشدت على امتداد أشهر طويلة عبر أبواقها الاعلامية عالية الصوت الكثير من الأناشيد حول أسلحة العراق وقوته مروجة أنه القوة الرابعة في العالم وأن لديه أسلحة دمار شامل وجملة واسعة من "الحقائق" التي اتضح بعد الحرب أنها أكاذيب. المؤسف في هذه القصة المأساوية أن العراق واصدقائه تبنوا "الرواية" الأمريكية إما بغرض التباهي الأجوف وإما على أمل أن تؤدي الجعجعة حول قدرات العراق إلى ردع العدوان. لكن مثلما هو معروف تم حشد قوى كافية لتدمير دولة قدراتها أضعاف قدرات العراق، وتم ذبح العراق من الوريد إلى الوريد. في حالة العراق وقيادته لا يمكن لي إلا أن أصر على أن السذاجة السياسية أدت دورها في مبالغة الإعلام العراقي بالتباهي الأجوف.

في فلسطين قبل ربع قرن كانت الدولة العبرية مضطرة إلى أن تحسب حساب كل مدني تقتله قواتها لأننا كنا شعباً اعزل في مواجهة قوة محتلة. وكان هذا يعني أن ما تفعله تلك القوة هو جرائم ضد العزل لا يقبلها أحد على نحو صريح بمن في ذلك "قانون" الدولة العبرية ذاتها؟

لكننا "لعبنا" لعبة تأسيس السلطة التي قيدتها بنود جعلتها لا تملك من أمر نفسها شيئاً، بينما تملك بعض القوة تجاه شعبها، وتظهر أمام دول العالم في مظهر الدولة الجارة ل "إسرائيل" والتي يجب عليها سياسياً أن تمنع شعبها من ممارسة "الإرهاب" ضد شعب جار هو "الشعب الاسرائيلي". هكذا انتزع من أيدينا خيط مهم في "لعبة" الضحية التي تريد السلطة الفلسطينية أن تلعبها دون أن تنجح.

هكذا أصبح بالإمكان إدخال ابي علي مصطفى عبر الحدود "الإسرائيلية" بموافقة القيادة "الإسرائيلية" التامة ودون ضغط أو إكراه ثم القيام باغتياله بصاروخ، وهكذا أصبح بالإمكان هدم المباني على رؤوس السكان العزل بذريعة أن فيها "إرهابي" أو قائد من منظمات "الإرهاب".

سياسياً شكل هذا خسارة صافية لنا وربحاً عظيماً لدولة الاحتلال التي لم تعد تتحرج من ممارسة العنف التام والصريح ضد شعبنا لأننا باختصار شعب له سلطة يجب أن يلتزم، وأن تلتزم بالهدوء والسكينة وتنتظر المفاوضات.

في سياق مثل هذا تم تفجير محل العجولي في رام الله على نحو مريع، وتردد الإشاعات أن الاحتلال قد نهب محتوياته من المال والأوراق والأجهزة. لم تفهم القيادة الفلسطينية -أم أنها فهمت وقالت "بهمش" المهم "نزبط" حالنا بصفتنا النخبوية- أن من يريد ان يلجأ لتوظيف البعد الأخلاقي لمقاومة الضعيف المستحق لعطف العالم وهيئات المجتمع الدولي الإنسانية، فإن عليه أن يلتزم باشتراطاته، وأن من يريد أن يحارب فإن عليه أن يعد عدته جيداً وينسى لعبة التباكي. هكذا فعل حزب الله عندما قرر الكفاح المقاوم المسلح: بنى قدراته على حرب العصابات الذكية حتى أصبح مدرسة قائمة بذاتها، أما مانديلا وغاندي ففضلا لعبة الضعيف المحتاج إلى مساندة الآخرين ضد عدوه القوي.

قيادتنا السياسية لا تتقن أياً من الطريقتين والدليل على ذلك أنها عملت كل ما في وسعها من أجل أن تخسر احترام البشر في الداخل والخارج عبر ملفات الفساد وانتهاك حقوق الإنسان، فكيف لأحد أن يلوم المحتل جدياً وهو يرى ما تفعله السلطة المنشأة من أجل الشعب الفلسطيني؟

الصراع ضد الاحتلال "الإسرائيلي" يحتاج عبقرية وإخلاصاً ونخبة شجاعة مضحية مؤمنة بالوطن، وليس الامتيازات والثروات والنفوذ على حساب الوطن وأبنائه.

لو لم ننتقل إلى مدينتنا الجديدة في قطار "أوسلو" لظل بإمكاننا أن نستفيد من البعد الأخلاقي لوضعنا المدني تحت الاحتلال، لكنهم أعطونا سلطة لا تملك شيئاً من مقومات الدولة التي تعني الاستقلال الفعلي والسيطرة على الإقليم بدل السيطرة على سكان الإقليم. أراحت "إسرائيل" نفسها من عبء السكان وأخذت الأرض وسرقت مقومات ضعفنا الأخلاقي فأصبح من "حقها" أن تقاتلنا كما لو كنا دولة حقيقية في غزة أو في رام الله. وهكذا أصبح سهلاً أن يفجر محل صرافة لا يمكن الاشتباه في أنه ينتج مواد كيماوية أو عبوات أو متفجرات



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن